الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
رَوَاهُمَا الْعقيلِيّ.
قَالَ عبد الْحق: وَالْأول أحسن. ونَازَعَه ابْن الْقطَّان، وَفِيه وَقْفَة، فقد سُئل أَحْمد عَنهُ، فَقَالَ صَحِيح:«يَحْمِلُ هَذَا العِلْم مِنْ كُلِّ خَلَفٍ عُدُولُه، يَنْفُون عَنْه تَحْرِيف الغالين، وانْتِحَالَ المُبْطِلِيْن، وَتَأْوِيل الجاهِلِيْن» .
وَمَنَّ الله سبحانه وتعالى، وَله الْحَمد والمِنَّة - عَلَى هَذِه الطَّائِفَة بِالْحِفْظِ الوافر، كالبحر الزاخر.
وهاك نبذة من حَالهم، لتعرف قدرهم، واجتهادهم ومحلهم:
قَالَ أَبُو زرْعَة: حُزِرَتْ كُتبُ الإِمام أَحْمد يَوْم مَاتَ، فبلغت [اثْنَي] عشر حملا و [عدلا] ، كل ذَلِكَ كَانَ يحفظه عَن ظهر قلب.
قَالَ: كَانَ يحفظُ ألفَ ألفَ حَدِيث. فَقيل لَهُ: وَمَا يدْريك؟ قَالَ: ذَاكَرْتُه فأخذتُ عَلَيْهِ الْأَبْوَاب.
وَقَالَ عبد الله بن أَحْمد بن حَنْبَل: قَالَ لي أبي: خُذ أَي كتاب شِئْت من كتب وَكِيع، من المُصَنّف، فَإِن شِئْت تَسْأَلنِي عَن الْكَلَام حتَّى أخْبرك بِالْإِسْنَادِ، وَإِن شِئْت تَسْأَلنِي عَن الإِسناد حتَّى أخْبرك بالْكلَام.
وَحفظ الإِمَام الشَّافِعِي «الْمُوَطَّأ» فِي ثَلَاثَة أَيَّام، وَالْقُرْآن فِي سَبْعَة
أَيَّام، كَمَا نقل (عَن) الإِمام فَخر الدَّين الرَّازِيّ.
وَكَانَ يَحْيَى بن معِين (يَقُول) عَن الْأَثْرَم الْحَافِظ: إِن أحد أَبَوَيْهِ كَانَ جِنِّيًّا. يَعْنِي لقُوَّة حفظه.
وَهُوَ أحفظ من أبي زرْعَة، وأتقن. كَمَا قَالَه إِبْرَاهِيم الْأَصْفَهَانِي.
وَكَانَ أَحْمد بن نصر الخَفَّاف يذاكر بِمِائَة ألف حَدِيث.
وَكَانَ إِسْحَاق بن رَاهَوَيْه يملي سبعينَ ألف حديثٍ حفظا، وأملى مرّة أحد عشر ألف حديثٍ من حفظه، ثمَّ قَرَأَهَا مرّة أُخْرَى، فَمَا زَاد حرفا وَلَا نقص حرفا، وَقَالَ مرّة: أحفظ مَكَان مائَة ألف حَدِيث كَأَنِّي أنظر إِلَيْهَا، وأحفظ مِنْهَا سبعين ألف حَدِيث من ظهر قلبِي (صَحِيحَة)، وأحفظ أَرْبَعَة آلَاف حَدِيث مزوَّرة. فَقيل لَهُ فِي ذَلِكَ؟ قَالَ: لأجل إِذا مرَّ بِي مِنْهَا حَدِيث فِي الْأَحَادِيث الصَّحِيحَة، فَلَيْتُهُ مِنْهَا فَلْيًا.
وَقَالَ سُفْيَان الثَّوْريّ: مَا استَوْدَعْتُ أُذُنِي شَيْئا إلَّا حفظته، حتَّى أَمُرَّ بِكَلِمَة كَذَا - قَالَهَا - فأسد أُذُنِي، مَخَافَة أَن أحفظها.
وَفِي رِوَايَة عَنهُ: حتَّى أَمُرَّ بالحائك. يَعْنِي: فأسدّ أُذُنِي.
وَكَانَ أَبُو زرْعَة يحفظ سِتّمائَة ألف حَدِيث، كَمَا شهد لَهُ بذلك الإِمام أَحْمد، وَقَالَ فِي حَقه: مَا جَاوز الجسر أفضل مِنْهُ.
وَحلف رجل بِالطَّلَاق أنَّ أَبَا زرْعَة يحفظ مِائَتي ألف حَدِيث، فَقَالَ أَبُو زرْعَة: لَا يَحْنَث.
وَقَالَ مرّة: أحفظ مِائَتي ألف حَدِيث كَمَا يحفظ الْإِنْسَان (قل هُوَ الله أحد (، وَفِي المذاكرة ثَلَاثمِائَة ألف حَدِيث.
وَقَالَ أَيْضا: فِي بَيْتِي مَا كتبته مُنْذُ (خمسين) سنة، وَلم أطالعه مُنْذُ كتبته، وَإِنِّي أعلم فِي أَي كتاب هُوَ، وَأي ورقة، وَأي (صفحة) ، وَفِي أَي سطر هُوَ، وَمَا سُمع أَو تُلي شَيْء من الْعلم إلَّا وَعَاه قلبِي، وَإِنِّي كنت أَمْشِي فِي سوق بَغْدَاد، فَأَسْمع من الغرف الْمُغَنِّيَات، فأضع أُصْبُعِي فِي أُذُنِي مَخَافَة أَن يَعِيَه قلبِي.
وَقَالَ البُخَارِيّ: أحفظ مائَة ألف حَدِيث صَحِيح، وأحفظ مِائَتي ألف حَدِيث غير صَحِيح.
وَقَالَ أَبُو أَحْمد بن عدي: سَمِعت عدَّة مَشَايِخ يحكون: أَن مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل البُخَارِيّ قدم بَغْدَاد، فَسمع بِهِ أَصْحَاب الحَدِيث، واجتمعوا وعمدوا إِلَى مائَة حَدِيث، فقلبوا متونها وأسانيدها، وَجعلُوا متن هَذَا الْإِسْنَاد لإسناد آخر، وَإسْنَاد هَذَا الْمَتْن لمتن آخر، ودفعوها إِلَى عشرَة أنفس، فابْتَدَرَ رجل من الْعشْرَة، فَسَأَلَهُ عَن حَدِيث من تِلْكَ الْأَحَادِيث، فقَالَ: لَا أعرفهُ. فَسَأَلَهُ عَن آخر، فَقَالَ: لَا أعرفهُ. فَمَا زَالَ يلقِي عَلَيْهِ وَاحِدًا بعد واحدٍ حتَّى فرغ، وَالْبُخَارِيّ يَقُول: لَا أعرفهُ. وَكَانَ
بعض الْفُقَهَاء يَقُول: الرجل فهم. وَبَعْضهمْ يقْضِي عَلَيْهِ بِالْعَجزِ. ثمَّ انْتُدِبَ رجل آخر، فَسَأَلَهُ عَن الْأَحَادِيث وَهُوَ يَقُول فِي كل حَدِيث: لَا أعرفهُ. حتَّى فرغ من عشرته، ثمَّ الثَّالِث، ثمَّ الرَّابِع إِلَى تَمام الْعشْرَة، وَالْبُخَارِيّ لَا يزيدهم عَلَى: لَا أعرفهُ. فَلَمَّا فرغوا الْتفت البُخَارِيّ إِلَى الأول فَقَالَ: أما حَدِيثك الأول فَهُوَ كَذَا، و [حَدِيثك] الثَّانِي كَذَا، وَالثَّالِث كَذَا، وَالرَّابِع كَذَا، حتَّى أَتَى عَلَى تَمام الْعشْرَة، فَرد كل متنٍ إِلَى إسنادٍ، وكل إِسْنَاد إِلَى متنٍ، وَفعل بِالْآخرِ مثل ذَلِك، فَأَقرَّ النَّاس لَهُ بِالْحِفْظِ، وأذعنوا لَهُ بِالْفَضْلِ.
وَكَانَ البُخَارِيّ يخْتَلف إِلَى مَشَايِخ الْبَصْرَة وَلَا يكْتب، فَسَأَلُوهُ: لِمَ لَا تكْتب؟ فَقَرَأَ عَلَيْهِم جَمِيع مَا سمع من حفظه، وَكَانَ يزِيد عَلَى خَمْسَة عشر ألف حَدِيث.
وَأخرج مُسلم الصَّحِيح من ثَلَاثمِائَة ألف حَدِيث مسموعة، كَمَا أقَرَّ بِهِ هُوَ فِيمَا نَقله ابْن نقطة عَنهُ بِإِسْنَادِهِ.
وَحفظ أَبُو دَاوُد - يَعْنِي: الطَّيَالِسِيّ - أَرْبَعِينَ ألف حَدِيث، وَعبد الرَّحْمَن بن مهْدي عشرَة آلَاف، وَكَانَا شربا البَلَاذُر لأجل الْحِفْظ، فجَذِمَ أَبُو دَاوُد، وبَرِصَ عبد الرَّحْمَن. وَقَالَ عمر بن شَبَّة: كتبُوا عَن أبي دَاوُد - يَعْنِي الطَّيَالِسِيّ - أَرْبَعِينَ ألف حديثٍ، وَلَيْسَ مَعَه كتاب.
وَقَالَ أَبُو دَاوُد - (يَعْنِي) - السجسْتانِي: كتبت عَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم -
خَمْسمِائَة ألف حَدِيث، انتخبت مِنْهَا مَا تضمنته السّنَن، جمعت (فِيهِ) أَرْبَعَة آلَاف وَثَمَانمِائَة حَدِيث.
وَكَانَ عبد الله ابْنه من الْحفاظ، أَمْلَى ثَلَاثِينَ ألف حَدِيث من حفظه، فَإِنَّهُ لَمَّا خرج إِلَى سجستان، اجْتمع إِلَيْهِ أَصْحَاب الحَدِيث، وسألوه أَن يُحَدِّثَهم فَأَبَى، وَقَالَ: لَيْسَ معي كتاب. فَقَالُوا: ابْن أبي دَاوُد وَكتاب! فأثاروه، فأملى عَلَيْهِم هَذَا الْقدر، ولَمَّا قَدِم بَغْدَاد قَالَ البغداديون: مَضَى يلْعَب بِالنَّاسِ، ثمَّ فَيَّجُوا فَيْجًا، (اكتروه) بِسِتَّة (دَنَانِير) إِلَى سجستان، فَكَتَبُوا بِهِ نُسْخَة، فَخَطَّئوه فِي سِتَّة أَحَادِيث، مِنْهَا ثَلَاثَة حَدَّث بهَا كَمَا حُدِّث، وَثَلَاثَة أخطأَ هُوَ فِيهَا رضي الله عنه.
ولمَّا مَاتَ صُلِّي عَلَيْهِ ثَمَانُون مرّة، فحُزِر الْجمع، فَزَاد عَلَى ثَلَاثمِائَة ألف.
وَقَالَ مَعْمَر: اجْتمعت أَنا وَشعْبَة وَالثَّوْري وَابْن جريج، فَقدم علينا شيخ، فأملى علينا أَرْبَعَة آلَاف حَدِيث عَن ظهر قلب، فَمَا أَخطَأ إلَّا فِي موضِعين، لم يكن الْخَطَأ مِنَّا وَلَا مِنْهُ، إنَّما الْخَطَأ مِمَّن فَوْقه. وَكَانَ الرجل: طَلْحَة بن عَمْرو الْحَافِظ.
وَكَانَ عبد الله بن مُوسَى القَاضِي الْمَعْرُوف بعَبْدَان، يحفظ مائَة ألف حَدِيث. كَمَا قَالَ أَبُو عَلّي الْحَافِظ.
وَقَالَ الشَّعْبي: مَا كتبتُ سَوْدَاء فِي بَيْضَاء إلَّا وَأَنا أحفظها، وَلَا حدَّثني رجلٌ بحديثٍ فأحببتُ أَن يُعِيْدَه عليَّ.
وَقَالَ الزُّهْرِيّ: مَا استعدت حَدِيثا، وَلَا شَككت فِي حديثٍ، إلَّا حَدِيثا وَاحِدًا، فَسَأَلت صَاحِبي، فَإِذا هُوَ كَمَا حفظت.
وَقَالَ عبيد الله بن عمر القَوَارِيري: أَمْلَى عليَّ عبد الرَّحْمَن بن مهْدي عشْرين ألف حديثٍ حفظا.
وحدَّث أَبُو عبد الله عبد الرَّحْمَن بن أَحْمد بن عبد الله [الخُتُّلي] بِخَمْسِينَ ألف حديثٍ من حفظه.
ولَمَّا أَمْلَى جَعْفَر بن مُحَمَّد الفِرْيَابِي - الْحَافِظ الَّذِي طَاف الْبِلَاد شرقًا وغربًا - بِبَغْدَاد: كَانَ عدد المستملين ثَلَاثمِائَة وَسِتَّة عشر، وحُزِرَ الْجمع فَكَانُوا ثَلَاثِينَ ألفا، وَكَانَ الَّذين يَكْتُبُونَ (عَنهُ) نَحْو عشرَة آلَاف.
وَقَالَ هشيم: كنت أحفظ فِي الْمجْلس مائَة حَدِيث، وَلَو سُئلت عَنْهَا أجبْت.
وَقَالَ هِشَام بن مُحَمَّد بن السَّائِب الْكَلْبِيّ - صَاحب النَّسَب -:
حفظت مَا لَمْ يحفظه أحد، و (نسيت) مَا لَمْ (ينسه) أحد: كَانَ لي عمّ يعاتبني عَلَى حفظ الْقُرْآن، فَدخلت بَيْتا، وَحلفت أَنِّي لَا أخرج مِنْهُ حتَّى أحفظ الْقُرْآن، فحفظته فِي ثَلَاثَة أَيَّام، وَنظرت يَوْمًا فِي الْمرْآة، فقبضت عَلَى لحيتي لآخذ مَا دون القبضة، فَأخذت مَا فَوق القبضة.
وَقَالَ يزِيد بن هَارُون: أحفظ ثَلَاثَة وَعشْرين ألف حَدِيث. وحدَّث بِبَغْدَاد، فَحُزِر مَجْلِسه تسعين ألفا. وَقَالَ أَحْمد بن أبي الطّيب: سَمِعت يزِيد بن هَارُون الْحَافِظ وَقيل لَهُ: إِن هَارُون الْمُسْتَمْلِي يُرِيد أَن يُدخل عَلَيْك فِي حَدِيثك، فَدخل هَارُون، فَقَالَ: يَا هَارُون، بَلغنِي أَنَّك تُرِيدُ (أَن) تدخل عليَّ فِي حَدِيثي، (فاجهد) جهدك، لَا رَعَى الله عَلَيْك إِن رَعيْت، أحفظ ثَلَاثَة وَعشْرين ألف حديثٍ، لَا أقامني الله إِن كنت لَا أقوم بحديثي.
وَقَالَ الْحَافِظ أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد بن مُحَمَّد بن سعيد، الْمَعْرُوف بِابْن عقدَة - الَّذِي قَالَ فِي حَقه الدَّارَقُطْنِيّ: أجمع أهل الْكُوفَة أَنه لم يُرَ من زمن عبد الله بن مَسْعُود إِلَى زَمَنه أحفظ مِنْهُ -: أَنا (أُجِيب) فِي ثَلَاثمِائَة ألف حَدِيث، و (أذاكر) بِالْأَسَانِيدِ، وَبَعض الْمُتُون،
والمراسيل، والمقاطيع.
قَالَ ابْن عقدَة: وَدخل [البَرْدِيجي] الْكُوفَة، فَزعم أَنه أحفظ مِنَّا، فَقلت: لَا تُطَوِّل، نَتَقَدَّم إِلَى دكان وراق، وَنَضَع القَبَّان، ونزن من الْكتب مَا شئتَ، ثمَّ تُلْقَى (علينا) فنذكرها. فَبَقِيَ.
ولَمَّا انْتقل ابْن عقدَة إِلَى مَكَان آخر كَانَت كتبه سِتّمائَة حمل.
وَكَانَ إِسْمَاعِيل بن يُوسُف الدَّيْلَمي يحفظ أَرْبَعِينَ ألف حَدِيث، ويذاكر بسبعين ألف حَدِيث.
وَقَالَ الْخَطِيب الْبَغْدَادِيّ: قَالَ لي الأزْهَري: كنت أحضر عِنْد أبي عبد الله الْحُسَيْن بن أَحْمد بن (بكير) ، وَبَين يَدَيْهِ أَجزَاء (كبار) ، فَأنْظر بَعْضهَا، فَيَقُول لي: أَيّمَا أحبّ إِلَيْك، تذكر لي متن مَا تُرِيدُ من هَذِه الْأَحَادِيث حتَّى أخْبرك بِإِسْنَادِهِ؟ أَو تذكر لي إِسْنَاده حتَّى أخْبرك بمتنه؟ فَكنت أذكر لَهُ الْمُتُون فيخبرني بِالْأَسَانِيدِ من حفظه، وَفعلت هَذَا مرَارًا كَثِيرَة.
قَالَ: وحُبِّب إليَّ الحَدِيث، حتَّى رَأَيْت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فِي النّوم، فَلم أقل: ادْع الله لي. وَإِنَّمَا قُلْتُ: يَا رَسُول الله، أَيّمَا أثبت فِي الحَدِيث، مَنْصُور أَو الْأَعْمَش؟ فَقَالَ: مَنْصُور. مَنْصُور.
وَقَالَ أَبُو حَفْص بن شاهين: صَلَّيْتُ خَلفه مرّة، فَافْتتحَ الصَّلَاة، ثمَّ قَالَ: نَا مُحَمَّد بن سُلَيْمَان لُوَيْن. فَقيل لَهُ: سُبْحَانَ الله! فَقَالَ: نَا شَيبَان بن فروخ (الأُبُلِّي) . فَقيل لَهُ: سُبْحَانَ الله! فَقَالَ: بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم.
وَقَالَ الْخَطِيب الْبَغْدَادِيّ: أَنا [بشرى] بن عبد الله الرُّومِي، قَالَ: سَمِعت أَبَا بكر أَحْمد بن جَعْفَر بن (سَلْم) يَقُول: لَمَّا قَدِم علينا
أَبُو مُسلم (الكَجِّي) أَمْلَى الحَدِيث فِي رحبة غَسَّان، وَكَانَ فِي مَجْلِسه (سَبْعَة) مستملين، يُبَلِّغ كل وَاحِد مِنْهُم صَاحبه الَّذِي يَلِيهِ، وَكتب النَّاس (عَنهُ) قِيَامًا بِأَيْدِيهِم المحابر، ثمَّ مُسِحَت الرَّحْبَة، وَحسب من حضر بمحبرة، فَبلغ ذَلِكَ نَيِّفًا وَأَرْبَعين ألف محبرة، سُوَى النَّظَّارة.
قَالَ ابْن (سَلْم) : وَبَلغنِي أَن أَبَا مُسلم كَانَ نَذَرَ أَن يتصدَّق إِذا حَدَّث بِعشْرَة آلَاف دِرْهَم.
وَقَالَ مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن سُلَيْمَان البَاغَنْدِي: أحفظُ ثَلَاثمِائَة ألف حَدِيث من حَدِيث رَسُول الله صلى الله عليه وسلم.
وَكَانَ الْحَافِظ أَبُو (الْحُسَيْن) عَاصِم بن عَلّي الوَاسِطِيّ يجلس عَلَى سطح المسقطات، ويركب مستمليه نَخْلَة، يستملي عَلَيْهَا. فَقَالَ يَوْمًا: نَا اللَّيْث بن (سعد) ، فَأَعَادَ أَربع عشرَة مرّة، وَالنَّاس لَا
يسمعُونَ، فحزر الْجمع، فَكَانُوا مائَة ألف وَعشْرين [ألفا] .
وَقَالَ أَبُو بكر مُحَمَّد بن مُسلم الجِعَابي: دخلت الرَّقَّة، وَكَانَ لي ثَمَّ قمطران كتب فأنفَذُت غلامي إِلَى ذَلِكَ الرجل الَّذِي كُتبي عِنْده، فَرجع الْغُلَام مغمومًا، فَقَالَ: ضَاعَت الْكتب. فَقلت: يَا بنيَّ، لَا تغتم، فَإِن فِيهَا (مِائَتي) ألف حديثٍ، لَا يُشْكَلُ عليَّ مِنْهَا حديثٌ، لَا إِسْنَادًا وَلَا متْنا.
وَكَانَ يُقَال: إِنَّه يحفظ مِائَتي ألف حَدِيث، ويجيب فِي مثلهَا.
وَقَالَ مرّة عَن نَفسه: أحفظ أَرْبَعمِائَة ألف حَدِيث، وأذاكر بستمائة ألف حَدِيث.
وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد الْحسن بن مُحَمَّد السَّمرقَنْدِي: سَمِعت أَبَا الْعَبَّاس جَعْفَر بن مُحَمَّد الْحَافِظ يَقُول: مَا رَأَيْت أحفظ من أبي عبد الله بن مَنْدَه، سَأَلته يَوْمًا: كم يكون سَماع (الشَّيْخ) ؟ فَقَالَ: يكون خَمْسَة آلَاف مَنًّا.
وَقَالَ الجعابي: كنت بليد الْحِفْظ، فَقَالَ لي الْأَطِبَّاء: كُلِ الخَبزَ بالجُلَّاب. فأكلته أَرْبَعِينَ يَوْمًا بالغديات والعشيات، لَا آكل غَيره، فصفا ذهني، وصرت حَافِظًا، حتَّى صرت أحفظ فِي كل يَوْم (ثَلَاثمِائَة) حَدِيث.
وَقَالَ الْأَزْهَرِي: بَلغنِي أَن الدَّارَقُطْنِيّ حضر فِي حداثته مجْلِس إِسْمَاعِيل الصَفَّار، فَجعل ينْسَخ جُزْءا كَانَ مَعَه، وَإِسْمَاعِيل يملي، فَقَالَ (لَهُ) بعض الْحَاضِرين: لَا يصحّ سماعك وَأَنت تنسخ. فَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: فهمي للإِملاء غير فهمك. ثمَّ قَالَ: تحفظ كم أَمْلَى الشَّيْخ من حَدِيث إِلَى الْآن؟ فَقَالَ: لَا. فَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: أَمْلَى ثَمَانِيَة عشر حَدِيثا. فَعُدَّت الْأَحَادِيث فَكَانَ كَمَا قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ، ثمَّ قَالَ: الحَدِيث الأول عَن فلَان عَن فلَان، وَمَتنه كَذَا، و (الحَدِيث) الثَّانِي عَن فلَان عَن فلَان، وَمَتنه كَذَا. فَلم (يزل) يذكر أَسَانِيد الْأَحَادِيث ومتونها عَلَى ترتيبها فِي الإِملاء حتَّى أَتَى عَلَى آخرهَا؛ فتعجب النَّاس مِنْهُ.
وَقَالَ أَحْمد بن مَنْصُور: خرجت مَعَ أَحْمد بن حَنْبَل، وَيَحْيَى بن معِين، فَقَالَ يَحْيَى لِأَحْمَد: أُرِيد أختبر أَبَا نعيم. فَقَالَ: لَا تُرِد، الرجل ثِقَة. فَقَالَ: لَا بدّ لي. فَأخذ ورقة فَكتب فِيهَا ثَلَاثِينَ حَدِيثا من حَدِيث أبي نعيم، وَجعل عَلَى رَأس كل عشرَة مِنْهَا حَدِيثا لَيْسَ من حَدِيثه، ثمَّ جَاءُوا إِلَى أبي نعيم، فَقَرَأَ يَحْيَى عَلَيْهِ عشرَة، وَأَبُو نعيم
سَاكِت، ثمَّ قَرَأَ الْحَادِي عشر، فَقَالَ أَبُو نعيم: لَيْسَ من حَدِيثي، اضْرِب عَلَيْهِ. ثمَّ قَرَأَ الْعشْرَة الثَّانِيَة، وَأَبُو نعيم سَاكِت، فَقَرَأَ الحَدِيث الثَّانِي، فَقَالَ: لَيْسَ من حَدِيثي، اضْرِب عَلَيْهِ. ثمَّ قَرَأَ الْعشْرَة الثَّالِثَة، وَأَبُو نعيم سَاكِت، ثمَّ قَرَأَ الحَدِيث الثَّالِث، فَتَغَيَّر أَبُو نعيم، وانقلبت عَيناهُ، وَأَقْبل عَلَى يَحْيَى فَقَالَ: أما هَذَا - وذراع أَحْمد بِيَدِهِ - فأورع من أَن يعْمل هَذَا، وَأما هَذَا - يُرِيدنِي - فَأَقل من أَن يفعل هَذَا، وَلَكِن هَذَا من فعلك يَا فَاعل، ثمَّ أخرج رجله، فرفس يَحْيَى، فَرَمَى بِهِ. فَقَالَ يَحْيَى: وَالله لرفسته أحبّ إليَّ من سَفَرِي.
وَكَانَ قَتَادَة بن دِعامة السَّدُوسي يسْأَل سعيد بن الْمسيب فيكثر، فَقَالَ لَهُ سعيد: كل مَا سَأَلتنِي عَنهُ تحفظ؟ فقَالَ: نعم، سَأَلتك عَن كَذَا وَكَذَا، فَقلت: كَذَا وَكَذَا. قَالَ سعيد: مَا ظَنَنْت أَن الله خلق مثلك.
وَكَانَ يَقُول: مَا سَمِعَتْ أذناي شَيْئا قطّ إلَّا وَعَاهُ قلبِي، وَمَا قُلْتُ لمحدثٍ قطّ: أَعِدْ عليَّ؛ فإنَّ إِعَادَة الحَدِيث تَذْهَبُ بنوره.
وَقَالَ أَبُو حَاتِم مُحَمَّد بن إِدْرِيس الرَّازِيّ - أحد الْأَئِمَّة الحفَّاظ، العارفين بعلل الحَدِيث، وَالْجرْح وَالتَّعْدِيل -: أَحْصَيْتُ أَنِّي مشيتُ عَلَى قَدَمَيَّ زِيَادَة عَلَى ألف فَرْسَخ. وَقلت عَلَى بَاب أبي الْوَلِيد الطَّيَالِسِيّ: من أَغْرَبَ عليَّ حَدِيْثًا مُسْندًا صَحِيحا، لم أسمع بِهِ؛ فَلهُ عليَّ (دِرْهَم) -
وَقد حضر أَبُو زرْعَة، وَإِنَّمَا كَانَ مرادي أَن يُلْقي إِلَيّ مَا لم أسمع، ليقول هُوَ عِنْد فلانٍ، فَأذْهب أسمع، ومرادي أَن أستخرج مِنْهُم مَا لَيْسَ عِنْدِي - (فَمَا تهَيَّأ) لأحد أَن يُغربَ عليَّ حَدِيثا.
وَكَانَ أَبُو يُوسُف يَعْقُوب بن إِبْرَاهِيم القَاضِي يحضر مجْلِس الحَدِيث فيحفظ خمسين وَسِتِّينَ حَدِيثا، فَيقوم فيمليها عَلَى النَّاس.
وَقَالَ ابْن الْأَخْضَر القَاضِي: سَمِعت أَبَا حَفْص بن شاهين - صَاحب «النَّاسِخ والمنسوخ فِي الحَدِيث» - يَوْمًا يَقُول: حسبت مَا اشتريتُ بِهِ الحبر إِلَى هَذَا الْوَقْت، فَكَانَ سَبْعمِائة دِرْهَم. قَالَ القَاضِي: وَكُنَّا نشتري الحبر أَرْبَعَة أَرْطَال بدرهم. قَالَ القَاضِي: وَقد مكث ابْن شاهين بعد ذَلِكَ يكْتب زَمنا.
وَجَاء عَن مُحَمَّد بن الْمسيب الأَرْغِيَاني أَنه قَالَ: كنت أَمْشِي بِمصْر وَفِي كُمي مائَة جُزْء، فِي كل جُزْء ألف حَدِيث.