المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(39) - (1450) - باب التثبت في الفتنة - شرح سنن ابن ماجه للهرري = مرشد ذوي الحجا والحاجة إلى سنن ابن ماجه - جـ ٢٣

[محمد الأمين الهرري]

فهرس الكتاب

- ‌تَتِمَّة كتاب الدّعاء

- ‌(1) - (1412) - بَابُ الْجَوَامِعِ مِنَ الدُّعَاءِ

- ‌(2) - (1413) - بَابُ الدُّعَاءِ بِالْعَفْوِ وَالْعَافِيَةِ

- ‌(3) - (1414) - بَابٌ: إِذَا دَعَا أَحَدُكُمْ .. فَلْيَبْدَأْ بِنَفْسِهِ

- ‌(4) - (1415) - بَابٌ: يُسْتَجَابُ لِأَحَدِكُمْ مَا لَمْ يَعْجَلْ

- ‌(5) - (1416) - بَابٌ: لَا يَقُولُ الرَّجُلُ: اللَّهُمَّ؛ اغْفِرْ لِي إِنْ شِئْتَ

- ‌(6) - (1417) - بَابُ اسْمِ اللهِ الْأَعْظَمِ

- ‌(7) - (1418) - بَابُ أَسْمَاءِ اللهِ عز وجل

- ‌(8) - (1419) - بَابُ دَعْوَةِ الْوَالِدِ وَدَعْوَةِ الْمَظْلُومِ

- ‌(9) - (1420) - بَابُ كَرَاهِيَةِ الاعْتِدَاءِ فِي الدُّعَاءِ

- ‌(10) - (1421) - بَابُ رَفْعِ الْيَدَيْنِ فِي الدُّعَاءِ

- ‌(11) - (1422) - بَابُ مَا يَدْعُو بِهِ الرَّجُلُ إِذَا أَصْبَحَ وَإِذَا أَمْسَى

- ‌(12) - (1423) - بَابُ مَا يَدْعُو بِهِ إِذَا أَوَى إِلَى فِرَاشِهِ

- ‌(13) - (1424) - بَابُ مَا يَدْعُو بِهِ إِذَا انْتَبَهَ مِنَ اللَّيْلِ

- ‌(14) - (1425) - بَابُ الدُّعَاءِ عِنْدَ الْكَرْبِ

- ‌(15) - (1426) - بَابُ مَا يَدْعُو بِهِ الرَّجُلُ إِذَا خَرَجَ مِنْ بَيْتِهِ

- ‌(16) - (1427) - بَابُ مَا يَدْعُو بِهِ إِذَا دَخَلَ بَيْتَهُ

- ‌(17) - (1428) - بَابُ مَا يَدْعُو بِهِ الرَّجُلُ إِذَا سَافَرَ

- ‌(18) - (1429) - بَابُ مَا يَدْعُو بِهِ الرَّجُلُ إِذَا رَأَى السَّحَابَ وَالْمَطَرَ

- ‌(19) - (1430) - بَابُ مَا يَدْعُو بِهِ الرَّجُلُ إِذَا نَظَرَ إِلَى أَهْلِ الْبَلَاءِ

- ‌تذييل لهذا الحديث

- ‌كِتَابُ تَعْبِيرِ الرُّؤْيَا

- ‌(20) - (1431) - بَابٌ: الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ يَرَاهَا الْمُسْلِمُ أَوْ تُرَى لَهُ

- ‌(21) - (1432) - بَابُ رُؤْيَةِ النَبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي الْمَنَامِ

- ‌(22) - (1433) - بَابٌ: الرُّؤْيَا ثَلَاثٌ

- ‌(23) - (1434) - بَابُ مَنْ رَأَى رُؤْيَا يَكْرَهُهَا

- ‌(24) - (1435) - بَابٌ: مَنْ لَعِبَ بِهِ الشَّيْطَانُ فِي مَنَامِهِ .. فَلَا يُحَدِّثْ بِهِ النَّاسَ

- ‌(25) - (1436) - بَابُ الرُّؤْيَا إِذَا عُبِرَتْ .. وَقَعَتْ؛ فَلَا يَقُصُّهَا إِلَّا عَلَى وَادٍّ

- ‌(26) - (1437) - بَابٌ: عَلَامَ تُعْبَرُ بِهِ الرُّؤْيَا

- ‌(27) - (1438) - بَابُ مَنْ تَحَلَّمَ حُلُمًا كَاذَبًا

- ‌(28) - (1439) - بَابٌ: أَصْدَقُ النَّاسِ رُؤْيَا .. أَصْدَقُهُمْ حَدِيثًا

- ‌(29) - (1440) - بَابُ تَعْبِيرِ الرُّؤْيَا

- ‌كتاب الفتن

- ‌(30) - (1441) - بَابُ الْكَفِّ عَمَّنْ قَالَ: لَا إِلهَ إِلَّا اللهُ

- ‌(31) - (1442) - بَابُ حُرْمَةِ دَمِ الْمُؤْمِنِ وَمَالِهِ

- ‌(32) - (1443) - بَابُ النَّهْيِ عَنِ النُّهْبَةِ

- ‌(33) - (1444) - بَابٌ: سِبَابُ الْمُسْلِمِ فُسُوقٌ وَقِتَالُهُ كفْرٌ

- ‌(34) - (1445) - بَابٌ: لَا تَرْجِعُوا بَعْدِي كفَّارًا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ

- ‌فائدة

- ‌فائدة

- ‌(35) - (1446) - بَابٌ: الْمُسْلِمُونَ فِي ذِمَّةِ اللهِ عز وجل

- ‌(36) - (1447) - بَابُ الْعَصَبِيَّةِ

- ‌(37) - (1448) - بَابُ السَّوَادِ الْأَعْظَمِ

- ‌(38) - (1449) - بَابُ مَا يَكُونُ مِنَ الْفِتَنِ

- ‌(39) - (1450) - بَابُ التَّثَبُّتِ فِي الْفِتْنَةِ

- ‌(40) - (1451) - بَابُ إِذَا الْتَقَى الْمُسْلِمَانِ بِسَيْفَيْهِمَا

الفصل: ‌(39) - (1450) - باب التثبت في الفتنة

(39) - (1450) - بَابُ التَّثَبُّتِ فِي الْفِتْنَةِ

(114)

- 3901 - (1) حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ الصَّبَّاحِ قَالَا: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي حَازِمٍ، حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ عُمَارَةَ بْنِ حَزْمٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو

===

(39)

- (1450) - (باب التثبت في الفتنة)

(114)

- 3901 - (1)(حدثنا هشام بن عمار) بن نصير السلمي الدمشقي، صدوق مقرئ، من العاشرة، مات سنة خمس وأربعين ومئتين (245 هـ). يروي عنه:(خ عم).

(ومحمد بن الصباح) بن سفيان الجرجرائي أبو جعفر التاجر، صدوق، من العاشرة، مات سنة أربعين ومئتين (240 هـ). يروي عنه:(د ق).

(قالا) أي: قال كل من هشام ومحمد: (حدثنا عبد العزيز بن أبي حازم) سلمة بن دينار المدني، صدوق فقيه، من الثامنة، مات سنة أربع وثمانين ومئة (184 هـ)، وقيل قبل ذلك. يروي عنه:(ع).

(حدثني أبي) أبو حازم الأعرج التمار المدني القاضي، ثقة عابد، من الخامسة، مات في خلافة المنصور. يروي عنه:(ع).

(عن عمارة) بن عمرو (بن حزم) - بحاء مهملة وزاي ساكنة - الأنصاري المدني، ثقة، استشهد بالحرة، وقيل: مع ابن الزبير، من كبار الثالثة. يروي عنه:(د ق).

(عن عبد الله بن عمرو) بن العاص القرشي السهمي رضي الله تعالى عنهما.

وهذا السند من خماسياته، وحكمه: الصحة؛ لأن رجاله ثقات.

ص: 359

أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "كَيْفَ بِكُمْ وَبِزَمَانٍ يُوشِكُ أَنْ يَأْتِيَ يُغَرْبَلُ النَّاسُ فِيهِ غَرْبَلَةً، وَتَبْقَى حُثَالَةٌ مِنَ النَّاسِ قَدْ مَرِجَتْ عُهُودُهُمْ وَأَمَانَاتُهُمْ فَاخْتَلَفُوا وَكَانُوا

===

(أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: كيف بكم وبزمان) أي: كيف حياتكم في زمان يغربل فيه الناس، وكيف حياتكم فيه، أو قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(يوشك أن يأتي) زمان (يغربل الناس فيه) والشك من الراوي؛ أي: يقرب أن يأتي زمان (يغربل) بالبناء للمجهول (الناس) نائب فاعل له، والضمير في قوله:(فيه) عائد على الزمان (غربلةً) بالنصب على المفعولية المطلقة؛ أي: سيأتي زمان يغربل ويميز فيه خيار الناس عن أراذلهم؛ كالدقيق الذي يغربل ويميز صافيه من النخالة والقشور بالغربال والمناخل (وتبقى) فيه (حثالة من الناس) أي: أراذل منهم.

وفي رواية أبي داوود: (تبقى حثالة من الناس)، وفي "المرقاة" للقاري: الحثالة - بضم الحاء المهملة وبالثاء المثلثة -: هي ما سقط من قشر الشعير والأرز والبر، والرديء من كل شيء.

والمعنى: يذهب خيارهم، ويبقى أراذلهم.

والحال أنه (قد مرجت) واختلطت وفسدت (عهودهم وأماناتهم) يعني: إذا تعاهدوا .. لا يفون بالعهد، وإذا اؤتمنوا .. لا يؤدون الأمانة؛ أي: لا يكون أمرهم مستقيمًا، بل يكون كل واحد منهم في كل لحظة على طبع، وفي أخرى على طبع.

والمعنى: إذا تعاهدوا .. ينقضون العهود إن شاؤوا، ويفون إن شاؤوا، وإذا اؤتمنوا .. يؤدون الأمانات إن شاؤوا، ويخونون إن شاؤوا.

(فاختلفوا) في أمر دينهم ودنياهم (وكانوا) في اختلافهم واختلاطهم

ص: 360

هَكَذَا"، وَشَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ قَالُوا: كَيْفَ بِنَا يَا رَسُولَ اللهِ إِذَا كَانَ ذَلِكَ؟ قَالَ: "تَأْخُذُونَ بِمَا تَعْرِفُونَ، وَتَدَعُونَ مَا تُنْكِرُونَ، وَتُقْبِلُونَ عَلَى خَاصَّتِكُمْ وَتَذَرُونَ أَمْرَ عَوَامِّكُمْ".

===

(هكذا) أي: كَالأصابعِ المشبَّكة المختلفة (وشبك) رسول الله صلى الله عليه وسلم (بين أصابعه) أي: بين أصابع يديه تمثيلًا وتصويرًا لاختلافهم واختلاطهم؛ أي: يمرج بعضهم ببعض ويلتبس أمر دينهم ودنياهم، فلا يعرف الأمين من الخائن، ولا البر من الفاجر، كذا في "المجمع".

والحاصل: أن في ذلك الزمان غلب الفساد، وشاع الجهل، فلا ينجع فيه النصح، ولا يقبل قول الناصح، فحينئذٍ: يسقط وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. انتهى من "البذل".

(قالوا) أي: قال الحاضرون عند رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كيف) توصي (بنا) وبأي عمل تأمرنا (يا رسول الله إذا كان ذلك) الزمان وأدركناه؟ فـ (قال) لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في جواب سؤالهم: إذا كان ذلك الزمان (تأخذون) أي: تفعلون (بما تعرفون) كونه من معروفات الشرع (وتدعون) أي: تتركون بـ (ما تنكرون) أي: بما تعرفون كونه من منكرات الشرع (وتقبلون) أي: تهتمون (على) إصلاح ونصيحة من كان من (خاصتكم) أي: ممن يختص بكم من الأهل والخدم، أو على إصلاح الأحوال المختصة بكم (وتذرون) أي: تتركون (أمر عوامكم) أي: تتركون إصلاح ونصيحة من لم يكن من خواصكم؛ يعني: أمر عامة الناس؛ لأن في ذلك الزمان لا ينجع النصح ولا تقبل النصيحة ولا الإرشاد.

وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث: أبو داوود في كتاب الفتن والملاحم، باب الأمر والنهي عن السعي في الفتنة.

ص: 361

(115)

- 3902 - (2) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدَةَ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَبِي عِمْرَانَ الْجَوْنِيِّ، عَنِ الْمُشَعَّثِ بْنِ طَرِيفٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ الصَّامِت، عَنْ أَبِي ذَرٍّ

===

ودرجته: أنه صحيح؛ لصحة سنده وللمشاركة فيه، وغرضه: الاستدلال به على الترجمة.

* * *

ثم استشهد المؤلف لحديث عبد الله بن عمرو بحديث أبي ذر الغفاري رضي الله تعالى عنهم، فقال:

(115)

- 3902 - (2)(حدثنا أحمد بن عبدة) بن موسى الضبي أبو عبد الله البصري، ثقة، من العاشرة، مات سنة خمس وأربعين ومئتين (245 هـ). يروي عنه:(م عم).

(حدثنا حماد بن زيد) بن درهم الأزدي الجهضمي البصري، ثقة ثبت فقيه، من كبار الثامنة، مات سنة تسع وسبعين ومئة (179 هـ). يروي عنه:(ع).

(عن أبي عمران الجوني) عبد الملك بن حبيب الأزدي أو الكندي البصري، مشهور بكنيته، ثقة، من كبار الرابعة، مات سنة ثمان وعشرين ومئة (128 هـ)، وقيل بعدها. يروي عنه:(ع).

(عن المُشعَّث) - بتشديد المهملة المفتوحة بعدها مثلثة - ويقال: المُنْبَعث - بسكون النون وفتح الموحدة وكسر المهملة ثم بمثلثة آخره - (ابن طريف) قاضي هراة، مقبول، من السادسة. يروي عنه:(د ق).

(عن عبد الله بن الصامت) الغفاري البصري، ثقة، من الثالثة، مات دون المئة بعد السبعين. يروي عنه:(م عم).

(عن أبي ذر) جندب بن جنادة الغفاري الربذي رضي الله تعالى عنه مشهور

ص: 362

قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "كَيْفَ أَنْتَ يَا أَبَا ذَرٍّ وَمَوْتًا يُصِيبُ النَّاسَ حَتَّى يُقَوَّمَ الْبَيْتُ بِالْوَصِيفِ"،

===

بكنيته، تقدم إسلامه، تأخرت هجرته فلم يشهد بدرًا، الصحابي المشهور رضي الله تعالى عنه، مات سنة اثنتين وثلاثين (32 هـ). يروي عنه:(ع).

وهذا السند من سداسياته، وحكمه: الصحة؛ لأن رجاله ثقات أثبات.

(قال) أبو ذر: (قال لي) كما في "أبي داوود"(قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كيف) تكون (أنت يا أبا ذر وموتًا) أي: مع موت (يصيب الناس) بالمدينة لا بالحمى؛ كما في بعض الروايات؛ بل بسبب القحط، أو وباء من عفونة هواء؛ أي: ريح أو غيرها (حتى يُقوَّم) بالبناء للمفعول مع تشديد الواو المفتوحة (البيتُ) نائب فاعل له؛ من التقويم (بالوصيف؟ ) أي: بالعبدِ، قيل: المراد بالبيت: القبر؛ أي: يُباع موضع القبر بعبدٍ وصيفٍ؛ لارتفاع سعر مواضع القبور؛ لكثرة الموتى، أو حتى يبلغ أجرةُ الحافر قيمةَ العبد؛ لكثرة الأموات وقلة الحُفَّار واشتغالهم بالمعيشة، وقيل: المراد بالبيت: المتعارف؛ أي: السَّكَن.

والمعنى: أن البيوت تكون رَخيصةً؛ لكثرةِ الموت وقِلة مَنْ يسكنُها، فيباع البيت بعبدٍ، مع أن البيت عادةً يكون أكثر قيمةً من العبد. انتهى "سندي".

قال الخطابي: البيت ها هنا: القبر، والوصيف: الخادم؛ يريد: أن الناس يشتغلون عن دفن موتاهم حتى لا يوجد فيهم من يحفر قبر الميت أو يدفنه، إلا أن يعطى وصيفًا أو قيمته، والله أعلم.

وقد يكون معناه: أن يكون مواضع القبور تضيق عنهم، فيبتاعون لموتاهم القبور كل قبر بوصيف. انتهى.

وقد تعقب التوربشتي على هذا المعنى الثاني حيث قال: وفيه نظر؛ لأن

ص: 363

يَعْنِي: الْقَبْرَ، قُلْتُ:

===

الموت وإن استمر بالأحياء أو فشا فيهم كل الفشو .. لم ينته بهم إلى ذلك، وقد وسع الله عليهم الأمكنة.

وأجيب: بأن المراد بموضع القبور: الجبانة المعهودة بالمدينة، وقد جرت العادة بأنهم لا يتجاوزون عنها؛ كذا في "المرقاة".

قلت: وقع في رواية "المصابيح" و"المشكاة": "كيف بك يا أبا ذر إذا كان بالمدينة موت يبلغ البيتُ العبدَ، حتى أنه يباع القبر بالعبد؟ ".

فهذه الرواية تؤيد المعنى الثاني، وهذا المعنى هو المتعين؛ لأن الحديث يفسر بعضه بعضًا، والله أعلم.

ولفظ البغوي في "المشكاة" مع العلامة الأردبيلي في "الأزهار شرح المصابيح": (عن أبي ذر قال: كنت رديفًا خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم يومًا على حمار، فلما جاوزنا بيوت المدينة .. قال: كيف بك يا أبا ذر إذا كان بالمدينة جوع تقوم عن فراشك ولا تبلغ مسجدك حتى يجهدك الجوع؟ قال: قلت: الله ورسوله أعلم، قال: تعفف يا أبا ذر، قال: كيف بك يا أبا ذر إذا كان بالمدينة موتٌ يبلغ البيتُ العبدَ حتى إنه يباع القبر بالعبد؟ قال: قلت: الله ورسوله أعلم، قال: تَصَبَّر يا أبا ذر، قال: كيف بك يا أبا ذر إذا كان بالمدينة قتلٌ تَغْمرُ الدماءُ أحجار الزيت؟ قال: قلتُ: الله ورسوله أعلم، قال: تَأْتِي مَنْ أنتَ منه، قال: قلت: وأَلْبس السلاح؟ قال: شاركْتَ القوم إذًا، قلتُ: فكيف أَصْنَع يا رسول الله؟ قال: إن خشيتَ أن يَبْهَرَكَ شعاعُ السَّيفِ .. فألق ناحيةَ ثوبك على وجهك؛ لِيَبُوء بإثمك وإثمه

) الحديث.

قال بعض الرواة: (يعني) النبي صلى الله عليه وسلم بالبيت: (القبر) قال أبو ذر: (قلت) لرسول الله صلى الله عليه وسلم في جواب سؤاله: أختار من

ص: 364

مَا خَارَ اللهُ لِي وَرَسُولُهُ، أَوْ قَالَ: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ:"تَصَبَّرْ"، قَالَ:"كَيْفَ أَنْتَ وَجُوعًا يُصِيبُ النَّاسَ حَتَّى تَأْتِيَ مَسْجِدَكَ فَلَا تَسْتَطِيعَ أَنْ تَرْجِعَ إِلَى فِرَاشِكَ، وَلَا تَسْتَطِيعَ أَنْ تَقُومَ مِنْ فِرَاشِكَ إِلَى مَسْجِدِكَ؟ "، قَالَ: قُلْتُ: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، أَوْ مَا خَارَ اللهُ لِي وَرَسُولُهُ، قَالَ:

===

الأحوال (ما خار الله لي ورسوله) أي: ما اختار الله لي ورسوله (أو قال) أبو ذر في جواب استفهام الرسول صلى الله عليه وسلم: (الله ورسوله أعلم) ما أكون عليه، وفي "العون": الله أعلم بحالي وحال غيري في تلك الحال وسائر الأحوال. انتهى.

والشك من بعض الرواة.

فـ (قال) لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: (تَصَبَّرْ) قال القاري: بتشديد الموحدة المفتوحة؛ أمر من باب التفعل؛ أي: تكَلَّف الصبر على ما أصابك وغَيْرَك من كثرة الموت، وفي نسخة:(تَصْبرُ) مضارع صبر الثلاثي؛ على أنه خبر بمعنى الأمر؛ أي: اصْبِر على ما أصابك وغيرك من تلك الحال التي هي كثرةُ الموت.

ثم (قال) لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كيف) تكون (أنت وجوعًا) أي: مع جوع (يصيب) جميع (الناس) وأصابك أيضًا (حتى تأتي) أنت (مسجدك) للصلاة (فلا تستطيع) أي: فلا تقدر أنت لشدة الجوع بك (أن ترجع إلى فراشك) في بيتك (و) إذا رجعت إليه .. فـ (لا تستطيع أن تقوم من فراشك) وترجع (إلى مسجدك؟ قال) أبو ذر: (قلت) لرسول الله صلى الله عليه وسلم في جواب سؤاله: (الله ورسوله أعلم) بما يكون خيرًا لي (أو) قال أبو ذر - الشك من الراوي -: (ما خار الله لي ورسوله) أي: ما اختار الله لي من الأحوال .. فهو خير لي، فـ (قال) لي رسول الله صلى الله عليه وسلم:

ص: 365

"عَلَيْكَ بِالْعِفَّةِ"، ثُمَّ قَالَ:"كَيْفَ أَنْتَ وَقَتْلًا يُصِيبُ النَّاسَ حَتَّى تُغْرَقَ حِجَارَةُ الزَّيْتِ بِالدَّمِ؟ "، قُلْتُ: مَا خَارَ اللهُ لِي وَرَسُولُهُ، قَالَ:"الْحَقْ بِمَنْ أَنْتَ مِنْهُ"، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ؛ أَفَلَا آخُذُ بِسَيْفِي فَأَضْرِبَ بِهِ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ؟ قَالَ: "شَارَكْتَ

===

(عليك بالعفة) أي: الزم العفة؛ أي: التعفف عن الحرام في مأكلك ومفرشك وفعلك.

(ثم قال) لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كيف) تكون (أنت وقتلًا) أي: مع قتل (يصيب الناس) من أهل المدينة (حتى تُغْرقَ) - بالبناء للمفعول - أي تُطْلَى وتُستر (حجارةُ الزيت بالدم؟ ) أي: كأنها طُليت بدم الناس؛ لكثرة ما يجري من دمهم هناك؛ لكثرة قتلهم، قيل: هي محلة بالمدينة، وقيل: موضع منها، قال التوربشتي: هي من الحرة التي كانت بها الوقعة زمنَ يزيد بن معاوية، والأمير على تلك الجيوشِ العاتيةِ .. مسلمُ بن عُقْبةَ المُرِّيُّ، المُستبيحُ لحرم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان نزوله بعسكره في الحرة الغَرْبية من المدينة، فاستباح حرمتها وقتل رجالها وعاث فيها ثلاثة أيام، وقيل: خمسة، فلا جرم أنه انماع في النار؛ كما ينماع الملح في الماء، ولم يلبث أن أدركه الموت وهو بين الحرمين، وخسر هنالك المبطلون، كذا في "المرقاة".

قال أبو ذر: (قلت) لرسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما خار الله لي ورسوله) فهو خير لي، ثم (قال) لي رسول الله صلى الله عليه وسلم:(الحق بمن أنت منه) أي: بأهلك وعشيرتك الذين أنت منهم، وخرجت من عندهم والزمهم، وقيل: المراد بمن أنت منه: الإمام؛ أي: الزم إمامك ومن بايعته.

(قال) أبو ذر: (قلت: يا رسول الله أفلا آخذ بسيفي فأضرب به من فعل ذلك) الضرب بي؟ فـ (قال) لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: (شاركت

ص: 366

الْقَوْمَ إِذًا، وَلكِنِ ادْخُلْ بَيْتَكَ"، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ؛ فَإِنْ دَخَلَ بَيْتِي؟ قَالَ: "إِنْ خَشِيتَ أَنْ يَبْهَرَكَ شُعَاعُ السَّيْفِ .. فَأَلْقِ طَرَفَ رِدَائِكَ عَلَى وَجْهِكَ، فَيَبُوءَ بِإِثْمِهِ وَإِثْمِكَ فَيَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ".

===

القوم) المتضاربين في الإثم والظلم (إذًا) - بالتنوين - أي: إذا أخذت سيفك ووضعته على عاتقك وضربت به الناس.

قال ابن الملك رحمه الله: قوله: "شاركت" لتأكيد الزجر عن إراقة الدماء، وإلا .. فالدفع واجب. انتهى.

قال القاري: والصواب أن الدفع جائز إذا كان الخصم مسلمًا، إن لم يترتب عليه فساد، بخلاف ما إذا كان العدو كافرًا؛ " فإنه يجب الدفع مهما أمكن. انتهى منه.

(ولكن ادخل بيتك) هاربًا ممن يطلبك (قلت) له صلى الله عليه وسلم: (يا رسول الله؛ فإن دخل) علي ذلك الطالب لي في (بيتي؟ ) وفي نسخة: بناء (دخل) للمفعول على أن النائب الظرف، فـ (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: فـ (إن خشيت أن يبهرك) - بفتح الهاء - أي: يغلبك (شعاع السيف) أي: بريقه ولمعانه، وهو كناية عن إعمال السيف .. (فألق) أي: فارم (طرف ردائك على وجهك) أي: لئلا ترى السيف ولا تفزع ولا تجزع؛ أي: فغطِّ وَجْهكَ حتى يقتلك.

والمعنى: لا تحاربهم وإن حاربوك، بل استسلم نفسك للقتل.

(فيبوء) أي: يرجع ذلك القاتل (بإثمه) أي: بذنبه الخاص به (و) بـ (إثم) قتله لـ (ك) إلى ربه (فيكون من أصحاب النار) أي: من الملازمين لها في الآخرة إن استحل قتلك فيما إذا كان مسلمًا، أو بقدر ذنب قتلك وذنب نفسه إن لم يستحل.

ص: 367

(116)

- 3903 - (3) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا عَوْفٌ،

===

والقصد من إخباره صلى الله عليه وسلم بهذه الوقائع لأبي ذر على احتمال أن أبا ذر لعله يدركها، وإلا .. فأبو ذر مات قبل وقعة الحرة؛ فإنه مات في خلافة عثمان رضي الله تعالى عنه، وأما وقوع الجوع والموت بالمدينة .. فيحتمل أنه أدركها أبو ذر؛ لأنه وقع قحط وموت بها في عام الرمادة وغيره.

وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث: أبو داوود في "سننه" عن مسدد عن حماد بن زيد، فذكره بإسناده ومتنه في كتاب الملاحم، والنهي عن السعي في الفتنة.

ودرجته: أنه صحيح؛ لصحة سنده وللمشاركة فيه، وغرضه: الاستشهاد به لحديث عبد الله بن عمرو.

* * *

ثم استشهد المؤلف ثانيًا لحديث عبد الله بن عمرو بحديث أبي موسى الأشعري رضي الله تعالى عنهم، فقال:

(116)

- 3903 - (3)(حدثنا محمد بن بشار) العبدي البصري، ثقة، من العاشرة، مات سنة اثنتين وخمسين ومئتين (252 هـ). يروي عنه:(ع).

(حدثنا محمد بن جعفر) الهذلي البصري ربيب شعبة، ثقة، من التاسعة، مات سنة ثلاث أو أربع وتسعين ومئة. يروي عنه:(ع).

(حدثنا عوف) بن أبي جميلة العبدي الهجري أبو سهل البصري، المعروف بالأعرابي، واسم أبي جميلة بندويه. روى عن: الحسن البصري، ويروي عنه: محمد بن جعفر، ثقة، من السادسة رمي بالقدر وبالتشيع، مات سنة ست أو سبع وأربعين ومئة (147 هـ). يروي عنه:(ع).

ص: 368

عَنِ الْحَسَنِ، حَدَّثَنَا أَسِيدُ بْنُ الْمُتَشَمِّسِ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مُوسَى، حَدَّثَنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:"إِنَّ بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ لَهَرْجًا"،

===

(عن الحسن) بن أبي الحسن البصري، واسم أبيه يسار - بالتحتانية وبالمهملة - الأنصاري مولاهم، ثقة ثبت، من الثالثة، مات سنة عشر ومئة (110 هـ). يروي عنه:(ع).

(حدثنا أسيد) بفتح الهمزة مكبرًا (ابن المتشمس) - بضم الميم وفتح المثناة والمعجمة وتشديد الميم المكسورة بعدها مهملة - ابن معاوية التميمي، ابن عم الأحنف بن قيس بن معاوية التميمي السعدي، ثقة، من الثانية؛ كما في "التقريب"، وذكره أبو نعيم الأصبهاني فيمن شهد فتح أصبهان مع أبي موسى، وقال ابن أبي خيثمة في "تاريخه": سمعت ابن معين يقول: إذا روى الحسن البصري عن رجل فسماه .. فهو ثقة يحتج به، وذكره ابن حبان في "الثقات"، وذكره ابن المديني في المجهولين الذين روى عنهم الحسن البصري، وليس كذلك؛ كما قد عرفت. انتهى من "التهذيب". روى عن: أبي موسى الأشعري في ذكر الهرج، وقيل: روى عن الأحنف عن أبي موسى، ويروي عنه:(ق) هذا الحديث. انتهى منه.

(قال) أسيد: (حدثنا أبو موسى) الأشعري رضي الله تعالى عنه.

وهذا السند من سداسياته، وحكمه: الصحة؛ لأن رجاله ثقات، وقيل: الحسن؛ لأن فيه: أسيد بن المتشمس، وهو مختلف فيه؛ لما قال فيه ابن المديني، والأول أرجح؛ لكثرة قائله؛ كما في "التقريب".

قال أبو موسى: (حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن بين يدي الساعة) أي: قدام القيامة وقربها (لهرجًا) أي: لكثرة القتل ظلمًا، قال ابن حجر: ذكر صاحب المحكم لـ (الهرج) معاني كثيرة؛ مجموعها تسعة: شدة القتل،

ص: 369

قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ؛ مَا الْهَرْجُ؟ قَالَ: "الْقَتْلُ"، فَقَالَ بَعْضُ الْمُسْلِمِينَ: يَا رَسُولَ اللهِ؛ إِنَّا نَقْتُلُ الْآنَ فِي الْعَامِ الْوَاحِدِ مِنَ الْمُشْرِكِينَ كَذَا وَكَذَا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:"لَيْسَ بِقَتْلِ الْمُشْرِكِينَ، وَلكِنْ يَقْتُلُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا حَتَّى يَقْتُلَ الرَّجُلُ جَارَهُ وَابْنَ عَمِّهِ وَذَا قَرَابَتِهِ"، فَقَالَ بَعْضُ الْقَوْمِ: يَا رَسُولَ اللهِ؛ وَمَعَنَا عُقُولُنَا ذَلِكَ الْيَوْمَ؟ !

===

وكثرة القتل، والاختلاط، والفتنة في آخر الزمان، وكثرة النكاح، وكثرة الكذب، وكثرة النوم، وما يرى في النوم غير منضبط، وعدم الإتقان للشيء. انتهى "فتح الباري"(13/ 19).

(قال) أبو موسى: (قلت: يا رسول الله؛ ما الهرج؟ قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم في جواب سؤال أبي موسى: الهرج: هو كثرة (القتل، فقال بعض المسلمين) الحاضرين عند رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يا رسول الله؛ إنا) معاشر الصحابة (نقتل الآن) أي: في العصر الحاضر (في العام الواحد من المشركين كذا وكذا) أي: مئة ومئتين وما فوقهما.

ولفظ: (كذا) اسم مبهم المعنى مركب اللفظ من حرف جر واسم إشارة في محل النصب مفعول به لـ (نقتل) مبني على سكون مقدر على الأخير، منع من ظهوره اشتغال المحل بسكون الحكاية؛ لتركبه تركيب خمسة عشر.

(فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لذلك البعض الذي سأله: (ليس) الهرج الذي ذكرته لكم (بقتل المشركين، ولكن) الهرج الذي ذكرته لكم هو أن (يقتل بعضكم) أي: بعض المسلمين (بعضًا) آخر (حتى يقتل الرجل) منكم (جاره وابن عمه وذا قرابته) كابن عمَّتهِ وخالتِه وخالِه (فقال بعض القوم) الحاضرين عند رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يا رسول الله) أَ (وَمعنا عقولُنا) في (ذلك اليوم) الذي يكثر فيه الهرج؟ !

ص: 370

فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "لَا، تُنْزَعُ عُقُولُ أَكْثَرِ ذَلِكَ الزَّمَان، وَيَخْلُفُ لَهُ هَبَاء مِنَ النَّاسِ لَا عُقُولَ لَهُمْ"، ثُمَّ قَالَ الْأَشْعَرِيُّ: وَايْمُ اللهِ؛ إِنِّي لَأَظُنُّهَا مُدْرِكَتِي وَإيَّاكُمْ، وَايْمُ اللهِ؛ مَا لِي وَلَكُمْ مِنْهَا مَخْرَج إِنْ أَدْرَكَتْنَا فِيمَا عَهِدَ إِلَيْنَا نَبِيُّنَا صلى الله عليه وسلم؛ إِلَّا أَنْ نَخْرُجَ كَمَا دَخَلْنَا فِيهَا.

===

(فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للقومِ السائلين له: (لا) أي: لا عَقْلَ معكم في ذلك اليوم؛ أي: لا يكون ذلك الهَرْجُ مع عُقولكم، بل (تُنْزَع عقولُ أكثر) أهل (ذلك الزمان) لشدة الحرص، والرغبة في الدنيا، وكثرةِ الجهل للأحكام الشرعيةِ فيهم (ويخلف له) أي: يخلف في ذلك الزمان (هباء) حثالة وأراذل (من الناس لا عقول) كاملةً (لهم) أي: سفهاء لا تمييز لهم بين الحسن والقبيح في الشرع، لغلبة جهلهم على عقولهم.

(والهباء) في الأصل: الذرات والغبار التي تظهر في الكوة من الدار؛ بسبب شعاع الشمس وضوئها الطالعِ من الكوة.

(ثم) بعدما روى هذا الحديث (قال) أبو موسى (الأشعري) بالسند السابق: (وايم الله) أي: اسم الله قسمي (إني لأظنها) أي: لأظن تلك الحالة (مدركتي) أي: لمُدرِكةٌ إيايَ (وإياكم) لا تزالُ تلك الحالة عنَّا (وايم الله) قسمي (ما لي ولكم) أيُّها الصحابة (منها) أي: مِن تلك الحالة (مَخْرَجٌ) أي: خروج (إن أدركتْنَا) أي: ما أدركتنا تلك الأيام التي يكثر فيها الهرج (فيما عَهِدَ إلينا) أي: ونحن على ما عهد إلينا (نبينا صلى الله عليه وسلم من امتثال المأمورات واجتناب المنهيات (إلا أَنْ نَخْرُجَ) من تلك الأيام سالمين من مخالفة الشرع (كما دخلنا فيها) أي: تلك الأيام ممتثلين لأوامر الله، ومجتنبين لمنهياته، والله سبحانه وتعالى أعلم.

وهذا الحديث انفرد به ابن ماجه، ولكن رواه أحمد في "مسنده"، من

ص: 371

(117)

- 3904 - (4) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّار، حَدَّثَنَا صَفْوَانُ بْنُ عِيسَى، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عُبَيْدٍ مُؤَذِّنُ مَسْجِدِ جُرْدَانَ قَالَ: حَدَّثَتْنِي عُدَيْسَةُ بِنْتُ أُهْبَانَ

===

حديث أبي موسى، ورواه مسدد في "مسنده" عن يزيد عن يونس عن الحسن، فذكره بإسناده وزيادة في متنه، ورواه أيضًا أبو بكر بن أبي شيبة في "مسنده"، ورواه أبو يعلى الموصلي من طريق الحسن عن أبي موسى بزيادة؛ كما أورده في "زوائد العشرة".

فدرجته: أنه صحيح أو حسن؛ لصحةِ سنده أو حُسْنِه، على الخلاف الذي ذكرناه في السند، وغرضه: الاستشهاد به ثانيًا لحديث عبد الله بن عمرو.

* * *

ثم استشهد المؤلف ثالثًا لحديث عبد الله بن عمرو بحديث علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنهم، فقال:

(117)

- 3904 - (4)(حدثنا محمد بن بشار) العبدي البصري، ثقة، من العاشرة، مات سنة اثنتين وخمسين ومئتين (252 هـ). يروي عنه:(ع).

(حدثنا صفوان بن عيسى) الزهري أبو محمد البصري القسام، ثقة، من التاسعة، مات سنة مئتين (200 هـ) وقيل قبلها بقليل، أو بعدها. يروي عنه:(م عم).

(حدثنا عبد الله بن عبيد) مصغرًا بلا إضافة (مؤذنُ مسجدِ جُرْدَان) الحميري البصري، وفي "التهذيب": مؤذن مسجد المَسَارِح. روى عن: عُدَيسة بنت أُهبان بن صيفي، الصحابي الفاضل، ويروي عنه:(ت س ق)، وصفوان بن عيسى، وعثمان بن الهيثم، ثقة، من السابعة.

(قال) عبيد الله بن عبيد: (حدثَتْني عُديسة) بالتصغير وبالمهملة (بنت أهبان) بن صيفي الغفارية - بكسر المعجمة - مقبولة، من الثالثة. روت

ص: 372

قَالَتْ: لَمَّا جَاءَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ هَا هُنَا الْبَصْرَةَ .. دَخَلَ عَلَى أَبِي فَقَالَ: يَا أَبَا مُسْلِمٍ؛ أَلَا تُعِينُنِي عَلَى هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ؟ قَالَ: بَلَى، قَالَ: فَدَعَا جَارِيَةً لَهُ فَقَالَ: يَا جَارِيَةُ؛ أَخْرِجِي سَيْفِي، قَالَ: فَأَخْرَجَتْهُ، فَسَلَّ مِنْهُ قَدْرَ شِبْرٍ فَإِذَا هُوَ خَشَبٌ فَقَالَ: إِنَّ خَلِيلِي وَابْنَ عَمِّكَ صلى الله عليه وسلم

===

عن: أبيها، وعن علي، ويروي عنها:(ت ق)، وعبد الله بن عبيد المؤذن، وأبوها أُهْبَان - بضم الهمزة وسكون الهاء - ابن صَيفي - بفتح الصاد المهملة وتحتانيةٍ ساكنة وفَاءٍ - الغفاري - بمعجمة مكسورة وتخفيف فاء - أبو مسلم الصحابي الفاضل رضي الله تعالى عنه، روى عن النبي صلى الله عليه وسلم في ترك القتال في الفتنة.

(قالت) عديسة: (لما جاء علي بن أبي طالب) رضي الله تعالى عنه (ها هنا) أي: (البصرة) بدل من (ها هنا)، أو عطف بيان منه .. (دخل على أَبِي) أهبان بن صيفي الصحابي الفاضل رضي الله تعالى عنه، يكنى أبا مسلم، مات بالبصرة.

وهذا السند من خماسياته، وحكمه: الصحة؛ لأن رجاله ثقات.

قالت عديسة: (فقال) عليٌّ مناديًا لأبي: (يا أبا مسلم) وهو كُنْيةُ والدي؛ كما مر آنفًا، (ألا تعينني) وتساعدني (على) قتال (هؤلاء القوم) البغاة؟ (قال) أبي (بلى) أعينك على قتالهم (قال) الراوي وهو عديسة:(فدعا) أبي ونادى (جاريةً له) أي: مملوكة لأبي (فقال) أبي لها: (يا جارية؛ أخرجي) لي (سيفي) من الخزانة (قال) الراوي: (فأخرجته) أي: فأخرجت الجارية السيف من الخزانة فأعطته لوالدي (فسل) أي: فأخرج أبي السيف (منه) أي: من غلافه (قدر شبرِ) يَدٍ (فإذا هو) أي: السيف (خشب فقال) أبي لعلي بن أبي طالب: (إن خليلي وابن عمك صلى الله عليه وسلم يعني

ص: 373

عَهِدَ إِلَيَّ إِذَا كَانَتِ الْفِتْنَةُ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ فَأَتَّخِذُ سَيْفًا مِنْ خَشَبٍ؛ فَإِنْ شِئْتَ خَرَجْتُ مَعَكَ، قَالَ: لَا حَاجَةَ لِي فِيكَ وَلَا فِي سَيْفِكَ.

===

به: النبي صلى الله عليه وسلم، فهو عطف مرادف على ما قبله (عهد) وأوصى (إلي) قال في "القاموس": عهد إليه: أوصاه (إذا كانت الفتنة) أي: وجدت المقاتلة (بين المسلمين).

والفاء في قوله: (فأتخذ سيفًا من خشب) زائدة في المفعول؛ لأن الجملة الفعلية مفعول لعهد، والأوفق للقاعدة العربية رواية الترمذي، ولفظها:(إن خليلي وابن عمك محمدًا صلى الله عليه وسلم عهد إليَّ أن أتخذ سيفًا من خشب) لا من حديد، بأن المصدرية بدل الفاء؛ أي: أوصاني باتخاذ سيف من خشب لا من حديد؛ لئلا يحصل القتل به؛ لأن المقصود به: إيقاف المقاتلة لا إيجاد القتل.

وعبارة "التحفة": لأن المراد باتخاذ السيف من الخشب: الامتناع عن القتال، ولكن عبارة المؤلف صحيحة بجعل الفاء زائدة في جواب (إذا) الشرطية، وجملة (إذا) الشرطية، من فعل شرطها وجوابها في محل النصب مفعول عهد؛ لأن لفظ المؤلف:(إن خليلي وابن عمك عهد إلي: إذا كانت الفتنة بين المسلمين .. فاتخذ سيفًا من خشب) والتقدير: إن خليلي وابن عمك يا علي عهد إلي باتخاذ سيف من خشب لا من حديد، وقت وقوع الفتنة والمقاتلة بين المسلمين.

ثم بعدما أخذ سيف خشب، قال أهبان بن صيفي لعلي بن أبي طالب:(فإن شئت) يا علي الإعانة لك على هؤلاء القوم (خرجت معك) إلى قتالهم بهذا السيف الذي هو من خشب فـ (قال) علي له: (لا حاجة لي فيك) أي: في إعانتك لي بيدك (ولا في) إعانتك لي ب (سيفك) الذي هو من خشب؛ لأنه لا منفعة فيه.

ص: 374

(118)

- 3905 - (5) حَدَّثَنَا عِمْرَانُ بْنُ مُوسَى اللَّيْثِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جُحَادَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ ثَرْوَانَ،

===

وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث: الترمذي في كتاب الفتن، باب ما جاء في اتخاذ سيف من خشب في الفتنة، قال أبو عيسى: وفي الباب عن محمد بن مسلمة، وهذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث عبد الله بن عبيد.

ودرجته: أنه صحيح؛ لصحة سنده وللمشاركة فيه، وغرضه: الاستشهاد به لحديث عبد الله بن عمرو.

* * *

ثم استشهد المؤلف رابعًا لحديث عبد الله بن عمرو بحديث أبي موسى الأشعري رضي الله تعالى عنهم، فقال:

(118)

- 3905 - (5)(حدثنا عمران بن موسى) القزاز (الليثي) أبو عمرو البصري، صدوق، من العاشرة، مات بعد الأربعين ومئتين. يروي عنه:(ت س ق).

(حدثنا عبد الوارث بن سعيد) بن ذكوان العنبري مولاهم أبو عبيدة التنوري - بفتح المثناة وتشديد النون - البصري، ثقة ثبت رمي بالقَدرِ ولم يثبت عنه، من الثامنة، مات سنة ثمانين ومئة (180 هـ). يروي عنه:(ع).

(حدثنا محمد بن جحادة) - بضم الجيم وتخفيف المهملة - ثقة، من الخامسة، مات سنة إحدى وثلاثين ومئة (131 هـ). يروي عنه:(ع).

(عن عبد الرحمن بن ثروان) - بمثلثة مفتوحة وراء ساكنة - أبي قيس الأودي الكوفي، صدوق ربما خالف، من السادسة، مات سنة عشرين ومئة (120 هـ). يروي عنه:(خ عم).

ص: 375

عَنْ هُزَيْلِ بْنِ شُرَحْبِيلَ، عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ فِتَنًا كَقِطَعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ؛ يُصْبِحُ الرَّجُلُ فِيهَا مُؤْمِنًا وَيُمْسِي كَافِرًا، وَيُمْسِي مُؤْمِنًا وَيُصْبِحُ كَافِرًا، الْقَاعِدُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ الْقَائِم، وَالْقَائِمُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ الْمَاشِي، وَالْمَاشِي فِيهَا خَيْرٌ مِنَ السَّاعِي،

===

(عن هزيل) مصغرًا (ابن شرحبيل) الأودي الكوفي، ثقة مخضرم، من الثانية. يروي عنه:(خ عم).

(عن أبي موسى الأشعري) رضي الله تعالى عنه.

وهذا السند من سداسياته، وحكمه: الصحة؛ لأن رجاله ثقات.

(قال) أبو موسى: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن بين يدي الساعة) وقدامها وقربها من أشراطها (فتنًا) أي: فتنًا عظامًا، ومحنًا جسامًا (كقطع الليل المظلم) - بكسر القاف وفتح الطاء وقد يسكن - أي: كل فتنة كقطعة من الليل المظلم في شدتها وظلمتها وعدم تبين أمرها.

قال الطيبي رحمه الله: يريد بذلك التباسها وفظاعتها وشيوعها واستمرارها (يصبح الرجل فيها) أي: في تلك الفتن (مؤمنًا ويمسي كافرًا، ويمسي مؤمنًا ويصبح كافرًا) أي: يصبح محرمًا لدم أخيه وعرضه، ويمسي مستحلًا له.

والظاهر أن المراد بالإصباح والإمساء: تقلب الناس فيها وقتًا دون وقت لا بخصوص الزمانين، فكأنه كناية عن تردد أحوالهم، وتذبذب أقوالهم، وتنوع أفعالهم من عهدٍ ونقضٍ، وأمانةٍ وخيانةٍ، ومعروف ومنكر، وسنة وبدعة، وإيمان وكفر.

(القاعد فيها خير من القائم، والقائم فيها خير من الماشي، والماشي فيها خير من الساعي) أي: كلما بعد الشخص عنها وعن أهلها .. خير

ص: 376

فَكَسِّرُوا قِسِيَّكُمْ وَقَطِّعُوا أَوْتَارَكُمْ، وَأضْرِبُوا بِسُيُوفِكُمُ الْحِجَارَةَ؛ فَإِنْ دُخِلَ عَلَى أَحَدِكُمْ .. فَلْيَكُنْ كَخَيْرِ ابْنَيْ آدَمَ".

===

له من قربها واختلاط أهلها؛ لما سيؤول أمرها إلى محاربة أهلها.

قال النووي: معناه: بيان عظيم خطرها، والحث على تجنبها والهرب منها، ومن التسبب في شيء منها، وإن شرها وفتنتها يكون على حسب التعلق بها؛ أي: كلما بعد الإنسان من مباشرتها .. يكون خيرًا.

والفاء في قوله: (فكسروا قسيكم) فاء الإفصاح؛ لأنها أفصحت عن جواب شرط مقدر؛ تقديره: فإذا رأيتم الأمر كذالك .. فكسروا قسيكم - بكسرتين وتشديد التحتانية - جمع لقوس، وفي العدول عن الكسر إلى التكسير مبالغة؛ لأن باب التفعيل للتكثير (وقطعوا) فيها من التقطيع (أوتاركم) جمع وتر - بفتحتين - قال القاري: فيه زيادة من المبالغة؛ إذ لا منفعة لوجود الأوتار بعد كسر القسي، أو المراد به: لئلا ينتفع بها الغير (واضربوا بسيوفكم الحجارة) أي: حتى تنكسر أو حتى تذهب حدتها.

قال النووي: قيل المراد: كسر السيف حقيقة على ظاهر الحديث؛ ليسد على نفسه باب هذا القتال، وقيل: هو مجاز؛ والمراد: ترك القتال، والأول: هو الأصح، وعلى هذا القياس الأرماح وسائر السلاح.

(فإن دخل) - بالبناء للمفعول - أي: إن دخل (على أحدكم) البيت .. (فليكن) ذلك الأحد (كخير ابني آدم) في الاستسلام للقتل، وهو هابيل، قتله أخوه قابيل؛ أي: فليكن قتيلًا كهابيل، ولا يكن قاتلًا كقابيل؛ يريد: أن الصبر على الموت فيها أحسن من الحركة؛ لكون الحركة تزيد في الفتنة. انتهى من "العون" و"البذل".

وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث: أبو داوود في كتاب الفتن والملاحم،

ص: 377

(119)

- 3906 - (6) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ أَوْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدِ بْنِ جُدْعَانَ شَكَّ أَبُو بَكْرٍ،

===

باب في النهي عن السعي في الفتنة، والترمذي في كتاب الفتنة، باب ما جاء في اتخاذ سيف من خشب في الفتنة، وقال: هذا حديث حسن صحيح، والطبراني في "المعجم الكبير"، والبيهقي في "الكبرى"، وأحمد في "المسند".

ودرجته: أنه صحيح؛ لصحة سنده وللمشاركة فيه، وغرضه: الاستشهاد به.

* * *

ثم استشهد المؤلف خامسًا لحديث عبد الله بن عمرو بحديث محمد بن مسلمة رضي الله تعالى عنهم، فقال:

(119)

- 3906 - (6)(حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا يزيد بن هارون) بن زاذان السلمي مولاهم أبو خالد الواسطي، ثقة متقن عابد، من التاسعة، مات سنة ست ومئتين (206 هـ). يروي عنه:(ع).

(عن حماد بن سلمة) بن دينار ثقة عابد، من كبار الثامنة، مات سنة سبع وستين ومئة (167 هـ). يروي عنه:(م عم).

(عن ثابت) بن أسلم البناني البصري، ثقة عابد، من الرابعة. يروي عنه:(ع).

(أو) روى حماد عن (علي بن زيد) بن عبد الله بن زهير (بن جدعان) التيمي البصري، أصله حجازي، وهو المعروف بعلي بن زيد بن جدعان، ينسب أبوه إلى جد جده، ضعيف، من الرابعة، مات سنة إحدى وثلاثين ومئة (131 هـ)، وقيل قبلها. يروي عنه:(م عم)، ولكن لا يضر في السند؛ لأنه إنما ذكره على سبيل الشك؛ كما ذكره المؤلف بقوله:(شك أبو بكر) في ذكره

ص: 378

عَنْ أَبِي بُرْدَةَ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى مُحَمَّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إِنَّهَا سَتَكُونُ فِتْنَةٌ وَفُرْقَةٌ وَاخْتِلَافٌ، فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ .. فَأْتِ بِسَيْفِكَ أُحُدًا فَأضْرِبْهُ حَتَّى يَنْقَطِعَ، ثُمَّ اجْلِسْ فِي بَيْتِكَ حَتَّى تَأْتِيَكَ يَدٌ خَاطِئَةٌ أَوْ مَنِيَّةٌ قَاضِيَةٌ"، فَقَدْ وَقَعَتْ وَفَعَلْتُ

===

(عن أبي بردة) عامر بن أبي موسى الأشعري الكوفي تابعي كوفي، ثقة، من الثالثة، مات سنة أربع ومئة، وقيل غير ذلك. يروي عنه:(ع).

(قال) أبو بردة: (دخلت على محمد بن مسلمة) بن سلمة الأنصاري الصحابي المشهور رضي الله تعالى عنه، وهو أكبر من اسمه محمد من الصحابة، مات بعد الأربعين وكان من الفضلاء. يروي عنه:(ع).

وهذا السند من سداسياته، وحكمه: الصحة؛ لأن رجاله ثقات أثبات.

(فقال) محمد بن مسلمة: (إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إنها) أي: إن القصة (ستكون) وتوجد فيكم أيتها الأمة (فتنة) أي: مقاتلة (وفرقة) أي: افتراق في العقائد (واختلاف) في المذاهب (فإذا كان) الشأن كائنًا (كذلك) أي: مقاتلةً وافتراقًا واختلافًا .. (فأت) أيها المسلم (بسيفك أحدًا) - بضمتين - جبل معروف في المدينة (فاضربه) أي: فاضرب بسيفك أحدًا؛ أي: بحجر من أحجاره (حتى ينقطع) سيفك وينكسر حده؛ سدًّا لأسباب المقاتلة (ثم اجلس في بيتك) ولا تخرج إلى الناس؛ خوفًا من المقاتلة والفتنة (حتى تأتيك) في بيتك (يد خاطئة) أي: عاصية فتقتلك، وهي التي تقتل المؤمن ظلمًا؛ أي: حتى تقتل ظلمًا (أو) تأتيك (منية) أي: موت (قاضية) أي: قاض نافذ عليك قدر الله وقضائه وأجله.

قال محمد بن مسلمة: (فقد وقعت) تلك الفتنة الآن (وفعلت) أنا ولازمت

ص: 379

مَا قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم.

===

(ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لنا وأمرنا به؛ وهو الجلوس في البيت، والعزلة عن الناس خوفًا من الوقوع في الفتنة.

وهذا الحديث انفرد به ابن ماجه، لكن رواه ابن أبي شيبة في "مسنده"، وأحمد بن منيع في "مسنده" مطولًا.

ودرجته: أنه صحيح؛ إن كان من طريق حماد عن ثابت؛ لصحة سنده حينئذ، وإن كان من طريق علي بن زيد .. فصحيح بغيره، لضعف سنده حينئذ، وغرضه: الاستشهاد به.

* * *

وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب: ستة أحاديث:

الأول للاستدلال، والبواقي للاستشهاد.

والله سبحانه وتعالى أعلم

ص: 380