الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب في الحج والعمرة
يعني ذكر صفاتهما وأحكامهما والحج لغة القصد المتكرر فسمي به هذا لأن الحاج يتكرر قصده البيت والعمرة في اللغة الزيادة وقد ألف الناس فيهما كثير للحاجة لذلك فلنقتصر على لفظ الشيخ لأن الزيادة توسع لا يكفي والله أعلم.
(وحج بيت الله الحرام الذي ببكة فريضة على كل من استطاع إلى ذلك سبيلا من المسلمين الأحرار البالغين مرة في عمره).
إضافة البيت إلى الله إضافة تشريف (والحرام) الذي يمتنع انتهاك حرمته و (بكة) - بالباء - قيل هي مكة بالميم وقيل بالباء مكان البيت وبالميم مكان البلد وقيل غير ذلك وكون الحج فريضة يأثم تاركه ويثاب فاعله لا خلاف فيه بين المسلمين إذا توفرت شروطه وهل على الفور وهو قول العراقيين وقاله مالك وشهر ولو آخر على الأول فقضاء وقيل أداء وأكثر المغاربة على التسوسع ما لم يخف فواته وشهر أيضا قولان وشروط وجوبه أربعة الإسلام والبلوغ والحرية والاستطاعة هذه التي ذكر الشيخ.
وقد اختلف في أولها هل هو شرط وجوب أو شرط أداء ولم يذكر العقل وهو شرط تكليف فانظر ذلك ثم فصل الاستطاعة بقوله.
(والسبيل الطريق السابلة والزاد المبلغ إلى مكة والقوة على الوصول إلى
مكة إما راجلا أو راكبا مع صحة البدن).
فمعنى الطريق السابلة التي يمكن الوصول عليها بلا مشقة فادحة ويجمع ذلك أربعة أمن الطريق فلو خاف على نفسه أو ماله فلا شيء عليه إجماعا في الأول وعلى المشهور في الآخر ويسقط بما يأخذه الظالم مما يجحف به في ماله وفيما لا يجحف قولان للمتأخرين اللخمي ولا يسقط بغرم اليسير ولعبد الحق عن بعض الاستطاعة وجود الماء في كل مبتهل ولابن حبيب مع ابن مسلمة وسحنون هي المزاد والراحلة الشيخ يريد بعيد الدار والمشهور خلافه والزاد المبلغ شرط وفي اشتراط ما يرده ثالثها يعتبر ما يرده لأقرب الأماكن التي يرتجي فيها معاشه واختاره اللخمي وفي تقديمه الراجل على الراكب تفضيل المشي على الركوب والمشهور من المذهب خلافه وصحة البدن شرط فلا يلزم المريض العاجز عنه أو الذي تدركه المشقة الفادحة فيه فانظر ذلك.
(وإنما يؤمر أن يحرم من الميقات).
يعني من الميقات المكاني الذي يذكره الآن لا قبل الوصول إليه على المشهور إذ في كراهته وجوازه قبله روايتان حكاهما اللخمي ولا تجوز مجاوزته بلا إحرام لمن يريد النسك لا يختلفون في إساءة متعدي الميقات بلا إحرام وهو يريد الحج ولا أنه لا يجوز له دخول مكة إلا محرما ثم إن جاوزه فإن كان قريبا رجع فأحرم ولا شيء عليه وإن بعد ولم يدخل مكة رجع فأحرم ولا شيء عليه على المشهور وظاهر المدونة ولو شارف مكة والمشهور لمن شارفها لم يرجع ويحرم وليلزمه دم كمن دخلها أو أحرم في الطريق ولو رجع ولو تعمد لضيق وقت ونحوه أحرم من موضعه عليه دم وإن قرب خلافا لابن حبيب.
وأول الميقات أفضل وميقات الحج الزماني شوال وتالياه على المشهور فيكره الإحرام قل دخوله على المشهور ويلزمه إن وقع وقوة كلام الشيخ تعطي أنه أراد المكاني فقط ولا يعيد قصد الزماني معه فلا يؤمر قبلها فتأمله.
(وميقات أهل الشام ومصر وأهل المغرب الجحفة فإن مروا بالمدينة فالأفضل لهم أن يحرموا من ميقات أهلها من ذي الحليفة وميقات أهل العراق ذات عرق وأهل اليمن يلملم وأهل نجد من قرن).
ما ذكره من المواقيت وقته رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا ذات عرق ففيها اختلاف هل وقتها عليه السلام؟ وفي البخاري ما يدل له أو إنما وقتها عمر رضي الله عنه هو صريح في حديث والجحفة اسمها مهيعة على وزن مفعلة أو مهيعة على وزن عميمة ولطيفة وإنها سميت جحفة لأنها نزلها قوم من العماليق فأجحفهم السيل وهي قرية على يسار الذاهب إلى مكة من طريق سيف البحر ورابغ بقربها وأختلف شيوخ (خ) هل هي من عملها؟ ولا
يكره الإحرام منها أولا فيكره لأنها قبل الميقات وبينه وبين مكة مراحل أربعة وكون الأفضل لأهلها إن مروا بالمدينة أن يحرموا من ذي الحليفة لأنه ميقاته عليه السلام الذي أحرم منه، وفي كلامه جواز التأخير إلى ميقاتهم، وإن كان الأفضل بخلافه وذو الحليفة هو الموضع المعروف اليوم ببئر علي في طرف العقيق قريب من جبل عرينة على طريق المتوجة للمدينة من ناحية المغرب على أميال ستة أو نحوها من المدينة وبينه وبين مكة عشر مراحل وكل ميقات غيره أقرب من الجحفة إلى مكة قالوا فحكم ذلك قرب الأفق وبعده فأقرب الآفاق المدينة وهي أبعد ميقات بخلاف غيرها.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هن لهن ولمن أتى عليهن من غير أهلهن فمن كان من دون ذلك فمن حيث أنشأ حتى أهل مكة من مكة» قال: ومن كان من بين ميقاتين ولا أرجحية فمن بيته والمكي يحرم من المسجد استحبابا وقيل من بابه وقيل مكة كلها له سواء ويستحب له إذا دخل ذو الحجة كخروج ذي التفث إلى الميقات ولا بد للمعتمر من الخروج للحل كما سيأتي إن شاء الله.
(ومن مر من هؤلاء بالمدينة فواجب عليه أن يحرم من ذي الحليفة إذ لا يتعداه إلى ميقات له).
أشار بهؤلاء لغير الجحفي لأن الكل لا يمرون بميقات لهم بعدها بخلاف الجحفي ابن حبيب إلا أن يقصد عدم المرور بالجحفة وحمل على من لا يحاذي في مروره الجحفة لأن من حاذى ميقاتا لا يمر بعده بميقات له كان كمروره به وسواء في ذلك البر والبحر.
وقال سند لا يحرم بحري إلا بعذر نزوله الساحل لاحتمال رده الريح والمشهور خلافه وفي مريض في الحليفة يؤخر إلى الجحفة قولان والمشهور له ذلك لضرورة المرض ولا يؤخر صحيح من أهلها وإلا فالدم على الأصح ولا تؤخر حائض لرجاء طهر والله أعلم.
(ويحرم الحاج أو المعتمر بإثر صلاة فريضة أو نافلة يقول لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك وينوي ما أراد من حج أو عمرة).
أما إحرامه بإثر صلاة فهو السنة وكونها نافلة أرجح على المشهور وظاهر المدونة خلافه وتترجح النافلة بكونها مقصود النسك مع زيادة خيره وقد اختلف في ذلك من فعله عليه السلام والأكثر على أنه أحرم إثر فريضة وقوله (يقول: لبيك
…
) إلى آخره فيه أن الإحرام ركنه أو شرطه التلبية وهو قول ابن حبيب والمشهور خلافه وهو أن التلبية لا تتعين بل قول أو فعل مناسب كان شرعيا أو عاديا مع النية وسيأتي إن شاء الله قريبا وحكم التلبية على المشهور السنية واختار مالك في لفظ ما ذكره الشيخ من غير زيادة.
ومعنى (لبيك) إجابة لك بعد إجابة ولزوما لطاعتك والتثنية للتأكيد واختلف أهل اللغة هل هو لفظ مفرد أو مثنى وقيل إنه من لب بالمكان إذا أقام به أي أنا مقيم على طاعتك وقيل إنه لباب الشيء أي خالصه أي إخلاصي لك وقوله (إن الحمد) بفتح الهمزة وكسرها والكسر أولى لأنه استئناف وفي قوله النعمة والفتح وهو الأشهر ويجوز الرفع على الابتداء وخبر إن محذوف و (الملك) وصف العظمة المقتضي التصرف يف المخلوقات بالقضايا والتدبيرات والله أعلم.
وقوله (وينوي ما أراد من حج أو عمرة) يعني مع التلبية لأنها عند ابن حبيب بمثابة تكبيرة الإحرام والغسل كالإقامة والركوع كرفع اليدين في الصلاة وقد اختلف في حقيقة الإحرام فقال ابن دقيق العيد الإحرام الدخول في أحد النسكين والتشاغل بأعماله واعترضه (س) ورد اعتراضه (ع) فانظره وحده ابن يونس بأنه اعتقاد الدخول في حج أو عمرة (ع) والإحرام صفة حكمية توجب لموصوفها حرمة مقدمات الوطء مطلقا وإلقاء التفث والطيب ولبس الذكور المخيط والصيد لغير ضرورة قال وينعقد بالنية مع ابتداء توجه الماشي واستواء الراكب على راحلته وشرط ابن حبيب تلبيته كتكبيرة الإحرام وهل ينعقد بالنية مع التقليد أو الإشعار؟ قولان المازري ينعقد بالنية فقط ابن بشير لا ينعقد بها، اللخمي: يجرى فيه قولان كانعقاد اليمين والله أعلم.
(ويؤمر أن يغتسل عند الإحرام قبل أن يحرم وليتجرد من مخيط الثياب
ويستحب له أن يغتسل لدخول مكة).
الغسل للإحرام سنة على ما صرح به الشيخ بعد هذا والغسل لدخول مكة مستحب وفي مختصر (خ) العكس وروى ابن خويز منداد غسل الأحرام آكد من غسل الجمعة وقال عبد الملك هذا اللازم والأدب لتركه وتؤمر به الحائض والنفساء بخلاف غسل دخول مكة الباجي وهذا يدل على أنه للطواف لا للدخول فقط ثم غسل الإحرام يستحب فيه المبالغة في التنظيف وإزالة الشعث ما أمكن لئلا يؤذيه بعد واتصاله بالرواح شرط وللخليفي الغسل بالمدينة إذا مضى من فوره واستحبه عبد الملك ولا بأس أن يلبس ثيابه بعده لينزعها بذي الحليفة إذا أحرم فإن اغتسل غدوة ثم راح عشية أعاد وفي كتاب محمد إن تأخر إلى الزوال كره ولا يتيمم لتعذر الماء ولو أحرمت حائض أو غيرها بلا غسل اغتسلت بعد دون إزالة شعث خلافا لعبد الملك وغيره في قولهم يفوت بالإحرام. وثالثها: إنما يفوت بمجاورته بميل وزيادة والتجرد عن المخيط – بفتح الميم والمعجمة – واجب.
وكذا المحيط – بضم الميم والحاء المهملة – شرط إحرام الرجال لا النساء فلا يدع عليه ما يمتسك لخياطته أو إحاطته إلا إزاره دون عقد ولا زر بخلاف طرفيه ويأتي بكل ناحية لمقابلها فيلفه عليه ونفقته على جلده وكذا مع نفقة غيره بخلاف نفقته وحده إلا لمن يكون شدها مع نفقته فنفدت نفقته دونها ففيه خلاف مشهوره الجواز واستحب العلماء كون الغسل لدخول مكة بذي طوى رواه ابن المواز قائلا وإن فعله بعد دخوله واسع الشيخ.
روى ابن وهب استحب بعض العلماء الغسل للسعي والرمي والدثور بالمزدلفة وفي الجلاب يغتسل لكل أركان الحج فأخذ منه القرافي الاغتسال لطواف الإفاضة قال ولأشهب: يغتسل لزيارته عليه السلام ولرمي الجمار وسيأتي غسل الوقوف بعرفة والكل لا يزال فيها الشعث إلا الأول والله أعلم.
(ولا يزال يلبي دبر الصلوات وعند كل شرف وعند ملاقاة الرفاق وليس عليه كثرة الإلحاح بذلك).
يعني أن المحرم يفعل ذلك أول إحرامه إلى محل قطعه وروى ابن حبيب يستحب أن يلبي في كل شرف وبطن ودبر كل صلاة ولقاء الناس واصطدام الرفاق وإثر النوم وعند سماع ملب قال ابن المواز ويلبي العجمي بلسانه الذي ينطق به ويجهر الملبي جهرا أوسطا فوق جهر الصلاة ولا يلح ولا يقصر وقد جعل الله لكل شيء قدرا قال مالك وتسمع المرأة نفسها كجهرها في الصلاة.
وفي الصحيح «أتاني جبريل فأمرني أن آمر أصحابي أو من معي أن يرفعوا أصواتهم بالتلبية» . وقال ابن حازم كان الصحابة لا يبلغون الروحاء حتى تبح حلوقهم.
فرع:
فلو ترك التلبية حتى طال فعليه دم ولو لبى حين أحرم مرة ثم قطع فثلاثة لزوم الدم للمشهور وسقوطها وهو في كتاب محمد وثالثها إن عوضها بتكبير ونحوه فلا دم وإلا لزم وقاله اللخمي.
(فإذا دخل مكة أمسك عن التلبية حتى يطوف ويسعى ثم يعاودها حتى تزول الشمس من يوم عرفة ويروح إلى مصلاها).
قطع التلبية أولا بدخول بيوت مكة على المشهور وفي المدونة بشروعه في الطواف ولمالك في المختصر إذا دخل المسجد وروى محمد إن كان أهل من المواقيت فللمحرم.
وذكره الباجي وغيره وظاهر كلامه أنه لا يراجعها إلا بانتهاء السعي وروى اللخمي جوازها في الطواف وروى محمد عن أشهب وقيل يعاودها إثر الطواف كمحرم مكة وفي المدونة كررها مالك في أول طوافه حتى يتم سعيه وكون قطعها الثاني بزوال الشمس بعرفة (ورواحه إلى مصلاها) هو المشهور الذي رجع إليه مالك وثبت عليه وعند لرواح الموقف وللزوال للشروع في الصلاة ولفراغه من الوقوف وصوبه اللخمي ولرمي جمرة العقبة وقواه بعضهم بحديث البخاري وهو مذهب الشافعي.
(ويستحب أن يدخل مكة من كداء الثنية التي بأعلى مكة وإذا خرج خرج من كدي وإن لم يفعل في الوجهين فلا حرج).
(كداء الثنية) بالفتح والمد هو الحجوز أعني الثنية المشرفة على الأبطع حيث المقابر وهي المعروفة بباب المعلى و (كدى) بضم الكاف والقصر وهي المعروفة بباب الشبيكة اليوم وإنما يدخل من هذه ويخرج من هذه لفعله عليه السلام وإنما لا حرج عليه في الترك لأن ترك المستحب واسع، وحكمة دخولها من أعلاها قيل: لدعوة إبراهيم عليه السلام: {فأجعل أفئدة من الناس تهوى إليهم} [إبراهيم: 37] فاجعل أفئدة من الناس تهوى إليهم ولم يقل تصعد إليهم والله أعلم.
(قال فاذا دخل مكة فليدخل المسجد ومستحسن أن يدخل من باب بني شيبة فيستلم الحجر الأسود بفيه إن قدر وإلا وضع يده عليه ثم وضعها على فيه من غير تقبيل).
الفاعل يقال هو مالك وقيل عطاء لأنه مفتي الحج في زمن السلف وقيل ابن عمر رضي الله عنهما لأن أكثر مآخذها عنه والأول هو الصحيح واستحباب المبادرة للمسجد لأنه هو المقصود فالتراخي عنه إساءة أدب وقلة همة فلا يقدم عليه إلا ما لا بد منه من حط رحله والأكل الخفيف إن احتاج إليه ثم إذا رفع بصره على جزء من البيت دعا بما تيسر.
قال ابن حبيب يقول اللهم أنت السلام ومنك السلام إلخ وليس عند مالك شيء من ذلك في هذا ولا في غيره ويدعو بما تيسر له وباب بني شيبة هو المعروف اليوم بباب السلام وهو أول باب يجده الداخل إلى المسجد إذا أتى من المعلي، قال ابن حبيب: وقد دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم من باب بني شيبة وخرج إلى الصفا من باب بني مخزوم وهو المعروف اليوم بباب الصفا وله خمس طاقات كلها سواء وخرج إلى المدينة من باب بني سهم وهو المعروف اليوم بباب العمرة وإذا دخل من باب بني شيبة قابله البيت بابه فقابله الحجر بالكسر والحجر بالفتح والمقام والملتزم وكان زمزم عن يساره بغير بعد فواجهه الخير كله بدخوله وذلك أحد الوجوه في إيثاره مع تيسر الأمر عليه وإيثار البيوت من أبوابها والله أعلم.
وروى ابن عبدوس: إذا استقبل الركن يعني الأسود حمد الله تعالى وكبره ولم أسمع وفي رفع اليدين حينئذ ولا عند رؤية البيت شيئا واستلام الحجر يفيه أول طوافه سنة وفيما وراء ذلك مستحب فإن زوحم فبيده ثم يضعها على فيه ثم يعود بغير تقبيل وثالثها يقبل يده أولا ثم يستلم وفي الصوت عند تقبيله بفيه قولان فإن لم يصل بشيء كبر من غير رفع اليدين ولا إشارة والله أعلم.
(ثم يطوف والبيت عن يساره سبعة أطواف ثلاثة خببا ثم أربعة مشيا ويستلم الركن كلما مر به كما ذكرنا ويكبر ولا يستلم الركن اليماني بفيه ولكن بيده ثم يضعها على فيه).
يعني أنه يسرع في الطواف إثر التقبيل لأنه سنة وهذا طواف القدوم وهو واجب على الأصح وكذا نص عليه في المدونة وفي الرسالة واجب وطواف الإفاضة آكد منه وإنما يجب على غير المقيم بمكة وغير المراهق أي الذي ضاق وقته وفي لزوم الدم بتركه قولان لابن القاسم مع مالك وأشهب وقال اللخمي ناسيه كعامد تركه وقال ابن القاسم لا دم عليه وكون البيت عن يساره شرط كاستقبال القبلة في الصلاة فلو جعله عن يمينه أعاد ويرجع للإعادة من بلده عما إذا طاق غير متطهر وبداءته من الحجر الأسود كذلك فلو ابتدأه من غيره ألغي ما قبله وخروجه عنه ببدنه شرط فيتقي ملاصقته للخروج عن شاذر وأنه لاحتمال كونه منه ويستحب قرب رجل وبعد امرأة منه وإذا قبل الحجر ثبت على رجليه ورجع منتصبا كما كان ولا يقبله ثم يمشي مطأطئا رأسه والسبع شرط فلو شك بنى على الأول كعدد الركعات لأنه كصلاة فالطهر إن شرط كالستر فلو طاف بلا طهر أعاد وقيل ما دام بمكة وإلا فلا شيء عليه وإن أصاب النساء على المشهور ولو أحدث في أثنائه تطهر وابتدأ ولا يبني على المشهور وثالثها إن كان واجبا وإن تذكر نجاسة طرحها وبنى على الأصح كالراعف فإن ذكر بعد الركعتين أعادهما استحبابا إن كان قريبا ولم يحدث وإلا فلا شيء عليه.
وقال أصبغ عليه الإعادة وقيل غير ذلك والموالاة شرط فلو فرقه ابتدأ وله قطعة لفريضة أقيمت عليه ثم يبني بعد سلامه وظاهر المدونة يبتدئ من حيث قطع الشوط وأجازة ابن حبيب واستحسن ابتداء الشوط من أوله ولو تذكر نفقة ضاعت له وحضرت صلاة جنازة لم يقطع على المشهور في الجنازة وعلى المنصوص في النفقة وله قطع التطوع لركعتي الفجر خوف فوات الصبح ولو ذكر بعض طوافع في السعي قطع وكمله وسعى فإن كمل السعي ابتدأ الطواف على المشهور (والخبب) فوق المشي ودون الجري ويقال له الرمل – بالفتح – وهو سنة على المشهور لرجل غير مراهق ولا محرم دون الميقات ولو صبيا محمولا على الأصح أو مريضا على المنصوص ولا دم في
تركه على المشهور لرجل غير مراهق وإليه رجع مالك ولو ذكر في الرابع أنه لم يرمل في الأول فلا شيء عليه وقيل يلغي ما مضى وليكمل ويرمل من طاف عن رجل لا امرأة لأن الملازم للفرع على حسب أصله والله أعلم.
ولا يدع استلام الركنين كلما مر بهما إلا أن يمكنه فيفعل مقدوره ولا يستلم ركني جهة الحجر بيده ولا غيره ويدعو في طوافه ويذكر ويسبح بلا حد ويسلم على النبي صلى الله عليه وسلم ويدع ما وراء ذلك إلا من ضرورة فإنه يكره حتى التلاوة والله أعلم.
(فإذا تم طوافه ركع عند المقام ركعتين ثم استلم الحجر إن قدر).
الركوع إثر الطواف مطلوب بلا خلاف وفي كونه سنة أو واجبا أو على حكم طوافه ثلاثة أقوال ويستحب كونهما بالإخلاص والكافرون وخلف المقام في كل طواف على المشهور وأي موضع كان من المسجد جاز إلا الحجر وداخل البيت واتصالهما شرط بلا فصل بين أسبوع وركعتيه بثان ويقطع إن شرع فإن كمل ركع لهما على المشهور ويقتصر في وقت الكراهة على أسبوع ويؤخر ركوعه لوقت الإباحة ويقدم المغرب عليهما إن حضرت والمشهور لا يؤخرها فإن فعل فلا شيء عهليه وإن طاف بعد الصبح مغلسا جاز أن يركعهما حينئذ ولو نسي الركوع رجع له مما قرب فإن بعد حتى رجع إلى بلده ركعهما وأهدى إن كان طواف ركن وإلا فلا شيء عليه والله أعلم.
واستلامه الحجر إثر ركوعه لإرادة خروج ونحوه مستحب ليكون آخر عهده بالبيت نعم ويدعو في أماكن الإجابة حوله وهو الحجر الأسود والملتزم وهو ما بينه وبين الباب وفي الحجر تحت ميزاب الرحمة وفي المستجار وهو ما يقابل الملتزم ويليه الركن اليماني وفي الحطيم وهو ما بين المقام وزمزم ممتدا إلى الباب ثم إلى ما خلفه قيل إنما سمي حطيما لأنه ما دعي فيه على ظالم إلا انحطم والله أعلم.
(ثم يخرج إلى الصفا فيقف عليه للدعاء ثم يسعى إلى المروة ويخب في بطن المسيل فإذا أتى المروة وقف عليها للدعاء ثم يسعى إلى الصفا يفعل ذلك سبع مرات فيقف بذلك أربع وقفات على الصفا وأربعا على المروة).
هذا الركن الثالث من الحج وهو السعي وشرطه أن يكون بعد طواف صحيح والمشهور اشتراط كونه واجبا كطواف الإفاضة والقدوم قال يف المدونة وإن لم ينو فريضة الطواف قبله أعاده فإن تباعد أو طال أو وطئ فالدم وتقديمه عند طواف القدوم واجب لغير المراهق والحائض والناسي فيؤخرونه للإفاضة كالمتمتع وإن أخره غيرهم له فالدم خلافا لأشهب ولو أخره للوداع ففي الإجزاء مع الدم أو يرجع له من بلده خلاف.
قال في المدونة ولم يحد مالك من أين يخرج ابن حبيب خرج له النبي صلى الله عليه وسلم من باب بني مخزوم وهي المعروفة اليوم بباب الصفا لأنها تقابله ولها خمس طاقات متحاذية قالوا ويستحب في خروجه إلى الصفا أن يمر بزمزم فيشرب منها ولما انتهى النبي صلى الله عليه وسلم إلى الصفا تلا قوله تعالى: {إن الصفا والمروة من شعائر الله} [البقرة: 158] الآية ثم قال أبداً بما بدأ الله به على صيغة الخبر.
وفي النسائي بصيغة الأمر فالبداءة بالصفا واجبة فلو بدأ بالمروة ألغى ما فعل قبل الصفا ثم رقى صلى الله عليه وسلم حتى رأى البيت وهذا مستحب في الصفا والمروة فاستقبل القبلة وكبر وهلل ودعا بما تيسر قال مالك ولا يرفع يديه في ذلك وقيل يرفع والأول أصح ولا تصعد النساء أعلاه إلا أن لا يكون به أحد والله أعلم.
ثم إذا نزل من الصفا مشى على الميل الأخضر ثم خب خببا أقوى من خبب الطواف حتى يصل إلى الميل الآخر فيمشي حتى يصل المروة فيفعل عليها كما يفعل على الصفا وأرضها اليوم غير مصعدة فليستحب الدخول لأقصى محلها لأنه الأعلى وإنما يخب الرجال دون النساء قالوا والخبب هنا آكد من الذي في الطواف واللازم في إسقاطها متحد والطهارة فيه سنة ابتداء ودواما فلو أحدث في أثنائه توضأ وبنى.
وفي المدونة فإن جلس في خلاله أو وقف لحديث مع غيره أو صلى على جنازة أو باع أو ابتاع بنى فيما خف وإن تفاحش ابتدأ وفي إعادة الطواف قولان ويقطع لفرض أقيم عليه لا لغيره وكمال الأشواط شرط فلو تركه أو شوطا منه في حج أو عمرة صحيحين أو فاسدين رجع له من بلده على المشهور وأتى بعمرة إن وطئ وإلا فدم وخفف ابن القاسم الشوطين ثم رجع ورأى إن تباعد أو طال أو وطئ وإلا قدم والله أعلم.
تنبيه:
هذا آخر ما يشترط فيه الحج والعمرة ثم ما ينفرد الحج من أفعاله بما لا يشاركه فيه غيره وهو سماع الخطبة بمكة يوم السابع والخروج إلى منى يوم الثامن والوقوف بعرفة يوم التاسع والمبيت بمزدلفة عند النفر منه ليلا والتحليل الأصغر منه يوم العاشر ثم الأكبر بطواف الإفاضة ثم رمي الجمرات وهو الآخر وبالله التوفيق.
(ثم يخرج يوم التروية إلى منى فيصلي بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء والصبح).
سمي يوم التروية لأن الحاج يروي في أموره لعرفات فما بعدها وقيل لأن العرب كانت تعد فيه السقيا لشرب الحج فيما بعد.
قال ابن حبيب فإذا زالت الشمس من يوم التروية فطف بالبيت سبعا واخرج إلى منى وأنت ملب وإن خرجت قبل ذلك فلا حرج ولمالك في الموازية أكره المقام بمكة يوم التروية إلى أن يسمي ومن أدركه يوم الجمعة بمكة من مكان أو غيره ممن أقام بها أربعة أيام فعليهم أن يصلوا الجمعة قبل رواحهم والمبيت بمنى في هذه الليلة مستحب لا شيء على تاركه وإنما شرع تقريبا لعرفة.
قلت: وقد كان الناس فيما قبل هذه السنين لا يبيت بها إلا القليل وربما تضرروا بالحرامية وقد عاينا ذلك في سنة خمس وسبعين وفي سنة أربع وثمانين فلما كانت سنة أربع وتسعين بات الأمير والناس حتى أصبحوا ثم مشوا إلى عرفات فأحيوا هذه السنة فالحمد لله على ذلك.
(ثم يمضي إلى عرفات ولا يدع التلبية في هذا كله حتى تزوال الشمس من يوم عرفة ويروح إلى مصلاها وليتطهر قبل رواحه ويجمع بين الظهر والعصر مع الإمام ثم يروح معه إلى موقف عرفة فيقف معه إلى غروب الشمس ثم يدفع بدفعه إلى المزدلفة فيصلي معه بالمزدلفة المغرب والعشاء والصبح ثم يقف معه بالمشعر يومئذ بها).
هذا افتتاح الكلام في الركن الرابع من الحج وهو أعظم أركانه إذ يتوقف عليه ما قبله وما بعده كما أشار إليه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله «الحج عرفة» ثم المضي من منى يكون عند طلوع الشمس وكونه ملبيا هو السنة ولا يزال ملبيا إلى الزوال ورواحه إلى المصلى هذا هو المشهور وقيل ذلك في يومه وقيل بعده إلى رمي الجمرة وهذا مذهب الشافعي ويسمى مصلاها مسجد نمرة وهو مسجد في آخر الحرم وأول الحل وقد أردكنا بناءه كيف اتفق وهو الآن في حكم البناء وفي وسطه ما زال ينتفع بمائه ومحل الجمع عند الزوال فيجمع العصر إلى الظهر بعد أن يخطب خطبة يعرف الناس فيها ما يفعلون في الموقف ما بعده ويؤذنون في آخر خطبته عند عبد الملك والشافعي، والمشهور عند انقضاء الخطبة.
ثم يصلي الظهر والعصر ركعتين بإقامتين لأن مالكا أجرى الخروج لعرفة في الحج مجرى القصر فلذلك قالوا يبنغي أن يكون الإمام مالكيا على أن لا يشوش الناس وهم اليوم يخطب الشافعي ثم يستخلف مالكيا للصلاة قال ابن حبيب فإذا سلم الإمام من الصلاة ركب فدفع إلى عرفات فيقف راكبا – يعني استحبابا – وكل أفعال الحج يستحب فيها المشيء إلا الوقوف بعرفة ورمي جمرة العقبة والوقوف بالمشعر.
وقد قال عليه السلام: «وقفت ههنا وعرفات كلها موقف» وارتفعوا عن بطن عرنة قال ابن المواز وكتب لي أصبغ المسجد من بطن عرنة فمن وقف فيه فلا حج له وحكى ابن المواز عن مالك من وقف فيه تم حجه ويهريق دما والمراد بالوقوف الكون في داخله قائما أو جالسا أو نائما أو غير ذلك حتى المجتاز إن عرفها ونوى الوقوف بمروره قال ابن عبد البر والجمع فيه سنة إجماعا.
وفي المدونة من فاته الجمع مع الإمام جمع وحده ويستحب الوقوف على طهارة فإن كان جنبا من احتلام أو غير متوضئ فلا شيء عليه والأولى كونه متطهرا والتطهر قبل الرواح مستحب ولا يزال فيه وسخا ولا يتدلك الغاسل بإمرار اليد ولما ظهر الماء بعرفة سنة خمس وسبعين وثمانمائة رأيت بعض الناس يسبح في الجابية ويلعب كما يلعب في النهر وذلك ما ينافي الإحرام لإزالة الشعث فليتقه المشفق على دينه ثم وقوفه نهارا سنة والواجب جزء من الليل على مذهب مالك فمن فاته النهار اختيارا لزمة دم ومن فاته الليل بطل حجه وإن وقف أدنى جزء منه كفاه.
وروى ابن وهب وقوفه راكبا أحب إلي من الوقوف قائما وقيده اللخمي بعدم الإضرار بالدواب والرواية (يدعو الماشي قائما فإن أعيا جلس) أشهب روى ابن حبيب إن وقف بنفسه وترك دابة بلا علة بها فلا شيء عليه الشيخ وروى ابن حبيب له أن يستظل يومئذ من الشمس، وروى محمد لا بأس باستظلاله بالفسطاط والبيت المبني والقبة وهو نازل المازري عن الرياشي قلت لابن المعذل وقد وقف ضاحيا في شدة حر قد اختلف في هذا فلو أخذت بالتوسعة فقال:
أضحيت كي أستظل بظله
…
إذا الظل أضحي في القيامة قالصا
ويا أسفي إن كان سعيك باطلا
…
ويا حسرتي إن كان حجك ناقصا
وقوله (يدفع بدفعه إلى المزدلفة) يعني أنه لا يدفع من عرفة حتى يدفع الإمام إثر غروب الشمس بلا مهلة ثم إذا وصل مزدلفة مع الإمام جمع المغرب والعشاء معه بعد حط رحله وإن كان وحده فكذلك على المشهور وقاله مالك وقال ابن المواز يصلي كل صلاة لوقتها وثالثها إن رجا إدراك المزدلفة قبل ثلث الليل أخر إليه وإلا فلا وقاله ابن القاسم (س) وهذا القسم متفق عليه في غالب ظني والله أعلم.
وفي العتبية عن ابن القاسم من صلى العشاء قبل مغيب الشفق أعاد العشاء أبدا قال ابن المواز وقول ابن القاسم أحب إلينا ابن حبيب هو كمن صلى قبل الوقت لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «الصلاة أمامك» ثم النزول بمزدلفة متأكد والمبيت مستحب فإن لم ينزل بها فعليه دم على المشهور وهل يمتد وقته إلى طلوع الشمس؟ وهو المشهور وقاله في المدونة.
وقال ابن حبيب إذا رجعت من عرفة فارفع يدك إلى الله عز وجل ثم ادفع وعليك السكينة وامش الهوينا وإن كنت راكبا فالعنق فإن وجدت فجوة فلا بأس أن تحرك شيئاً فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسير العنق يعني شيئا شيئا فإذا وجد فجوة أي فرجة نص أي استرسل في المشي وقال وأكثر من ذكر الله وتحميده وفي المدونة يستحب مروره بين المأزمين وهما رأسان من الجبل بينهما طريق معروف.
وفي المدونة يستحب ليلة المزدلفة كثرة الصلاة والذكر والرحيل منها بعد صلاة الصبح غلسا ويلتقط حصى الجمار منها ليكون أهيأ له لأنه من نسك ولا يكسرها كما يفعله الدهال ويقولون الأجر على قدر المشقة وهذا إبطال إنما الأجر على قدر الاتباع ويأتي المعتمر وهو من مزدلفة ولذلك قال الشيخ فيقف بالمشعر يومئذ بها وذلك قريب من بطن المحسر لناحية المشرق وعلى يسار المتوجه إلى مكة فيكبر ويهلل ويذكر الله ويدعو إلى قرب طلوع الشمس وإن ترك هذا فلا شيء عليه لأنه سنة على المشهور.
وقال عبد الملك فريضة بل اختلف النقل عنه في ركنيته وقال ابن رشد ما يقتضي وجوب الدم لتركه فانظر ذلك ومزدلفة تسمى جمعا - بفتح الجيم وسكون الميم المهملة - فإذا وقف بالمشعر لم يبق له إلا التحلل الأول برمي جمرة العقبة ثم التحلل الثاني بطواف الإفاضة وتوابع ذلك من النحر والحلاف والرمي في أيام منى الثلاثة وبالله التوفيق.
(ثم يدفع بقرب طلوع الشمس إلى منى ويحرك دابته ببطن محسر فإذا وصل إلى منى رمى جمرة العقبة بسبع حصيات مثل حصى الخذف ويكبر مع كل حصاة ثم ينحر إن كان معه هدي ثم يحلق).
يعني أن الدفع من المشعر يكون قبل طلوع الشمس قال في المدونة ولا يقف أحد بالمشعر الحرام إلى الإسفار ولكن يدفعون قبل ذلك وفي الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم كان ينزل واقفا بالمشعر ويكبر ويهلل ويدعو حتى أسفر جدا هذا الذي يقتضيه كلام الشيخ إذ قال بقرب طلوع الشمس والله أعلم وإنما يحرك دابته ببطن محسر وهو الوادي الذي بين المشعر ومنى لأنه المحل الذي أصاب فيه أصحاب الفيل ما أصابهم وقد أمرنا بالإسراع في مواضع العقوبات والله أعلم.
وقوله (دابته) ليس بشرط بل وحتى الماشي يسرع وقد سمع ابن القاسم أحب للماشي أن يسعى على قدميه في هبوطه من بطن محسر والله أعلم وقوله (فإذا وصل إلى منى) يعني لمحل جمرة العقبة منها بدليل قوله (ومن جمرة العقبة) إلخ.
نعم ورمي هذه الجمرة أول التحليل لأنه بعد رميها يحل له كل شيء إلا النساء والطيب والصيد ثم هل واجبة؟ وبه قال عبد الملك بل عدها ركنا من أركان الحج وجمرة العقبة بآخر منى من ناحية مكة رأس وادي المحصب عن يمين الماشي إلى مكة.
قال ابن الفاكهاني وتختص بأربعة أشياء.
الأول: أنها ترمى من بعد طلوع الشمس إلى الزوال خلافا للشافعي في قوله أول وقتها السحر.
الثاني: أن رميها يوم النحر وليس معها غيرها في يومها.
الثالث: أنها ترمي من أسفلها وهذا مستحب.
الرابع: أنه لا يوقف عندها للدعاء وكون رميها بسبع حصيات شرط فلا يجزئ
أقل من ذلك وكون السبع واحدة بعد واحدة فلو رمى أكثر بمرة لم تعد له إلا واحدة ويكبر مع كل حصاة فإن ترك فلا حرج ولا بد من رميها فلو طرحها لم يجزه واستحب مالك كونها فوق حصى الخذف بل فوق العول ودون النبق ويستحب رمي هذه الجمرة راكبا من بطن الوادي ولو خالف فلا شيء عليه إذا كان الرمي والخذف بالمعجمتين والفاء جعل الحصاة على طرفي الإبهام في وسط السبابة ثم يدفعها بقوة كانت العرب تلعب بذلك فنهى النبي صلى الله عليه وسلم عنه فقال: «إياكم والخذف فإنه يكسر السن ويفقأ العين ولا يجدي شيئاً» وسبه ههنا في القدر لا في غيره والله أعلم. والسنة تقديم النحر بعد الرمي فلو عكس لزمته الفدية على الأصح والله أعلم.
(ثم يأتي البيت فيفيض ويطوف سبعا ويركع).
طواف الإفاضة هو طواف الركن وقته من يوم النحر إلى آخر ذي الحجة على المشهور وقيل إلى انقضاء أيام التشريق قال في المدونة تعجيل الإفاضة يوم النحر أفضل وإن أخرها حتى أتى مكة بعد أيام التشريق فلا بأس ولو أخرها والسعي بعد وصوله من منى أياما وطال أهدى اللخمي وهذا استحسان لرعي الخلاف (س) ذهب مالك في جماعة إلى أن أشهر الحج آخرها آخر ذي الحجة فعليه لا يلزمه الدم إلا إن أخر الإفاضة حتى يخرج الشهر والله أعلم ثم إذا ركع إثر طواف الإفاضة حل له كل شيء حتى الطيب والنساء والصيد ولم يبق عليه غير رمي الجمار.
(ثم يقيم بمنى ثلاثة أيام فإذا زالت الشمس من كل يوم منها رمي الجمرة التي تلي منى بسبع حصيات يكبر مع كل حصاة ثم يرمي الجمرتين كل جمرة بمثل ذلك من كل يوم منها رمي الجمرة التي تلي مني بسبع حصيات يكبر مع كل حصاة ثم رمي الجمرتين كل جمرة بمثل ذلك ويكبر مع كل حصاة ويقف للدعاء بإثر الرمي في الجمرة في الأولى والثانية ولا يقف عند جمرة العقبة ولينصرف فإذا رمي في اليوم الثالث وهو رابع يوم النحر انصرف إلى مكة وقد تم حجه وإن شاء تعجل في يومين من أيام منى فرمى وانصرف).
حاصل ما ذكر في هذه الجملة أنه إذا طاف للإفاضة عجل بالخروج لئلا تغرب عليه الشمس قبل الوصول إلى منى فإذا بات دونها أو أخذ جل الليل فعليه الدم وكذلك
في بقية ليالي الرمي وكثير من العوام ينزل في المحصب قريبا من العقبة فيكون عليه ذلك وهو لا يشعر وإنما المبيت فيما وراء العقبة من ناحية المشرق وأحكام الرمي وفروعه كثيرة وصوره معروفة من النص فانظر في مواضعها وما ذكر من التعجيل هو نص القرآن في قوله الكريم: {واذكروا الله في أيام معدودات فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه} [البقرة: 203].
والمشهور أن أهل مكة كغيرهم في جواز التعجيل وأن اليوم الثالث يسقط وقال ابن حبيب بل يضيفه على آخرها ويرميه ثم لا يصح له التعجيل لا إذا عزم عليه قبل غروب الشمس من اليوم الآخر والله أعلم فأما طواف الوداع فليس من الحج ولا من العمرة ولكنه ملحق بها لحرمة البيت ويرجع له ما لم يخش فوات رفقته ثم لا دم عليه ونزوله بالأبطح عند رجوعه من منى مستحب ولا شيء عليه في تركه والله أعلم.
(والعمرة يفعل فيها كما ذكرنا في الحج إلى تمام السعي بين الصفا والمروة ثم يحلق رأسه وقد تمت عمرته).
تقدم أن العمرة سنة على المشهور لا فريضة مرة في العمرة كالحج في وجوبه ووقتها لمن لم يحج السنة كلها ما بعد غروب آخر أيام التشريق والمشهور كراهة تكرارها في السنة مرارا وأجازه ابن المواز واختاره اللخمي وفي قوله (إلى تمام السعي بين الصفا والمروة) أن الحلاق ليس بركن للعمرة وفيه خلاف وقوله (ثم يحلق وقد تمت عمرته) يعطي أن تمامها بالحلاق واختلف في ذلك فقيل إن الحلاق ركن لها وقيل لا فانظر ذلك وقد كنت نظمت أبياتا قبل هذا اختصرت فيها مقاصد الحج والعمرة فقلت في ذلك:
أحرم ولب ثم طف واسع وزد
…
في عمرة حلقا وحجا إن ترد
فزد منى وعرفات جمعا
…
ومشعرا والجمرات السبعا
وانحر وقصر وأفض ثم ارجع
…
من رمي أيام منى وودع
وكمل الحجة بالزيارة
…
متقيا من نفسك الإمارة
فالسر في التقوى والاستقامة
…
وفي اليقين أكبر الكرامة
(والحلاق أفضل في الحج والعمرة والتقصير يجزي وليقصر من جميع شعره وسنة المرأة التقصير).
ذهب مالك إلى أن الحلاق أو التقصير في الحج نسك وتحليل معا وأبو حنيفة نسك والشافعي تحليل فقط وعلى النسك يلزم الدم بتركه وإلا فلا والأفضل البداءة بالشق الأيمن في ذلك قاله ابن حبيب.
وفي المدونة أقل ما يكفي من التقصير الأخذ من جميع الشعر قصيره وطويله وسنة الرجال أن يجز من قرب أصوله وتأخذ المرأة قدر الأنملة من شعرها والناس في ذلك ثلاثة أقسام قسم يتعين عليه الحلاق وهو الأجلح الذي لا شعر له والأقرع والملبد وقسم حكمة التقصير وهي المرأة قال الحسن: لأن حلقها مثله وقسم يخبر فيهما وهو من عدا من ذكرا والحلاق أفضل إلا لوجه كاستبقاء الشعث في عمرة المتمتع لأجل حجه والله أعلم.
(ولا بأس أن يقتل المحرم الفارة والحية والعقرب وشبهها والكلب العقور وما يعد ومن الذئاب والسباع ونحوها ويقتل من الطير ما يتقى أذاه من الغربان والأحدية فقط).
في الصحيح قال صلى الله عليه وسلم: «خمس فواسق يقتلن في الحل والحرم الغراب والحدأة والعقرب والفارة والكلب العقور» والمشهور أن صغار ما ذكر من الحيات والفئران والعقارب كلها ككبارها.
وفي المدونة يكره قتل سباع الطير كلها وغير سباعها فإن قتل شيئا منها فعليه الجزاء إلا أن تعدوا أو يخافها على نفسه فلا جزاء وتردد التونسي فيما في المدونة هل هو في كبارها وصغارها فيكون خلافا لما في الموطأ أو المراد ما عدا المذكور في الحديث فيكون وفاقا وهل المراد بالكبار كل ما عدا من السباع فيدخل السبع والنمر ونحوها وهو المشهور أو الكلب المعروف قولان والمشهور قتل ما يتقي أذاه من الغربان والأحدية وإن لم يؤذ لم يبتدأ وهو مذهب الموطأ الباجي وهو المشهور.
(ويجتنب في حجه وعمرته النساء والطيب ومخيط الثياب والصيد وقتل الدواب وإلقاء التفث).
يعني أنه يحرم عليه إتيان النساء وقربهن بمقدمة جماع حتى عقد النكاح لنفسه ولغيره وجاء النهي عن أن يخطب أو يخطب عليه إن وطئ قبل عرفة بطل حجه وفيما بعد ذلك اختلاف وتفصيل يطول فانظره والطيب المؤنث حرام عليه التطيب به فإن فعل افتدى (س) الاستعمال الموجب للفدية هو المس الذي يتعلق بسببه الطيب ويحصل به الانتفاع لأن ذلك فعل المتطيب عادة وقد يخالف لما هو أشد أو دون وفي المدونة مس الطيب أشد من شمه وشربه أشد من مسه والفدية في شربه أو لمسه والمؤنث منه كالمسك والكافور والزعفران والورس ويكره شم المذكر منه كالورد والياسمين والريحان ولا فدية فيه على أي وجه كان استعمله أو مسه وهل يمنع شم المؤنث أو يكره قولان الباجي قائلا المذهب المنع وابن القصار يكره وفي مسه دون علوق شيء منه قولان وفيما نزع قرب استعماله قولان قال مالك ويغسل ما علق به خلوق الكعبة ولا شيء عليه وله تركه إن قل فانظر ذلك ومخيط الثياب المراد به ما يمتسك بنفسه بخياطة كان بخياطة أو نسج أو غيره من ربط أو زر ونحوه.
والمحيط – بضم الميم والحاء المهملة – كالمخيط – بالخاء المعجمة – فالخاتم والحزام والجلد تكون فيه الحروز ونحو ذلك كله ممنوع إلا شد نفقته على جلده ولا بأس بنفقته غيره معها بخلاف نفقة الغير وحدها باختلاف فإنها لا تجوز على المشهور ولو نفدت نفقته أو ذهبت دون النفقة التي معها لغيره جاز استمراره ولا يضره كما تقدم وأما الصيد – يعني البري – فيحرم عليه اصطياده لقوله تعالى: {وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حراماً} [المائدة: 96] والإعانة عليه ولو بالإشارة كاصطياده ولو كان تحت يده وقت إحرامه وجب عليه إطلاقه ولا يقبله هديه ولا غيرها وما صيد من أجله كما اصطاده بنفسه وما لم يصطد من أجله وأتى منه بلحم جاز له أكله.
وليحذر مما تفعله العامة عند رؤية الصيد من عياطهم بقولهم حرام حرام فإن ذلك جهل وتنفير له وهو حرام على المحرم فأما قتل الدواب كالقمل فالمشهور أن في القملة والقملات كفا من طعام يتصدق به والتفث الوسخ وما في معناه فإلقاؤه بقص الشارب أو نتف الإبط أو نحو ذلك وكل ذلك ممنوع وفيه الفدية وسواء في ذلك العامد وغيره.
(ولا يغطي رأسه في الإحرام ولا يحلقه إلا من ضرورة ثم يفتدي بصيام ثلاثة أيام أو إطعام ستة مساكين مدين لكل مسكين بمد النبي صلى الله عليه وسلم أو ينسك بشاة يذبحها حيث شاء من البلاد وتلبس المرأة الخفين والثياب في إحرامها وتجتنب ما سوى ذلك مما يجتنبه الرجل وإحرام المرأة في وجهها وكفيها وإحرام الرجل في وجهه ورأسه).
أما تغطية المحرم رأسه فإن فعل لزمته الفدية إن دام حتى انتفع به واختلف في يديه إذا غطاهما حتى انتفع هل يفتدي أو لا؟ على قولين هما في المدونة وهل مبني لزوم الفدية وعدمه على تحريم التغطية أو كراهتها تأويلان وأصل الفدية حديث كعب بن عجرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم مر به والقمل يتناثر على وجهه فقال: «ما أظن الوجع بلغ بك ما أرى أيؤذيك هوام رأسك» قال بلى يا رسول الله فأنزل الله تعالى الفدية {فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام} [البقرة: 196] الآية وبينه الرسول صلى الله عليه وسلم
بما ذكره الشيخ من تخييره بين الأمور الثلاثة التي هي صيام ثلاثة أيام أو إطعام ستة مساكين أو ينسك بشاة يختار أي ذلك شاء من غير تعيين زمان ولا مكان وقوله (وتلبس المرأة) الخفين لأن رجليها ليا بمحل إحرام لها بخلاف الفقازين لأن يديها محل إحرام لها والقفاز ما يجعل على هيئة الكف لحمل الطيور ونحوها وتفتدي إن لبسته عند مالك خلافا لابن حبيب والله أعلم.
(وإحرام الرجل في وجهه ورأسه) فلو غطى رأسه بما لا يعد ساترا فلا شيء عليه فيه وإن كان مما يعد ساترا افتدى على المشهور قال مالك ولا بأس أن يستظل بالفسطاط والقبة وهو نازل ولا يعجبني أن يستظل المحرم إذا نزل الأرض ولا بأس أن يلقى ثوبا على شجرة ويقبل تحته وليس كالراكب والماشي وهو للنازل كالخباء المضروب وذكر ابن المواز أنه لا يستظل إذا نزل بالأرض بأعواد يجعل عليه ثوبا كساء أو غيره قال وإنما وسع له في الخباء والبيت المبني. اللخمي إذا كان في محارة كشف عنها فإن لم يفعل افتدى فإن كان نازلا في الأرض لم يستظل تحت المحارة فإن فعل افتدى ولا بأس أن يكون في ظلها خارجا عنها ولا يمشي تحتها واختلف إذا فعل ونقل المازري أن ابن عمر أنكر على من استظل راكبا وقال أضح لمن أحرمت له نعم ويجوز أن يحمل على رأسه ما لا بد له منه مخرجه وجرابه ونحوه ولا يحمل تجارة لنفسه ولا بإجارة لغيره ولا تطوعا فإن فعل افتدى وبالله التوفيق.
(ولا يلبس المحرم الخفين في الإحرام إلا أن لا يجد نعلين فليقطعهما أسفل من الكعبين).
هكذا وقع في الحديث بنصه إذ سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يلبس المحرم، فقال: لا يلبس القمص ولا العمائم ولا السراويلات ولا البرانس ولا الخفاف إلا أن لا يجد نعلين فليلبس الخفين وليقطعهما أسفل من الكعبين» والمشهور بقاء هذا الحكم وقال ابن حبيب ذلك خاص بزمانه عليه السلام فأما اليوم إذا اتسع الحال على الناس فلا والله أعلم.
(والإفراد بالحج عندنا أفضل من التمتع ومن القرآن).
(الإفراد) هو الإفراد بالحج وحده دون أن يخالطه شيء في زمن فعله وما ذكر أنه الأفضل هو المشهور عندنا وعند الشافعية وقال أبو حنيفة القرآن أفضل وبقوله قال اللخمي من أهل المذهب وروى أشهب الإفراد أفضل للمراهق وأما من يطول أمده في
الإحرام فالتمتع أفضل وقال أبو عمر كل الثلاثة سواء في الفضل وعلى المشهور فالمشهور أن القرآن يلي الإفراد في الفضل وقيل التمتع والمذهب تفضيله على عدمه وساواه في الحكم ولا خلاف أن من أحرم بوجه من وجوه الإحرام أجزأه واختلف في إحرامه عليه السلام هل كان بالإفراد أو التمتع والقرآن لاختلاف الأحاديث فانظر ذلك.
(فمن قرن أو تمتع من غير أهل مكة فعليه هدي يذبحه أو ينحره بمنى إن أوقفه بعرفة وإن لم يوقفه بعرفة فلينحره بمكة بالمروة بعد أن يدخل به من الحل فإن لم يجد هديا فصيان ثلاثة أيام في الحج يعني من وقت يحرم إلى يوم عرفة فإن فاته صام أيام منى وسبعة إذا رجع).
يشترط لزوم الهدي في التمتع والقرآن كون الفاعل آفاقيا فلا هدي على أهل مكة في تمتع ولا قرآن وشرط الهدي إيقافه بعرفة لمن أراد نحره بمنى فإن لم يرد أو لم يجد حتى فات وقوفه لزمه إخراجه إلى الحل ثم يذبحه بمكة وفجاجها كلها مذبح غير أن المروة مستحبة لذلك ومن لم يجد الهدي في تمتعه ولا قرآنه صام عشرة أيام ثلاثة في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله وهو قوله تعالى: {فَمَن تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِن الهَدْيِ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذَلِكَ لِمَن لَّمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي المَسْجِدِ الحَرَامِ} [البقرة: 196] قال ابن حبيب وغير حاضري المسجد الحرام أهل ذي طوى ومن في معناهم وحكى اللخمي قولا بأنه كل من دون المواقيت.
وآخر أيام الحج أيام التشريق فأيام التشريق لمن فاته الثلاثة قبل العيد أيام استدراك لصيامها وقال علي وابن عمر رضي الله عنهما وتبعهما مالك فأما السبعة إذا رجع.
فقال مالك في جماعة يعني إذا رجعتم من منى فيصومها بمكة إن أقام بها وفي الطريق إن نهض لها وفي رواية المختصر في أهله أحب زاد في رواية محمد إلا أن يقيم بمكة وصومه بطريقة يجزيه اللخمي هذا أبين لتخفيف الشرع صوم رمضان في السفر والله أعلم، ومن عجل السبعة قبل وقوفه بعرفة فقولان اللخمي ويجزئه محتجا بأن تأخيرها توسعة فأحرى تقديمها في السفر كرمضان في السفر ونقل عن ظاهر المذهب لا
يجزئه والله سبحانه أعلم.
(وصفة التمتع أن يحرم بعمرة ثم يحل منها في أشهر الحج ثم يحج من عامة قبل الرجوع إلى أفقه أو إلي مثل أفقه ولهذا أن يحرم من مكة إن كان لها ولا يحرم منها من أراد أن يعتمر حتى يخرج إلى الحل).
يعني أن صفة التمتع الموجب للهدي ما ذكر وجملة ما ذكر فيه ستة شروط
مأخوذة من كلام المؤلف أولها إحلاله من العمرة في أشهر الحج وإن لم يحرم فيها.
الثاني: أن يحج من عامة فلو لم يحج إلى قابل لم يكن متمعتاً، الثالث: كون ذلك قبل الرجوع إلى أفقه أو مثله في البعد. الرابع: أن تكون عمرة سابقة على حجة فلو تأخرت لم يكن متمعتاً. الخامس: أن يكون إحرامه بالحج بعد إحلاله لأجل التلبس بالعمرة فإنه إن فعل كان قارنا متمتعا فيلزمه هديان إن كان أردف مع الشروط المتقدمة. والسادس: كونه ليس من حاضري المسجد الحرام. فتأمل ذلك من كلام الشيخ رحمه الله وبالله التوفيق وقوله (ولهذا أن يحرم) من مكة يعني بالحج لأنه منعزل عن العمرة وإنما يلزمه الهدي لجمعهما في أشهر الحج بخلاف القرآن فإنه لا يحرم به منها لدخول العمرة في نسكه وهي لا تصح إلا بالجمع بين حل وحرم والله أعلم.
(وصفة القرآن أن يحرم بحج وعمرة معا ويبدأ بالعمرة في نيته وإذا أردف الحج على عمرة قبل أن يطوف ويركع فهو قارن).
ذكر في هذه الجملة أن القرآن على وجهين قرآن قصد في أول الافتتاح وشرطه أن يبدأ بالعمرة في نيته وقرآن حصل بإرداف الحج على العمرة وشرطه أن يكون قد بقي من العمرة جزء ويعتد به فأكثر فيحرم بالحج مستدركا عمرته به وقال الشيخ قبل أن يطوف ويركع وهو المشهور فإذا أردف في أثناء الطواف صح واختلف في أثناء السعي لا بعده فيلزم الإحرام ويجب تأخير الحلاق ويلزم الدم لتأخيره ولا يكون قارنا به ولا فرق بين القارن والمفرد إلا في النية أولا ولزوم الهدي آخرا وإلا فالعمرة مندرجة في
الحج خلافا لأبي حنيفة والله أعلم.
(وليس على أهل مكة هدي في تمتع ولا قرآن).
يعني اتفاقا في الأول وعلى المشهور في الثاني خلافا لعبد الملك وحكمة سقوطه فيهما أن الهدي واجب لمساكين مكة فلا يكون عليهم والحج كله إنما وجب من أجلهم إذ قال إبراهيم عليه السلام: {فاجعل أفئدة من الناس تهوى إليهم} [إبراهيم: 37] وقياسهم فيها من باب مساعدة رب المنزل للقادم عليه فاعرف ذلك.
(ومن حل من عمرته في أشهر الحج ثم حج من عامة فليس بمتمتع).
يعني لأن من شرطه أن يحل منها في أشهر الحج وقد تقدم ذلك نعم وقد وقع في نفوس العوام أن المتمع هو الذي يتجرد عند إحرامه ثم يرجع إلى ثيابه في الحال وهو جهل وضلال وقد نبه الشيخ (خ) عليه في مناسكه وكذا ابن الحاج وغيره فانظره.
(ومن أصاب صيداً فعليه جزاء مثل ما قتل من النعم يحكم به ذوا عدل من فقهاء المسلمين ومحله منى إن وقف به بعرفة وإلا فمكة ويدخل به من الحل وله أن يختار ذلك أو كفارة طعام مساكين أن ينظر إلى قيمة الصيد طعاما فيتصدق به أو عدل ذلك صياما أن يصوم عن كل مد يوما ولكسر المد يوما كاملاً).
ذكر في هذه الجملة جزاء الصيد على من قتله وفسر في كلامه قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَن قَتَلَهُ مِنكُم مُّتَعَمِّداً فَجَزَاءٌ مِّثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنكُمْ} [المائدة: 96] الآية فأمر الحكم فيه موكول إلى عدلين عالمين لا يجوز لأحد أن يعمل به إلا بحكم العدلين المذكورين وإنما يحتاجهما لتقدير ما يجب عليه وتغليظ الأمر عليه حتى يعود فلا يحكم لنفسه ولا يكتفي بواحد وإن كان أعلم البرية وأعدلها وإيقاف الهدي بعرفة ليذبح بمنى وذبحه بمكة إن لم يوقف بعد خروجه إلى الحل شرط كل هدي وبسط هذه الجملة يستدعي طولا مع عدم مس الحاجة إليه في الوقت فلنقتصر على ما ذكره الشيخ وبالله التوفيق.
(والعمرة سنة مؤكدة مرة في العمر).
يعني بشرط الاستطاعة وتوابعها كالحج وما ذكر هو المشهور وقال ابن الجهم واجبة وقد تقدم الكلام في ذلك وفي وقتها وكيفية العمل بها وأتى في فضلها خير كثير منه قوله عليه السلام: ((العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما ما اجتنبت الكبائر والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة)).
ومعنى المبرور قيل الذي يبره صاحبه فلم يعص الله فيه من أول التلبس إلى انقضائه وقيل الذي لم يعص الله بعده وقال عليه السلام: «من حج هذا البيت ولم يرفث ولم يفسق خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه» وكلا الحديثين صحيح وبالله التوفيق.
(ويستحب لمن انصرف من مكة من حج أو عمرة أن يقول أيبون تائبون عابدون لربنا حامدون صدق الله وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده).
إنما يقول ذلك إشعاراً لنفسه بما كان عليه ليوم حجه (فالآيبون) الراجعون إلى الله في السراء بالحمد والشكر وفي الضراء بالرضا والصبر ولذلك أثنى الله على كل من سليمان وأيوب عليهما السلاك بـ {نعم العبد إنه أواب} [ص: 44] مع اختلاف ما هما فيه لكن استويا في الرجوع إلى الله عما هما فيه والتائب هو الراجع إلى الله تعالى عما لا يرضيه طلبا لرضوانه وتصديقا لوعده عابدون له تعالى بما من به علينا من الحج والعمرة فهو اعتراف بالمنة (لربنا حامدون) على ذلك كله (صدق الله وعده) لنبيه وللمؤمنين إذ قال {لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله أمنين} [الفتح: 27] الآية وهو الصادق الوعد في كل شيء (ونصر عبده) يعني محمدا صلى الله عليه وسلم في دخول مكة وبما قبلها وما بعدها من غزواته وسراياه وغير ذلك.
(وهزم الأحزاب) الذين تحزبوا (وحده) أي بلا سبب من غيره وإن كان الكل من عنده {وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْراً وَكَفَى اللَّهُ المُؤْمِنِينَ القِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِياً عَزِيزاً} [الأحزاب: 25] إذ أرسلنا عليهم ريحا وجنودا لم تروها وكان الله قويا عزيزاً لا رب غيره ولا معبود سواه.
خاتمة:
قد أتيت في هذا الباب بما أمكنني متيسرا واهتممت ببيان الصفات وأحكامها واقتصرت بل قصدت فيما وراء ذلك لطوله وعدم مسيس الحاجة إليه مع أنه لا بد لمن أراد العمل به أو تعليمه من مراجعة غيره فليعذر في ذلك وبالله التوفيق وهو حسبنا ونعم الوكيل.