المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌بَاب الْوضُوء ذكر فِيهِ رحمه الله من الْأَحَادِيث (وَاحِدًا) وَسِتِّينَ حَدِيثا. ‌ ‌الحَدِيث - البدر المنير في تخريج الأحاديث والأثار الواقعة في الشرح الكبير - جـ ١

[ابن الملقن]

فهرس الكتاب

- ‌مُقَدّمَة

- ‌وهاك نبذة من حَالهم، لتعرف قدرهم، واجتهادهم ومحلهم:

- ‌ فصنَّفوا فِي ذَلِكَ مصنفات مبتكرة

- ‌فَإِن كَانَ الحَدِيث أَو الْأَثر فِي صحيحي الإِمامين:

- ‌وَإِن لم يكن الحَدِيث فِي وَاحِد من الصَّحِيحَيْنِ، (عزوته) إِلَى من أخرجه من الْأَئِمَّة:

- ‌نَاظرا عَلَى ذَلِك من كتب الصَّحَابَة:

- ‌وَمن كتب الْأَسْمَاء جرحا وتعديلًا وَغير ذَلِك:

- ‌وَمن كتب الْعِلَل:

- ‌وَمن كتب الْمَرَاسِيل:

- ‌وَمن كتب الموضوعات:

- ‌وَمن كتب الْأَطْرَاف:

- ‌وَمن كتب الْأَحْكَام:

- ‌وَمن كتب الأمالي:

- ‌وَمن كتب النَّاسِخ والمنسوخ:

- ‌وَمن كتب المبهمات فِي الحَدِيث:

- ‌وَمن كتب شُرُوح الحَدِيث والغريب:

- ‌وَمن كتب أَسمَاء الْأَمَاكِن:

- ‌وَمن كتب أُخرى حَدِيثِيَّةٌ:

- ‌وَمن مصنفات أبي الْخطاب بن دِحْيَة:

- ‌وَمن كتب أُخْرَى مُتَعَلقَة بالفقه:

- ‌أمَّا «موطأ» إِمَام دَار الْهِجْرَة

- ‌وَأما مُسْند الإِمام أَحْمد

- ‌وَأما «صَحِيح الإِمام أبي عبد الله البُخَارِيّ»

- ‌وَأما صَحِيح الإِمام أبي الْحُسَيْن مُسلم

- ‌وَأما «سنَن أبي دَاوُد»

- ‌وَأما جَامع أبي عِيسَى التِّرْمِذِيّ:

- ‌وَأما شَرط أبي عبد الرَّحْمَن النَّسَائِيّ

- ‌وَأما سنَن أبي عبد الله بن مَاجَه الْقزْوِينِي:

- ‌وَأما «صَحِيح» أبي حَاتِم بن حبَان

- ‌وَأما «الْمُسْتَدْرك» للْحَاكِم أبي عبد الله

- ‌كتاب الطَّهَارَة

- ‌بَاب المَاء الطَّاهِر

- ‌الحَدِيث الأول

- ‌الحَدِيث الثَّانِي

- ‌الحَدِيث الثَّالِث

- ‌الحَدِيث الرَّابِع

- ‌الحَدِيث الْخَامِس

- ‌الحَدِيث السَّادِس

- ‌بَاب بَيَان النَّجَاسَات (وَالْمَاء النَّجس)

- ‌الأول

- ‌الحَدِيث الثَّانِي

- ‌الحَدِيث الثَّالِث

- ‌الحَدِيث الرَّابِع

- ‌الحَدِيث الْخَامِس

- ‌الحَدِيث السَّادِس

- ‌الحَدِيث السَّابِع

- ‌الحَدِيث الثَّامِن

- ‌الحَدِيث التَّاسِع

- ‌الحَدِيث الْعَاشِر

- ‌الحَدِيث الْحَادِي عشر

- ‌الحَدِيث الثَّانِي عشر

- ‌الحَدِيث الثَّالِث عشر

- ‌الحَدِيث الرَّابِع عشر

- ‌الحَدِيث الْخَامِس (عشر)

- ‌الحَدِيث السَّادِس عشر

- ‌الحَدِيث السَّابِع عشر

- ‌الحَدِيث الثَّامِن عشر

- ‌الحَدِيث التَّاسِع عشر

- ‌الحَدِيث الْعشْرُونَ

- ‌الحَدِيث الْحَادِي وَالْعشْرُونَ

- ‌الحَدِيث الثَّانِي وَالْعشْرُونَ

- ‌الحَدِيث الثَّالِث وَالْعشْرُونَ

- ‌الحَدِيث الرَّابِع وَالْعشْرُونَ

- ‌بَاب الِاجْتِهَاد

- ‌بَاب الْأَوَانِي

- ‌الحَدِيث الأول

- ‌الحَدِيث الثَّانِي

- ‌الحَدِيث الثَّالِث

- ‌الحَدِيث الرَّابِع

- ‌الحَدِيث الْخَامِس

- ‌الحَدِيث السَّادِس

- ‌الحَدِيث السَّابِع

- ‌الحَدِيث الثَّامِن

- ‌الحَدِيث التَّاسِع

- ‌الحَدِيث الْعَاشِر

- ‌الحَدِيث الْحَادِي عشر

- ‌الحَدِيث الثَّانِي عشر

- ‌الحَدِيث الثَّالِث عشر

- ‌بَاب الْوضُوء

- ‌الحَدِيث الأول

- ‌الحَدِيث الثَّانِي

- ‌الحَدِيث الثَّالِث

- ‌الحَدِيث الرَّابِع

- ‌الحَدِيث الْخَامِس

- ‌الحَدِيث السّادس

- ‌الحَدِيث السّابع

- ‌الحَدِيث الثّامن

- ‌الحَدِيث التَّاسِع

- ‌الحَدِيث الْعَاشِر

- ‌الحَدِيث الْحَادِي عشر

- ‌الحَدِيث الثَّانِي عشر

- ‌الحَدِيث الثَّالِث عشر

- ‌الحَدِيث الرَّابِع عشر

- ‌الحَدِيث الْخَامِس عشر

- ‌الحَدِيث السَّادِس عشر

- ‌أَحدهَا:

- ‌الحَدِيث الثَّانِي:

- ‌الحَدِيث الثَّالِث:

الفصل: ‌ ‌بَاب الْوضُوء ذكر فِيهِ رحمه الله من الْأَحَادِيث (وَاحِدًا) وَسِتِّينَ حَدِيثا. ‌ ‌الحَدِيث

‌بَاب الْوضُوء

ذكر فِيهِ رحمه الله من الْأَحَادِيث (وَاحِدًا) وَسِتِّينَ حَدِيثا.

‌الحَدِيث الأول

أَنه صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ اِمْرِئٍ مَا نَوَى» .

وَفِي رِوَايَة: «وَلكُل امْرِئ مَا نَوى» .

هَذَا الحَدِيث أحد أَرْكَان الإِسلام وقواعد الإِيمان. وَهُوَ صَحِيح جليل مُتَّفق عَلَى صِحَّته، مجمع عَلَى عظم موقعه وجلالته وثبوته من حَدِيث الإِمام أبي سعيد يَحْيَى بن سعيد بن قيس الْأنْصَارِيّ، رَوَاهُ عَنهُ حفاظ الإِسلام وأعلام الْأَئِمَّة: إِمَام دَار الْهِجْرَة، أَبُو عبد الله مَالك بن أنس، وَشعْبَة بن الْحجَّاج، والحمادان: حَمَّاد بن زيد وَحَمَّاد بن سَلمَة، والسفيانان:(سُفْيَان) الثَّوْريّ وسُفْيَان بن عُيَيْنَة، وَاللَّيْث بن سعد، وَيَحْيَى بن سعيد الْقطَّان، وَعبد الله بن الْمُبَارك، وَيزِيد بن هَارُون، وَأَبُو (عمر) حَفْص بن غياث، وَأَبُو خَالِد الْأَحْمَر، وَعبد الْوَهَّاب الثَّقَفِيّ، وخلائق لَا يُحصونَ كَثِيرَة.

قَالَ أَبُو سعيد مُحَمَّد بن عَلّي الخشاب الْحَافِظ: رَوَى هَذَا (الحَدِيث) عَن يَحْيَى بن سعيد نَحْو من مِائَتَيْنِ وَخمسين رجلا.

وَقَالَ الْحَافِظ أَبُو مُوسَى الْأَصْبَهَانِيّ: سَمِعت الْحَافِظ أَبَا مَسْعُود

ص: 654

عبد الْجَلِيل بن أَحْمد يَقُول فِي المذاكرة: قَالَ الإِمام عبد الله الْأنْصَارِيّ: كتبت هَذَا الحَدِيث عَن سَبْعمِائة نفر من أَصْحَاب يَحْيَى بن سعيد.

أخرجه الْأَئِمَّة: أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن إِدْرِيس فِي «مُخْتَصر الْبُوَيْطِيّ» ، وَأحمد بن حَنْبَل فِي «مُسْنده» ، وَأَبُو عبد الله البُخَارِيّ فِي «صَحِيحه» فِي سَبْعَة مَوَاضِع مِنْهُ، فَرَوَاهُ فِي أول كِتَابه، ثمَّ فِي الْإِيمَان، ثمَّ فِي الْعتْق، ثمَّ فِي الْهِجْرَة، ثمَّ فِي النِّكَاح، ثمَّ فِي النذور، ثمَّ فِي ترك الْحِيَل.

وَرَوَاهُ مُسلم فِي كتاب الْجِهَاد من طرق (عدَّة) . وَأخرجه أَصْحَاب السّنَن الْأَرْبَعَة، أَبُو دَاوُد فِي «سنَنه» فِي الطَّلَاق، وَأَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيّ فِي «جَامعه» فِي الْحُدُود، وَأَبُو عبد الرَّحْمَن النَّسَائِيّ فِي

ص: 655

الْإِيمَان وَالطَّهَارَة وَالرَّقَائِق وَالطَّلَاق، وَأَبُو عبد الله بن مَاجَه الْقزْوِينِي فِي «سنَنه» فِي الزّهْد، ثمَّ أَبُو الْحسن الدَّارَقُطْنِيّ، وَأَبُو بكر الْبَيْهَقِيّ فِي (سنَنَيْهِمَا) ، وَأَبُو حَاتِم بن حبَان فِي «صَحِيحه» ، وَلم يبْق من أَصْحَاب الْكتب الْمُعْتَمد عَلَيْهَا من لم يُخرجهُ سُوَى مَالك فَإِنَّهُ لم يُخرجهُ فِي «الْمُوَطَّأ» ، نعم رَوَاهُ (خَارِجهَا) كَمَا سَيَأْتِي بَيَان طَرِيقه.

وَأخرجه الشَّيْخَانِ من حَدِيث مَالك. وَلَفظ روايتهم: عَن عمر بن الْخطاب رضي الله عنه قَالَ: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَقُول: «إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّات وَإنِّمَا (لكل اِمْرِئٍ) مَا نَوى. فَمن كَانَت هجرتهُ إِلَى الله وَرَسُوله فَهجرَته إِلَى الله وَرَسُوله، وَمن كَانَت هجرته لدُنْيَا يُصِيبهَا أَو امْرَأَة ينْكِحهَا فَهجرَته إِلَى مَا هَاجر إِلَيْهِ» . وَلَفظ مُسلم: «إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّة وَإنِّمَا لاِمْرِئٍ مَا نَوى» ، الحَدِيث. وللبخاري:«العَمَلُ بِالنِّيَّةِ» . وَله: «إِنَّمَا

ص: 656

الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ» ، كَمَا سبق. وَله:«الأَعْمَالُ بِالنِّيَّة» . وَله: «إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّة» ، كَلَفْظِ مُسلم. وَله:«يَا أَيُّهَا النَّاسِ إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّة» .

وَأما الَّذِي وَقع فِي أول كتاب «الشهَاب» للقضاعي: «الأَعْمَالُ بِالنِّيَّات» ، فَجمع الْأَعْمَال والنيات، وَحذف «إِنَّمَا» . فَنقل النَّوَوِيّ فِي كِتَابه الْمُسَمَّى «ببستان العارفين» وإملائه عَلَى هَذَا الحَدِيث وَلم يكملهما، عَن الْحَافِظ أبي مُوسَى الْأَصْبَهَانِيّ أَنه قَالَ: لَا يَصح إِسْنَاد هَذَا الحَدِيث، وَأقرهُ عَلَيْهِ. وَفِيمَا قَالَه نظر، فقد أخرجه كَذَلِك حَافِظَانِ وَحكما بِصِحَّتِهِ.

أَحدهمَا: أَبُو حَاتِم بن حبَان فَإِنَّهُ أوردهُ فِي «صَحِيحه» عَن عَلّي بن مُحَمَّد (القبابي) ، ثَنَا عبد الله بن هَاشم الطوسي، [حَدَّثَنَا يَحْيَى بن سعيد الْقطَّان] ، ثَنَا يَحْيَى بن سعيد الْأنْصَارِيّ، عَن مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم التَّيْمِيّ، عَن عَلْقَمَة بن وَقاص، عَن عمر بن الْخطاب رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: «الأَعْمَالُ بِالنِّيَّات» ، الحَدِيث بِطُولِهِ.

الثَّانِي: الْحَاكِم أَبُو عبد الله فَإِنَّهُ أوردهُ فِي كتاب «الْأَرْبَعين فِي شعار

ص: 657

أهل الحَدِيث» ، عَن أبي بكر بن خُزَيْمَة، ثَنَا أَبُو مُسلم، ثَنَا القعْنبِي، ثَنَا مَالك، عَن يَحْيَى بن سعيد، كَمَا ذكره ابْن حبَان سَوَاء ثمَّ حكم بِصِحَّتِهِ.

وَرَوَاهُ ابْن الْجَارُود فِي «الْمُنْتَقَى» ، بِلَفْظ آخر وَهُوَ:«إِنَّ الأَعْمَال بِالنِّيَّة وَإنَّ لِكُلِّ اِمْرِئٍ مَا نَوى، فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إلَى اللهِ وَرَسُولِهِ فَهجرَته إِلَى (مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ) ، وَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا، أَوْ اِمْرَأةٍ يَنْكِحُهَا فَهِجْرَتُهُ إِلىَ مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ» .

تَنْبِيهَات مهمة: أَحدهَا: هَذَا الحَدِيث قد رَوَاهُ عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم غير عمر بن الْخطاب من الصَّحَابَة رضي الله عنهم نَحْو عشْرين صحابيًا، وَإِن كَانَ الْبَزَّار قَالَ: لَا نعلم يروي هَذَا الْكَلَام إلَاّ عَن عمر بن الْخطاب عَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم بِهَذَا الإِسناد. وَكَذَا ابْن السكن فِي كِتَابه الْمُسَمَّى ب «السّنَن الصِّحَاح» ، حَيْثُ قَالَ: وَلم (يروه) عَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم بِإِسْنَاد غير عمر بن الْخطاب.

ذكر الْحَافِظ أَبُو يعْلى الْقزْوِينِي فِي كِتَابه «الإِرشاد» من رِوَايَة مَالك، عَن زيد بن أسلم، عَن عَطاء بن يسَار، عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ رضي الله عنه عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم:«الأَعْمَالُ بِالنِّيَّةِ» ، ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث غير مَحْفُوظ عَن زيد بن أسلم (بِوَجْه) ، فَهَذَا مِمَّا أَخطَأ فِيهِ الثِّقَة عَن الثِّقَة.

وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ فِي «أَحَادِيث مَالك الَّتِي لَيست فِي الْمُوَطَّأ» وَلَفظه: «إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَلِكُلِّ اِمْرِئٍ مَا نَوى» ، إِلَى آخِره. ثمَّ قَالَ:

ص: 658

تفرد بِهِ (عبد الْمجِيد عَن) مَالك وَلَا نعلم حدَّث بِهِ عَن عبد الْمجِيد غير نوح بن حبيب وَإِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد العتيقي.

وَقَالَ ابْن مَنْدَه الْحَافِظ فِي جمعه لطرق هَذَا الحَدِيث: رَوَاهُ عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم غير عمر: سعد بن أبي وَقاص، وَعلي بن أبي طَالب، وَأَبُو سعيد الْخُدْرِيّ، وَعبد الله بن مَسْعُود، وَعبد الله بن عمر، وَأنس، وَابْن عَبَّاس، وَمُعَاوِيَة، وَأَبُو هُرَيْرَة، وَعبادَة بن الصَّامِت، وَعتبَة بن عبد السّلمِيّ، وهلال بن سُوَيْد، وَعقبَة بن عَامر، وَجَابِر بن عبد الله، وَأَبُو ذَر، وَعتبَة بن النُّدَّر، وَعقبَة بن مُسلم رضي الله عنهم.

قُلْتُ: وَله شَاهِدَانِ (أَيْضا) صَحِيحَانِ: حَدِيث: «وَلَكِنْ جِهَادٌ وَنَيِةٌ» ؛ وَحَدِيث: «يُبْعَثُونَ عَلَى نِيِّاتِهِم» .

ص: 659

الثَّانِي: هَذَا الحَدِيث فَرد غَرِيب باعتبارٍ، مَشْهُور باعتبارٍ آخر وَلَيْسَ بمتواتر، بِخِلَاف مَا يَظُنّهُ بعض النَّاس، فإنَّ مَدَاره عَلَى يَحْيَى بن سعيد الْأنْصَارِيّ كَمَا سلف.

قَالَ الْحفاظ: لَا يَصح هَذَا الحَدِيث عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم إلَاّ من جِهَة عمر بن الْخطاب رضي الله عنه وَلَا عَن عمر إلَاّ من جِهَة عَلْقَمَة، وَلَا عَن عَلْقَمَة إلَاّ من جِهَة مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم التَّيْمِيّ، وَلَا عَن مُحَمَّد إِلَّا من جِهَة يَحْيَى بن سعيد الْأنْصَارِيّ، وَعَن يَحْيَى اشْتهر، فَرَوَاهُ جماعات لَا يُحصونَ فَوق الْمِائَتَيْنِ كَمَا أسلفته، وَأَكْثَرهم أَئِمَّة معروفون. نَبَّه عَلَى ذَلِكَ النَّوَوِيّ رحمه الله قَالَ: وَإِنَّمَا ذكرت هَذَا لِأَنَّهُ قد يخْفَى عَلَى بعض من لَا يعاني الحَدِيث، فيتوهم أَنه متواتر لشدَّة شهرته وَعدم مَعْرفَته بفقد شَرط التَّوَاتُر (فِي أَوله) .

قُلْتُ: وَقد توبع عَلْقَمَة والتيمي وَيَحْيَى بن سعيد عَلَى روايتهم. قَالَ الْحَافِظ أَبُو عبد الله بن مَنْدَه: هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ عَن عمر غير عَلْقَمَة: ابْنه عبد الله، وَجَابِر، وَأَبُو جُحَيْفَة، وَعبد الله بن عَامر بن ربيعَة، وَذُو الكلاع، وَعَطَاء بن يسَار، و (نَاشِرَة بن سمي) ، وواصل بن (عَمْرو) الجذامي، وَمُحَمّد بن الْمُنْكَدر. وَرَوَاهُ عَن عَلْقَمَة غير التَّيْمِيّ: سعيد بن الْمسيب، وَنَافِع مولَى ابْن عمر. وتابع يَحْيَى بن سعيد عَلَى رِوَايَته (عَن التَّيْمِيّ) مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن عَلْقَمَة أَبُو الْحسن اللَّيْثِيّ، وَدَاوُد

ص: 660

بن أبي الْفُرَات، وَمُحَمّد بن إِسْحَاق بن يسَار، وحجاج بن أَرْطَاة وَغَيرهم.

الثَّالِث: هَذَا الحَدِيث اسْتحبَّ الْعلمَاء أَن تستفتح بِهِ المصنفات وَمِمَّنْ ابْتَدَأَ بِهِ: إِمَام الحَدِيث بِلَا مدافعة أَبُو عبد الله البُخَارِيّ فِي «صَحِيحه» وَنقل جماعات من السّلف (أَنهم) كَانُوا يستحبون افْتِتَاح الْكتب بِهَذَا الحَدِيث تَنْبِيها للطَّالِب عَلَى تَصْحِيح النِّيَّة. وَقَالَ الإِمام أَبُو سعيد عبد الرَّحْمَن بن مهْدي: من أَرَادَ أَن يصنف كتابا فليبدأ بِهَذَا الحَدِيث، وَقَالَ: لَو صنفت كتابا لبدأت فِي كل بَاب مِنْهُ بِهَذَا الحَدِيث.

وَقَالَ الْخطابِيّ: كَانَ المتقدمون من شُيُوخنَا يستحبون تَقْدِيم هَذَا الحَدِيث أَمَام كل شَيْء (يُنشأ ويُبتدأ) من أُمُور الدَّين لعُمُوم الْحَاجة إِلَيْهِ فِي جَمِيع أَنْوَاعهَا.

الرَّابِع: هَذَا الحَدِيث أحد الْأَحَادِيث الَّتِي عَلَيْهَا مدَار الإِسلام، وَقد اخْتلف فِي عَدِّها. فَقيل ثَلَاثَة: هَذَا الحَدِيث وَحَدِيث «مِنْ حُسْنِ إِسْلَامِ الْمَرْءِ تَرْكُهُ مَا لَا يعْنِيهِ» ، وَحَدِيث «الْحَلَالُ بَيِّنٌ وَالْحَرَامُ بَيِّنٌ» .

قَالَ الْحَافِظ حَمْزَة بن مُحَمَّد الْكِنَانِي: سَمِعت أهل الْعلم يَقُولُونَ:

ص: 661

هَذِه الثَّلَاثَة أَحَادِيث هِيَ الإِسلام. وكل حَدِيث مِنْهَا ثلث الإِسلام، وَقيل أَرْبَعَة قَالَه أَبُو دَاوُد وَالدَّارَقُطْنِيّ وَغَيرهمَا، بِزِيَادَة (حَدِيث) :«ازْهَدْ فِي الدُّنْيَا يُحِبكَ اللهُ» . وَقيل اثْنَان، وَقيل وَاحِد.

وَقَالَ أَبُو بكر الْخفاف من قدماء أَصْحَابنَا: رُوِيَ عَن الشَّافِعِي رضي الله عنه أَنه قَالَ: مدَار الإِسلام عَلَى أَرْبَعمِائَة حَدِيث. ثمَّ نقل عَن ابْن الْمَدِينِيّ وَعبد الرَّحْمَن بن مهْدي أَن مَدَاره عَلَى أَرْبَعَة أَحَادِيث «الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ» ، و «لَا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إِلَاّ بِإِحْدَى ثَلَاث» ، و «بُنِيَ الإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ» ، و «البَيِّنَةُ عَلَى المُدَّعِي، وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ» .

ثمَّ نقل عَن إِسْحَاق أَنه قَالَ: مَدَاره عَلَى ثَلَاثَة: «إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّات» ، وَحَدِيث عَائِشَة:«مَنْ أَدْخَلَ فِي أَمْرِنَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهْوَ رَدٌّ» ،

ص: 662

وَحَدِيث النُّعْمَان: «الحَلَال بَيِّنٌ» . نقلت ذَلِكَ كُله من كتاب: الْأَقْسَام والخصال، وَلم أرَ لغيره تعرضًا لذَلِك، فاستفده.

قَالَ الشَّافِعِي: يدْخل هَذَا الحَدِيث - (أَعنِي حَدِيث إِنَّمَا الْأَعْمَال بالنيَّات) - فِي سبعين بَابا من الْفِقْه. وَقَالَ أَيْضا: هُوَ ثلث الْعلم.

وَكَذَا قَالَه الإِمام أَحْمد وَغَيره.

قَالَ الْبَيْهَقِيّ: سَببه أَن كسب العَبْد بِقَلْبِه وَلسَانه وجوارحه، فالنية أحد أقسامها الثَّلَاثَة وأرجحها لِأَنَّهَا تكون عبَادَة بانفرادها بِخِلَاف الْقسمَيْنِ الْأَخيرينِ. وَلِهَذَا كَانَ نِيَّة الْمُؤمن خير من عمله، وَلِأَن القَوْل وَالْعَمَل يدخلهما الْفساد بالرياء، بِخِلَاف النِّيَّة.

وَقَالَ عبد الرَّحْمَن بن مهْدي: يدْخل هَذَا الحَدِيث فِي ثَلَاثِينَ بَابا من (الإِرادات والنيات) .

وَقَالَ عُثْمَان بن سعيد الدَّارمِيّ: أُمَّهَات الحَدِيث أَرْبَعَة، هَذَا أَحدهَا.

وَقَالَ أَبُو عبيد: لَيْسَ من أَخْبَار النَّبِي صلى الله عليه وسلم حَدِيث أجمع وَأكْثر فَائِدَة وأبلغ من هَذَا الحَدِيث.

الْخَامِس: لَفْظَة «إِنَّمَا» مَوْضُوعَة للحصر تثبت الْمَذْكُور وتنفي مَا سواهُ، هَذَا مَذْهَب الْجُمْهُور من أهل اللُّغَة وَالْأُصُول وَغَيرهم.

ص: 663

قَالَ الْعلمَاء: وَالْمرَاد بِالْحَدِيثِ أَنه لَا يكون الْعَمَل (شَرْعِيًّا) يتَعَلَّق بِهِ عِقَاب، وَلَا ثَوَاب إلَاّ بِالنِّيَّةِ.

قَالَ الْخطابِيّ: وَأفَاد قَوْله صلى الله عليه وسلم: «وإِنَّمَا لِكُلِّ اِمْرِئٍ مَا نَوى» ، فَائِدَة لم تحصل بقوله:«إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ» (وَهِي) : أَن تعْيين الْعِبَادَة المنوية شرطٌ لصحتها» .

وَقَالَ غَيره: مَعْنَى الحَدِيث: لَا يَصح عمل من غير نِيَّة، فَإِن صورته تُوجد من غير نِيَّة. فنفى الحكم وأكده بقوله:«وَإنِّمَا لاِمْرِئٍ مَا نَوى» .

السَّادِس: أصل الْهِجْرَة التّرْك. وَالْمرَاد بهَا ترك الوطن والانتقال إِلَى غَيره. وَهَذَا الحَدِيث ورد عَلَى سَبَب. وَهُوَ أَن امْرَأَة كَانَت بِالْمَدِينَةِ يُقَال لَهَا أم قيس. وَيُقَال أَن اسْمهَا قيلة، فَهَاجَرَ بَعضهم إِلَى الْمَدِينَة بنية (التَّزَوُّج) بهَا، فَقَالَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم (ذَلِكَ) ، فَسُمي مهَاجر أم قيس.

السَّابِع: قَوْله عليه الصلاة والسلام: «إِلَى دُنْيَا» هُوَ مَقْصُور غير منون عَلَى الْمَشْهُور، وَيجوز فِي لُغَة غَرِيبَة تنوينها. (وَفِي) حَقِيقَة الدُّنْيَا قَولَانِ لِأَصْحَابِنَا الْمُتَكَلِّمين:

أَحدهمَا: مَا عَلَى الأَرْض مَعَ الْهَوَاء والجو.

وَالثَّانِي: كل الْمَخْلُوقَات من الْجَوَاهِر والأعراض الْمَوْجُودَة قبل الدَّار الْآخِرَة. وَهَذَا هُوَ الْأَظْهر.

هَاهُنَا سُؤال مَشْهُور، وَهُوَ: كَيفَ ذكرت الْمَرْأَة مَعَ الدُّنْيَا مَعَ أَنَّهَا

ص: 664

دَاخِلَة (فِيهَا) ؟ وَالْجَوَاب عَنهُ من أوجه:

أَحدهَا: أَنه لَا يلْزم دُخُولهَا فِي هَذِه الصِّيغَة؛ لِأَن لَفْظَة دنيا نكرَة وَهِي لَا تعم فِي الْإِثْبَات، فَلَا يلْزم دُخُول الْمَرْأَة فِيهَا.

الثَّانِي: أَن هَذَا الحَدِيث قد ورد عَلَى سَبَب كَمَا مر فَذكرت الْمَرْأَة لأجل تَبْيِين السَّبَب.

الثَّالِث: أَنه للتّنْبِيه عَلَى زِيَادَة التحذير من الْمَرْأَة، وَقد جَاءَ ذكر الْخَاص بعد الْعَام تَنْبِيها عَلَى مزيته فِي عدَّة آيَات من الْقُرْآن.

مِنْهَا قَوْله - تَعَالَى -: (حَافظُوا عَلَى الصَّلَوَات وَالصَّلَاة الْوُسْطَى) .

وَمِنْهَا قَوْله - تَعَالَى -: (وَإِذ أَخذنَا من النَّبِيين ميثاقهم ومنك وَمن نوح) الْآيَة.

وَمِنْهَا قَوْله - تَعَالَى -: (من كَانَ عدوا لله وَمَلَائِكَته وَرُسُله) .

وَلَيْسَ من هَذَا قَوْله - تَعَالَى -: (فيهمَا فَاكِهَة ونخل ورمان) وَإِن كَانَ بعض النَّاس يغلط فيعده مِنْهُ، لِأَنَّهُ نكرَة فِي سِيَاق الإِثبات، فَلَا عُمُوم فِيهَا، فَلَا يلْزم أَن يكون النّخل وَالرُّمَّان (داخلين) فِي الْفَاكِهَة. لَكِن قد يُقَال إِنَّهَا ذكرت فِي معرض الْمِنَّة (فَيعم) .

وَقد جَاءَ أَيْضا فِي الْقُرْآن عكس هَذَا، وَهُوَ ذكر الْعَام بعد الْخَاص. كَقَوْلِه تَعَالَى إِخْبَارًا عَن إِبْرَاهِيم عليه الصلاة والسلام: (رَبنَا اغْفِر

ص: 665