الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
54 - باب سُؤْرِ الْهِرَّةِ
68 -
أَخْبَرَنَا قُتَيْبَةُ عَنْ مَالِكٍ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنْ حُمَيْدَةَ بِنْتِ عُبَيْدِ بْنِ رِفَاعَةَ عَنْ كَبْشَةَ بِنْتِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ أَبَا قَتَادَةَ دَخَلَ عَلَيْهَا ثُمَّ ذَكَرَتْ كَلِمَةً مَعْنَاهَا فَسَكَبْتُ لَهُ وَضُوءًا فَجَاءَتْ هِرَّةٌ فَشَرِبَتْ مِنْهُ فَأَصْغَى لَهَا الإِنَاءَ حَتَّى شَرِبَتْ قَالَتْ كَبْشَةُ: فَرَآنِي أَنْظُرُ إِلَيْهِ فَقَالَ: أَتَعْجَبِينَ يَا ابْنَةَ أَخِي فَقُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إِنَّهَا لَيْسَتْ بِنَجَسٍ إِنَّمَا هِيَ مِنَ الطَّوَّافِينَ عَلَيْكُمْ وَالطَّوَّافَاتِ".
• [رواته 6 - تقدم منهم 4]
1 -
قتيبة: تقدم 1.
2 -
مالك بن أنس: تقدم 7.
3 -
إسحاق بن عبد الله: تقدم 2.
4 -
أبو قتادة الحارث الربعي: تقدم 24.
.. وامرأتان.
5 -
حميدة بنت عبيد بن رفاعة الأنصارية الزرقية أم يحيى المدنية، روت عن خالتها كبشة بنت كعب بن مالك وعنها زوجها إسحاق بن عبيد الله بن أبي طلحة وابنها يحيى بن إسحاق، وقال: في حديثه عن أمه عن أبيها في تشميت العاطس. ذكرها ابن حبان في الثقات. قال ابن حجر: رواية يحيى بن إسحاق عن أمه حميدة من غير شك في معرفة الصحابة لأبي نعيم اهـ. والله أعلم.
6 -
كبشة بنت كعب بن مالك الأنصارية روت عن أبي قتادة -وكانت زوج ابنه عبد الله بن أبي قتادة- في الوضوء، وعنه بنت أختها حميدة بنت عبيد بن رفاعة زوج إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة. قال ابن حجر: قال ابن حبان: لها صحبة وتبعه الزبير بن بكار وأبو موسى. والله أعلم.
• التخريج
أخرجه مالك في الموطأ، والإِمام أحمد والترمذي وأبو داود وابن ماجه والدارمي والبيهقي والعقيلى وابن خزيمة وابن حبان والحاكم والشافعي،
والدارقطني، وأبو يعلى، وصححه البخاري والترمذي والعقيلي والدارقطني وصححه الحاكم، وسكت عليه الذهبي وذكر الدارقطني في الأفراد طريقًا غير طريق مالك فرواه من طريق الدراوردي عن أسيد بن أبي أسيد عن أبيه: أن أبا قتادة كان يصغي الإِناء للهرة فتشرب منه، ثم يتوضأ بفضلها فقيل له: أتتوضأ بفضلها، فقال:"إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إنها ليست بنجس إنما هي من الطوافين عليكم".
قال ابن حجر: "وأعله ابن منده فقال: حميدة وخالتها كبشة محلهما محل الجهالة ولا يعرف لهما إلَّا هذا الحديث.
وتعقَّب بأن لحميدة حديثًا آخر في تشميت العاطس رواه أبو داود، قال: ولها ثالث رواه أبو نعيم في المعرفة، قال: وأما خالتها حميدة فروى لها ابنها يحيى مع إسحاق وهو ثقة عند ابن معين. وأما كبشة فقيل: إنها صحابية فإن ثبت فلا يضر الجهل بحالها" اهـ. والله أعلم. وحميدة تروي بفتح الحاء وضمها فتبين أن الحديث ثابت والقدح فيه غير مُسلَّم. والله أعلم.
• اللغة والإِعراب والمعنى
(الهرّة): هي القطة الحيوان المعروف و (أصغي) بمعنى أمال الإِناء وحرفه لها، يقال: صَغَا يصغو كدعا يدعو ويصغى كسعى يسعى. وفي المحكم يصغي بالكسر صغوًا مصدر للبابين وصغي يصغي كرضي يرضي. صغًا بالقصر وصغيًا كعتي مال. اهـ.
وأصغت الناقة إذا أمالت رأسها إلى الراكب قال ذو الرمة:
تصغي إذا شدها بالكور جانحة
…
حتى إذا ما استوى في غرزها تثب
وقوله: (فشربت) أي شرعت لتشرب منه.
وقوله: (ليست بنجس) ضد الطاهر وفيه خمس لغات كما ذكره صاحب التاج وغيره وهي النَّجَس بفتحتين والنَّجِس بفتح وكسر والنَّجُس بفتح فضم والنجْس بفتح فسكون والنِّجْس بكسر فسكون ونجس ثوبه ونجس كسمع وكرم.
والمعنى: أن أبا قتادة دخل على كبشة بنت كعب بن مالك وهي زوج ابنه عبد الله (فسكبت) أي صبت له ماء للوضوء في إناء فجاءته هرة لتشرب منه فأمال
الإِناء نحوها حتى شربت فجعلت المرأة تنظر إلى فعله متعجبة منه فعرف ذلك من حالها فقال: (أتعجبين) أي مما رأيتني صنعت بهذه الهرة لأنه عرف أن إنكارها لذلك استقذارًا للهرة فإنها لا تجتنب النجاسات وتأكل الحشرات فأخبرها بأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إنها ليست بنجس وإنها من الأشياء التي تطوف على الناس ولا تنفك منهم، والتحرز منها يشق فلذلك لم يعتبر الشرع تعاطيها للأقذار مقتضيًا لنجاسة عينها ولا سؤرها.
• الأحكام والفوائد
الحديث دل على طهارة سؤر الهرة وهو قول جمهور فقهاء الإِسلام، مالك وأحمد والشافعي وأبي يوسف القاضي والحسن بن صالح والأَوزاعي ونسبه ابن عبد البر للعباس وابنه عبد الله وعلي بن أبي طالب وابن عمر وعائشة وأبي قتادة والحسن والحسين وعلقمة وإبراهيم وعكرمة وعطاء بن يسار ذكره ابن عبد البر.
قال: واختلف في ذلك عن أبي هريرة والحسن البصري، فروى عطاء عن أبي هريرة أن الهر كالكلب يغسل منه الإِناء سبعًا، وروى أبو صالح ذكوان عنه قال:"السِّنور من أهل البيت" روى أشعث عن الحسن أنه كان لا يرى بأسًا بسؤر السِّنور. وروى يونس عنه يغسل الإِناء منه مرة. قال ولا نعلم أحدًا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم رُوِيَ عنه في الهر أنه لا يتوضأ بسؤره إلَّا أبا هريرة على اختلاف عنه، ثم ذكر جماعة من التابعين ابن المسيب وابن سيرين وعطاء بن أبي رباح أنهم أمروا بإراقة ماء وَلَغَ فيه الهر، وغسل الإِناء منه، قال: وسائر التابعين بالعراق والحجاز يقولون في الهر إنه طاهر لا بأس بالوضوء بسؤره، ثم الحجة عند التنازع سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد صح عنه ما ذكرنا من حديث أبي قتادة وعليه اعتماد الفقهاء في كل قطر إلا الإِمام أبا حنيفة ومن قال بقوله. قال أبو عبد الله محمَّد بن نصر المروزي: الذي صار إليه جلُّ أهل الفتوى من علماء الأمصار من أهل الأثر والرأي جميعًا أنه لا بأس بسؤر السنور اتباعًا للحديث الذي روينا يعني حديث أبي قتادة، وقال: وممن ذهب إلى ذلك الإِمام مالك بن أنس، وأهل المدينة، والليث ابن سعد فيمن وافقه من أهل العراق، قال الأوزاعي في أهل الشام وسفيان الثوري فيمن وافقه من أهل
العراق قال: وكذلك قول الشافعي وأصحابه وأحمد بن حنبل وإسحاق وأبي ثور وأبي عبيد وجماعة أصحاب الحديث. قال: وكان النعمان يعني أبا حنيفة يكره سؤره وقال إن كان توضأ به أجزاء وخالفه أصحابه، فقالوا: لا بأس به وتعقبه ابن عبد البر رحمه الله قائلًا إنما خالفه أبو يوسف وحده وأما محمَّد وزفر والحسن بن زياد فيقولون بقوله، وأكثرهم يرون أنه لا يجزئ الوضوء بفضل الهر ويحتجون لذلك، ويروون عن أبي هريرة وابن عمر أنهما كرها الوضوء به وهو قول ابن أبي ليلى، ثم ذكر الاختلاف عن الثوري فقيل: إنه يكره سؤر ما لا يؤكل لحمه وهو ممن يكره أكل الهر، وأسند المروزي عنه أنه قال: لا بأس به. قال أبو عمر رحمه الله: لا أعلم لمن كره سؤر الهرة حجة أحسن من أنه لم يبلغه حديث أبي قتادة وبلغه حديث أبي هريرة في الكلب فقاس الهر على الكلب، وقد فرقت السنة بينهما في التعبد، وجمعت بينهما على حسب ما قدمنا ذكره من باب الاعتبار والنظر، ومن حَجّته السنة خصمته، وقال: ومن حجتهم أيضًا ثم ذكر رواية قرة بن خالد عن أبي هريرة ثم عللها بما حاصله الشذوذ وفيها الأمر بغسل الإِناء من الهرة مرة أو مرتين.
وذكر ابن عبد البر: أن الحديث فيه إباحة اتخاذ الهرة وما أبيح اتخاذه جاز بيعه، وأكل ثمنه، إلَّا أن يخص شيئًا من ذلك دليل فيخرجه عن أصله، وفيه: أن الهر ليس يُنَجِّس ما شرب منه، وأن سؤره طاهر وقد تقدم ذلك وأن ما أبيح لنا اتخاذه فسؤره طاهر لأنه من الطوافين علينا، ومعنى الطوافين علينا الذين يخالطوننا. وقد تقدم ذلك، ومنه قوله تعالى في الأطفال:{طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ} ، ثم ذكر أن طهارة الهر تدل على طهارة الكلب أي من هذا الوجه، وأنه ليس في حي نجاسة سوى الخنزير والله أعلم، لأن الكلب من الطوافين علينا ومما أبيح لنا اتخاذه في مواضع من الأمور، وإذا كان حكمه في تلك المواضع كتلك فمعلوم أن سؤره في غير تلك المواضع كسؤره فيها، لأن عينه لا تنتقل، ثم ذكر أنه يدل على أن غسل الإِناء من الكلب تعبدي لمفارقته لصفة غسل النجاسات على ما تقدم اهـ. باختصار قلت: هذا يتجه أكثره في الكلب المأذون في اتخاذه والله أعلم، غير أن الحديث يدل على عموم الحكم فيه، وفي الحديث دليل على أن الرواية يستوي فيها الرجال والنساء لأن المعتبر الحفظ والضبط مع السلامة من القوادح.