الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
110 - حِلْيَةِ الْوُضُوءِ
149 -
أَخْبَرَنَا قُتَيْبَةُ عَنْ خَلَفٍ وَهُوَ ابْنُ خَلِيفَةَ عَنْ أَبِي مَالِكٍ الأَشْجَعِيِّ عَنْ أَبِي حَازِمٍ قَالَ: كُنْتُ خَلْفَ أَبِي هُرَيْرَةَ وَهُوَ يَتَوَضَّأُ لِلصَّلَاةِ وَكَانَ يَغْسِلُ يَدَيْهِ حَتَّى يَبْلُغَ إِبْطَيْهِ فَقُلْتُ: يَا أَبَا هُرَيْرَةَ مَا هَذَا الْوُضُوءُ؟ فَقَالَ لِي: يَا بَنِي فَرُّوخَ أَنْتُمْ هَاهُنَا لَوْ عَلِمْتُ أَنَّكُمْ هَاهُنَا مَا تَوَضَّأْتُ هَذَا الْوُضُوءَ سَمِعْتُ خَلِيلِي صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "تَبْلُغُ حِلْيَةُ الْمُؤْمِنِ حَيْثُ يَبْلُغُ الْوُضُوءُ".
• [رواته: 5]
1 -
قتيبة بن سعيد: تقدم 1.
2 -
خلف بن خليفة بن صاعد الأشجعي مولاهم أبو أحمد كان بالكوفة ثم انتقل إلى واسط فسكنها مدة ثم تحول إلى بغداد فأقام بها إلى حين وفاته قيل إنه رأى عمرو بن حريث وسيأتي ما يدل على أنه لم يره، روى عن أبيه وحفص ابن أخي أنس بن مالك وإسماعيل بن أبي خالد وأبي مالك الأشجعي وحميد بن عطاء الأعرج ويزيد بن كيسان ومالك بن أنس وعطاء بن السائب وجماعة، وعنه شريح بن النعمان وسعدويه وسعيد بن منصور وداود بن أبي رشيد وأبو بكر ابن أبي شيبة وقتيبة وعلي بن حجر والحسن بن عوف وهو آخر من روى عنه وحدث عنه وكيع وهشيم من القدماء قيل لابن عيينة: إنه يقول إنه رأى عمرو بن حريث فقال: كذب لعله رأى جعفر بن عمرو بن حريث وروى نفي رؤيته له عن أحمد وقال: ولكنه عندي شُبّه عليه وذكر أنه رآه وهو مفلوج سنة سبع وثمانين ومائة قد حمل وكان لا يفهم فمن كتب عنه قديمًا فسماعه صحيح وذكر أنه مات في سنة ثمانين أو تسع وسبعين ومائة وقال زكريا بن حمويه عن خلف بن خليفة فرض لي عمر بن عبد العزيز وأنا ابن ثمان سنين وقال ابن معين والنسائي: ليس به بأس وكذا قال ابن عمار: وزاد ولم يكن صاحب حديث وقال ابن معين أيضًا وأبو حاتم: صدوق وقال ابن عدي: أرجو أنه لا بأس به ولا أبرئه من أن يخطئ في بعض الأحاديث في بعض رواياته وقال ابن سعد كان ثقة مات ببغداد سنة 181 وهو ابن تسعين سنة أو
نحوها وقال البخاري: يقال مات سنة 171 وهو ابن مائة سنة وسنة قال ابن حجر وكذا جزم ابن حبان وفي هذا المقدار في سنه نظر فقد تقدم أنه قال فرض لي عمر بن عبد العزيز وأنا ابن ثمان سنين فيكون مولده على هذا سنة إحدى وتسعين أو اثنتين وتسعين لأن عمر بن عبد العزيز ولى سنة 99 وقد ذكروا أنه توفي سنة 181 فيكون عمره تسعين سنة أو تزيد أشهرا وعلى هذا فيبعد إدراكه عمرو بن حريث بعدًا بينا على ما سنذكره في ترجمة عمرو ووثقه العجلي وفي الثقات لابن شاهين قال عثمان بن أبي شيبة: صدوق ثقة لكنه خَرِف فاضطرب عليه الحديث، وعلى كل ثبت اختلاطه قبل موته بسنة أو نحوها فما روى عنه قبل فهم متفقون على توثيقه في الجملة قبل الاختلاط، والله أعلم.
3 -
سعد بن طارق بن أشيم أبو مالك الأشجعي الكوفي، روى عن أبيه وأنس وعبد الله بن أبي أوفي وربعي بن حراش وسعد بن عبيدة وموسى بن طلحة بن عبد الله وأبي حازم الأشجعي وغيرهم، وعنه خلف بن خليفة وابن إسحاق وشعبة والثوري وابن إدريس وحفص بن غياث وعباد بن العوام ويزيد بن هارون وأبو معاوية وأبو عوانة وجماعة وثقه أحمد وابن معين والعجلي وقال أبو حاتم: صالح الحديث يكتب حديثه وقال النسائي: ليس به بأس وذكره ابن حبان في الثقات وقال ابن خلفون: وثقه ابن نمير وغيره وقال العقيلي: أمسك يحيى بن سعيد عن الرواية عنه وقال ابن عبد البر: لا أعلمهم يختلفون في أنه ثقة عالم قيل: إنه بقي إلى حدود الأربعين ومائة.
4 -
سلمة بن دينار أبو حازم: تقدم 44.
5 -
أبو هريرة رضي الله عنه: تقدم 1.
• التخريج
أخرجه مسلم والإِمام أحمد وأخرجه ابن خزيمة بدون قوله: (يا بني فروخ).
• اللغة والإِعراب والمعاني
قوله: (وهو يتوضأ) جملة حالية وقوله: (للصلاة) أي لأجلها.
وقوله: (إبطيه) تثنية إبط وهو ما تحت الجناح من الجنب والمعنى أنه يزيد على الفرض المحدود بالنص بالمرافق.
وقوله: (ما هذا) استفهام إنكاري أي أي شيء هذا الوضوء المخالف بالزيادة على الفرض أي لِمَ تتوضأ هذا الوضوء؟ فما استفهامية مبنية على السكون في محل رفع مبتدأ واسم الإِشارة خبرها والوضوء تفسير لاسم الإشارة فهو بدل منه وقوله: (يا بني فروُّخ) فروخ قيل إنه من ولد إبراهيم ولا يثبت وهذا اللفظ من ألقاب العجم أو بعضهم عند العرب إما نسبة لأحد أبناء إبراهيم إن صح ذلك أو لأحد أجدادهم أو لقب لهم، كل ذلك محتمل فكأنه يقول: أنتم هاهنا معاشر العجم لأنهم يتسرعون إلى الإِنكار لقصورهم في العلم غالبًا والخطاب لأبي حازم سلمة بن دينار وهو من موالي العجم.
وقوله: (لو علمت أنكم هاهنا) لو حرف شرط كما تقدم ومراده بهذا أنه لو علم أن بحضرته من ينكر عليه لما فعل لأنه أمر غير واجب والمعروف خلافه فهو عرضة للتشويش على العوام فتركه بحضرتهم أولى وليس فيه أمر من الشارع حتى يبين وإنما هو شيء فعله باجتهاده.
وقوله: (خليلي) يعني النبي صلى الله عليه وسلم والخليل من استولت محبته على القلب حتى تتخلل مسالكه كما قال الشاعر:
تخللت مسلك الروح مني
…
وبذا سمي الخليل خليلًا
والخلة: الصداقة والمحبة الخالصة وهي الخلال قال تعالى: {لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خِلَالٌ} . وفي الحديث: "لو كنت متخذًا خليلًا غير ربي لا تخذت أبا بكر خليلًا" لأنه صلى الله عليه وسلم لا تستولى على قلبه محبة غير ربه، (والحلية) بالكسر ما يتحلى به أي يلبس للزينة ومنه قوله تعالى:{أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ} أي يتربى بالزينة ليرغب فيه ومنه قول الشاعر:
وما الحلى إلا زينة مستعارة
…
تكمل من حسن إذا كان قصرا
فأما إذا كان الجمال موفرا
…
كحسنك لم يحتج إلى أن يسور
وأل في الحلية يحتمل أنها للعهد الذهني أي التي ثبت الوعد بها في الحديث الذي ذكره. وفي قوله تعالى: {يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ} وقال تعالى: {وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِنْ فِضَّةٍ} جعلنا الله وإخواننا ووالدينا منهم ومن دعا لنا بخير وتقدّم الكلام على لفظ: "حيث" وأنها ظرف مبني مقطوع عن الإِضافة منوى فيه معناها وهي من الظروف التي لا
تضاف إلا إلى الجمل وقول الشاعر: "حيث سهيل طالعًا" شاذ.
وقوله: (يبلغ الوضوء) أي مواضع الوضوء التي تغسل فيه فتعم الحلية جميع مواضع الغسل في الوضوء وظاهر هذا أن أبا هريرة تأول الحديث على أن الماء مهما بلغ من البدن تبلغه الحلية ولم يوافق في هذا التأويل لأن التحديد صريح في القرآن وتقدم النهي عن الزيادة وجواب أبي هريرة هذا يدل على أنه ليس عنده دليل عن النبي صلى الله عليه وسلم غير ما فهمه من هذا الحديث، وقد روى مسلم من حديثه أنه توضأ فذكر أنه غسل يده حتى أشرع في العضد ثم ذكر مثل ذلك في اليسرى كذلك ثم ذكر أنه غسل الرجل حتى أشرع في الساق وأنه قال هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ فهذا محمول عند الأكثرين على ما لا يتم استيعاب الفرض إلا به أعني قوله:(حتى أشرع في العضد) إلخ.
• الأحكام والفوائد
استدل به علماء الشافعية رحمهم الله على قولهم باستحباب الزيادة على الحد المذكور في القرآن وخالفهم سائر فقهاء الإِسلام واستدلوا بأن هذا لو كان سنة لما أطبق الصحابة على تركه ولو فعله أحد منهم لنقل ذلك عنهم وقد رووا صفة وضوء النبي صلى الله عليه وسلم قولًا وفعلًا ولم يثبت عن أحد منهم أنه زاد على الفرض قولًا ولا فعلًا أما الحديث الذي تقدمت الإِشارة إليه حديث أبي هريرة في صحيح مسلم فقد استدل به النووي وفسر الغرة والتحجيل بالمعنى اللغوي الذي هو بياض الوجه والرجلين ثم ذكر أن المراد الزيادة على الفرض وفسرها مرة أخرى بذلك وفسر التحجيل بغسل ما فوق المرفقين والكعبين ولا تعطي اللغة هذا التفسير كما لا يخفى وإنما حمل هو وجماعته الحديث على ذلك وفيه نظر لأن إطالة الشيء إدامة فعله وهو محل الفضل عند الأكثرين فإطالة الغرة إدامة غسل محلها وكذلك التحجيل فإن المرتب عليه الثواب الإِكثار من الوضوء.
والأحاديث الأخر مصرحة بذلك منها حديث بلال: "ما أحدثت إلا توضأت ولا توضأت إلا صليت ما كتب لي" ثم ذكر النووي قول عياض وأبي الحسن بن بطال أن العلماء اتفقوا على عدم استحباب الزيادة ورد عليهما بقوله: وكيف يصح دعواهما وقد ثبت فعل ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت: يعني
هذا الحديث المذكور وليس فيه أكثر من كونه غسل حتى أشرع في العضد والاستدلال به على الزيادة التي يقولون بها غير مسلم فإن غاية ما فيه أنه أراد استيعاب الفرض ولا يمكن تحقق ذلك إلا بإصابة الماء طرف العضو كما لا يخفى ثم ذكر أن احتجاجهم أي المخالفين لمذهبه بقوله: (فمن زاد أو نقص فقد أساء وظلم) فلا يصح لأن المراد عنده الزيادة في عدد الغسلات وهو غير مسلم لاحتمال الوجه الآخر فيه وهو النهي عن الزيادة على الفرض وذكر ابن حجر: أن ابن أبي شيبة رواه عن ابن عمر فيه ما فيه لعدم ثبوت ذلك ثم ذكر أنه رواه بإسناد أصح من إسناد ابن أبي شيبة عن ابن عمر.
والذين قالوا بالزيادة اختلفوا في مقدارها فمنهم من قدرها، ومنهم من قال: من غير تقدير ومنهم من قال: يغسل العضد والساق ومنهم من قال: إلى المنكب والركبتين وهذا أبعد في الإحتمال ولم يرد به نص كما قدمنا والحديث وإن قال النووي: يحتمل هذا فهو قول لا يخفى على منصف بُعْدُه فإن قوله: (حتى أشرع في العضد أو في الساق) بعيد جدًا من المنكب والركبتين فسبحان من حبب إلى هؤلاء الأئمة مع جلالة قدرهم تأييد مذهبهم ولكن أبى الله أن يجعل العصمة إلا للأنبياء وكيف يكون هذا سنة لا ينقل عن أحد من الصحابة أنه فعلها غير أبي هريرة حتى ولو صح أن ابن عمر فعله فهل يليق بجميع الصحابة بما فيهم الخلفاء الراشدون ترك ما أمرهم به رسول الله صلى الله عليه وسلم من إطالة الغرة على أن المراد بها هذا حتى يكون المتأخرون يفهمون ذلك ويحرصون عليه وأبو هريرة وحده الذي عمله فهذا شيء لا يخفى بُعده، والله الموفق للصواب لاسيما في مسألة كهذه متعلقة بالصلاة ومحلها من الدين معروف. وفي الحديث دليل على أنه ينبغي لمن رأى العالم يصنع شيئًا وخفى عليه وجهه أن يسأله ويجب على العالم إذا سئل بيانه مصحوبًا ببيان دليله لأنه ربما كان مترخصًا ولهذا قالوا في المثل:"سل العالم يصدقك ولا تَقْتَدِ بِفِعْلِهِ" وذلك لأنه قد يترخص كما تقدم أو يكون به عذر فيبين ذلك وسيأتي لهذا نظائر إن شاء الله تعالى وفيه أنه ينبغي للإِنسان أن يتقي الشيء الذي يشوش على الناس إذا لم يكن واجبًا وله أدلة ستأتي أيضًا ومنه ما تقدم في باب السواك من ترك الأمر به خشية المشقة، وفيه دليل على فضل الوضوء، وفيه المبالغة في استيعاب الفرض
حتى يتناول ما يجاوره عند من لم ير الزيادة على الفرض وأما من يرى الزيادة على الفرض فيجعله دليلًا كما تقدم ومحل الشاهد منه فضل الوضوء، والله أعلم.
150 -
أَخْبَرَنَا قُتَيْبَةُ عَنْ مَالِكٍ عَنِ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خَرَجَ إِلَى الْمَقْبُرَةِ فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ دَارَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ بِكُمْ لَاحِقُونَ وَدِدْتُ أَنِّي قَدْ رَأَيْتُ إِخْوَانَنَا، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَسْنَا إِخْوَانَكَ؟ قَالَ: "بَلْ أَنْتُمْ أَصْحَابِي، وَإِخْوَانِي الَّذِينَ لَمْ يَأْتُوا بَعْدُ وَأَنَا فَرَطُهُمْ عَلَى الْحَوْضِ"، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ! كَيْفَ تَعْرِفُ مَنْ يَأْتِي بَعْدَكَ مِنْ أُمَّتِكَ قَالَ: "أَرَأَيْتَ لَوْ كَانَ لِرَجُلٍ خَيْلٌ غُرٌّ مُحَجَّلَةٌ فِي خَيْلٍ بُهْمٍ دُهْمٍ أَلَا يَعْرِفُ خَيْلَهُ؟ ". قَالُوا: بَلَى قَالَ: "فَإِنَّهُمْ يَأْتُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ غُرًّا مُحَجَّلِينَ مِنَ الْوُضُوءِ وَأَنَا فَرَطُهُمْ عَلَى الْحَوْضِ".
• [رواته: 5]
1 -
قتيبة بن سعيد: تقدم 1.
2 -
مالك بن أنس: تقدم 7.
3 -
العلاء بن عبد الرحمن: تقدم 143.
4 -
عبد الرحمن بن يعقوب الجهني: تقدم 143.
5 -
أبو هريرة: تقدم 1.
• التخريج
أخرجه مسلم وابن خزيمة.
• اللغة والإِعراب والمعاني
(المقبرة): محل الدفن وهي المقابر ومقابر المدينة بالبقيع وتقدم الكلام على القبر وما يتعلق به (31) في حديث ابن عباس مر النبي صلى الله عليه وسلم على قبرين الحديث والفاء: في قوله: (فقال) عاطفة ويحتمل أنها الفصيحة ويكون التقدير فلما وصلها قال: وقوله: (دار قوم) منادى منصوب حذف منه حرف النداء والتقدير يا دار قوم مؤمنين، وأصله على حذف مضاف لأن المنادى أهل الدار
على حد قوله تعالى: {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} أي أهلها لأن نفس الدار لا يسلم عليها فالأصل يا أهل دار حذف أهل وبقي المضاف إليه فتسلط عليه حرف النداء على حد قول ابن مالك -رحمه الله تعالى-:
وما يلي المضاف يأتي خلفًا
…
عنه في الإعراب إذا ما حذفا
وقوله: (وإنا إن شاء الله بكم لاحقون) قوله إن شاء الله ذكرها هنا للتحقيق لا للتعليق كما في قوله تعالى: {لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ} إن كان المعنى على ظاهره من أن المراد حصول الموت لهم فإنه أمر محقق ويجوز أن يكون للتعليق وذلك إذا حمل على أن المراد أنهم يلحقون بهم على صفة الإِيمان فيكون التعليق على أصله لأن المرء لا يعلم ما يختم له به فالقيد للحوق بصفة الإيمان يصح فيه التعليق.
قلت: ويكون ذلك مستفادًا من قوله: دار قوم مؤمنين فخص الدار بأهل الإيمان والموت على الإيمان أمر غيبي فيكون لاحقون بكم متصفون بصفتكم.
وقوله: (وددت) أي أحببت وتمنيت (أني رأيت) أي أبصرت إخواننا يريد آخر أمته من المسلمين فإنهم إخوانه في الإِيمان كما قال لأبي بكر رضي الله عنه: "ولكن أخوة الإِسلام" بعد أن قال: "لو كنت متخذًا خليلًا لاتخذت أبا بكر" وفي رواية: "لو كنت متخذًا خليلًا غير ربي" وقال لعمر: "أشركنا يا أخي في دعائك" فكل المسلمين إخوانه وقولهم: "ألسنا إخوانك" استفهام من الصحابة لأنه أشكل عليهم ما سمعوه منه من تخصيص من لم يأت باسم الإِخوان والإِستفهام للتقرير لأن همزة الاستفهام فيها معنى النفي فإذا دخلت على أداة نفي نفتها ونفي النفي إثبات فقال مجيبًا لهم: "بل أنتم أصحابي"، وبل حرف إضراب تكون للإِبطال وللانتقال وهي هنا للانتقال من أسلوب إلى أسلوب أو من معنى إلى آخر والمعنى أنتم لكم مزية اسم الصحبة وهي درجة أخص من مجرد الأخوة لأنهم أكرمهم الله وخصهم بصحبته، فهم لم يسبقوا لفضلها ولا يلحقون وأما الإخوة فهي عامة لكل مسلم كما تقدم.
وقوله: (وإخواني) أي الذين عنيتهم وتمنيت رؤيتهم هم جميع المؤمنين ممن آمن بي بعد موتي ولذا قال الذين لم يأتوا أي لم يوجدوا بعد فعبر بالإِتيان عن الوجود لأن الشخص إذا لم يوجد فهو غائب فكأنه إذا ولد كان غائبًا
فحضر وقوله: (بعد) ظرف مبني على الضم مقطوع عن الإِضافة في اللفظ دون معناها أي بعد ما مضى من الزمن.
وقوله: (أنا فرطهم على الحوض) الفرط والفارط هو الذي يتقدم الواردة إلى الماء فيملأ لهم الحياض استعدادًا لشربهم ففرط فعل بمعنى فاعل مثل تبع بمعنى تابع أي أتقدمهم إليه كما تقدم الفرط الواردة قال الشاعر:
فأثار فارطهم قطاطًا جثما
…
أصواتها كتراطن الفرس
والجمع فراط كرمان، قال القطامي:
فاستعجلونا وكانوا من صحابتنا
…
كما تقدم فراط لوراد
وفرط الحوض ملأه، قال كعب بن زهير رضي الله عنه يصف غديرًا:
تنفى الرياح القذا عنه وأفرطه
…
من صوب ساريه بيض يعاليل
أي ملأه من صوب السحابة السارية التي تكون بالليل.
وقوله: (وأنا فرطهم على الحوض) جملة حالية أو أنا فرطهم استئنافية وعلى الحوض جار ومجرور في محل نصب حال أي حال كوني على الحوض أي عنده انتظر كما ينتظر الفرط الوارد عليه من الناس والدواب، وقوله:(كيف) في محل نصب على المصدرية عند من يقول ذلك فيها أي أن ذلك من معانيها وقد تقدم الكلام على ذلك في حديث عبد الله بن زيد 97 على أن يكون التقدير تعرفهم أي معرفة أو على الحال والتقدير على أي: حال تعرفهم.
وقوله: (من) اسم موصول في محل نصب مفعول به لتعرف وقوله: (من أمتك) من بيانية والمراد بالأمة هنا أمة الإِجابة فتخص المسلمين من الأمة وهكذا كلما جاء لفظ الأمة في مقام الوعد الحسن أو الثناء فالمراد بها أمة الإِجابة وأما أمة الدعوة فهي تشمل المسلمين وغيرهم، كما قال:"والذي نفسي بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ولا غيرهما ثم لم يؤمن بالذي أرسلت به إلا دخل النار".
وقوله: (أرأيت) بخطاب الواحد فهو يدل على أن المتكلم واحد وأسند القول في قوله (قالوا: بلى) للجميع لأنهم ساكتون له عليه ومتطلعون للجواب كلهم فكأنه ناب عن الباقين في السؤال فوجه الخطاب إليه وهم حاضرون يسمعونه وهذه اللفظة وهي أرأيت كلمة يقصد بها الاستخبار فهي بمعنى أخبرني
وللعرب فيها على ما قاله الفراء لغتان ومعنيان أحدهما: أن يسأل بها عن الرؤية بالعين نحو: أرأيت زيدًا أو أرأيتك نفسك إذا أوقعت الرؤية على المخاطب أي هل رأيت نفسك على غير هذه الحالة فهي بهذا المعنى مهموزة لا تحذف همزتها وتثنى وتجمع والمعنى الثاني: أن تكون بمعنى أخبرني كما هنا فهي في هذه الحالة يجوز فيها الهمز نحو أرأيت وأرأيتك ويجوز تركه وفي الحالتين تلزم التاء الفتح ولا تثنى ولا تجمع فمن استعمالها غير مهموزة قول أبي الأسود:
أريت امرءًا كنت لم أبله
…
أتاني فقال اتخذني خليلًا
وقول بعض بني جذيمة:
أريتكم إن طالبتكم فوجدتكم
…
بحلية أو الفيتكم بالخوانق
أما كان حقًا أن ينول عاشق
…
تكلف إدلاج السرى والودائق
وقول ركاض بن براق الدبيري:
فقولا صادقين لزوج حبي
…
جعلت لها أن بخلت فداء
أريتك إن منعت كلام حبّي
…
أتمنعني على حبي البكاء
قال الفراء: ترك الهمزة أكثر في كلام العرب وقريش يهمزونها وإن كان الهمز ليس لغتهم قال: وإنما تركوا التاء مفتوحة موحدة لأنهم لم يريدوا أن يوقعوا الفعل عليها واكتفوا بذكرها أي وجعلوا الفعل واقعًا على الكاف لأنها آخر اللفظ والأكثرون على أنها أي الكاف حرف زائد في الخطاب لا محل له من الإعراب وقد تكون أرأيت بمعنى التعجب والتنبيه.
قلت: قد يرد على قولهم إنها إذا كانت بمعنى أخبرني تلزم التاء الفتح كونها وردت في القرآن الكريم في عدة مواضع والتاء مضمومة مع ميم الجمع كقوله: {أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ (63)} {قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ} ونحو ذلك ولعل الضم فيه لمناسبة ميم الجمع ولم أر من تعرض لذلك من أهل اللغة ولا أهل التفسير والله أعلم، قوله:(لو كان) لو حرف شرط والغالب دخوله على الماضي فإن وقع المضارع بعده أوِّل بالماضي وقوله: (كان) يحتمل أنها ناقصة والجار والجرور الخبر، ويحتمل أنها تامة بمعنى وجد
والأول أظهر وقوله: خيل اسم جنس لا واحد له من لفظه فإن أريد الواحد قيل فرس وقال أبو عبيدة: أنه جمع خائل لأنه يختال في مشيته وأنكر ذلك ابن سيده، وقوله:(غر محجلة) الغرة بياض في وجه الفرس، وفرس أغرفيه بياض في وجهه زائد على قدر الدرهم والمحجل الذي في قوائمه بياض لا يبلغ العراقيب ولا يكون محجلًا إلا إذا كان ذلك في الرجلين أو فيهما مع اليدين أو واحدة منهما، وأما إذا كان البياض في اليدين فقط فلا يسمى تحجيلا بل يقال فيه أعصم لأن الرجلين هما محل الاحجال وهي الخلاخيل والقيود والمعنى خيل بيض الوجوه بيض الأيدي والأرجل وهذا هو وجه شبه أهل الوضوء بهذه الخيل لأن البياض يكون في مواضع الوضوء وهي الوجه والأيدي والأرجل فسيماهم بياض هذه المواضع كما أنها تكون سيما الخيل وقوله:(غر محجلة) صفتان للخيل، وقوله:(في خيل) أي داخلة في خيل ومختلطة بها ودهم: جمع أدهم وهو الأسود والبهم جمع أبهم والأبهم الذي ليس فيه لون يخالف لونه والجمع بهم والمعنى أن لهم علامة بين الناس تميزهم عن سائر الأمم.
وقوله: (ألا يعرف خيله) الهمزة للاستفهام ولا نافية والاستفهام للتقرير وهو حمل المخاطب على الاعتراف أي هل يتصور أنه لا يعرف خيله التي هي بهذه العلامة لأن العرب تجعل ذلك من الأمور الواضحة، قال جرير:
رأوا أثْبِية الفهدات وردًا
…
فما عرفوا الأغر من البهيم
وصفهم بشدة الرعب.
وقوله: (بلى) حرف جواب للاستفهام المصحوب النفي فهي تنقض النفي كقوله: {أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى} ، وقوله:{لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا} فأجاب بقوله: {بَلَى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً} الآية، ونعم في جواب الاستفهام أي الخالي من النفي ولهذا لو قال قائل أما عندي لك شيء فقلت بلى رددت نفيه وأثبت عليك ولو قلت: نعم صدقته في نفيه ولم تعترف وقوله: (فإنهم) ظاهره أن ذلك خاص بالذين لم يوجدوا منهم وليس الأمر كذلك لأنه جاء بلفظ أعم كقوله: (إن أمتي يدعون يوم القيامة غرا) فأطلق لفظ الأمة فدل على أن الصفة عامة وقوله: (يأتون) أي يبعثون ويردون الحوض علي وغرًا ومحجلين حالان
من الضمير في قوله: (يأتون) وقوله: من الوضوء. أي من أجله وجزاء على فعله في الدنيا امتثالًا لأمر ربهم، وتخصيصه لهم بذلك لأن أصحابه يعرفهم بدون هذه العلامة.
• الأحكام والفوائد
الحديث دليل على استحباب زيارة القبور وسيأتي الكلام عليها إن شاء الله وفيه: أن السنة لمن زارهم أن يسلم عليهم بهذه الصفة، وفيه: دليل على فضيلة السلام وأن الله اختاره للمسلمين في الحياة وفي البرزخ كما أخبر أنه تحيتهم في الجنة قال: {تَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ} وتحية الملائكة لهم بل يحييهم به ربهم عز وجل كما قال: {سَلَامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ (58)} وفيه: استحباب استعمال المشيئة ولو كانت في أمر محقق الوقوع لما في ذلك من الأدب مع الله والتبرك بذكر مشيئته وفيه: جواز التمني ولو علم أنه لا يحصل له ما تمناه ولهذا فرقوا بين التمني والترجي لأن الترجي لا يكون إلا في ممكن الحصول والتمني أعم منه لوقوعه في الممكن وغيره وفيه: محبة أهل الإيمان وحب رؤيتهم ولقائهم والسرور بذلك، وفيه: إثبات الحوض كما سيأتي -إن شاء الله- وهو نهر من أنهار الجنة، وفيه: بشرى لكل مسلم يموت على الإيمان، وفيه ما تقدم من سؤال التابع للمتبوع والمتعلم للعالم ولولا ذلك لم يحصل العلم إذا كان فيما يسأل عنه فائدة وليس ذلك داخلًا فيما نهى عنه من السؤال، وفيه: ضرب المثل لحصول الفائدة وهو كثير في القرآن والسنة، وفيه: دليل على فضل الوضوء وفيه: معجزة له صلى الله عليه وسلم لإِخباره بهذا وهو من الأمور المغيبة التي أطلعه الله عليها فأخبر أمته بها فوجب الإِيمان بها، وقد تقدم أن بعض العلماء استدل به على أن الوضوء من خصائص هذه الأمة ويرده ما ورد في البخاري من قصة سارة زوج الخليل في باب شراء المملوك الحربي وبيعه وعتقه، وفيه:(أن سارة لما طلبها الجبار وأرسل بها الخليل إليه فقام إليها فقامت توضأ وتصلي فقالت: اللهم إن كنت آمنت بك وبرسولك وأحصنت فرجي إلا على زوجي فلا تسلط على الكافر) الحديث فهو صريح في العمل بالوضوء قبل أمتنا هذه، والله أعلم.