المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب في الضحايا والذبائح والعقيقة والصيد والختان وما يحرم من الأطعمة والأشربة - شرح زروق على متن الرسالة - جـ ١

[زروق]

فهرس الكتاب

- ‌المقدمة

- ‌باب ما تنطق به الألسنة وتعتقده الأفئدة من واجب أمور الديانات

- ‌باب ما يجب منه الوضوء والغسل

- ‌باب طهارة الماء والثوب والبقعة وما يجزئ من اللباس في الصلاة

- ‌باب صفة الوضوء ومسنونه ومفروضه وذكر الاستنجاء والاستجمار

- ‌باب في الغسل

- ‌باب فيمن لم يجد الماء وصفة التيمم

- ‌باب المسح على الخفين

- ‌باب في أوقات الصلاة وأسمائها

- ‌باب الأذان والإقامة

- ‌باب صفة العمل في الصلوات المفروضة وما يتصل بها من النوافل والسنن

- ‌باب في الإمامة وحكم الإمام والمأموم

- ‌باب جامع في الصلاة

- ‌باب في سجود القرآن

- ‌باب في صلاة السفر

- ‌باب في صلاة الجمعة

- ‌باب في صلاة الخوف

- ‌باب في صلاة العيدين والتكبير أيام منى

- ‌باب في صلاة الخسوف

- ‌باب في صلاة الاستسقاء

- ‌باب ما يفعل بالمحتضر وفي غسل الميت وكفنه وتحنيطه وحمله ودفنه

- ‌باب في الصلاة على الجنائز والدعاء للميت

- ‌باب في الدعاء للطفل والصلاة عليه وغسله

- ‌باب في الصيام

- ‌باب في الاعتكاف

- ‌باب في زكاة العين والحرث والماشية وما يخرج من المعدن وذكر الجزية وما يؤخذ من تجار أهل الذمة والحربيين

- ‌باب في زكاة الماشية

- ‌باب في زكاة الفطر

- ‌باب في الحج والعمرة

- ‌باب في الضحايا والذبائح والعقيقة والصيد والختان وما يحرم من الأطعمة والأشربة

الفصل: ‌باب في الضحايا والذبائح والعقيقة والصيد والختان وما يحرم من الأطعمة والأشربة

‌باب في الضحايا والذبائح والعقيقة والصيد والختان وما يحرم من الأطعمة والأشربة

ذكر الشيخ في هذه الترجمة سبعة أشياء ولم يرتبها في آخر الباب كما رتبها في الترجمة بل قدم الأهم فالأهم منها فكان فيه تنبيه على تقاربها في الترتيب واختلافها في المراتب وسيأتي تحقيق كل منها في محله إن شاء الله تعالى.

فأما الضحية فقال الجوهري الضحية شاة تذبح يوم الأضحى والجمع أضاح وضحايا وذكر الأصمعي فيها أربع لغات ضم الهمزة وكسرها مع تخفيف الياء وتشديدها (ع) الضحية اسم لما يقرب بذكاته من جذع ضأن وثني ما سواه من النعم سليمين من عيب مشروطا بكونه في نهار عاشر ذي الحجة وتالييه بعد صلاة الإمام عبده وقدر زمان ذبحه لغيره ولو تحريا لغير حاضره انتهى.

وأصل مشروعيتها قصة إبراهيم غليه السلام.

(والأضحية سنة واجبة على من استطاعها).

ص: 567

معنى (سنة واجبة) أنها سنة يجب العمل بها بحيث لو اتفق أهل بلد على تركها قوتلوا لامتناعهم منها وما ذكر هو كذلك في التلقين والكافي والمعلم والمقدمات وهو المشهور في الموطأ سنة غير واجبة.

وفي المدونة لا أحب تركها لمن قدر عليها ولا يدع الضحية ليتصدق بثمنها وروي إن وجد فقير ثمنها أو مفلس لزمته وللشيخ عن ابن حبيب وابن يونس عن ابن القاسم يأثم تاركها وأخذ منه اللخمي وجوبها الباجي: والأول أشهر المازري وقع لأصحابنا التاثيم بترك السنن على صفة فقد ينحو له ابن حبيب: وإن كان الأظهر حمله على الوجوب قال ابن حبيب: وهي أفضل من العتق ومن عظيم الصدقة، ابن رشد في كون إقامتها أفضل والتصدق بثمنها روايتان مشهورهما أنها أفضل.

وقوله (على من استطاعها) يعني من ذكر أو أنثى صغيرا أو كبيرا مقيما أو مسافرا إلا الحاج بمنى ابن زرقون عن ابن أبي أويس تسقط عن المسافر كصلاة العيد ابن بشير إن كان الرجل فقيرا لا شيء عنده إلا ثمن الشاة فليضح فإن لم يجد فليستلف ابن حبيب تطلب على الرجل فيمن عليه نفقته من ولده قال ويلزم من بيده مال اليتيم أن يضحي عنه منه كنفقة وفي المدونة الأضحية عليه عن زوجته ابن رشد وأوجبها عليه عنها ابن دينار.

فرع:

الشركة في الأضحية بالثمن والأجزاء ممنوعة وللمضحي أن يدخل أهل بيته فيها بالنية للثواب وتجزيهم ولو كانوا أكثر من سبعة الباجي واللخمي بشرط قرابتهم وكونهم في نفقته ومساكنته قالا وتسقط عن المدخل وإن كان مليا وفي المدونة تجزئ الشاة الواحدة عن أهل البيت وأحب إلي أن يذبح عن كل نفس شاة إن قدر.

الباجي والمازري ولحمها باق على ملك صاحبها ومن أدخله منهم معه فيها يعطي من شاء منهم ما يريد وليس لهم منعه من الصدقة بجميعها وروى محمد لا يدخل معه يتيمه ولا مع يتيم آخر ولو كان آخرين ولا جده مع جدته إلا أن يكونا زوجين اللخمي وإن دخل من لم يجز إدخاله لم تجز واحد منهما.

(وأقل ما يجزئ فيها من الأسنان الجذع من الضأن وهو ابن سنة وقيل ابن

ص: 568

ثمانية أشهر وقيل ابن عشرة أشهر والثني من المعز وهو ما أوفى سنة ودخل في الثانية).

شرط الضحية أن تكون من خالص الأنعام والغنم والبقر والإبل ولا يضحي بوحشي ولا بمن أمه من الوحش وإن كان الأب من الأنعام قال ابن شعبان: اتفاقا واختلف فيما إذا كانت الأمهات إنسية فاختار ابن شعبان الإجزاء وهو المشهور لأن الحيوان الذي لم يعقل تابع لأمه وقيل لا لدخول شائبة التوحش فيه وإنما كان الجذع من الضأن لا يساويه إلا ثني غيره لأنه يضرب في الولادة إذا أجزع وغيره لا يقع له ذلك حتى تثني وكون جذع الضأن ابن سنة هو قول علي بن زياد مع القرنين أشهب وابن نافع وهو المشهور وعن علي أيضاً ابن ستة أشهر وثالثها ابن ثمانية أشهر ورابعها لابن وهب ابن عشرة أشهر وخامسها إن كان ابن فتيين فابن ستة أشهر إلى ثمانية وإن كان ابن شارفين فمن عشرة إلى ستة وما ذكر في ثني المعز هو المشهور ومقابله أنه ما دخل في الثالثة.

(ولا يجزئ في الضحايا من المعز والبقر والإبل إلا الثني والثني من البقر ما دخل في السنة الرابعة الثني من الإبل ابن ست سنين).

ص: 569

وإنما لا يجزئ من غير الضأن إلا الثني لأن غير الثني من غيره لا ينتج قاله ابن الأعرابي وما ذكر من الأسنان هو المشهور وقد تقدم في الزكاة.

(وفحول الضأن في الضحايا أفضل من خصيانها وخصيانها أفضل من إناثها وإناثها أفضل من ذكور المعز ومن إناثها المعز أفضل من الإبل والبقر في الضحايا وأما في الهدايا فالإبل أفضل ثم البقر ثم الضأن ثم المعز).

المشهور أن المعتبر في الضحية طيب اللحم لا كثرته قال ابن رشد فأصل الضحايا الكبش الفحل الأبيض الأقرن الذي يمشي في سواد وينظر في سواد ويأكل في سواد وقيل وهذه صفة الكبش الذي فدي به ابن إبراهيم عليه السلام المازري المشهور تفضيل الفحل.

وقال ابن شهاب الفحل والخصي سيان ابن حبيب سمين الفحل خير من سمين الخصي وسمين الخصي أحب إلي من هزيل الفحل والمشهور تفضيل الذكر على أنثى جنسه وروى اللخمي أنثى كل جنس مساوية لذكره واختلف فيما بين الإبل والبقر فرواية المختصر أن البقر أفضل اعنبارا بطيب اللحم واعتبر ابن شعبان والقاضي كثرة اللحم فقالا كالهدايا في غير الغنم وثالثها للشيخ عن أشهب البقر أفضل لغير من بمنى قائلا ولا أرى على من يمنى أضيحة والمقصود في الهدايا كثرة اللحم لنفع المساكين والله أعلم.

(ولا يجوز في شيء من ذلك عوراء ولا مريضة ولا العرجاء البين ظلعها ولا العجفاء التي لا شحم فيها ويتقي فيها العيب كله ولا المشقوقة الأذن إلا أن يكون يسيراً وكذلك القطع ومكسورة القرن إن كان يدمي فلا يجوز وإن لم يدم فذلك جائز).

أصل هذا الباب حديث البراء بن عازب رضي الله عنه «أربعة لا تجزئ في الضحايا العوراء البين عورها والمريضة البين مرضها والعرجاء البين ظلعها والكبيرة التي لا

ص: 570

تنقي «أخرجه ابن حبان والترمذي وصححها واتفق العلماء على العمل به ف يمنع ما فيه أحد هذه العيوب وإلحاق ما هو أشد منها بها وعلى عدم إلحاق ما هو دونها واختلفوا فيما هو مساو لها فمذهب المدونة إلحاقه وهو المشهور وعليه الأكثر واللخمي عن الجلاب وابن القصار وغيره من البغداديين عدم الإلحاق وقد فرق الشيخ بين الأصل وبين ما يلحق به باستئناف الكلام على الثاني بقوله (ويتقي فيها العيب كله) بعد ذكر الأربعة التي في الحديث والمراد العيب المنقص للقيمة والذي يشين الذات ويغير المنفعة ويخل بطيب اللحم.

ثم المراد بالعور ذهاب نور أحد العينين وإن بقيت صورتها والعمى كذلك فلا يتوقف على فقد الناظر منه شيء والمراد بالمرض ما يمنع من التصرف بتصرف الغنم (ح) ومنه البشم أي التخمة والجرب وسقوط الأسنان أو جلها على الأشهر وفي السن الواحدة والاثنتين قولان وفي البيان لا يضر سقوطها للاثغار ولا تجزئ إن كسرت اتفاقا فيهما وفي الكافي لا بأس بالثولي بفتح المثلثة وسكون الواو وفتح اللام إذا كانت سمينة.

الجوهري والثول بالتحريك جنون يصيب الشاة فلا نتبع الغنم الباجي: ولا نص في المجنونة ولا تجزئ وقال اللخمي إنما تمنع إذا كان جنونها لازما قالوا وتمنع البخراء وهي المنتنة الفم جدا لأن ذلك دليل قبح اللحم ومنشؤه غالبا مرض.

وللشيخ عن ابن القاسم لا بأس بالهرمة ابن حبيب ما لم تكن بينة الهرم وقد قال الحكماء إن الهرم مرض أصلي والمرض هرم عارض فهو داخل في المرض والله أعلم.

و (العرج المانع) هو الذي لا تلحق معه الغنم فيف المدونة يسير العرج الذي لا يمنع لحوق الغنم مغتفر وسمع القرينان المجبورة بعد كسر إن صحت حتى لا ينقص من ثمنها ولا مشيها ولا صحتها شيء كالصحيحة ابن رشد وإن برئت على عرج يسير اغتفر وللشيخ عن سحنون تجزئ مقعدة الشحم لأنه من كمالها و (العجف) – بفتح العين والجيم ساكنة بعدها فاء – قوة الهزال وشدته وما ذكر من أنها التي لا شحم فيها هو تفسير ابن حبيب لقوله في الحديث «التي لا تنقى» وقال اللخمي التي لا مخ فيها وفي الجلاب لا شيء منهما فانظر ذلك ثم ما ذكر في شأن الأذن جار على المشهور الذي هو إلحاق العيوب المساوية.

ص: 571

وفي المدونة لا تجزئ السكاء وهي الصغيرة الأذنين جدا الباجي إن كان ذلك يشينها ويقبح خلقتها وإلا أجزأت وللشيخ عن ابن المواز لا بأس بقطع يسير الذنب والثلث عندنا كثير الباجي الثلث عندنا في الذنب كثير وفي الأذنين يسير لأنه لحم وعصب وعظم والأذن طرف جلد ليس إلا أما مقطوعة الذنب فهي البتراء وفي الحديث منعها وفي المدونة لا بأس بيسير قطع الأذن وشقها اللخمي، ما دون الثلث يسير وما فوقه كثير وفي الثلث قولان لابن حبيب وغيره قال والشق أيسر من القطع فشق النصف يسير بخلاف القطع الباجي.

وسمع مالك شق الأذن يسير كالسمة ونحوها قال وعندي أنه لا يمنع الإجزاء إلا أن يشوه خلقها وفي حديث علي كرم الله وجهه أن النبي صلى الله عليه وسلم أمرنا أن نستشرف العين والأذن ولا نضمي ولا عوراء ولا مقابلة ولا مدابرة ولا شرقاء ولا ثرماء صحح أوله الترمذي وابن حبان والحاكم ابن الحاج والنهي عن الخرقاء والشرقاء والمدابرة والمقابلة بيان للأكمل على الأشهر وعزاه ابن بشير لابن القصار وقال الباجي وهذا مطلق والمذهب أن كثير القطع يمنع الإجزاء واللخمي نحوه إذ قال قد يحمل النهي على ما كثر من ذلك قال: والخرقاء مشقوقة الأذن والمقابلة مقطوعة الأذن من قدامها والمدابرة مما يلي قفاها والثرماء المكسورة الأسنان أو بعضها وتحرير القول في ذلك أن سقوط الأسنان إن كان للأثغار لا يضر اتفاقا وللكبر قال ابن حبيب لا تجزئ وسمع ابن القاسم تجزئ المازري وهو خلاف في حال هل ذلك نقص بين أم لا وروى ابن المواز لا بأس بذهاب سن واحدة وروى القاضي إسماعيل لا يضحى بها اللخمي ومحله على الاستحسان لخفته وللباجي رواية عن القاضي إن ذهب لها سن أو أسنان فلا يضحى بها ورواه المازري في قلع سن واحدة فأما القرن فقال (ع) كسر خارجه دون إماء عفو وفي داخله ثالثها إن لم يدم فعفو لا إن أدمى فإنه مرض ولا خلاف في إجزاء الجماء التي لا قرن لها بالأصالة التونسي ولو اتصل قرناها ثم برئت أجزأت والله أعلم.

فرعان:

أحدهما: الجمهور على جواز تسمين الأضحية وكرهه ابن شعبان لمشابهة اليهود ذكر ذلك عياض وعن محمد بن سحنون مقعدة الشحم تجزئ لأنه كمال لها والله أعلم.

ص: 572

الثاني: سمع القرينان يكره التغالي في ثمنها أن يجد بعشرة دراهم فيشتري بمائة درهم ابن رشد لأنه يؤدي إلى المباهاة واستحب اللخمي استفراها لقوله تعالى: {بذبح عظيم} [الصافات: 107] ولحديث: «أفضل الرقاب أغلاها ثمنا وأنفسها عند أهلها» (ع) ظاهره خلاف الأول إلا أن يحمل على التغالي لمجرد المباهاة وفيه نظر فتأمله وبالله التوفيق.

(وليل الرجل ذبح أضحيته بيده بعد ذبح الإمام ونحره يوم النحر ضحوة).

ذكر في هذه الجملة ثلاثة أمور من يلي ذبح الأضحية وزمن ذبحها الخاص والعام، فأما من يلي ذبحها فمالكها استحبابا على المشهور وهي رواية القرينين وقال في رواية محمد لا يليه غير ربها فقال محمد إلا من ضرورة أو ضعف ابن حبيب أو كبر ورعشة ونحوهما وقوله (الرجل) يحتمل أن يكون هذا خرج مخرج الغالب فلا مفهوم له وأن المرأة والصبي كذلك ويحتمل أن يكون مقصودا فلا تذبح المرأة ولا الصبي وفي المسألة اختلاف فيف الموازية لتلي المرأة ذبح أضحيتها بيدها أحب إلي. وكان أبو موسى رضي الله عنه – يأمر بناته بذلك ولا يذبح الصبي أضحيته ابن رشد الأظهر منع المرأة من ذبح أضحيتها بيدها لأنه عليه السلام قد ذبح عن أزواجه في الحج ولم يأمرهن به. واستنابه الغير بصريح اللفظ جائزة إن ذبح عن المالك اتفاقا ولو ذبح عن نفسه فعلى المشهور فقد روى أن ابن عمر اجتاز يوم العيد بصاحب غنم فاشترى منه شاة ثم قال اذبحها عني أضحية فقال الرجل باسم الله والله أكبر اللهم تقبل مني أضحيتي فقال ابن عمر رضي الله عنه ربك أعلم من أنزلها من الجبل ابن رشد وهذا يدل أن المعتبر نية المالك لا نية النائب عنه والإجزاء هو سماع القرينين وقال فضل بن مسلمة لا تجزئ وثالثها لأصبغ تجزئ عن الذابح ويضمن القيمة وإنما تصح نيابة من تصح منه القربة مصليا وفي استنابة الكتابي المنع لابن القاسم في المدونة والجواز لأشهب قائلا. وقد أساء.

وفي تارك الصلاة قولان اللخمي: فإن فعل استحب إعادتها للخلاف في زكاة تارك الصلاة هل تصح أم لا نعم والاستنابة العرفية كافية عن التصريح في حق القريب اللخمي فلو ذبحها بغير إذنه غير صديق ولا نائب لم يجزه ولو كان ولده أو من عياله ففي الأجزاء قولان لابن القاسم وأشهب ابن المواز عن ابن القاسم إن ذبح أضحية

ص: 573

جاره إكراماً له فرضي لم تجزه ثم قال ولو كان لصداقة ووثق بأنه ذبحها أجزأت الباجي إن كان قد فوض إليه أموره أو كان ممن يدخله معه في ثواب أضحيته أو ممن يحملها عنه وإلا فظاهر المذهب عدم الإجزاء فانظر ذلك ولو ظنها أضحيته فذبحها فإذا هي أضحية جاره غلطا وقد ضمنه صاحبها القيمة فإنها لا تجزئ اتفاقا وله بيعها.

قال ابن حبيب وإن لم يضمنه القيمة فثلاثة في المدونة لا تجزئ وهو قول أشهب ولمحمد أنها تجزئ وثالثها لابن حبيب فإن فاتت فوتا لا يمكن استرجاعها معه أجزأت عن ذابحها فانظر ذلك، وأما زمن ذبحها الخاص فهو بعد ذبح الإمام ما يذبح أو نحره ما بنحر يوم النحر بعد الصلاة أو قدرها فلو ذبح قبل ذلك فإنما هو لحم قد قربه إلى أهله ليس من النسك في شيء كذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (ع).

وفي كون المعتبر إمام الصلاة أو إمام الطاعة طريقان لابن رشد واللخمي قائلا المعتبر أمير المؤمنين كالعباسي اليوم أو من قام مقامه، وأما وقتها العام فأوله يوم النحر ضحوة بعد الصلاة على ما تقدم ويأتي إن شاء الله.

(ومن ذبح قبل أن يذبح الإمام أو ينحر أعاد أضحيته).

ص: 574

ما ذكره قد صرح به الحديث بقوله عليه السلام: «ومن ذبح قبل الصلاة فإنما هو لحم قربه إلى أهله فليعد أضحيته» (ع) وأول وقتها إثر صلاة الإمام وإثر ذبحه لغيره إن لم يتراخ.

ص: 575

وقال أشهب: إن أخر الذبح لا ينتظر ابن رشد إن كان لعذر غالبا انتظر إلى الزوال قال والسنة ذبحه بالمصلى قال ابن المواز والصواب إثر نزوله عن المنبر (ع) ومقتضى قول ابن رشد السنة ذبحه بالمصلى كراهة ذبحه بمنزله انتهى ثم إن لم يبرز أضحيته تحرى الناس ذبحه وذبحوا فإن تبين أن ذبحهم وقع قبله أجزأهم عند أبي مصعب وفي الموازية لا تجزئ (ومن لا إمام لهم فليتحروا صلاة أقرب الأئمة إليهم وذبحه).

يعني وإذا غلب على ظنهم صلاته وذبحه جاز لهم الذبح وإلا فلا وإن أخطئوا في تحريهم أجزأهم على المشهور بخلاف تحريهم ذبح إمامهم إذا أخر فإن المشهور أنهم إذا أخطئوا لا يجزئ لأن هذا معذور على تحصيل العلم بخلاف الآخر والله أعلم.

ونص أشهب على أن الإمام إذ أخر الذبح ذبح الناس ولا ينتظرونه وقال ابن المواز إن ذبح على المسافر أهله فإنما يراعي ذبح إمامهم لا ذبح الذي بموضعه واستدل بخ ابن عرفة على أن المراد بالإمام أمام الصلاة لعدم تعدد إمام الطاعة قال وعليه لا يعتبر ذبح إمام صلاتنا لأن إخراج السلطان أضحيته للمصلي دليل على عدم نيابته إياه في الاقتداء بذبحه خلافا لبعضهم.

(ومن ضحى بليل أو أهدى لم يجزه).

هذا هو المذهب خلافا للشافعي عبد الوهاب لأن المقصود بهما إظهار شعار الإسلام ولا يكون ذلك ليلا مع أن الله تعالى قد قال: {وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّنْ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ} [الحج: 28] الاية فذكر الأيام دون الليالي وقال عليه السلام: «من ذبح بلبل أو أهدى فليعد» ابن القصار وروى مالك فيمن ضحى بليل أنها تجزئه قال وعلى هذا يجزئ الهدي إذا نحر ليلا ولأشهب في مدونته لا تجزئ الضحية ويجزئ الهدي، وهذا كله فيما بعد ليلة يوم النحر لأن أول وقتها لم يدخل بعد والله أعلم.

(وأيام النحر ثلاثة يذبح فيها أو ينحر إلى غروب الشمس من آخرها وأفضل أيام النحر أولها ومن فاته الذبح في اليوم الأول إلى الزوال فقد قال بعض

ص: 576

أهل العلم يستحب له أن يصبر إلى ضحى اليوم الثاني).

أما كون أيام النحر ثلاثة فدون اليوم الأول منها لما تقدم من اشتراط صلاة الإمام وذبحه وقال الشافعي أربعة كالرمي للجمار وقال قتادة ستة وقال سليمان بن يسار بقية الشهر كله ولا خلاف في أن فضلها أولها قبل زوال ذلك اليوم وهل ما بعد الزوال أفضل من أول اليوم الثاني أو العكس قولان، والثاني: عزاه الشيخ لابن حبيب لأنهم قالوا بعض العلماء حيثما ورد في الرسالة فالمراد به ابن حبيب ابن رشد لا يختلف في رجحان أول يوم الثالث على آخر الثاني وللقابسي واللخمس إجزاء الخلاف فيما بين آخر الثاني وأول الثالث فانظر ذلك وللشيخ أبي محمد لا يراعي في اليوم الثاني والثالث قدر ذبح الإمام.

ولكن إذا حلت الصلاة ولو ذبح بعد الفجر أجزأه وعزاه الباجي لرواية ابن حبيب وقال ابن بشير في مراعاة وقت صلاة الإمام فيها المشهور والشاذ إذا ذبح بعد الفجر أجزأه (ع) ظاهره عدم الإجزاء وهو خلاف نص الروايات وذكر أن طلوع الشمس مستحب فيهما والله أعلم.

(ولا يباع شيء من الأضحية جلد ولا غيره).

إنما لا يباع شيء منها لأنها قربان وما كان الله لا يصح بيعه وليس بقاصر على البيع بل كل معاوضة من إجارة وغيرها لا تجوز بشيء منها وفي المدونة والتلقين لا يعاوض بشيء منها للجزار ولا يعطى صوفها لمن يدبغ جلدها ولا بالعكس وسمع ابن القاسم لا بأس بإعطاء الظئر النصرانية تطلب فروة ضحية ابنها فروتها ومن لحمها فأقام منه (ع) جواز إعطاء القابلة والقران والكواش ونحوهم قال ومنعه بعض شيوخ بلدنا الباجي عن ابن حبيب إن باع جلدها جهلا تصدق بثمنه لابن القاسم مطلقا ولابن عبد الحكم يصنع به ما شاء ولسحنون يجعل ثمن الجلد في ماعون وثمن اللحم في الطعام وجاز إجارة جلدها كجلد ميتة دبغ وحكى ابن شاس عن المذهب نحوه ثم ذكره قول سحنون فانظره وسمع أصبغ إن باع أهله جلد أضحيته أو لحما وضعه لهم منها تصدق بثمنه من عينه ولا شيء عليه إن أنفقوه أصبغ إن رخص لهم في بيعه فكأنما باعه.

ابن رشد إن أنفقوه فيما لا غنى به عنه لزمت الصدقة بقدره ابن القابسي وما

ص: 577

ذبح قبل ذبح الإمام لا يباع وإن كان لا يجزئ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد سماه نسيكة عياض فيه نظر وفي الواضحة إذا أطلع على عيب أضحيته بعد ذبحها لم يجز بيعها وإن لم تجز ونقل ابن رشد قولا بالجواز وعزاه (س) لأصبغ والمشهور في الرءوس تسرق من عند الشواء أنه لا يغرم شيئاً وكأنه رآه بيعا خلافا لعبد الملك وأصبغ وغيرهما (س) وهذا أصل مختلف فيه هل القيمة فيما لا يجوز بيعه تتنزل منزلة الثمن أم لا كدية الحر. ومنه أم الولد هل تجب فيها القيمة أم لا فانظر ذلك.

(وتوجه الذبيحة عند الذبح إلى القبلة وليقل الذابح باسم الله والله أكبر وإن زاد في الأضحية ربنا تقبل منا فلا بأس بذلك) أما توجيه الذبيحة عند الذبح إلى القبلة فمستحب قال ابن المواز إجماعا فإن تركت لعذر من نسيان أو غيره أكلت وإن كان عبدا فقال ابن المواز لا أحب أكلها وقال ابن حبيب إن فعله عمدا لا جهلا لم تؤكل واللخمي عنه تحريم أكلها والمشهور أكلها مطلقا وأما التسمية فلا خلاف في مشروعيتها في الزكاة والمذهب أنها فرض مع الذكر والقدرة ساقطة مع العجز والنسيان وما ذكر من التكبير هو سنة تسمية الذبيحة قالوا ولا تكمل لأن الرحمة والذبح لا يجتمعان ابن القاسم وليس بموضع صلاة على النبي صلى الله عليه وسلم قال: ولا يذكر إلا الله عز وجل ابن حبيب ويكفيه من التسمية لا إله إلا الله أو سبحان الله ولا حول ولا قوة إلا بالله

ص: 578

وقال ابن شعبان ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم على ما يتقرب به من هدي أو نسك أو ضحية أو عقيقة حسن ولا بأس بقوله اللهم منك العطاء ولك النسك وإليك تقربت وظاهر الرسالة خلاف قول ابن شعبان لإظهار الاستحباب وظاهرها الإباحة فقط.

(ومن نسي التسمية في ذبح أضحية أو غيرها فإنها تؤكل وإن تعمد ترك التسمية لم تؤكل وكذلك عند إرسال الجوارح على الصيد).

لا خلاف إن ترك التسمية في ذبح أضحيته وغيره تهاونا لم تؤكل معه وتؤكل مع نسيانها اتفاقا قاله ابن بشير وفي العبد بلا تهاون ثلاثة الإباحة والكراهة والمنع وهو المشهور ولابن حارث عن أشهب المتهاون كالناسي وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله كتب الإحسان على كل شيء فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة وليحد أحدكم شفرته وليرح ذبيحته» رواه مسلم من حديث شداد بن أوس رضي الله عنه. (ع) الشيخ في كتاب محمد السنة أخذ الشاة برفق فليضجعها على شقها الأيسر ورأسها مشرف ويأخذه بيده اليسرى جلد حلقها من المنحر الأسفل فيمده لتبين البشرة ثم يضع السكين حيث تكون الجوزة في الرأس ثم يسمي الله ويمر السكين مرا مجهزا بغير تردد فيرفع دون نخع.

وقد حدد الشفرة قبل ذلك ولا يضرب بها الأرض ولا يجعل رجله على عنقها ولا يجرها برجلها وسمع ابن القاسم ذكر مالك قول عمر رضي الله عنه لمن يضجع شاة وهو يحد شفرته علام تعذبها ألا حددتها قبل وعلاه بالدرة ابن رشد أسنده ابن مسعود وكره ربيعة وابن حبيب ذبحها وأخرى تنظر إليها وخففه مالك وقال الإبل تصف قياما وتنحر فانظر ذلك.

(ولا يباع من الأضحية والعقيقة والنسك لحم ولا جلد ولا ودك ولا عصب ولا غير ذلك).

يعني لأن ذلك كله يتقرب به وأكل صاحبه له صدقة من الله عليه والنسك الهدي ونحوه مما يتعلق بالحج وقد اختلف في الضحية هل تتعين بنفس الشراء فلا يباع صوفها إن جز ونحوه وإنما تتعين بالذبح فيجوز ذلك وعلى الخلاف في تبديلها

ص: 579

لعطب وغيره في البا فروع كثيرة فانظرها عالما أن المشهور أنها لا تتعين إلا بالذبح ولهم مسائل تقتضي خلاف ذلك والله أعلم.

(ويأكل الرجل من أضحيته ويتصدق منها أفضل له وليس بواجب عليه ولا يأكل من فدية الأذى وجزاء الصيد ونذر المساكين وما عطب من هدي بالتطوع قبل محله ويأكل مما سوى ذلك إن شاء).

يعني أن من سنة الأضحية استحباب الجمع بين الأكل والتصدق لقوله تعالى: {فكلوا منها وأطعموا القانع والمغتر} [الحج: 37] وقوله {وأطعموا البائس الفقير} [الحج: 28] الآيتين. وقد اختلف في تفسيرهما فانظر ذلك.

ابن المواز: تستحب صدقته ببعض أضحيته فإن لم يفعل جاز وروى ابن حبيب صدقته بكلها خطأ وروى محمد هو أعلى أجرا الباجي ومبنى القولين هل الأمر على الإباحة أو الندب والرواية نفي تحديد الأكل والتصدق وفي الجلاب الاختيار أكل أقلها وقسم أكثرها ولو قيل يقسم الثلثين وأكل الثلث لكان حسنا، وروى ابن المواز لا بأس أن يطعم الغني والفقير من المسلمين وفي كراهة إطعام الكافر منه روايتا العتبية واختيار ابن القاسم الكراهة ابن حبيب يستحب أن يأكل يوم النحر ويطعم.

وفي الكافي يطعم ويأكل يوم النحر نيا ومطبوخا وفي التلقين له: أن يدخر القدر الذي له أكله والأصح كراهة الاقتصار على التصدق بكلها وأكل كلها وحكى ابن الحاجب قولا باستحباب النصف والثلث وأنكره (ع) فانظره.

وإنما لا يأكل من فدية الأذى لأنها مستحقة للمساكين كفارة وجزاء الصيد كذلك ونذر المساكين كذلك وكذا ما عطب من هدي تطوع قبل محله ولأنه يتهم أن يكون أعطبه بالقصد ليأكله الأبهري فإن أكله فعليه بدله لأنه ذبحه لنفسه ودماء الحج ثمانية أربعة لا يؤكل منها وهي المذكورة وأربعة يؤكل منها وهي ما عداها ومحل الكلام عليها المناسك فانظرها وبالله التوفيق.

(والزكاة قطع الحلقوم والأوداج ولا يجزئ أقل من ذلك).

ص: 580

الزكاة في الشرع على أربعة أوجه الذبح والنحر وهو للمقدور عليه مما يذبح أو ينحر والعقر في المعجز عنه حالة المعجوز كان العجز بالأصالة أو بالعرض على خلاف في هذه وفعل ما يسرع الموت في الجراد والحلزون ونحوه وأركان الزكاة أربعة ذابح ومذبوح وآلة وصفة فأما الذابح فإن كان مسلما بالغا عاقلا مصليا صاحيا عارفا غير يدعي جازت ذبيحته إجماعا وإن اختل وصف منها دخل الخلاف إلا في خمسة المجوسي والمرتد والسكران الطافح والصبي الذي لم يميز والمجنون المطبق فلا تصح زكاتهم اتفاقا ويختلف في خمس المرأة والخنثى والخصي والأغلف والفاسق ثم في خمس أخرى تارك الصلاة والسكران الذي يخطئ ويصيب والنصراني العربي والبدعي الذي يختلف في تكفيره والكتابي يذبح لمسلم بأمره.

وأما المذكي فلا خلاف في أن الذكاة لا تعمل في الخنزير ولا يصح أكل حيوان البر الإنسي إلا بها حيث يباح أكله وسيأتي بيان ما يؤكل وما لا يؤكل.

وأما الآلة فقال (ع) ما قطع بضغطه للأسفل وفي التلقين ولو كان زجاجا فيخرج المنشار كقول ابن حبيب لا خير ف يمنجل الحصد للضرس لا الأملس ولو قطع الأملس قطع الشفرة فلا بأس به وما أراه يفعل وفيها مع رواية ابن حبيب تقييد ما سوى آلة الحديد بعدمها وخوف فوتها ومعها مكروه قال وقد أساء ولا يحرم أكلها عياض لا يذكي بغير الحديد معه اتفاقا وروي: «ما ذبح بفلقة قصب أو عصا أو حجر أكل» انتهى.

وفي المتفق عليه من حديث رافع بن خديج «ما أنهر الدم وذكر اسم الله فكل» ليست السن والظفر أما السن فعظم وأما الظفر فمدي الحبشة واختلف في النهي فقيل على الكراهة وقيل على المنع وثالثها النهي عنه المتصل لأنه نخس ونهش بخلاف المنفصل فإنه يجوز والمشهور الأول والله أعلم.

ص: 581

وأما صفة الذكاة فقد تقدمت عند قوله (وتوجه الذبيحة) إلى آخره وما تعرض له هنا هو شرط صحتها من صفتها وهي أربعة في البح النية والاستقبال أي كون القطع من أمام الحيوان المذبوح والفور في الإجهاز بمرة دون رفع ولا تراخ وقطع كل المأمور به وجوبا من محله فلو ذبح لا بنية الذكاة فلا تؤكل ولو ذبح من القفا لم تؤكل وسيأتي في كلام الشيخ ولو رفع يده قبل الإجهاز فكذلك وتأتي إن شاء الله والمقطوع في الذكاة أقله ما ذكره الشيخ من الحلقوم والأوداج.

عياض والناس مجمعون على صحة الذكاة إذا قطع الأربع التي هي الحلقون والأوداج والمريء تحت الجوزة التي هي الغلصمة ابن الحاجب ولو لم يقطع الجوزة وأحازها إلى البدن فثلاثة وشهر التلمساني المنع وهو قول مالك وابن القاسم وغيرهما (ع) الشيخ عن يحيى بن عمر على المنع إن بقي منها في الرأس قدر حلقة الخاتم أكلت وإلا فلا ولابن رشد واللخمي إن بقي قدر نصف الدائرة فعلى قول ابن القاسم وسحنون في اعتبار قطع الحلقوم ولغوه فانظر ذلك.

وفي كلام الشيخ هنا أنه لو ترك المريء وهو المعروف بأبي حشيشة عندنا لم يضر ذلك وهو المشهور خلافا لرواية أبي تمام وقال الباجي لا أعلم من اعتبر المريء إلا الشافعي وفي المدونة لا يكفي قطع الودجين دون الحلقوم وهو معروف المذهب وخرج ابن رشد واللخمي عدم اعتبار الحلقوم من مسائل من المدونة فانظر ذلك وظاهر ما هنا يكفي نصف الحلقوم وقاله سجنون وقال ابن حبيب وعن ابن القاسم يكفي في الطير فقط عياض ولو قطع الحلقوم وأحد الودجين فقولان لمالك ولو قطع الحلقوم والودجين إلا يسيرا منهما فالمشهور عدم أكلها وهو مذهب المدونة وقال ابن محرز لا تحرم والمغلصمة ما رجعت الغلصمة فيه إلى البدن والغلصمة آخر الحلقوم من جهة الرأس ولا يخلو القطع من وجوه.

أحدها: أن يكون في العقدة نفسها أو فوقها فإن كان القطع فيها وبقيت منه لناحية الرأس دائرة فلا خلاف في جواز أكلها لأن الذكاة قد حصلت في الحلقوم والودجين وإن بقي في الرأس أقل من دائرة فلا يخلة إما أن يكون النصف أو أقل ويجري الخلاف فيها مجرى الخلاف في الاكتفاء ببعض الحلقوم.

ص: 582

ولو صارت الجوزة كلها إلى البدن فثلاثة المنع لابن القاسم وأصبغ وسحنون في أحد قوليه وصرح ابن مزين بتحريمها والجواز لابن وهب وأبي مصعب وأشهب والصنابحي وابن وضاح وأول قولي سحنون اللخمي وأنكر أبو مصعب الأول وقال هذه دار السنة والهجرة لم يذكر فيها شرط كون الغلصمة في الرأس بحال وثالثها لنقل ابن بشير كراهة كلها وانظر بقية بعض فروع الباب فإنها مهمة وبالله التوفيق.

(وإن رفع يده بعد قطع بعض ذلك ثم أعاد يده فأجهز فلا تؤكل وإن تمادى حتى قطع الرأس فقد أساء ولتؤكل ومن ذبح من القفا لم تؤكل).

قد تقدم أن شرط الذكاة الإجهاز من غير تراخ ولا فصل ولو فصل برفع السكين قبل التمام فههنا لا تؤكل مطلقا.

وقال القابسي: إن كان الرفع بحيث تعيش فعوده لذكاتها كابتدائه وإن رفع بحيث لا تعيش فإن عاد بعد طول أو تفريط ولا ضرورة لم تؤكل اتفاقا وإن رجع بالقرب دون تفريط فخمسة المشهور لا تؤكل وقاله سحنون ونقل عنه كراهة أكلها فقط وثالثها لابن حبيب تؤكل ورابعها إن رفع مختبرا أكلت لا معتقدا التمام قال سحنون أيضاً وخامسها عكسه قاله ابن عبد الرحمن قياسا على من سلم من صلاته معتقدا التمام فإنها لا تبطل ويرجع لإتمامها بخلاف من سلم شاكا فإنها تبطل وصوبه القابسي وغيره فلو كان فصله لسقوط الآلة من يده خوفا أو نهرا فبادر إليها أكلت (س) ينبغي أن تجري على مسألة عجز ماء المتطهر في الغلبة وحكى (ع) عن أبي حفص العطار فيما إذا قامت قبل التمام ثم أضجعها وأتم الذكاة أنها تؤكل ولم يقيد بقرب ولا بعد وقال ونزلت في أيام قضاء ابن قداح في ثور كانت مسافة هروبه نحو ثلاثمائة باع فحكم بأكله وبيان بائعه ذلك وجعل التونسي ما إذا قامت فأضجعها وكان أمرا قريبا محل النظر وأما إن تمادى حتى قطع الرأس فظاهر ما هنا أكلها تعمد ذلك أو نزلت يده له من غير قصد وهو المشهور.

وقاله ابن القاسم وأصبغ وأحد التأويلين على قول مالك وقال ابن نافع لا تؤكل وثالثها إن تعمد ذلك لم تؤكل وإن ترامت يده من غير قصد أكلت وقاله مطرف وعبد الملك وتأول فيه قول مالك قيل وهو أقرب للصواب والبحث فيه يقرب ممن غسل

ص: 583

رأسه بدلا من مسحه في الوضوء فانظر ذلك.

وأما من ذبح من القفا فإنها لا تؤكل اتفاقا لأنها تصير ميتة بقطع نخاعها قبل حلقومها وودجها والله أعلم.

(والبقر تذبح فإن نحرت أكلت والإبل تنحر فإن ذبحت لم تؤكل وقد اختلف في أكلها والغنم تذبح فإن نحرت لم تؤكل وقد اختلف أيضاً في ذلك).

المذكى ثلاثة أنواع قسم يذبح ولا ينحر وهو ما عدا الإبل والبقر وقسم ينحر ولا يذبح وهو الإبل وقسم يكون فيه الأمران وهو البقر والذبح فيه مقدم استحبابا قاله مالك لقوله تعالى: {فذبحوها} الآية ونص الإرشاد ذبح البعير ونحر غيره لضرورة تبيحه ولغير ضرورة تحرمه على المشهور قالوا وهذا قول مالك في الموازية وهو ظاهر المدونة وحمل على الكراهة أيضاً وثالثها الإباحة هو لأشهب ورابعها لابن بكير إن ذبح ما ينحر أكل لا عكسه وصوبه (س) لأن في الذبح زيادة على النحر لأنه قطع الحلقوم مع ودج أحد والذبح يقطع الحلقوم مع الودجين.

(ع) ونحر الطير حتى النعامة لغو ابن رشد لأنه لا لبة لها وفي المقدمات أن الطير كالغنم في نحره وفي النوادر عن أشهب إن ذبح بعيرا ونحر بقرة أكلا واللخمي عن مالك ما بين المنحر والمذبح مذبح ومنحر فإن ذبح فجائز وإن نحر فجائز ابن رشد معناه عند الضرورة إن لم يجد أن ينحر إلا موضع الذبح نحر فيه وإن لم يجد أن يذبح إلا موضع النحر ذبح فيه قال وهو بين من قوله في المدونة (ع) ومحل النحر اللبة الجوهري وهي محل القلادة من الصدر من كل شيء قال وما عجز عنه في مهواة جاز فيه ما أمكن من نحر وذبح فإن تعذر ففي حله بطعنه في غير محلها قول ابن حبيب والمشهور ابن رشد قد عدم آلة الذبح ضرورة تبيح نحر ما يذبح وكذا عكسه فيما ينحر وقيل الجهل في ذلك ضرورة الأبهري وإن نحر الفيل جاز الانتفاع بعظمه وجلده الباجي هو كالبقر يجوز فيه الأمران والخيل كذلك والله أعلم.

(وذكاة ما في البطن ذكاة أمه إذا تم خلقه ونبت شعره).

يعني أن الجنين ذكاة أمه كافية فيه لكن بشروط ثلاثة خروجه ميتا وتمام خلقه ونبات شعره وسمع ابن القاسم الذي خرج ميتا بمر المدية على حلقه ليخرج دمه ابن

ص: 584

رشد إن خرج ميتا أو حيا فمات قبل إمكان ذكاته أكل دون ذبح وإن شك في دوام حياته ولم يؤكل إلا بذكاة وحمل قو لمالك في ذلك على جهة الاستحباب وعزا الباجي لعيسى أحب إلي أن لا يؤكل إلا بذكاة (ع) ونحوه روى محمد بن وهب وزاد في روايتهما إن سبقهم بنفسه كره أكله وفي الجلاب لا يحل فانظر ذلك.

(ع) وظاهر الروايات وأقوال الشيوخ أن المعتبر شعر جسده لا شعر عينه فقط خلافا لبعض أهل الوقت وفتوى بعض شيوخ شيوخنا وللباجي أن تمام خلقته تمام صورته التي وجد عليها ولو كان ناقص يد أو رجل وتم خلقه على ذلك لم يدفع تمام خلقه.

فرع:

قال ابن رشد السلا وعاء الولد وهو كلحم الناقة المذكاة وقال ابن الصائغ لا يؤكل وقال بعض شيوخ ابن عرفة هو تابع للولد فإن كان الولد قد تم خلقه ونبت شعره وإلا فلا فانظر ذلك.

(والمنخنقة بحبل ونحوه والموقوذة بعصا وشبهها والمتردية والنطيحة وأكميلة السبه إن بلغ ذلك منها في هذه الوجوه مبلغا لا تعيش معه لم تؤكل بذكاة) المنخنقة وما معها محرم كل ذلك في كتاب الله واختلف في قوله تعالى {إلا

ص: 585

ما ذكيتم} [المائدة: 3] هل المراد من غير هذه فيكون الاستثناء منفصلا وإلا ما ذكيتم في هذه الوجوه والمذهب الأول (ع) والمنخنقة وما معها ما أصابه مطلق ضرب أو سقوط لأسفل أو نطح أو عقر إن رجيت حياتها فكصحيحها وإن أنفذت مقاتلها فكما

ص: 586

مر يعني في غيرها وقد ذكر في ذلك طرقا الباجي ذكاتها لغو اتفاقا ابن رشد هو المنصوص اللخمي إنكان إنقاذها بموضع الذكاة كفرى الأوداج لم تؤكل وإلا فقولان ثم قال (ع)" وإلا " أي وإن لم تنفذ مقاتلها فإن أيست حياتها وشك فيها ففي حلها كالمريضة وحرمتها.

ثالثها: إن شك فيها يعني حلت إن أيست ومعنى استقرار الحياة وعدم إنقاذ المقاتل الباجي والمقاتل يعني المتفق عليه خمسة انقطاع النخاع المخ الأبيض الذي في فقار الظهر وانقطاع الظهر وانتثار الدماغ وانتثار الحشوة وخرق الأوداج وانشقاق المصير قيل الأعلى لا الأسفل والله أعلم.

(ع) قلت: وأطلق الأكثر خرق المصير وقال ابن رشد معناه الأعلى في مجرى الطعام والشراب قبل تغيره وفيها لا تؤكل مقطوعة النخاع ولابن القاسم أكل منثورة الحشوة وفي كون اندقاق العنق مقتلا للباجي وابن رشد روايتا الأخوين وابن القاسم.

وقال عبد الحق قطع الودج مقتل ولابن المواز بعض الأوداج والحلق مقتل وفروع الباب كثير مهمة فانظرها إن شئت وبالله التوفيق.

(ولا بأس للمضطر أن يأكل الميتة ويشبع ويتزود فإن استغنى عنها طرحها).

المضطر هو الذي بلغ الغاية في الحاجة إلى الطعام والشراب أو لهما بحيث يخاف على نفسه الهلاك فهذا الذي تباح له الميتة ولا يلزمه الصبر إلى الإشراف لأن الأكل ينفعه إذ ذاك فيباح له ما يرد به رمقه من ميتة وخنزير وغيرهما إلا ميتة الآدمي فلا يأكلها على المشهور ولا يشرب الخمر لأنها لا ترد جوعا ولا عطشا على المشهور بخلاف الغصة لا يجد لها مساغا إلا بها أو الموت فإنه يجوز له ما يسوغ به على المشهور ولا يجوز التداوي به ولا ينجس من باطن الجسد، وفي دهن الجرح غير الجائفة، وغسل الجرح بالبول اختلاف مشهوره المنع وإباحة الشبع والتزود على الإطلاق وهو المشهور.

وقال ابن حبيب وابن عبد الملك لا يشبع ويتزود إلا في المخمصة لأنها مظنة الدوام قال ابن العربي: ويقدم طعام الغير على الميتة والميتة على الخنزير وله السرقة بقدر حاجته إن أمن القطع ويقاتل عليه إن قدر فإن مات ربه فهدر وإن مات هو فالقصاص

ص: 587

واختلف هل يضمن ما يأخذه بهذا الوجه والمشهور تضمينه بناء على عدم وجوب المواساة وعدم التضمين على وجوبه وظاهر ما في الجواهر خوف نسبته للسرقة كاف في جواز استعماله الميتة وترك مال الغير لأجل ذلك وإن أمن القطع وظاهر كلام غيره خلافه والمحرم يجتزئ بالميتة عن الصيد على المشهور وقال ابن الحكم لو نابني ذلك لأكلت الصيد فانظر ذلك في الجواهر فإنه قصر وأطال فانظره.

(ولا بأس بالانتفاع بجلدها إذا دبغ ولا يصلى عليه ولا يباع).

الانتفاع بجلد الميتة مشروط بدباغه قال الباجي والدباغ ما أزال النتن والشعر ثم المشهور أن الانتفاع به مقصور على استعماله في اليابسات والماء مع بقاء حكم النجاسة عليه وهذه طريقة (خ).

وابن الحاجب جعلها طهارة مقيدة بما ذكر وقال ابن وهب يباع ويصلي عليه لأنه يطهر مطلقا وهذه المسألة من باب الطهارة والكلام فيها واسع مشهور فانظره.

(ولا بأس بالصلاة على جلود السباع إذا ذكيت وبيعها).

يعني أن الذكاة قد أزالت خبثها وفي المقدمات أن مذهب مالك أن كل ما يطهره الدباغ تطهره الذكاة والذي لا يطهره الدباغ جلد الخنزير فلا تطهره الذكاة بخلاف سائر السباع وفي ذلك اختلاف في باب الطهارة فانظره وبالله التوفيق.

(وينتفع بصوف الميتة وشعرها وما ينزع منها في الحياة وأحب إلينا أن يغسل ولا ينتفع بريشها ولا بقرنها وأظلافها وأنيابها وكره الانتفاع بأنياب الفيل وقد اختلف في ذلك).

ما ينزع من الحيوان لا يخلو من ثلاثة أوجه:

أحدها: أن لا يتألم به عند إزالته كالشعر والوبر والصوف وزغب الريش وما في معناه فهذا طاهر في حياته وموته إلا أن يعلق به شيء من أصوله فيزال واستحب غسل صوف الميتة قاله في المدونة.

الثاني: أن يتألم بقطعه كالجلد واللحم والعصب ونحوه وهذا نجس بلا خلاف عند نافيه مطلقاً.

الثالث: ما يتألم به في وجه دون وجه كالظفر والظلف والناب وقصبة الريش

ص: 588

ونحو ذلك.

وهذا اختلاف فيه والمشهور نجاسته واستشكلوا ما وقع في المدونة من كراهة أنياب الفيل مع أن المذهب المشهور نجاستها حتى قال (خ) وفيها كراهة العاج والتوقف في الكيمخت قيل والكيمخت – بفتح الكاف وسكون الياء بعدها ميم مفتوحة – جلد الحمار وقيل جلد البغل وقيل غير ذلك.

(وما ماتت فيه فارة من زيت أو سمن أو عسل ذائب طرح ولم يؤكل ولا بأس أن يستصبح بالزيت وشبهه في غير المساجد ويتحفظ منه لأنه نجس وإن كان جامداً طرحت وما حولها وأكل ما بقي قال سحنون إلا أن يطول مقامها فيه فإنه يطرح كله).

في البخاري من حديث ميمونة رضي الله عنها سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن فأرة وقعت في سمن فقال: «ألقوها وما حولها وكلوه» .

وفي أبي داود من طريق أبي هريرة رضي الله عنه «إن كان جامدا فألقوها وما حولها وكلوا سمنكم وإن كان مائعا فلا تقربوه» فقاس علماؤنا على السمن كل ما في معناه من زيت أو عسل ونحوه غير أنهم اختلفوا في الزيت هل يقبل التطهير لغلظ جوهره أم لا فالمشهور لا يقبله.

ونقله الباجي عن ابن القاسم وفي سماع ابن القاسم يقبله بأن يطبخ في الماء مرتين أو ثلاثة وأفتى به ابن اللباد وثالثها لأصبغ يطهر الكثير لا اليسير ورابعها إن تنجس بما ماتت فيه فأرة لم يقبل التطهير وإن تنجس بغير ذلك قبل التطهير وقاله عبد الملك وقال الباجي: الزيت الكثير تموت فيه الفأرة أو تقع فيه الميتة ولم تغيره المشهور قول مالك الكراهة ولابن سحنون عن ابن نافع لا يضره ذلك.

ابن الماجشون إن ماتت فيه طرح وإلا فحلال وخفف سحنون في الزيت توجد فيه فأرة ميتة يابسة لدلالة يبسها على صب الزيت عليها لا على موتها فيه (خ) ولا يطهر زيت خولط ولحم طبخ وزيتون ملح وبيض صلق بنجس يريد على المشهور إذ في الكل خلاف فانظره.

وقوله: (ولا بأس أن يستصبح بالزيت وشبهه) يعني كالسمن ونحوه من

ص: 589

المتنجس بخلاف النجس (خ) وينتفع بمتنجس لا نجس في غير مسجد وآدمي يعني لحرمها والمشهور منع الاستصباح بشحم الميتة وطلي السفن والجولد ونحو ذلك بها لنص الحديث في منعه.

وقال الأبهري وابن الجهم لا بأس أن يستصبح بشحم الميتة ويتحفظ منه، وقال عبد الملك لا بأس أن يطعم عبيده الكفار ما عجن بالماء المتنجس وقال سحنون لا يطعمهم ولا يمنعهم وحكى عبد الحق عن سحنون في قملة وقعت في ثريد ولم توجد بعد البحث عنها أنه يؤكل ولابن رشد عن سليمان الكندي صاحب سحنون أنه طرح عجين دقيق وقعت فيه قملة ابن رشد هو إغراق في الورع ولما كانت النجاسة تسري في كل المانع طرح كله وفي بعض الجامد طرح تقذرا لظن سريانها وإن طال مقامها في الجوامد حتى أمكن السريان لذوبانه بحر ونحوه ألحق بالمائع وهذا الذي بينه سحنون بقوله والظاهر أنه تفسير وبيان والله أعلم.

(ولا بأس بأكل طعام أهل الكتاب وذبائحهم وكره أكل شحوم اليهود منهم من غير تحريم).

{وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَّهُمْ} [المائدة: 5] قال علماؤنا أخبر الله تعالى بحلية طعامهم لتناولنا ولهم وبحلية طعامنا لهم لتناولهم إياه قال ابن عطية الجمهور من المفسرين على أن الطعام هنا الذبيحة كلها وتذكية الكتابي عاملة قال غيره ولا يخلو الكتابي أن يكون ممن يستحل الميتة أم لا فإن كان ممن يستحلها فلا عبرة بذكاته لأنه لا ينويها وإن كان لا يستحلها فلا يخلو إما أن يذكي ما يستحله أو ما لا يستحله فإن ذكى ما يستحله لنفسه جاز أكله وإن ذكاه لمسلم فالجواز والمنع والكراهة وإن ذكى ما لا يستحله.

فإن كان تحريمه عليه ثابتا بشرعنا كذي الظفر فلا يؤكل على المشهور وإن كان غير ثابت بشرعنا كالطريفة فالمشهور الكراهة وقال ابن القاسم لا تؤكل الباجي ظاهره المنع جملة ولو حمل على التحريم ما بعد وفي المدونة كره مالك الشراء من مجازر اليهود وقال نهى عمر أن يكونوا في أسواقنا جزارين أو صيارفة وأمر أن يقاموا من الأسواق وقال ابن حبيب عن مطرف وعبد الملك ينهى عن الشراء منهم ولا يشتري منهم إلا

ص: 590

رجل سوء ولا يفسخ شراؤه وقد ظلم نفسه إلا أن يشتري منهم ما لا يأكلونه مثل الطرفة ونحوها فإنه يفسخ على كل حال ومعنى (ذي الظفر) ما ليس بمشقوق الخف ولا منفرج القائمة كالبعير وحمار الوحش والنعام والأوز ولابن حارث عن ابن القاسم كراهة ما ذكر عليه اسم المسيح ورواه أشهب قال ويباح أكله لأن الله قد أباح طعامهم وعلم ما يفعلون وفيما ذبحوه لكنائسهم الكراهة للمدونة والمنع لغيرها وكذا الإباحة فأما ما ذكر من كراهة أكل شحوم اليهود فهو قول ابن القاسم ومالك وابن نافع ولمالك في الموازية المنع وقاله ابن القاسم وأشهب وابن حبيب وفي المبسوط إباحته عن مالك والمشهور الأول وقول الشيخ منهم احترز به من المرتد إليهم والدخيل فيهم إذ لا يحل طعامه على خلاف فيمن ارتد من كفر إلى كفر والمشهور إلحاق الصابئ والسامري بالكتابي في الجزية لا في النكاح والذبيحة والله أعلم.

(ولا يؤكل ما ذكاه المجوسي وما كان مما ليس فيه ذكاة من طعامهم فليس بحرام).

إنما يؤكل ما ذكاة المجوسي لأنه ليس من أهل الكتاب وإن اختلف فيه وقوله عليه السلام «سنوا بهم سنة أهل الكتاب» يعني في الجزية لا في النكاح والذبائح وفي العتبية كراهة جبن المجوس لما يجعل فيه من أنافح الميتة وأما الزيت والسمن فلا أرى به بأسا فحمله ابن رشد على التحريم وأشار بنقل العتبي لم يكن الناس يقولون هذا حلال وهذا حرام وإنما كانوا يقولون يكره هذا وهذا الذي يعجبني وحمله غيره على ظاهره من الكراهة وفي الصحيح من حديث أبي ثعلبة الخشني رضي الله عنه قلت: يا رسول الله إنا بأرض قوم أهل الكتاب – وفي رواية بأرض قوم مجوس – أفنأكل في آنيتهم؟ قال: «لا إلا أن لا تجدوا غيرها فاغسلوها وكلوا فيها» .

فرع مهم:

سئل مالك عن جبن الروم فقال ما أحب أن أحرم حلالا وأما أن يكرهه رجل في خاصة نفسه فلا أرى بذلك بأساً وأما أني أحرمه فلا أدري ما حقيقته وقد قيل إنهم يجعلون فيه أنفحة الخنزير وهم نصارى وما أحب أن أحرم حلالا.

ص: 591

وقال القرافي بتحريم قديد الروم وجبنهم وصنف فيه الطرطوشي مرجحا تحريمه ووجدت كرامة له في ذلك أن من كانت له مهمة يأتي إلى قبره زائراً ويعاهد الله أن لا يأكل جبن الروم فإن الله يقضي حاجته وخصوصا رفع الحمى الدائمة كذا سمعته من بعض أهل العلم يحكيه عن تجربة أهل الإسكندرية وصنف ابن العربي في إباحته وإباحة مذكى النصراني بغير وجه ذكاته (خ).

والمحققون على تحريمه قال فلا ينبغي أن يشتري من حانوت هو فيه لأنه ينجس الميزان والبائع ويديه قلت أخبرني بعض من طالت إقامته أسيراً بأرض أميو رقة من بلاد النصارى عن ذلك فقال لم أرهم يجعلون فيه أنفحة خنزير ولكنهم يشقون الخنازير ويمسلحونها ثم يجعلونها مفتوحة مصفوفة ويصفون عليها الجبن ثم يغطونه كذلك فينحل ما فيها من الودك إليه ولذلك تراه أصفر على غير الوجه المعتاد ثم سألت غيره عن ذلك فأجاب بكيفية أخرى فالله أعلم إنه يختلف باختلاف البلاد وعلى كل حال فتركه متعين على كل مشفق على دينه والسلام.

(والصيد للهو مكروه والصيد لغير اللهو مباح).

ص: 592

ظاهر كلامه أن ليس إلا القسمان المذكوران وليس كذلك بل ينقسم لأحكام الشريعة الخمسة (ع).

وروى عن ابن حبيب من جعله كسبا أو قرم للحم فلا بأس به ولو كان غنيا وروى الأخوان خفته لأهل البادية وخروج أهل الحضر له خفة وسفه عن ابن القاسم لا أرى صيد البر إلا لذي حاجة وصيد البحر والأنهار أخف منه اللخمي وهو لعيشه اختيارا مباح ولسد خلته ولتوسع ضيق عياله مندوب ولإحياء نفس واجب وللهو مكروه وإباحته ابن عبد الحكم بلا كراهة خلاف المشهور وبدون نية أو تضييع واجب حرام انتهى فانظره.

(وكل ما قتله كلبك المعلم أو بازك المعلم فجائز أكله إذا أرسلته عليه وكذلك ما أنفذت الجوارح مقاتله قبل قدرتك على ذكاته وما أدركته قبل إنفاذها لمقاتله لم يؤكل إلا بذكاة).

ص: 593

أركان هذا الباب أربعة الصائد والمصيد والمصيد به وكيفية الاصطياد، فأما الصائد فمن تصح ذكاته وتؤكل ذبيحته، والمصيد ما لا يقدر عليه من حيوان البر والبحر، والمصيد به إما سلاح أو جوارح، فشرط السلاح التحديد وشرط الجوارح التعليم فإن لم تكن معلمة لم يحل ما صيد بها (ع) وفي التعليم طرق اللخمي في كونه الإشلاء والانزجار والإجابة رابعها لغو انزجار الطيور.

وقال ابن بشير ليس هذا اختلافا والمعتبر ما يمكن عادة وفي المدونة الفهد وجميع السباع كالكلب وإذا علمت سباع الطير فكالبازي ابن شعبان المعتبر ما يفقه التعليم ولو سنوراً أو ابن عرس والإرسال شرط في إباحة ما انفذت الجوارح مقاتله قبل القدرة على ذكاته وشرطه مع ذلك التسمية والاتصال فإن استرسل بنفسه لم يؤكل من صيده إلا ما أدركت ذكاته وذكر (ع).

وفيها إن لم تنفذ الجوارح مقاتله وقدر على خلاصه منه أو عجز وقدر على ذكاته تحته لم يؤكل إلا بها فلو زهفت روحه قبل إمكانها أكل إن نيبته ولو ذكاه وهو ينهشه قادرا عليه لم يؤكل ابن القاسم إلا أن يوقن أن موته بذكاته فحمله ابن رشد على الخلاف وغيره على الوفاق نعم وتشترط التسمية عند الإرسال كالذكاة.

ص: 596

(وكل ما صدته بسهمك أو رمحك فكله فإن أدركت ذكاته فذكه وإن فات بنفسه فكله إذا قتله سهمك ما لم يبت عنك وقيل إنما ذلك فيما بات عنك مما قتلته الجوارح وأما السهم يوجد في مقاتله فلا بأس بأكله).

يعني أن شرط أكل الوحش بالعقر كونه غير مقدور على تذكيته بما يذكي به الغنم وصيد الحبالة والشرك والبندق والحجر والعصا واليد كذلك لا يؤكل شيء من ذلك بما يؤكل به الصيد وهو وقيذ في البندق والحجر والعصا ابن المواز ولو ألجأه الجارح إلى حفرة أو لجة ثم أخذه فقتله لم يؤكل لأنه أسيره فانظر ذلك وإنما شرط في العقر والإصابة به عدم مبيته عنه لاحتمال أن يكون موته من برد الليل أو نهش بعض الحيوانات لا من إصابة السهم والرمح والله أعلم.

وما حكاه بقوله (وقيل إنما ذلك إلخ) هو أحد خمسة أقوال في المسألة فانظره وما جزم به الشيخ أولا هو مذهب المدونة.

(ولا تؤكل الإنسية بما يؤكل به الصيد).

يعني لو ندت وتوحشت على المشهور وثالثها لابن حبيب تؤكل البقر بالعقر إن ندت ولم يقدر عليها إلا به لأن لها أصلا في التوحش قال ولا بأس أن يعرقب البقر وتعقر عقرا لا يبلغ مقتلا ثم تذكي وتأويل حديث الصالحين «إن لهذه النعم أوابد كأوابد الوحش» الحديث وألزم اللخمي ابن حبيب بعموم الأول مما وقع في مهواة وفرق ابن رشد والمازري بتحقق الفوات في المهواة بخلاف الندود والله أعلم.

(والعقيقة سنة مستحبة).

ص: 597

يعني أنها من السنن التي يستحب العمل بها ابن حبيب ليست كوجوب الأضحية

ص: 598

وسمع ابن القاسم يقع في قلبي أنها شريعة الإسلام ابن رشد العقيقة من الأمور التي كانت في الجاهلية وأقرها الإسلام ولا خلاف بين مالك وأصحابه في عدم وجوبها.

وقال ابن الحاجب العقيقة ذبح الولادة وأصله شعر المولود الجوهري وشعر كل مولود من الناس والبهائم الذي يولد عليه عقيقة وعقوق.

(ويعق عن المولود يوم سابعه (بشاة) مثل ما ذكرنا من سن الأضحية وصفتها).

المولود يريد ذكرا كان أو أنثى وقوله (بشاة) مقصود فلا يطلب غير واحدة في الذكر والأنثى وقال الشافعي للذكر شاتان وهو نص حديث قال ابن رشد ولو عمل به أحد لم يكن مخطئا وفي قوله (بشاة) أن بعضها إلا يجزئ وقوله (يوم سابعه) يريد بشرط حياته إليه إذ سمع القرينان لا يعق عمن مات قلبه.

والغنم شرط عند ابن شعبان ورواه ابن القاسم وسمع القرينان سائر النعم رواه ابن حبيب وسن الأضحية الجذع من الضأن والثني مما سواه وصفتها السلامة من العيوب القادحة.

(ولا يحسب في السبعة الأيام اليوم الذي ولد فيه وتذبح ضحوة).

يعني على المشهور وهو مذهب المدون وفي البيان لا يحسب إلا من غروب الشمس التي بعد الولادة كانت ليلا أو نهارا والمشهور فوتها بفوت السابع الأول وذبحها ضحوة هو السنة فلا تجزئ إن ذبحت ليلا ولا قبل طلوع الشمس وثالثها تجزئ بعد الفجر.

(ولا يمس الصبي بشيء من دمها ويؤكل منها ويتصدق وتكسر عظامها وإن حلق شعر رأس المولود وتصدق بوزنه من ذهب أو فضة فذلك مستحب حسن وإن خلق رأسه بخلوق بدلا من الدم الذي كانت تفعله الجاهلية فلا بأس بذلك).

أما (لا يمس الصبي بشيء من دمها) فلأن الدم نجس وكانت الجاهلية تخلق رأسه بذلك فجاء الإسلام بتركه وأما الأكل منها فسمع ابن القاسم لا بأس أن يعطي منها نبأ ومطبوخا وسمع أيضاً يطبخ ويؤكل ويطعم أهل البيت والجيران فأما الدعاء لها فأنا أكره الفخر وفي سماع القرينين إن أرادوا طبخوا من غير هذا ودعوا وسمع ابن القاسم شأن الناس إطعامها.

ص: 599

وقال عيسى عنه: وإطعام أهل الحاجة أحب إلي من الأغنياء وأرجو أن لا شيء عليه في فعله ولا بأس بالإدخار منها كالأضحية وتمنع المعاوضة فيها ومنع غير واحد إعطاء القابلة لأنه إجارة والله أعلم.

وقوله (وتكسر عظامها) يعني أن ذلك مباح وتكره بما كانت الجاهلية تراه من ترك ذلك والتشؤوم به بدعة وفي الجلاب استحباب حلق شعره يوم سابعه لحديث «وأميطوا عنه الأذى» والتصدق بوزن شعره من ذهب أو فضة.

وفي الموطأ فعلته فاطمة رضي الله عنها ونقله أبو عمر عن جملة أهل العلم قائلا وهو آكد لمن لم يعق لقلة ما له وروى ابن حبيب كراهته خوف اعتقاد وجوبه وثالثها الإباحة وهو ظاهر ما هنا كالجلاب والله أعلم وتبديل الدم الذي كانت الجاهلية تفعله بالخلوق من الزعفران ونحوه مباح فقط والله أعلم.

(والختان في الذكور سنة واجبة والخفاض في النساء مكرمة).

ومذهب مالك وكثير من أصحابه الختان سنة وقال الشافعي بوجوبه وفيمن أسلم شيخا كبيرا يخاف على نفسه من ختانه قولان لابن عبد الحكم بسقوطه وقال سحنون لا يسقط و (الخفاض) إزالة ما بفرج المرأة من الزيادة وهو في نساء المشرق لا في نساء المغرب وإنما كان مكرمة لأنه يرد ماء الوجه وبطيب الجماع للزوج والله أعلم.

خاتمة:

قال (ع) مقتضى القواعد وجوب التسمية وسمع ابن القاسم يسمى يوم سابعه للحديث وواسع أن يسمى قبل السابع لقوله عليه السلام: «ولد لي الليلة مولود سميته باسم أبي إبراهيم» وغير ذلك فانظره فإنه مهم وقد طال على ذكره.

وهذا آخر النصف الأول من الرسالة والله المسئول في تكميله وتصحيح ذلك بمنه وكرمه والله أعلم.

تم بحمد الله

ص: 600