المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(2) - (1413) - باب الدعاء بالعفو والعافية - شرح سنن ابن ماجه للهرري = مرشد ذوي الحجا والحاجة إلى سنن ابن ماجه - جـ ٢٣

[محمد الأمين الهرري]

فهرس الكتاب

- ‌تَتِمَّة كتاب الدّعاء

- ‌(1) - (1412) - بَابُ الْجَوَامِعِ مِنَ الدُّعَاءِ

- ‌(2) - (1413) - بَابُ الدُّعَاءِ بِالْعَفْوِ وَالْعَافِيَةِ

- ‌(3) - (1414) - بَابٌ: إِذَا دَعَا أَحَدُكُمْ .. فَلْيَبْدَأْ بِنَفْسِهِ

- ‌(4) - (1415) - بَابٌ: يُسْتَجَابُ لِأَحَدِكُمْ مَا لَمْ يَعْجَلْ

- ‌(5) - (1416) - بَابٌ: لَا يَقُولُ الرَّجُلُ: اللَّهُمَّ؛ اغْفِرْ لِي إِنْ شِئْتَ

- ‌(6) - (1417) - بَابُ اسْمِ اللهِ الْأَعْظَمِ

- ‌(7) - (1418) - بَابُ أَسْمَاءِ اللهِ عز وجل

- ‌(8) - (1419) - بَابُ دَعْوَةِ الْوَالِدِ وَدَعْوَةِ الْمَظْلُومِ

- ‌(9) - (1420) - بَابُ كَرَاهِيَةِ الاعْتِدَاءِ فِي الدُّعَاءِ

- ‌(10) - (1421) - بَابُ رَفْعِ الْيَدَيْنِ فِي الدُّعَاءِ

- ‌(11) - (1422) - بَابُ مَا يَدْعُو بِهِ الرَّجُلُ إِذَا أَصْبَحَ وَإِذَا أَمْسَى

- ‌(12) - (1423) - بَابُ مَا يَدْعُو بِهِ إِذَا أَوَى إِلَى فِرَاشِهِ

- ‌(13) - (1424) - بَابُ مَا يَدْعُو بِهِ إِذَا انْتَبَهَ مِنَ اللَّيْلِ

- ‌(14) - (1425) - بَابُ الدُّعَاءِ عِنْدَ الْكَرْبِ

- ‌(15) - (1426) - بَابُ مَا يَدْعُو بِهِ الرَّجُلُ إِذَا خَرَجَ مِنْ بَيْتِهِ

- ‌(16) - (1427) - بَابُ مَا يَدْعُو بِهِ إِذَا دَخَلَ بَيْتَهُ

- ‌(17) - (1428) - بَابُ مَا يَدْعُو بِهِ الرَّجُلُ إِذَا سَافَرَ

- ‌(18) - (1429) - بَابُ مَا يَدْعُو بِهِ الرَّجُلُ إِذَا رَأَى السَّحَابَ وَالْمَطَرَ

- ‌(19) - (1430) - بَابُ مَا يَدْعُو بِهِ الرَّجُلُ إِذَا نَظَرَ إِلَى أَهْلِ الْبَلَاءِ

- ‌تذييل لهذا الحديث

- ‌كِتَابُ تَعْبِيرِ الرُّؤْيَا

- ‌(20) - (1431) - بَابٌ: الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ يَرَاهَا الْمُسْلِمُ أَوْ تُرَى لَهُ

- ‌(21) - (1432) - بَابُ رُؤْيَةِ النَبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي الْمَنَامِ

- ‌(22) - (1433) - بَابٌ: الرُّؤْيَا ثَلَاثٌ

- ‌(23) - (1434) - بَابُ مَنْ رَأَى رُؤْيَا يَكْرَهُهَا

- ‌(24) - (1435) - بَابٌ: مَنْ لَعِبَ بِهِ الشَّيْطَانُ فِي مَنَامِهِ .. فَلَا يُحَدِّثْ بِهِ النَّاسَ

- ‌(25) - (1436) - بَابُ الرُّؤْيَا إِذَا عُبِرَتْ .. وَقَعَتْ؛ فَلَا يَقُصُّهَا إِلَّا عَلَى وَادٍّ

- ‌(26) - (1437) - بَابٌ: عَلَامَ تُعْبَرُ بِهِ الرُّؤْيَا

- ‌(27) - (1438) - بَابُ مَنْ تَحَلَّمَ حُلُمًا كَاذَبًا

- ‌(28) - (1439) - بَابٌ: أَصْدَقُ النَّاسِ رُؤْيَا .. أَصْدَقُهُمْ حَدِيثًا

- ‌(29) - (1440) - بَابُ تَعْبِيرِ الرُّؤْيَا

- ‌كتاب الفتن

- ‌(30) - (1441) - بَابُ الْكَفِّ عَمَّنْ قَالَ: لَا إِلهَ إِلَّا اللهُ

- ‌(31) - (1442) - بَابُ حُرْمَةِ دَمِ الْمُؤْمِنِ وَمَالِهِ

- ‌(32) - (1443) - بَابُ النَّهْيِ عَنِ النُّهْبَةِ

- ‌(33) - (1444) - بَابٌ: سِبَابُ الْمُسْلِمِ فُسُوقٌ وَقِتَالُهُ كفْرٌ

- ‌(34) - (1445) - بَابٌ: لَا تَرْجِعُوا بَعْدِي كفَّارًا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ

- ‌فائدة

- ‌فائدة

- ‌(35) - (1446) - بَابٌ: الْمُسْلِمُونَ فِي ذِمَّةِ اللهِ عز وجل

- ‌(36) - (1447) - بَابُ الْعَصَبِيَّةِ

- ‌(37) - (1448) - بَابُ السَّوَادِ الْأَعْظَمِ

- ‌(38) - (1449) - بَابُ مَا يَكُونُ مِنَ الْفِتَنِ

- ‌(39) - (1450) - بَابُ التَّثَبُّتِ فِي الْفِتْنَةِ

- ‌(40) - (1451) - بَابُ إِذَا الْتَقَى الْمُسْلِمَانِ بِسَيْفَيْهِمَا

الفصل: ‌(2) - (1413) - باب الدعاء بالعفو والعافية

(2) - (1413) - بَابُ الدُّعَاءِ بِالْعَفْوِ وَالْعَافِيَةِ

(4)

- 3791 - (1) حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدِّمَشْقِيُّ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي فُدَيْكٍ، أَخْبَرَنِي سَلَمَةُ بْنُ وَرْدَانَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ؛ أَيُّ الدُّعَاءِ أَفْضَلُ؟ قَالَ:

===

(2)

- (1413) - (باب الدعاء بالعفو والعافية)

(4)

- 3791 - (1)(حدثنا عبد الرحمن بن إبراهيم) بن عمرو العثماني مولاهم (الدمشقي) أبو سعيد لقبه دحيم - بمهملتين مصغرًا - ثقة حافظ متقن، من العاشرة، مات سنة خمس وأربعين ومئتين (245 هـ). يروي عنه:(خ د س ق).

(حدثنا) محمد بن إسماعيل بن مسلم (بن أبي فديك) - بالفاء مصغرًا - اسمه دينار الديلي مولاهم المدني، صدوق، من صغار الثامنة، مات سنة مئتين (200 هـ) على الصحيح. يروي عنه:(ع).

(أخبرني سلمة بن وردان) الليثي أبو يعلى المدني، ضعيف، من الخامسة، مات سنة بضع وخمسين ومئة (153 هـ). يروي عنه:(ت ق).

(عن أنس بن مالك) رضي الله تعالى عنه.

وهذا السند من رباعياته، وحكمه: الضعف؛ لأن فيه سلمة بن وردان، وهو متفق على ضعفه.

(قال) أنس: (أتى النبي صلى الله عليه وسلم رجل) من المسلمين، ولم أر من ذكر اسمه (فقال) ذلك الرجل:(يا رسول الله؛ أي الدعاء أفضل؟ ) أي: أسرع قبولًا عند الله وأكثر أجرًا لصاحبه عنده تعالى؟ فـ (قال) رسول الله

ص: 20

"سَلْ رَبَّكَ الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ"، ثُمَّ أَتَاهُ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ؛ أَيُّ الدُّعَاءِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: "سَلْ رَبَّكَ الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ"، ثُمَّ أَتَاهُ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ فَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللهِ؛ أَيُّ الدُّعَاءِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: "سَلْ رَبَّكَ الْعَفْوَ وَالَعَافِيَةَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة، فَإِذَا أُعْطِيتَ الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ .. فَقَدْ أَفْلَحْتَ".

===

صلى الله عليه وسلم للرجل السائل: (سل ربك العفو) من الذنوب (والعافية) أي: السلامة من المكروهات والشدائد (في الدنيا والآخرة، ثم أتاه) صلى الله عليه وسلم ذلك الرجل (في اليوم الثاني فقال: يا رسول الله؛ أي الدعاء أفضل؟ ) أي: أسرع إلى الإجابة، فـ (قال) له رسول الله صلى الله عليه وسلم ثانيا:(سل ربك العفو والعافية) أي: السلامة (في الدنيا والآخرة، ثم أتاه في اليوم الثالث فقال) له: (يا نبي الله؛ أي الدعاء أفضل؟ ) أي: أرجى عند الله، فـ (قال: سل ربك العفو والعافية في الدنيا والآخرة، فإذا أعطيت العفو) من الذنوب (والعافية) أي: السلامة من الآفات (في الدنيا والآخرة .. فقد أفلحت) أي: نجوت من المكروه، وفزت بالمطلوب.

وفي رواية الترمذي: (سل ربك العافية والمعافاة في الدنيا والآخرة) والمعنى واحد، قال الجزري في "النهاية": العافية: أن تسلم من الأسقام والبلايا؛ وهي الصحة؛ ضد المرض.

و(المعافاة): هي أن يعافيك الله من الناس، ويعافيهم منك؛ أي: يغنيك عنهم ويغنيهم عنك، ويصرف أذاهم عنك، وأذاك عنهم.

وقيل: هي مفاعلة من العفو؛ كما رواية ابن ماجه؛ وهو أن تعفو عن الناس وهم يعفون عنك. انتهى.

وقال في "القاموس": والعافية: دفاع الله عن العبد، يقال: عافاه من المكروه

ص: 21

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

===

معافاةً وعافيةً؛ وهب له العافية من العلل والبلاء؛ كأعفاه. انتهى من "تحفة الأحوذي".

قوله في آخر الحديث: "فقد أفلحت" أي: فزت بمرادك وظفرت بمقصودك، وفي الحديث التصريح بأن الدعاء بالعافية أفضل الدعاء، ولا سيما بعد تكريره للسائل ثلاث مرات حين أتاه للسؤال عن أفضل الدعاء.

فأفاد هذا الحديث: أن الدعاء بالعافية أفضل من غيره من الأدعية، ثم في قوله: (فإذا أعطيت العفو والعافية في الدنيا

) إلى آخره دليل ظاهر واضح بأن الدعاء بالعافية يشمل أمور الدنيا والآخرة؛ لأنه قال هذه المقالة بعد أن قال له: (سل ربك ثلاث مرات) فكان ذلك كالبيان لعموم بركة هذه الدعوة بالعافية لمصالح الدنيا والآخرة، ثم رتب على ذلك الفلاح الذي هو المقصد الأسنى والمطلوب الأكبر.

وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث: الترمذي في كتاب الدعوات، باب رقم (89)، وقال: هذا حديث حسن غريب؛ إنما نعرفه من حديث سلمة بن وردان، وهو ضعيف.

قلت: فهذا الحديث وإن كان ضعيف السند .. فمتنه صحيح؛ لأن له شاهدًا من حديث العباس بن عبد المطلب؛ فإنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن أفضل الدعاء، فأجابه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: سل ربك العافية، فكرر العباس سؤاله ثلاث مرات، فكرر النبي صلى الله عليه وسلم جوابه ثلاث مرات بقوله: سل ربك العافية.

فأمره صلى الله عليه وسلم للعباس بالدعاء بالعافية بعد تكرير العباس سؤاله بأن يعلمه شيئًا يسأل الله به .. دليل جلي بأن الدعاء بالعافية لا يساويه

ص: 22

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

===

شيء من الأدعية، ولا يقوم مقامه شيء من الكلام الذي يدعى به ذو الجلال والإكرام.

وقد تقدم تحقيق معنى العافية آنفًا بأنها دفاع الله عن العبد، فالداعي بها قد سأل ربه دفاعه عن كل ما ينوبه.

وقد كان صلى الله عليه وسلم ينزل عمه العباس منزلة أبيه، ويرى له من الحق ما يرى الولد لوالده، ففي تخصيصه بهذا الدعاء، وقصره على مجرد الدعاء بالعافية .. تحريك لهمم الراغبين على ملازمته، وأن يجعلوه من أعظم ما يتوسلون به إلى ربهم سبحانه وتعالى ويستدفعون به في كل ما يهمهم.

ثم كلمه صلى الله عليه وسلم بقوله: "سل الله العافية في الدنيا والآخرة" فكان هذا الدعاء من هذه الحيثية قد صار عُدَّةً لدفع كل ضرر وجلب كل خير.

والأحاديث في هذا المعنى كثيرة جدًّا، قال الجزري في "عُدَّةِ الحِصنِ الحصينِ": لقد تواتر عنه صلى الله عليه وسلم دعاؤه بالعافية، وورد عنه صلى الله عليه وسلم لفظًا ومعنىً من نحو خمسين طريقًا.

وقال الترمذي في حديث العباس هذا: حديث حسن صحيح، وأخرجه الطبراني بأسانيد رجال بعضها رجال الصحيح، غير أن يزيد بن أبي زياد حسن الحديث؛ لأنه مختلف فيه، كذا في "مجمع الزوائد"، وأخرجه أحمد أيضًا. انتهى من "تحفة الأحوذي".

فدرجة حديث الباب؛ أعني: حديث أنس بن مالك: ضعيف السند؛ لأن فيه سلمة بن وردان، وهو متفق على ضعفه، صحيح المتن؛ لأن له شواهد وردت من نحو خمسين طريقًا، وغرضه: الاستدلال به على

ص: 23

(5)

- 3792 - (2) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ وَعَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَا: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ سَعِيدٍ قَالَ: سَمِعْتُ شُعْبَةَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ خُمَيْرٍ قَالَ: سَمِعْتُ سُلَيْمَ بْنَ عَامِرٍ يُحَدِّثُ عَنْ أَوْسَطَ بْنِ إِسْمَاعِيلَ الْبَجَلِيِّ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا بَكْرٍ

===

الترجمة، فهذا الحديث: ضعيف السند، صحيح المتن بغيره.

* * *

ثم استشهد المؤلف لحديث أنس بحديث أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنهما، فقال:

(5)

- 3792 - (2)(حدثنا أبو بكر) ابن أبي شيبة.

(وعلي بن محمد) بن إسحاق الطنافسي الكوفي، ثقة، من العاشرة، مات سنة ثلاث، وقيل: خمس وثلاثين ومئتين. يروي عنه: (ق).

(قالا: حدثنا عبيد بن سعيد) ويقال له: عبيد الله بن سعيد - بالإضافة - ابن أبان بن سعيد بن العاص الأموي، ثقة، من التاسعة، مات سنة مئتين (200 هـ). يروي عنه:(م س ق).

(قال) عبيد: (سمعت شعبة) بن الحجاج يروي (عن يزيد بن خمير) - بمعجمة مصغرًا - الرحبي - بمهملة ساكنة - أبي عمر الحمصي، صدوق، من الخامسة. يروي عنه:(م عم).

(قال: سمعت سليم) مصغرًا (ابن عامر) الكلاعي أبا يحيى الحمصي، ثقة، من الثالثة، مات سنة ثلاثين ومئة (130 هـ). يروي عنه:(م عم).

أي: سمعت سليمًا حالة كونه (يحدث عن أوسط بن إسماعيل البجلي) أبا إسماعيل الشامي، ثقة مخضرم، من الثانية، مات سنة تسع وسبعين (79 هـ). يروي عنه:(س ق).

(أنه سمع أبا بكر) الصديق رضي الله تعالى عنه.

ص: 24

حِينَ قُبِضَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: قَامَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي مَقَامِي هَذَا عَامَ الْأَوَّلِ ثُمَّ بَكَى أَبُو بَكْرٍ ثُمَّ قَالَ: "عَلَيْكُمْ بِالصِّدْقِ؛ فَإِنَّهُ مَعَ الْبِرِّ وَهُمَا فِي الْجَنَّة، وَإِيَّاكُمْ وَالْكَذِبَ؛ فَإِنَّهُ مَعَ الْفُجُورِ وَهُمَا فِي النَّار، وَسَلُوا اللهَ الْمُعَافَاةَ؛

===

وهذا السند من سباعياته، وحكمه: الصحة؛ لأن رجاله ثقات.

أي: سمع أبا بكر (حين قبض) وتوفي (النبي صلى الله عليه وسلم والظرف متعلق بـ (سمع) حالة كون أبي بكر (يقول: قام رسول الله صلى الله عليه وسلم في مقامي هذا) يعني: المنبر النبوي، والظرف في قوله:(عام الأول) متعلق بـ (يقول) وهو من إضافة الموصوف إلى صفته؛ أي: سمع أبا بكر يقول في العام الأول من موته صلى الله عليه وسلم.

وقوله: (ثم بكى أبو بكر) معطوف على (يقول) أي: سمع أبا بكر يقول: قام رسول الله صلى الله عليه وسلم في مقامي هذا، ثم بكى أبو بكر؛ أي: ثم بعد قوله: (قام) بكى أبو بكر (ثم) بعد بكائه (قال) أبو بكر: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (عليكم بالصدق) ضد الكذب؛ أي: لازموا الصدق أيها الناس في كل شيء، فلا تنفكوا عنه (فإنه) أي: فإن الصدق (مع البر) أي: مقترن بالبر وفعل الخير (وهما) أي: فالصدق مع البر كائنان (في الجنة) أي: يوصلان صاحبهما إلى الجنة (وإياكم والكذب) أي: باعدوا أنفسكم عن الكذب؛ وهو الإخبار عن الشيء بخلاف ما عليه عامدًا عالمًا، ونصب الضمير على التحذير بعامل محذوف وجوبًا.

(فإنه) أي: فإن الكذب (مع الفجور) أي: مقترن بالإثم والذنب (وهما) أي: الفجور والكذب (في النار) أي: موصلان صاحبهما إلى النار (وسلوا الله) تعالى أيها المؤمنون (المعافاة) أي: السلامة من بلاء الدنيا والآخرة، وهذا

ص: 25

فَإِنَّهُ لَمْ يُؤْتَ أَحَدٌ بَعْدَ الْيَقِينِ خَيْرًا مِنَ الْمُعَافَاة، وَلَا تَحَاسَدُوا وَلَا تَبَاغَضُوا، وَلَا تَقَاطَعُوا

===

موضع الترجمة (فإنه) أي: فإن الشأن والحال الم يؤت) ولم يعط (أحد) من الناس (بعد اليقين) والإيمان، فهو المطلوب والأساس الأولى؛ إذ لا عبرة لشيء من الأعمال الصالحة بدونه (خيرًا) أي: شيئًا أنفع له (من المعافاة) أي: من السلامة من البلايا (ولا تحاسدوا) أيها المؤمنون؛ أي: لا يحسد بعضكم بعضًا؛ والحسد في اللغة: أن تتمنى زوال نعمة المحسود وعودها إليك، يقال: حسده يحسده حسودًا؛ من باب قعد، قال الأخفش: وبعضهم يقول: يحسد - بالكسر - والمصدر حسدًا - بالتحريك - وحسادة، وحسدتك على الشيء، وحسدتك الشيء بمعنىً واحد.

وأما الغبطة الجائزة شرعًا .. فهي أن تتمنى مثل حال المغبوط من غير أن تريد زوالها عنه، تقول منه: غبطته بما نالى، غبطًا وغبطةً.

وقد يوضع الحسد موضع الغبطة؛ لتقاربهما؛ كما قال صلى الله عليه وسلم: "لا حسد إلا في اثنتين" متفق عليه. أي: لا غبطة أعظم ولا أحق من الغبطة في هاتين الخصلتين. انتهى من "المفهم".

(ولا تباغضوا) أي: لا يبغض بعضكم بعضًا، والبغض ضد الحب، والبغيضة - بالكسر - والبغضاء: شدته؛ كما في "القاموس".

أي: لا تتعاطوا أسباب البغض؛ لأن الحب والبغض معان قلبية لا قدرة للإنسان على اكتسابها، ولا يملك التصرف فيها؛ كما قال صلى الله عليه وسلم:"اللهم؛ هذا قسمي فيما أملك، فلا تلمني فيما تملك ولا أملك" رواه أحمد وأصحاب السنن إلا الترمذي؛ يعني: الحب والبغض.

(ولا تقاطعوا) أي: لا تفعلوا فيما بينكم القطيعة؛ من السب والشتم والهجران في الكلام.

ص: 26

وَلَا تَدَابَرُوا، وَكُونُوا عِبَادَ اللهِ إِخْوَانًا".

===

(ولا تدابروا) أي: ولا تفعلوا فيما بينكم فعل المتباغضين الذين يدبر كل واحد منهما عن الآخر؛ أي: يوليه دبره؛ من المدابرة؛ وهو جعل كل واحد من المتباغضين دبره وقفاه إلى الآخر، ولا يواجهه بوجهه؛ بغضًا له وكراهية رؤية وجهه، وهي كناية عن المقاطعة.

(وكونوا) يا (عباد الله إخوانًا) أي: مثل إخوان النسب في الشفقة والرحمة والمودة والمواساة والمعاونة والنصيحة؛ كما أمركم الله سبحانه وتعالى بكونكم إخوانًا أمرًا ضمنيًا لا صريحًا بقوله: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} (1)، فإنه خبر عن الخصلة المطلوبة للمؤمنين التي ينبغي لهم أن يكونوا عَلَيْهَا، ففيها معنى الأمر.

ويحتمل أن يريد بأمر الله هذا: الأمر الذي هو قوله تعالى: (كونوا إخوانًا) لأن أمره صلى الله عليه وسلم هو أمر الله، وهو مبلغ له.

قال النووي: والمعنى: أي: تعاملوا وتعاشروا معاملة الإخوة ومعاشرتهم في المودة والرفق والشفقة والملاطفة والتعاون في الخير ونحو ذلك مع صفاء القلوب والنصيحة بكل حال. انتهى منه.

وهذا الحديث انفرد به ابن ماجه، لكن رواه النسائي في "عمل اليوم والليلة" بطرق كثيرة، وأحمد في "مسنده"، ومسدد في "مسنده"، والحميدي في "مسنده"، وأحمد بن منيع وأبو يعلى الموصلي في "مسنده"، وإسناده صحيح، وابن حبان في "الموارد" في كتاب الحذور والإباحة، باب الكذب، وإسناده صحيح، ومسلم في كتاب البر والصلة والآداب، باب تحريم الظن السيئ ونحوه.

(1) سورة الحجرات: (10).

ص: 27

(6)

- 3793 - (3) حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ كَهْمَسِ بْنِ الْحَسَن، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ؛ أَرَأَيْتَ إِنْ وَافَقْتُ لَيْلَةَ الْقَدْرِ مَا أَدْعُو؟ قَالَ:

===

ودرجته: أنه صحيح، لصحة سنده، ولأن له شواهد ومتابعات، وغرضه: الاستشهاد به لحديث أنس.

* * *

ثم استشهد المؤلف ثانيًا لحديث أنس بحديث عائشة رضي الله تعالى عنهما، فقال:

(6)

- 3793 - (3)(حدثنا علي بن محمد) بن إسحاق.

(حدثنا وكيع) بن الجراح الرؤاسي، ثقة، من التاسعة، مات في آخر سنة ست أو أول سنة سبع وتسعين ومئة. يروي عنه:(ع).

(عن كهمس بن الحسن) التيمي أبي الحسن البصري، ثقة، من الخامسة، مات سنة تسع وأربعين ومئة (149 هـ). يروي عنه:(ع).

(عن عبد الله بن بريدة) بن الحصيب الأسلمي أبي سهل المروزي قاضيها، ثقة، من الثالثة، مات سنة خمس ومئة (105 هـ)، وقيل: بل خمس عشرة. يروي عنه: (ع).

(عن عائشة) رضي الله تعالى عنها.

وهذا السند من خماسياته، وحكمه: الصحة، لأن رجاله ثقات أثبات.

(أنها) أي: أن عائشة (قالت: يا رسول الله؛ أرأيت) أي: أخبرني (إن وافقت) وصادفت (ليلة القدر) في رمضان ورأيت علامتها (ما أدعو) أي: أي الدعاء الذي أدعو به في ليلتها؟ فـ (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم في

ص: 28

"تَقُولِينَ: اللَّهُمَّ؛ إِنَّكَ عَفُوّ تُحِبُّ الْعَفْوَ فَاعْفُ عَنِّي".

(7)

- 3794 - (4) حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ هِشَامٍ صَاحِبِ الدَّسْتَوَائِيّ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ الْعَلَاءِ بْنِ زِيَادٍ الْعَدَوِيّ،

===

جواب سؤالي: إن أردت الدعاء فيها .. (تقولين: اللهم؛ إنك) يا إلهي (عفو) أي: كثير العفو لعباده (تحب العَفْوَ) أي: عَفْوَ بعضِ العباد لبعض فيما بينهم من حقوقهم (فاعف عني) أي: فاعف عني جميع ذنوبي من صحف الملائكة.

وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث: الترمذي في كتاب الدعوات، باب رقم (89)، وقال: هذا حديث حسن صحيح، وأحمد في "المسند"، والبيهقي في "الأسماء والصفات".

ودرجته: أنه صحيح؛ لصحة سنده وللمشاركة فيه، وغرضه: الاستشهاد به.

* * *

ثم استشهد المؤلف ثالثًا لحديث أنس بحديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنهما، فقال:

(7)

- 3794 - (4)(حدثنا علي بن محمد، حدثنا وكيع، عن هشام) بن أبي عبد الله سنبر - بمهملة ثم نون ساكنة ثم بموحدة - على وزن جعفر، أبي بكر البصري (صاحب الدستوائي) - بفتح الدال وسكون السين المهملتين وفتح المثناة ثم مد - ثقة ثبت، من كبار السابعة، مات سنة أربع وخمسين ومئة (154 هـ). يروي عنه:(ع).

(عن قتادة) بن دعامة السدوسي البصري، ثقة، من الرابعة، مات سنة بضع عشرة ومئة. يروي عنه:(ع).

(عن العلاء بن زياد) بن مطر (العدوي) أبي نصر البصري أحد العباد ثقة،

ص: 29

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "مَا مِنْ دَعْوَةٍ يَدْعُو بِهَا الْعَبْدُ أَفْضَلَ مِنَ: اللَّهُمَّ؛ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْمُعَافَاةَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ".

===

من الرابعة، مات سنة أربع وتسعين (94 هـ). يروي عنه:(س ق).

(عن أبي هريرة) رضي الله تعالى عنه.

وهذا السند من سداسياته، وحكمه: الصحة؛ لأن رجاله ثقات.

(قال) أبو هريرة: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما من دعوة يدعو بها العبد) فـ (ما) حجازية و (من) زائدة (دعوة) اسم (ما) وجملة (يدعو بها العبد) صفة لـ (دعوة).

وقوله: (أفضلَ) بالنصب خبر (ما) الحجازية؛ أي: ليست دعوة يدعو بها العبد أفضل (من) قوله (اللهم؛ إني أسألك المعافاة) الدائمة (في الدنيا والآخرة).

وهذا الحديث انفرد به ابن ماجه، ولكن له شاهد من حديث أنس السابق أول الباب.

ودرجته: أنه صحيح؛ لصحة سنده، وغرضه: الاستشهاد به.

* * *

وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب: أربعة أحاديث:

الأول للاستدلال، والبواقي للاستشهاد.

والله سبحانه وتعالى أعلم

ص: 30