الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(يَقُول: «السَّوَاكُ يُطَيِّبُ الْفَمْ وَيُرْضِي الرَّبَ» .
(و) رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي «مُعْجم شُيُوخه» من حَدِيث (بَحر بن كنيز) السقاء الْمَتْرُوك، عَن جُوَيْبِر، عَن الضَّحَّاك، عَن ابْن عَبَّاس رَفعه:«السَّوَاكُ مَطْهَرَةٌ لِلْفَمِ مَرْضَاةٌ لِلرَّبِّ وَمَجْلَاةٌ لِلْبَصَرِ» . وَسَيَأْتِي من طَرِيق آخر مَرْفُوعا من حَدِيث ابْن عَبَّاس فِي فصل مَنَافِع جَاءَت فِي السِّواك - إِن شَاءَ الله - والاعتماد فِي (هَذِه الطّرق) عَلَى الطَّرِيقَيْنِ الْأَوَّلين والبواقي متابعات وشواهد لَهَا.
والمطهرة: بِفَتْح الْمِيم وَكسرهَا، لُغَتَانِ: حَكَاهُمَا الْجَوْهَرِي وَابْن السّكيت. وَغَيرهمَا. وَالْفَتْح أفْصح. وَهِي كل مَا يتَطَهَّر بِهِ.
قَالَ ابْن السّكيت: من كسر جعلهَا آلَة، وَمن فتحهَا جعلهَا موضعا يفعل فِيهِ. شبَّه السِّوَاك (بهَا) لأنَّه ينظف الْفَم. وَالطَّهَارَة: النَّظَافَة.
الحَدِيث الثَّانِي عشر
أَنه صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللهِ مِنْ رِيحِ المِسْكِ» .
هَذَا الحَدِيث صَحِيح. رَوَاهُ البُخَارِيّ وَمُسلم فِي «صَحِيحَيْهِمَا» من حَدِيث سعيد بن الْمسيب أنَّه سمع أَبَا هُرَيْرَة يَقُول: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم:
وَفِي رِوَايَة لَهما: «فَوَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ» .
وَفِي رِوَايَة لمُسلم: «لَخلْفَةُ» .
وَرَوَاهُ البُخَارِيّ من حَدِيث أبي الزِّنَاد، عَن الْأَعْرَج، عَن أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه أنَّ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: فَذكر حَدِيثا فِيهِ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللهِ منْ رِيحِ المِسْكِ» .
وروياه جَمِيعًا من حَدِيث أبي صَالح الزيات أنَّه سمع أَبَا هُرَيْرَة يَقُول: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: «قَالَ الله عز وجل: الصَّوْم لي وَأَنا أجزي بِهِ، يدع شَهْوَته وَأكله وشربه من أَجلي، وَالصَّوْم جنَّة، وللصائم فرحتان، فرحة حِين يفْطر وفرحة حِين يلقى الله عز وجل. ولخلوف فَم الصَّائِم أطيب عِنْد الله من ريح الْمسك» . زَاد مُسلم: يَوْم الْقِيَامَة. (وَأخرجه مُسلم من رِوَايَة أبي سعيد الْخُدْرِيّ أَيْضا مُنْفَردا بِهِ) .
قَالَ عبد الْحق: انْفَرد بهَا (م) . وأمَّا الْحميدِي فعزاها إِلَيْهِمَا.
وَرَوَاهُ الْبَزَّار فِي «مُسْنده» من رِوَايَة عَلّي - كرَّم الله وَجهه - مَرْفُوعا بِهَذَا اللَّفْظ، ثمَّ قَالَ: لَا (نعلمهُ) يرْوَى عَن عَلّي إلَاّ من هَذَا الْوَجْه بِهَذَا الإِسناد.
وَأخرجه أَحْمد من رِوَايَة الْحَارِث بن مَالك الْأَشْعَرِيّ، وَلَفظه:«وَإِنَّ خُلُوفَ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللهِ منْ رَائِحَةِ المِسْكِ» . وَهُوَ حَدِيث طَوِيل.
وَأخرجه ابْن حبَان فِي «صَحِيحه» أَيْضا بِطُولِهِ. وَأخرجه أَحْمد أَيْضا من حَدِيث ابْن مَسْعُود مَرْفُوعا بِلَفْظ: «وَلَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللهِ منْ رِيحِ المِسْكِ» .
فَائِدَة: الخُلوف - مضموم الْخَاء لَا غير -: التَّغَيُّر فِي الْفَم، يُقَال: خَلَفَ يَخْلُفُ - بِالْفَتْح فِي الْمَاضِي وَالضَّم فِي الْمُسْتَقْبل - خلوفًا، كقعد يقْعد قعُودا.
وَعَن بعض الْمُحدثين أَنه فتح (الْخَاء) فخطأ فِيهِ، قَالَ القَاضِي عِيَاض فِي «الْمَشَارِق» : قيدناه عَن (المتقنين) بِضَم الْخَاء، وَأكْثر الْمُحدثين يَرْوُونَهُ بِفَتْح الْخَاء، وَهُوَ خطأ عِنْد أهل الْعَرَبيَّة، وبالوجهين
ضبطناه عَن الْقَابِسِيّ. وَكَذَا قَالَ ابْن الصّلاح: كثير من الْمُحدثين يفتحون الْخَاء، وَهُوَ خطأ، وَالْمعْنَى يُفْسِدهُ؛ فَإِن الخلوف بِفَتْح الْخَاء: هُوَ الشَّخْص الَّذِي يكثر خَلفه فِي وعده. ذكر ذَلِكَ الْخطابِيّ عادًا لَهُ فِي غلطاتهم.
فَائِدَة أُخْرَى لَهَا تعلق بِهَذَا الحَدِيث، وَهِي: اخْتلف الْعلمَاء فِي مَعْنَى قَوْله عليه السلام: «كُلُّ عَمَلِ اِبْنِ آدَمَ لَهُ إلَاّ الصَّوم، فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ» عَلَى أَقْوَال كَثِيرَة.
ذكر أَبُو الْخَيْر الطَّالقَانِي فِيهِ خَمْسَة وَخمسين قولا. وَمن أحْسنهَا قَولَانِ:
(أَحدهمَا) : - وَهُوَ الْمَشْهُور - أَن الْحَسَنَة بِعشْرَة أَمْثَالهَا إِلَى سَبْعمِائة ضعف إلَاّ الصَّوم.
الثَّانِي: أنَّه يَوْم الْقِيَامَة (يتَعَلَّق) خصماؤه بِجَمِيعِ أَعماله، إلَاّ الصَّوْم، فَلَا سَبِيل لَهُم عَلَيْهِ، فإنَّه لله، (فَإِذا) لم يبْق إلَاّ الصَّوْم (فيتحمل) الله مَا بَقِي من الْمَظَالِم، ويدخله الجنَّة بالصَّوم. قَالَه سُفْيَان بن عُيَيْنَة.
قَالَ الْحَافِظ محب الدَّين الطَّبَرِيّ: أحسن مَا أول الحَدِيث بِهِ أنَّ
الصَّوْم لم يُعْبَد (بِهِ) غير الله - تَعَالَى - وَمَا عداهُ من الْعِبَادَات تقربُوا بهَا إِلَى آلِهَتهم. وَالصَّوْم صَبر. قَالَ - تَعَالَى -: (إِنَّمَا يُوفى الصَّابِرُونَ أجرهم بِغَيْر حِسَاب) .
(فَائِدَة ثَالِثَة) : وَقع نزاع بَين الشَّيْخَيْنِ الإِمامين العالِمين، تَقِيّ الدَّين أبي عَمْرو بن الصّلاح وَعز الدَّين أبي مُحَمَّد بن عبد السَّلام فِي أنَّ هَذَا الطّيب فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة أم فِي الْآخِرَة خَاصَّة؟ فَقَالَ الشَّيْخ عز الدَّين: فِي الْآخِرَة خَاصَّة، مستدلًا بِرِوَايَة مُسلم:«وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللهِ منْ رِيحِ المِسْكِ يَوْم الْقِيَامَة» . وَقَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين بن الصّلاح: عَام فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة. مستدلًا بأنَّ الإِمام أَبَا حَاتِم ابْن حبَان قَالَ فِي «صَحِيحه» بَاب فِي كَون ذَلِكَ (فِي) يَوْم الْقِيَامَة.
ثمَّ رُوِيَ (بِسَنَدِهِ) من حَدِيث أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا: «لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللهِ يَوْمَ القِيَامَةِ منْ رِيحِ المِسْكِ» . (ثمَّ قَالَ) : بَاب فِي كَونه فِي الدُّنيا.
ثمَّ رَوَى فِي هَذَا الْبَاب بِإِسْنَادِهِ الثَّابِت من حَدِيث أبي هُرَيْرَة أَيْضا أَنه صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ حِينَ يَخْلُفُ من الطّعَامِ أَطْيَبُ عِنْدَ
اللهِ منْ رِيحِ المِسْكِ» .
وَرَوَى الإِمام الْحسن بن سُفْيَان فِي «مُسْنده» عَن جَابر رضي الله عنه (أنَّ) النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ: «أُعْطِيتْ أُمَّتِي فِي شَهْرِ رَمَضَان خَمْسًا. وَأَمَّا الثَّانِيَة فَإِنَّهُم يُمْسُون وُخُلوفُ أَفْواهِهِمْ أَطْيَبُ عِنْدَ اللهِ منْ رِيحِ المِسْكِ» .
قَالَ السَّمْعَانِيّ فِي «أَمَالِيهِ» : هَذَا حَدِيث حسن. وكلّ وَاحِد من الْحَدِيثين مُصَرِّح بأنَّه فِي وَقت وجود الخلوف فِي الدُّنْيَا يتحقّق وَصفه بِكَوْنِهِ أطيب عِنْد الله من ريح الْمسك. قَالَ: وَقد (قَالَ) الْعلمَاء شرقًا وغربًا مَعْنَى مَا ذكرته فِي تَفْسِيره، ثمَّ عدد أَقْوَالهم. ثمَّ قَالَ: لم يذكر أحد مِنْهُم تَخْصِيصًا. وإنَّما جزموا بأنَّه عبارَة عَن الرِّضَى وَالْقَبُول وَنَحْوهمَا مِمَّا هُوَ ثَابت فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة. قَالَ: وأمَّا ذكر يَوْم الْقِيَامَة (فِي تِلْكَ الرِّوَايَة) فلأنَّه يَوْم الْجَزَاء. وَفِيه يظْهر رُجْحَان الخلوف فِي الْمِيزَان عَلَى الْمسك الْمُسْتَعْمل لدفع الرَّائِحَة الكريهة طلبا لرضى الله - تَعَالَى - حَيْثُ يُؤمر باجتنابها (وَاخْتِلَاف) الرَّائِحَة الطّيبَة كَمَا فِي (الْمَسَاجِد) والصلوات وَغَيرهَا من الْعِبَادَات، فخصَّ يَوْم الْقِيَامَة بالذِّكر فِي رِوَايَة كَذَلِك كَمَا خصَّ فِي قَوْله تَعَالَى:(إِن رَبهم بهم يَوْمئِذٍ لخبير) ، وَأطلق فِي بَاقِي الرِّوَايَات نظرا إِلَى أنَّ أصل أفضليته ثَابت فِي الدَّارين.
فَائِدَة رَابِعَة: لما اسْتدلَّ الرَّافِعِيّ بِهَذَا الحَدِيث عَلَى كَرَاهَة السِّواك للصَّائِم بعد الزَّوال، قَالَ: وَجه الدّلَالَة أنَّه أثر عبَادَة مشهود لَهُ