الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الله، إِنَّك تتوضأ من بِئْر بضَاعَة» . وَفِي رِوَايَة ابْن مَنْدَه الْمُتَقَدّمَة أَيْضا:«انْتَهَيْت إِلَى النَّبِي صلى الله عليه وسلم، وَهُوَ يتَوَضَّأ من بِئْر بضَاعَة» . وَكَذَلِكَ جَاءَ صَرِيحًا فِي رِوَايَة الشَّافِعِي «قيل: يَا رَسُول الله، أتتوضأ من بِئْر بضَاعَة» . وَفِي رِوَايَة النَّسَائِيّ: «مَرَرْت بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ يتَوَضَّأ من بِئْر بضَاعَة، فَقلت: يَا رَسُول الله، أتتوضأ مِنْهَا، وَهِي يُطرح فِيهَا
…
» الحَدِيث، وَأول من نَبَّه عَلَى هَذَا الضَّبْط: النَّوَوِيّ رحمه الله وَتَبعهُ شَيخنَا فتح الدَّين بن سيد النَّاس فِي «شرح التِّرْمِذِيّ» . قَالَ النَّوَوِيّ: إنَّما ضبطت كَونه بِالتَّاءِ لئلايُصَحَّف، فَيُقَال:«أَنَتَوَضَّأُ» بالنُّون. قَالَ: وَقد رَأَيْت من صحَّفه، واستبعد كَون النَّبِي صلى الله عليه وسلم يتَوَضَّأ مِنْهَا قَالَ: وَهَذَا غلط فَاحش. لما ذَكرْنَاهُ.
قلت: و (مِمَّا) يَنْبَغِي أَن (يُنتبه لَهُ) أَن النَّوَوِيّ رحمه الله قَالَ فِي «شرح الْمُهَذّب» : أخرج هَذَا الحَدِيث من أخرج الأول - يَعْنِي حَدِيث أبي هُرَيْرَة - وَهَذِه الْعبارَة تَقْتَضِي كَونه فِي «الْمُوَطَّأ» ، فإنَّ الأول عزاهُ إِلَى «الْمُوَطَّأ» وَهَذَا الحَدِيث لَا يُوجد فِي موطأ من الموطآت المرويَّة عَن الإِمام مَالك رحمه الله بل لم يعزه أحد من مصنفي الْأَحْكَام إِلَيْهِ.
وَقد يُجاب عَن النَّوَوِيّ رحمه الله: بِأَنَّهُ أَرَادَ بقوله: أخرجه من أخرج الأول: الْمُعظم. وَلَا يخْفَى مَا فِي هَذَا الْجَواب.
الحَدِيث الثَّالِث
رُوي أَنه صلى الله عليه وسلم قَالَ: «خَلَقَ اللهُ الماءَ طهُورا، لَا يُنَجِّسُهُ شيءٌ، إلَاّ مَا غَيَّر طعمه، أَو رِيحه» .
اعْلَم: أَن صدر هَذَا الحديثَ صحيحٌ، كَمَا تقدم الْآن من حَدِيث أبي سعيد الْخُدْرِيّ رضي الله عنه بِاللَّفْظِ السَّابِق، وَلم أرَ فِيهِ لفظ:«خلق الله» ، فَتنبه لَهُ، وَرُوِيَ أَيْضا من طُرُق أُخر:
فأولها: عَن جَابر رضي الله عنه، قَالَ:«انتهينا إِلَى غَدِير، فَإِذا فِيهِ جيفة حمَار، قَالَ: فَكَفَفْنَا عَنهُ، حتَّى انْتَهَى إِلَيْنَا رَسُول الله صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: إنَّ الماءَ لَا يُنجسهُ شيءٌ فاستقينا وحملنا» .
رَوَاهُ ابْن مَاجَه فِي «سنَنه» بِإِسْنَاد عَلَى شَرط الصَّحِيح، لَوْلَا (طريف) بن شهَاب السَّعْدِيّ، فإنَّه واهٍ مَتْرُوك عِنْدهم، حتَّى قَالَ فِيهِ ابْن حبَان: إِنَّه كَانَ (مغفلاً، يَهِمُ) فِي الْأَخْبَار، حتَّى يقلبها، ويروي عَن الثِّقَات مَا لَا يشبه حَدِيث الْأَثْبَات.
لَكِن يَقع فِي بعض نسخه (بدله) طَارق بن شهَاب، فإنْ صَحَّ - مَعَ بعده - فَهُوَ الأحمسي، صَحَابِيّ، فَيصح السَّنَد.
الطَّرِيق الثَّانِي: عَن ابْن عَبَّاس رضي الله عنه أنَّ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: «المَاء لايُنَجِّسُهُ شَيْء» .
رَوَاهُ أَحْمد فِي «مُسْنده» ، وَالطَّبَرَانِيّ فِي «أكبر معاجمه» ،
وَأَبُو حَاتِم ابْن حبَان فِي «صَحِيحه» من حَدِيث: سماك بن حَرْب، عَن عِكْرِمَة، عَنهُ.
وَرَوَاهُ إِمَام الْأَئِمَّة، مُحَمَّد بن خُزَيْمَة فِي «صَحِيحه» كَذَلِك، لَكِن لَفظه: عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: «أَرَادَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم أَن يتَوَضَّأ، فَقَالَت امْرَأَة من نِسَائِهِ: يَا رَسُول الله قد توضَّأتُ من هَذَا. فَتَوَضَّأ النَّبِي صلى الله عليه وسلم، وَقَالَ: المَاء لَا يُنجسهُ شَيْء» .
وَأخرجه ابْن حبَان فِي «صَحِيحه» - أَيْضا - بِلَفْظ: اغْتسل بعض أَزوَاج رَسُول الله صلى الله عليه وسلم من) جَفْنَة، فجَاء رَسُول الله يغْتَسل مِنْهَا، أَو يتَوَضَّأ، فَقَالَت: يَا رَسُول الله، إنِّي كنت جُنبًا. فَقَالَ: إنَّ المَاء لَا يَجْنُب» .
وَهُوَ فِي «السّنَن الْأَرْبَعَة» من حَدِيث سماك، عَن عِكْرِمَة، عَن ابْن عَبَّاس قَالَ:«اغْتسل بعض أَزوَاج رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فِي جَفْنَةٍ، فَأَرَادَ رَسُول الله أَن يتَوَضَّأ (مِنْهَا أَو يغْتَسل) ، فَقَالَت: يَا رَسُول الله، إِنِّي كنت جُنبًا. فَقَالَ: إنَّ الماءَ لَا يَجْنُب» .
قَالَ التِّرْمِذِيّ: حسن صَحِيح.
وَرَوَاهُ أَبُو الْوَلِيد الطَّيَالِسِيّ، عَن شريك، عَن سماك، فسمَّاها: مَيْمُونَة.
وَكَذَلِكَ رَوَاهُ إِسْحَاق، عَن وَكِيع، عَن سُفْيَان، عَن سماك، أَن مَيْمُونَة
…
قَالَ الْحَازِمِي: لَا يُعْرَف مُجَوَّدًا إلَاّ من حَدِيث سماك، وَسماك فِيمَا ينْفَرد بِهِ رَدَّه بعض الْأَئِمَّة، (وقَبِلَه) الْأَكْثَرُونَ.
قَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي «خلافياته» : قَالَ الْحَاكِم: قد احْتج البُخَارِيّ بِأَحَادِيث عِكْرِمَة، وَاحْتج مُسلم بِأَحَادِيث سماك بن حَرْب، وَهَذَا حَدِيث صَحِيح فِي الطَّهَارَة، وَلَا تحفظ لَهُ عِلّة.
قَالَ الْبَيْهَقِيّ: ورُوي مُرْسَلاً. قَالَ: وَمن أسْندهُ أحفظ.
قلت: وأمَّا ابْن حزم (فإنَّه وَهَّاه) فِي «محلاه» فَقَالَ: هَذَا حَدِيث لَا يصحّ، (لِأَنَّهُ بِرِوَايَة) سماك بن حَرْب، وَهُوَ يقبل التَّلْقِين، شهد عَلَيْهِ بذلك شُعْبَة وَغَيره، (وَهَذِه جُرحة ظَاهِرَة) .
الطَّرِيق الثَّالِث: عَن سهل بن سعد قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: «المَاء لَا يُنجسهُ شَيْء» .
رَوَاهُ قَاسم بن أصبغ - كَمَا تقدم فِي الحَدِيث قبله - بِسَنَد حسن، وَالدَّارَقُطْنِيّ، من حَدِيث مُحَمَّد بن مُوسَى (الْحَرَشِي) ، عَن (فُضَيْل) بن سُلَيْمَان النميري، عَن أبي حَازِم، عَن سهل.
و (فُضَيْل) هَذَا: تكلَّم فِيهِ يَحْيَى، وَأَبُو زرْعَة، وَأَبُو حَاتِم. لَكِن احتجَّ بِهِ الشَّيْخَانِ.
وَمُحَمّد هَذَا: وَهَّاه أَبُو دَاوُد، ووثَّقه غَيره.
الطَّرِيق الرَّابِع: عَن عَائِشَة رضي الله عنها: أنَّ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إنَّ المَاء لَا يُنجسهُ شَيْء» .
رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي «أَوسط معاجمه» من حَدِيث: شريك، عَن الْمِقْدَام بن شُريح، عَن أَبِيه، عَن عَائِشَة. ثمَّ قَالَ: لم يَرْوِ هَذَا الحَدِيث عَن الْمِقْدَام إلَاّ شريك. وَذكره ابْن السكن فِي «صحاحه» بِحَذْف إِن.
الطَّرِيق الْخَامِس: عَن أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه، قَالَ:«سُئِلَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم عَن بِئْر بضَاعَة، فَقَالَ: «المَاء طهُور، لَا يُنجسهُ شَيْء» .
ذكره الدَّارَقُطْنِيّ فِي «علله» من حَدِيث سعيد المَقْبُري عَنهُ، وَقَالَ: إنَّه حَدِيث غير ثَابت.
وَأما الِاسْتِثْنَاء الْوَاقِع فِي آخِره، فَروِيَ أَيْضا من طَرِيقين:
أَحدهمَا: عَن ثَوْبَان رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: «المَاء طهُور، إلَاّ مَا غلب عَلَى رِيحه، أَو طعمه» .
رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ فِي «سنَنه» من حَدِيث رشدين، عَن مُعَاوِيَة بن صَالح، عَن رَاشد بن سعد عَنهُ.
وَرشْدِين هَذَا: هُوَ ابْن سعد - وَيُقَال: ابْن أبي رشدين - وَهُوَ ضَعِيف، قَالَ يَحْيَى: لَيْسَ بِشَيْء. وَقَالَ عَمْرو بن عَلّي، وَأَبُو زرْعَة، وَالدَّارَقُطْنِيّ: ضَعِيف. وَقَالَ أَبُو حَاتِم الرَّازِيّ: مُنكر الحَدِيث، فِيهِ غَفلَة، يحدث بِالْمَنَاكِيرِ عَن الثِّقَات. وَقَالَ (النَّسَائِيّ) : مَتْرُوك الحَدِيث. وَضَعفه أَحْمد، وَقَالَ فِي رِوَايَة: هُوَ رجل صَالح، وَلكنه لَا يُبَالِي عمَّن يروي. وَمرَّة قَالَ: أَرْجُو أنَّه صَالح الحَدِيث. وَقَالَ ابْن يُونُس: كَانَ رجلا صَالحا، لَا يُشَكُّ فِي صَلَاحه وفضله، فَأَدْرَكته غَفلَة الصَّالِحين، فَخَلَّط فِي الحَدِيث. وَقَالَ الْجوزجَاني: عِنْده (معاضيل) ، ومناكيره كَثِيرَة، وَسمعت ابْن أبي مَرْيَم يثني عَلَيْهِ فِي دينه.
قَالَ ابْن حبَان: كَانَ يقْرَأ كل مَا (دفع) إِلَيْهِ، سَوَاء كَانَ من حَدِيثه أَو لم يكن. وَكَذَلِكَ قَالَ (قُتَيْبَة) .
وَقَالَ ابْن عدي: رشدين ضَعِيف، وَقد خُصَّ نَسْله بالضعف: حجاج بن رشدين، وَمُحَمّد بن الْحجَّاج، وَأحمد بن مُحَمَّد.
وَمُعَاوِيَة بن صَالح: هُوَ قَاضِي الأندلس، وَهُوَ ثِقَة، كَمَا قَالَ أَحْمد وَأَبُو زرْعَة وَغَيرهمَا. وَأما رَاشد بن سعد: فوثَّقه ابْن معِين، وَأَبُو حَاتِم، وَابْن سعد، وَقَالَ أَحْمد: لَا بَأْس بِهِ، وشذَّ ابْن حزم، فَقَالَ: ضَعِيف. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: يُعتبر بِهِ، لَا بَأْس) .
أخرج لَهُ مُسلم، وَقَالَ يَحْيَى: هُوَ صَالح. وَقَالَ أَبُو حَاتِم الرَّازِيّ: لَا يحْتَج بِهِ. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: هَذَا الحَدِيث لم يرفعهُ غير رشدين، عَن مُعَاوِيَة بن صَالح، وَلَيْسَ بِالْقَوِيّ.
الطَّرِيق الثَّانِي: عَن أبي أُمَامَة رضي الله عنه، أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ:«إنَّ المَاء لَا يُنجسهُ شَيْء، إلَاّ مَا غلب عَلَى رِيحه وطعمه ولونه» .
وَهَذَا الحَدِيث رُوِيَ من طَرِيقين:
أَحدهمَا مُسندَة: رَوَاهُ ابْن مَاجَه عَن مَحْمُود بن خَالِد، وَغَيره، عَن مَرْوَان بن مُحَمَّد، نَا رشدين، نَا مُعَاوِيَة بن صَالح، عَن رَاشد بن سعد، عَن أبي أُمَامَة مَرْفُوعا كَمَا تقدم.
وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» كَذَلِك.
وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ فِي «سنَنه» ، وَالطَّبَرَانِيّ فِي «مُعْجَمه الْأَوْسَط» ، من حَدِيث مُحَمَّد بن يُوسُف الغضيضي، عَن رشدين (بن) سعد، عَن مُعَاوِيَة بِهِ. وَلم يذكرَا:«ولونه» .
قَالَ الطَّبَرَانِيّ: لم يَرْوِ هَذَا الحَدِيث عَن مُعَاوِيَة بن صَالح إلَاّ رشدين، تَفرَّد بِهِ مُحَمَّد بن يُوسُف.
قلت: لَا، فقد تَابعه مَرْوَان بن مُحَمَّد، كَمَا أخرجه ابْن مَاجَه، وَالْبَيْهَقِيّ فِيمَا سلف.
وَقد أخرجه الطَّبَرَانِيّ فِي «أكبر معاجمه» - أَيْضا - من حَدِيث مَرْوَان بن مُحَمَّد الطاطري، عَن رشدين بِهِ.
وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ - أَيْضا - من رِوَايَة ثَوْر بن يزِيد، عَن [رَاشد] بن سعد بِهِ، وَلَفظه:«إِذا كَانَ المَاء قُلَّتَيْنِ لم يُنجسهُ شَيْء، إلَاّ مَا غلب رِيحه أَو طعمه» . وَقَالَ: كَذَا وجدته، وَلَفظ الْقلَّتَيْنِ فِيهِ غَرِيب.
قَالَ ابْن عدي: وَهَذَا الحَدِيث لَيْسَ يرويهِ عَن ثَوْر إلَاّ حَفْص بن عمر.
قلت: قد رَوَاهُ بَقِيَّة أَيْضا عَنهُ، أخرج ذَلِك الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه»
وَلَفظه: «إنَّ المَاء طَاهِر، إلَاّ إنْ تغيَّر رِيحه، أَو طعمه، أَو لَونه بِنَجَاسَة تحدث فِيهِ» .
الطَّرِيقَة الثَّانِيَة: مُرْسلَة رَوَاهَا الدَّارَقُطْنِيّ فِي «سنَنه» من حَدِيث الْأَحْوَص بن حَكِيم، عَن رَاشد بن سعد قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: «المَاء لَا يُنجسهُ شَيْء إلَاّ مَا غلب عَلَى رِيحه أَو طعمه» .
وَرَوَاهُ الطَّحَاوِيّ بِزِيَادَة: «أَو لَونه» .
قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: هَذَا مُرْسل، قَالَ: وَوَقفه أَبُو أُسَامَة عَلَى رَاشد. وَقَالَ ابْن أبي حَاتِم فِي «علله» : سَأَلت أبي عَنهُ فَقَالَ: الصَّحِيح أَن هَذَا الحَدِيث مُرْسل. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ فِي «علله» : هَذَا حَدِيث يرويهِ رشدين بن سعد، عَن مُعَاوِيَة بن صَالح، عَن رَاشد، (عَن) أبي أُمَامَة مَرْفُوعا، وَخَالفهُ الْأَحْوَص بن حَكِيم فَرَوَاهُ عَن رَاشد بن سعد مُرْسلا، عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم. وَقَالَ أَبُو أُسَامَة: عَن الْأَحْوَص، عَن رَاشد قَوْله وَلم (يُجَاوز بِهِ راشدًا) . قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: وَلَا يثبت الحَدِيث.
قلت: فَتَلَخَّصَ أَن الِاسْتِثْنَاء الْمَذْكُور ضعيفٌ، لَا يحلّ الِاحْتِجَاج بِهِ، لِأَنَّهُ مَا بَين مُرْسل وَضَعِيف.
وَنقل النَّوَوِيّ فِي «شرح الْمُهَذّب» اتِّفَاق الْمُحدثين عَلَى تَضْعِيفه.
وَقد أَشَارَ إمامنا الْأَعْظَم، أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن إِدْرِيس الشَّافِعِي
إِلَى ضعفه فَقَالَ: وَمَا قلت من أنَّه إِذا تغيَّر طعم المَاء وريحه ولونه كَانَ نجسا، يُروى عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم من وَجه لَا يُثْبِتُ أهل الحَدِيث مثله، وَهُوَ قَول الْعَامَّة، لَا أعلم بَينهم (خلافًا) . وَتَابعه عَلَى ذَلِك الْبَيْهَقِيّ، فَقَالَ فِي «سنَنه» : هَذَا حَدِيث غير قوي، (إلَاّ أنَّا) لَا نعلم (فِي) نَجَاسَة المَاء إِذا تغيَّر خلافًا.
وَابْن الْجَوْزِيّ، (قَالَ) فِي «تَحْقِيقه» : هَذَا حَدِيث لَا يَصح.
فَإِذا عُلم ضعف الحَدِيث، تعيَّن الِاحْتِجَاج بالإِجماع، كَمَا قَالَه الشَّافِعِي وَالْبَيْهَقِيّ، وَغَيرهمَا، (من الْأَئِمَّة) .
قَالَ ابْن الْمُنْذر: أَجمع الْعلمَاء عَلَى أنَّ المَاء الْقَلِيل أَو الْكثير، إِذا وَقعت فِيهِ نَجَاسَة، فغيَّرت طعمًا أَو لونًا أَو ريحًا فَهُوَ نجس.
وَنقل الإِجماع كَذَلِك جمع (غَيره) .
وَذكر الإِمام الرَّافِعِيّ رحمه الله هَذَا الحَدِيث بعد هَذَا الْبَاب بِلَفْظ: «الطّعْم والرائحة» دون «اللَّوْن» ثمَّ قَالَ: نُصَّ عَلَى الطّعْم وَالرِّيح، وقاس الشَّافِعِي رضي الله عنه اللَّوْن عَلَيْهِمَا.
وَكَأَنَّهُ رحمه الله قلَّد فِي ذَلِك الشَّيْخ أَبَا إِسْحَاق الشِّيرَازِيّ، فإنَّه قَالَ فِي « (الْمُهَذّب» ) ، (كقولته) ، وَلم يقفا رحمهمَا الله عَلَى الرِّوَايَة الَّتِي فِيهَا «اللَّوْن» الَّتِي قَدَّمناها من طَرِيق ابْن مَاجَه وَالْبَيْهَقِيّ.
فَإِن قلت: لعلهما رأياها فتركاها لأجل ضعفها ونَزَّلا وجودهَا وَالْحَالة هَذِه كعدمها؟ قلت: هَذَا لَا يصحّ، لِأَنَّهُمَا لَو رَاعيا الضعْف واجتنباه، لتركا جملَة الحَدِيث، لضَعْفه الْمُتَّفق عَلَيْهِ.
وَاعْلَم: أَن هَذَا الحَدِيث ذكره الإِمام الرَّافِعِيّ فِي الْبَاب الْآتِي، وَوَقعت لنا مَعَه فِيهِ مناقشة، فإنَّه قَالَ: وَقَالَ مَالك: لَا ينجس المَاء الْقَلِيل إلَاّ بالتغيُّر كالكثير، لقَوْله عليه السلام:«خُلَقَ المَاء طهُورا، لَا يُنَجِّسه شَيْء، إلَاّ مَا غَيَّر طعمه أَو رِيحه» ، وَاخْتَارَهُ الرَّوْيَانِيّ، وَالشَّافِعِيّ حمل هَذَا الْخَبَر عَلَى الْكثير؛ لِأَنَّهُ ورد فِي بِئْر بضَاعَة، وَكَانَ ماؤهاكثيرًا. انْتَهَى.
وَهَذِه الدَّعْوَى: أَن هَذَا الْخَبَر ورد فِي (بِئْر) بضَاعَة لَا تُعرف؛ نعم صَدْرُه ورد فِيهَا كَمَا قَدمته، وَأما هَذَا الِاسْتِثْنَاء فَفِي حَدِيث آخر كَمَا قَرّرته لَك فاعلمه.
والإِمام الرَّافِعِيّ، الظَّاهِر أَنه تبع الْغَزالِيّ فِي هَذِه الدَّعْوَى، فقد ذكر