المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الحديث الثالث والعشرون - البدر المنير في تخريج الأحاديث والأثار الواقعة في الشرح الكبير - جـ ١

[ابن الملقن]

فهرس الكتاب

- ‌مُقَدّمَة

- ‌وهاك نبذة من حَالهم، لتعرف قدرهم، واجتهادهم ومحلهم:

- ‌ فصنَّفوا فِي ذَلِكَ مصنفات مبتكرة

- ‌فَإِن كَانَ الحَدِيث أَو الْأَثر فِي صحيحي الإِمامين:

- ‌وَإِن لم يكن الحَدِيث فِي وَاحِد من الصَّحِيحَيْنِ، (عزوته) إِلَى من أخرجه من الْأَئِمَّة:

- ‌نَاظرا عَلَى ذَلِك من كتب الصَّحَابَة:

- ‌وَمن كتب الْأَسْمَاء جرحا وتعديلًا وَغير ذَلِك:

- ‌وَمن كتب الْعِلَل:

- ‌وَمن كتب الْمَرَاسِيل:

- ‌وَمن كتب الموضوعات:

- ‌وَمن كتب الْأَطْرَاف:

- ‌وَمن كتب الْأَحْكَام:

- ‌وَمن كتب الأمالي:

- ‌وَمن كتب النَّاسِخ والمنسوخ:

- ‌وَمن كتب المبهمات فِي الحَدِيث:

- ‌وَمن كتب شُرُوح الحَدِيث والغريب:

- ‌وَمن كتب أَسمَاء الْأَمَاكِن:

- ‌وَمن كتب أُخرى حَدِيثِيَّةٌ:

- ‌وَمن مصنفات أبي الْخطاب بن دِحْيَة:

- ‌وَمن كتب أُخْرَى مُتَعَلقَة بالفقه:

- ‌أمَّا «موطأ» إِمَام دَار الْهِجْرَة

- ‌وَأما مُسْند الإِمام أَحْمد

- ‌وَأما «صَحِيح الإِمام أبي عبد الله البُخَارِيّ»

- ‌وَأما صَحِيح الإِمام أبي الْحُسَيْن مُسلم

- ‌وَأما «سنَن أبي دَاوُد»

- ‌وَأما جَامع أبي عِيسَى التِّرْمِذِيّ:

- ‌وَأما شَرط أبي عبد الرَّحْمَن النَّسَائِيّ

- ‌وَأما سنَن أبي عبد الله بن مَاجَه الْقزْوِينِي:

- ‌وَأما «صَحِيح» أبي حَاتِم بن حبَان

- ‌وَأما «الْمُسْتَدْرك» للْحَاكِم أبي عبد الله

- ‌كتاب الطَّهَارَة

- ‌بَاب المَاء الطَّاهِر

- ‌الحَدِيث الأول

- ‌الحَدِيث الثَّانِي

- ‌الحَدِيث الثَّالِث

- ‌الحَدِيث الرَّابِع

- ‌الحَدِيث الْخَامِس

- ‌الحَدِيث السَّادِس

- ‌بَاب بَيَان النَّجَاسَات (وَالْمَاء النَّجس)

- ‌الأول

- ‌الحَدِيث الثَّانِي

- ‌الحَدِيث الثَّالِث

- ‌الحَدِيث الرَّابِع

- ‌الحَدِيث الْخَامِس

- ‌الحَدِيث السَّادِس

- ‌الحَدِيث السَّابِع

- ‌الحَدِيث الثَّامِن

- ‌الحَدِيث التَّاسِع

- ‌الحَدِيث الْعَاشِر

- ‌الحَدِيث الْحَادِي عشر

- ‌الحَدِيث الثَّانِي عشر

- ‌الحَدِيث الثَّالِث عشر

- ‌الحَدِيث الرَّابِع عشر

- ‌الحَدِيث الْخَامِس (عشر)

- ‌الحَدِيث السَّادِس عشر

- ‌الحَدِيث السَّابِع عشر

- ‌الحَدِيث الثَّامِن عشر

- ‌الحَدِيث التَّاسِع عشر

- ‌الحَدِيث الْعشْرُونَ

- ‌الحَدِيث الْحَادِي وَالْعشْرُونَ

- ‌الحَدِيث الثَّانِي وَالْعشْرُونَ

- ‌الحَدِيث الثَّالِث وَالْعشْرُونَ

- ‌الحَدِيث الرَّابِع وَالْعشْرُونَ

- ‌بَاب الِاجْتِهَاد

- ‌بَاب الْأَوَانِي

- ‌الحَدِيث الأول

- ‌الحَدِيث الثَّانِي

- ‌الحَدِيث الثَّالِث

- ‌الحَدِيث الرَّابِع

- ‌الحَدِيث الْخَامِس

- ‌الحَدِيث السَّادِس

- ‌الحَدِيث السَّابِع

- ‌الحَدِيث الثَّامِن

- ‌الحَدِيث التَّاسِع

- ‌الحَدِيث الْعَاشِر

- ‌الحَدِيث الْحَادِي عشر

- ‌الحَدِيث الثَّانِي عشر

- ‌الحَدِيث الثَّالِث عشر

- ‌بَاب الْوضُوء

- ‌الحَدِيث الأول

- ‌الحَدِيث الثَّانِي

- ‌الحَدِيث الثَّالِث

- ‌الحَدِيث الرَّابِع

- ‌الحَدِيث الْخَامِس

- ‌الحَدِيث السّادس

- ‌الحَدِيث السّابع

- ‌الحَدِيث الثّامن

- ‌الحَدِيث التَّاسِع

- ‌الحَدِيث الْعَاشِر

- ‌الحَدِيث الْحَادِي عشر

- ‌الحَدِيث الثَّانِي عشر

- ‌الحَدِيث الثَّالِث عشر

- ‌الحَدِيث الرَّابِع عشر

- ‌الحَدِيث الْخَامِس عشر

- ‌الحَدِيث السَّادِس عشر

- ‌أَحدهَا:

- ‌الحَدِيث الثَّانِي:

- ‌الحَدِيث الثَّالِث:

الفصل: ‌الحديث الثالث والعشرون

عمدا. وَقَالَ النَّسَائِيّ: لَيْسَ بِالْقَوِيّ. ووثَّقه (أَبُو دَاوُد) . وَقَالَ ابْن معِين: صَدُوق.

الطَّرِيق الثَّالِث: رَوَاهُ الْبَزَّار أَيْضا (فِي «مُسْنده» ) ، عَن عباد بن يَعْقُوب، عَن الْوَلِيد بن أبي ثَوْر، عَن السُّدي، عَن أَبِيه، عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: «إِذا وَلَغ الْكَلْب فِي إِنَاء أحدكُم، فليغسله سبع مَرَّات - أَحْسبهُ قَالَ -: إِحْدَاهُنَّ بِالتُّرَابِ» .

وعَبَّاد بن يَعْقُوب هَذَا هُوَ الراوجني، أخرج لَهُ البُخَارِيّ مَقْرُونا، وَقَالَ ابْن حبَان: هُوَ رَافِضِي دَاعِيَة. والوليد بن أبي ثَوْر ضَعَّفه النَّسَائِيّ وَغَيره. والسُّدي هُوَ إِسْمَاعِيل بن عبد الرَّحْمَن، مُخْتَلَف فِيهِ، وثَّقه أَحْمد، وضعَّفه ابْن معِين، ورُمي بالتشيع، وَهُوَ السُّدي الْكَبِير، صَاحب التَّفْسِير، وَأما السُّدي الصَّغِير فَهُوَ مُحَمَّد بن مَرْوَان، يروي عَن الْأَعْمَش، وَهُوَ مُتَّهم هَالك. ووالده: لَا أعرف حَاله، وَقد أخرج لَهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ.

(ثمَّ) اعْلَم أَن مُقْتَضَى كَلَام النَّوَوِيّ (فِي «شرح الْمُهَذّب» ) رحمه الله فِي الْمسَائِل المنثورة ثُبُوت هَذِه اللَّفْظَة - أَعنِي لَفْظَة: «إِحْدَاهُنَّ» - وَقد عرفت حَاله، وَكَلَامه فِيهَا فِي «شرح الْمُهَذّب» كَمَا سلف.

‌الحَدِيث الثَّالِث وَالْعشْرُونَ

قَوْله صلى الله عليه وسلم فِي الهِرَّة: «إنّها لَيست بنجسة، إنَّها من الطوافين عَلَيْكُم» .

ص: 551

هَذَا الحَدِيث صَحِيح مَشْهُور، رَوَاهُ الْأَئِمَّة الْأَعْلَام، حُفَّاظ الإِسلام: مَالك فِي «الْمُوَطَّأ» ، وَالشَّافِعِيّ، وَأحمد، والدارمي، فِي «مسانيدهم» ، وَأَبُو دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيّ، وَالنَّسَائِيّ، وَابْن مَاجَه فِي «سُنَنهمْ» ، وَابْن خُزَيْمَة، وَابْن حبَان، فِي «صَحِيحَيْهِمَا» ، وَالْحَاكِم أَبُو عبد الله فِي «الْمُسْتَدْرك عَلَى الصَّحِيحَيْنِ» ، وَالْبَيْهَقِيّ فِي «السّنَن» ، و «الْمعرفَة» . من رِوَايَة أبي قَتَادَة رضي الله عنه.

وَليكن كلامنا عَلَى هَذَا الحَدِيث مُلَخصا فِي ثَلَاثَة فُصُول:

الأول: فِيمَن صحَّحه، و (شُبْهَة) من أعلَّه

قَالَ التِّرْمِذِيّ فِيهِ: إِنَّه حَدِيث حسن صَحِيح وَإنَّهُ أحسن شَيْء فِي هَذَا الْبَاب، وَإِن مَالِكًا جَوَّد إِسْنَاده عَن إِسْحَاق [بن] عبد الله، وَأَن

ص: 552

أحدا لم يأتْ بِهِ أتم مِنْهُ. قَالَ: وَسَأَلت البُخَارِيّ (عَنهُ)، فَقَالَ: جَوَّده مَالك بن أنس، وَرِوَايَته أصحّ من رِوَايَة غَيره.

وَقَالَ الْحَاكِم فِي «الْمُسْتَدْرك» : هَذَا حَدِيث صَحِيح، وَلم يُخرجهُ البُخَارِيّ وَمُسلم، عَلَى أَنَّهُمَا قد استشهدا جَمِيعًا بِمَالك بن أنس، وَأَنه (الحكم) فِي حَدِيث الْمَدَنِيين، وَهَذَا الحَدِيث (ممَّا) صحَّحه مَالك واحتجَّ بِهِ فِي «الْمُوَطَّأ» وَمَعَ هَذَا فَلهُ شَاهد بِإِسْنَاد صَحِيح: نَا أَبُو عبد الله القَاضِي ببخارا (ثَنَا مُحَمَّد بن أَيُّوب) ، أَنا مُحَمَّد بن عبد الله بن أبي جَعْفَر الرَّازِيّ، نَا سُلَيْمَان بن مسافع بن شيبَة الحَجبي، قَالَ: سَمِعت مَنْصُور بن صَفَيَّة بنت شيبَة يحدِّث عَن أمه صَفِيَّة، (عَن) عَائِشَة رضي الله عنها أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ:«إنَّها لَيست بِنَجس، هِيَ كبعض أهل الْبَيْت - يَعْنِي الْهِرَّة» .

وَهَذَا الشَّاهِد الَّذِي اسْتشْهد بِهِ الْحَاكِم أخرجه ابْن خُزَيْمَة فِي «صَحِيحه» ، وَالدَّارَقُطْنِيّ فِي «سنَنه» ، وَلَفظه:«هِيَ كبعض مَتَاع الْبَيْت - يَعْنِي الْهِرَّة» . وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: تفرَّد بِهِ سُلَيْمَان بن مسافع. قُلْتُ: ذكره

ص: 553

الْعقيلِيّ فِي «الضُّعَفَاء» قَالَ: لَا يُتَابَعُ عَلَيْهِ.

وَقَالَ الْحَافِظ أَبُو بكر فِي كِتَابه «معرفَة السّنَن والْآثَار» فِي حَدِيث أبي قَتَادَة: إِسْنَاده صَحِيح والاعتماد عَلَيْهِ.

وصحَّحه أَيْضا الإِمامان أَبُو بكر بن خُزَيْمَة، وَأَبُو حَاتِم بن حبَان، فَإِنَّهُمَا أَخْرجَاهُ فِي «صَحِيحَيْهِمَا» كَمَا قدَّمناه عَنْهُمَا.

وَقَالَ الْحَافِظ أَبُو جَعْفَر الْعقيلِيّ: هَذَا حَدِيث صَحِيح ثَابت.

وَذكر الدَّارَقُطْنِيّ (فِي «علله» ) طرقه، ثمَّ قَالَ: رُوي مَرْفُوعا وموقوفًا. قَالَ: وَرَفعه صَحِيح. قَالَ: ولعلَّ من وَقفه لم يسْأَل أَبَا قَتَادَة: هَل عِنْده عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم فِيهِ أثر أم لَا؟ لأَنهم حَكوا فعل أبي قَتَادَة حسب. قَالَ: وأحسنها إِسْنَادًا مَا (رَوَى) مَالك، عَن إِسْحَاق، عَن امْرَأَته، عَن أمهَا، عَن أبي قَتَادَة، وحَفِظَ أَسمَاء (النِّسَاء وأنسابهن) وجَوَّد ذَلِك، وَرَفعه إِلَى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم.

وَخَالف الْحَافِظ أَبُو عبد الله بن مَنْدَه فِي تَصْحِيح هَذَا الحَدِيث، فَقَالَ - بعد أَن أخرجه من رِوَايَة مَالك فِي «الْمُوَطَّأ» ، ثمَّ ذكر اخْتِلَاف رواياته -: أم يَحْيَى اسْمهَا حميدة، وخالتها هِيَ كَبْشَة، وَلَا يُعرف لَهما رِوَايَة إلَاّ فِي هَذَا الحَدِيث، (ومحلهما مَحل) الْجَهَالَة، وَلَا (يثبت) هَذَا الْخَبَر من وَجه من الْوُجُوه وسبيله سَبِيل الْمَعْلُول.

ص: 554

قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي «شرح الإِلمام» : جَرَى ابْن مَنْدَه عَلَى مَا اشْتهر عَن أهل الحَدِيث أَنه من لَمْ يَرْوِ عَنهُ إلَاّ وَاحِد، فَهُوَ مَجْهُول.

قَالَ: ولعلَّ من صحَّحه اعْتمد عَلَى كَون مَالك رَوَاهُ وَأخرجه، مَعَ مَا عُلِمَ من تشدُّده وتحرِّيه فِي الرِّجَال، وَأَن كل من رَوَى عَنهُ فَهُوَ ثِقَة، كَمَا صحَّ عَنهُ. ونقلناه فِي مُقَدمَات هَذَا الْكتاب.

قَالَ: فإنْ سلكت (هَذَا) الطَّرِيق فِي تَصْحِيح هَذَا الحَدِيث - أَعنِي عَلَى تَخْرِيج مَالك لَهُ - وإلَاّ فَالْقَوْل مَا (قَالَ) ابْن مَنْدَه، وَقد ترك الشَّيْخَانِ إِخْرَاجه فِي «صَحِيحَيْهِمَا» .

وَقَالَ فِي «الإِمام» : إِذا لم يعرف لحميدة وكبشة رِوَايَة إلَاّ فِي هَذَا الحَدِيث، فلعلَّ طَرِيق من صحَّحه أَن يكون اعْتمد عَلَى إِخْرَاج مَالك لروايتهما، مَعَ شهرته بالتشدُّد.

وَقَالَ شَيخنَا الْحَافِظ أَبُو الْفَتْح (ابْن سيد النَّاس) الْيَعْمرِي: بَقِيَ عَلَى ابْن مَنْدَه أَن يَقُول: (وَلم يُعْرَفْ) حَالهمَا من جارح، فكثير من رُواة الْأَحَادِيث مقبولون.

قُلْتُ: هَذَا لَا بُد مِنْهُ، (وَأَنا) أستبعد كل الْبعد توارد الْأَئِمَّة الْمُتَقَدِّمين عَلَى تَصْحِيح هَذَا الحَدِيث، مَعَ جهالتهم بِحَال حميدة وكبشة، فإنَّ الإِقدام (عَلَى التَّصْحِيح) - وَالْحَالة هَذِه - لَا يحلُّ بِإِجْمَاع الْمُسلمين، فلعلهم اطَّلَعوا عَلَى حَالهمَا، وخفي علينا.

ص: 555

قَالَ النَّوَوِيّ رحمه الله فِي «كَلَامه عَلَى سنَن أبي دَاوُد» : وَهَذَا الحَدِيث عِنْد أبي دَاوُد حسنٌ، وَلَيْسَ فِيهِ سَبَب مُحَقّق فِي ضعفه.

قُلْتُ: وَقد ظهر أَن جَمِيع مَا (عَلَّله) بِهِ ابْن مَنْدَه - وتُوبع عَلَيْهِ - فِيهِ نظر.

أما قَوْله: «إِن حُميدة لَا تُعرف لَهَا رِوَايَة إلَاّ فِي هَذَا الحَدِيث» فخطأ، فلهَا ثَلَاثَة أَحَادِيث، أَحدهَا: هَذَا. وَثَانِيها: حَدِيث «تشميت الْعَاطِس» أخرجه أَبُو دَاوُد مُصَرحًا (باسمها) ، وَالتِّرْمِذِيّ (مُشِيرا)(إِلَيْهِ)، فإنَّه قَالَ: عَن عمر بن إِسْحَاق بن أبي طَلْحَة، عَن أمه، عَن أَبِيهَا. وحَسَّنه التِّرْمِذِيّ عَلَى مَا نَقله ابْن عَسَاكِر فِي «أَطْرَافه» وَالَّذِي رَأَيْته فِيهِ: أَنه حَدِيث غَرِيب، وَإِسْنَاده مَجْهُول.

وَثَالِثهَا: حَدِيث «رِهان (الْخَيل) طِلْق» ، رَوَاهُ أَبُو نعيم فِي «معرفَة الصَّحَابَة» من حَدِيث يَحْيَى بن إِسْحَاق بن عبد الله بن أبي طَلْحَة، عَن أمه، عَن أَبِيهَا مَرْفُوعا بِهِ.

وَأما قَوْله فِي «كَبْشَة» فَكَمَا قَالَ، فَلم أَرَ لَهَا حَدِيثا آخر، وَلَا يَضرهَا (ذَلِك) فإنَّها ثِقَة كَمَا سَيَأْتِي.

وَأما قَوْله: إِن (مَحلهمَا) الْجَهَالَة فخطأ، أمَّا حُميدة فقد رَوَى

ص: 556

عَنْهَا إِسْحَاق بن عبد الله بن أبي طَلْحَة، (رَاوِي) حَدِيث «الْهِرَّة» وَابْنه يَحْيَى فِي (حَدِيث)«تشميت الْعَاطِس» من طَرِيق أبي دَاوُد، وَقد وَثَّقه ابْن معِين.

وَفِي طَرِيق التِّرْمِذِيّ أَن الرَّاوِي عَنْهَا ابْنهَا (عمر) بن إِسْحَاق، فَإِن لم يكن غَلطا، فَهُوَ ثَالِث، وَهُوَ أَخُو يَحْيَى.

وَذكرهَا ابْن حبَان فِي «ثقاته» فقد زَالَت (عَنْهَا) الْجَهَالَة العينية والحالية.

وَأما كَبْشَة (فَلم أعلم) رَوَى عَنْهَا غير حُميدة، لَكِن ذكرهَا ابْن حبَان فِي «الثِّقَات» وَقد قَالَ ابْن الْقطَّان: إِن الرَّاوِي إِذا وثق زَالَت جهالته، وَإِن لم يَرْوِ عَنهُ إلَاّ وَاحِد.

وَأَعْلَى من هَذَا أَنَّهَا صحابية، كَذَا قَالَ أَبُو حَاتِم بن حبَان فِي «ثقاته» وَكَذَا نَقله أَبُو مُوسَى الْمَدِينِيّ عَن جَعْفَر.

وَأما قَوْله: وَلَا يثبت هَذَا الْخَبَر بِوَجْه من الْوُجُوه. فخطأ، فقد أخرجه الدَّارَقُطْنِيّ فِي «الْأَفْرَاد» فَقَالَ: ثَنَا مُوسَى بن هَارُون، ثَنَا عمر بن الْهَيْثَم بن أَيُّوب الطَّالقَانِي، ثَنَا عبد الْعَزِيز بن مُحَمَّد، عَن أَسِيْد بن أبي أسيد، عَن أَبِيه:«أنَّ أَبَا قَتَادَة كَانَ يُصْغِي الإِناء للهرة، فَتَشرب مِنْهُ، ثمَّ يتَوَضَّأ بفضلها، فَقيل لَهُ: أتتوضأُ بفضلها؟ ! فَقَالَ: إنَّ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: إنَّها (لَيست) بِنَجس، (إنَّما هِيَ) من الطوَّافين عَلَيْكُم» .

ص: 557

فَهَذِهِ مُتَابعَة لكبشة، وَهَذَا سَنَد لَا أعلم بِهِ بَأْسا.

فقد اتَّضَح وَجه تَصْحِيح الْأَئِمَّة لهَذَا الحَدِيث، وَخطأ معلله، وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق، فاستفده فإنَّه من الْمُهِمَّات.

الْفَصْل الثَّانِي: فِي ذكر أَلْفَاظه، وَاخْتِلَاف طرقه

فإنَّ الْحَاجة تشتد إِلَى ذَلِك؛ لِأَنَّهُ عُمْدَة مَذْهَبنَا فِي طَهَارَة سُؤْر السبَاع، وَسَائِر الْحَيَوَان غير الْكَلْب وَالْخِنْزِير، وَفرع أَحدهمَا، (فَنَقُول) :

(لفظ) رِوَايَة مَالك: عَن إِسْحَاق بن عبد الله، عَن حُميدة بنت أبي عُبَيْدَة بن فَرْوَة، عَن خَالَتهَا كَبْشَة ابْنة كَعْب بن مَالك - وَكَانَت تَحت ابْن أبي قَتَادَة - أَنَّهَا أخْبرتهَا:«أَن أَبَا قَتَادَة دخل عَلَيْهَا، فَسَكَبت (لَهُ) وضُوءًا، فَجَاءَت هرة لتشرب مِنْهُ، فأصغى لَهَا الإِناء حتَّى شربت، قَالَت كَبْشَة: فرآني أنظر إِلَيْهِ، فَقَالَ: أَتَعْجَبِينَ يَا ابْنة أخي؟ قَالَت: (قُلْتُ) : نعم. فَقَالَ: إِن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: (إنَّها) لَيست بِنَجس، إنَّما هِيَ من الطوَّافين عَلَيْكُم، أَو الطوافات» .

هَذَا لفظ رِوَايَة مَالك بحروفها.

وَرِوَايَة التِّرْمِذِيّ مثلهَا سَوَاء، إلَاّ أَن رِوَايَة مَالك:«أَو الطوافات» (بِأَو)، وَرِوَايَة التِّرْمِذِيّ:«إنَّما هِيَ من الطوافين والطوافات» بِالْوَاو،

ص: 558

وبحذف «عَلَيْكُم» . وَرِوَايَة أَحْمد من طَرِيق مَالك كهذه، إلَاّ أَنه أثبت «عَلَيْكُم» .

وَرِوَايَة ابْن حبَان، وَالْحَاكِم، كَرِوَايَة التِّرْمِذِيّ، إلَاّ أَن فِي روايتهما إِثْبَات «عَلَيْكُم» ، وَابْن خُزَيْمَة كَذَلِك.

وَفِي (روايتي) الدَّارمِيّ وَأبي دَاوُد: عَن كَبْشَة بنت كَعْب بن مَالك - وَكَانَت تَحت (ابْن) أبي قَتَادَة - (ثمَّ) فِي رِوَايَة أبي دَاوُد: «والطوافات» ، وَفِي رِوَايَة الدَّارمِيّ:«أَو الطوافات» كَذَا نَقله النَّوَوِيّ فِي «شرح الْمُهَذّب» عَن مُسْند الدَّارمِيّ، وَالَّذِي رَأَيْته فِيهِ «والطوافات» كَرِوَايَة أبي دَاوُد بِحَذْف الْألف، وَفِيه:«تَحت أبي قَتَادَة» بِحَذْف «ابْن» .

وَفِي رِوَايَة ابْن مَاجَه: «كَبْشَة بنت كَعْب، وَكَانَت تَحت بعض ولد أبي قَتَادَة» ، وفيهَا «والطوافات» بِالْوَاو.

وَرِوَايَة الرّبيع عَن الشَّافِعِي، عَن مَالك (بِإِسْنَادِهِ)، وَقَالَ فِي كَبْشَة: وَكَانَت تَحت ابْن أبي قَتَادَة، أَو أبي قَتَادَة. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: الشَّك من الرّبيع. وَقَالَ فِيهِ «أَو الطوافات» (بِأَو)، قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَرَوَاهُ الرّبيع فِي مَوضِع آخر عَن الشَّافِعِي، ثمَّ قَالَ: وَكَانَت تَحت ابْن أبي قَتَادَة، وَلم يشك. وَرَوَاهُ الشَّافِعِي، عَن الثِّقَة، عَن يَحْيَى بن أبي كثير، عَن عبد الله بن أبي قَتَادَة، عَن أَبِيه، عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم (بِمثلِهِ) .

ص: 559

الْفَصْل الثَّالِث: فِي الْكَلَام عَلَى شَيْء من إِسْنَاده ومفرداته

قَالَ الإِمام أَبُو عمر بن عبد الْبر: رَوَى هَذَا الحَدِيث يَحْيَى بن يَحْيَى، عَن مَالك، عَن إِسْحَاق، عَن حُميدة ابْنة أبي (عُبَيْدَة) بن فَرْوَة، عَن خَالَتهَا كَبْشَة

الحَدِيث. هَكَذَا قَالَ يَحْيَى: عَن حُميدة بنت أبي عُبَيْدَة، وَلم يُتَابِعه عَلَى قَوْله ذَلِك أحد، وَهُوَ غلط (مِنْهُ) ، وَأما سَائِر (رُوَاة) الْمُوَطَّأ، فَيَقُولُونَ:(ابْنة عبيد بن رِفَاعَة. إلَاّ أَن زيد بن الْحباب قَالَ فِيهِ عَن مَالك) : حُميدة ابْنة عبيد بن رَافع. وَالصَّوَاب: رِفَاعَة، (وَهُوَ رِفَاعَة) بن رَافع الْأنْصَارِيّ.

قُلْتُ: وَهُوَ فِي «صَحِيح ابْن حبَان» من رِوَايَة القعْنبِي، عَن مَالك: حُميدة بنت عبيد بن رِفَاعَة (ثمَّ) قَالَ: وَانْفَرَدَ يَحْيَى بقوله: عَن خَالَتهَا. وَسَائِر رُوَاة الْمُوَطَّأ يَقُولُونَ: «عَن كَبْشَة» لَا يذكرُونَ خَالَتهَا.

(واخْتُلِفَ) فِي رفع الْحَاء، ونصبها من «حُميدة» وَأَشَارَ إِلَى أَن الْأَكْثَر ضمهَا، وتكنى حُميدة: أم يَحْيَى. وَهِي امْرَأَة إِسْحَاق بن عبد الله بن أبي طَلْحَة.

ذكر ذَلِك يَحْيَى الْقطَّان فِي هَذَا الحَدِيث عَن مَالك، وَكَذَلِكَ قَالَ فِيهِ

ص: 560

ابْن الْمُبَارك: عَن مَالك [عَن إِسْحَاق، بِإِسْنَادِهِ مثله] إلَاّ أَنه قَالَ: «كَبْشَة امْرَأَة أبي قَتَادَة» . وَهَذَا وهمٌ، وَإِنَّمَا هِيَ امْرَأَة (ابْن) أبي قَتَادَة.

وَنقل النَّوَوِيّ فِي كَلَامه عَلَى سنَن أبي دَاوُد (أَنه) وَقع فِي رِوَايَة مَالك وَالتِّرْمِذِيّ: «تَحت أبي قَتَادَة» وَقَالَ: هُوَ مجَاز مَحْمُول عَلَى الرِّوَايَة (الْمَشْهُورَة)«تَحت ابْنه» .

وَرَأَيْت من وَهَّم النَّوَوِيّ فِي نَقله ذَلِك عَن «الْمُوَطَّأ» وَوَهِمَ هُوَ فِي ذَلِك، (فَكَفَى) بالنووي أَن يُوَافق نَقله مَا نَقله ابْن الْمُبَارك، لَكِن الْمَشْهُور من رِوَايَة مَالك فِي «الْمُوَطَّأ» :«تَحت (ابْن) أبي قَتَادَة» وَكَذَلِكَ هُوَ مَوْجُود فِي «المُلَخَّص» للقابسي فَافْهَم ذَلِك.

وَأما لَفْظَة: «أَو الطوافات» فَقَالَ القَاضِي أَبُو الْوَلِيد (الْبَاجِيّ)، وَصَاحب «الْمطَالع» : يُحتمل أَن يكون عَلَى مَعْنَى الشَّك من الرَّاوِي، ويُحتمل أَن (يكون) النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ ذَلِك، يُرِيد أَن (هَذَا) الْحَيَوَان لَا يَخْلُو أَن يكون من جملَة الذُّكُور الطوافين أَو الإِناث (الطوافات) .

وَنقل النَّوَوِيّ فِي «شرح الْمُهَذّب» هَذَا عَن صَاحب «الْمطَالع» وَحده، ثمَّ قَالَ: وَهَذَا الَّذِي قَالَه مُحْتَمل. قَالَ: وَالْأَظْهَر أَنه للنوعين كَمَا جَاءَ فِي (رِوَايَات)«الْوَاو» . قَالَ أهل اللُّغَة: الطوافون: الخدم

ص: 561

والمماليك. وَقيل: هم الَّذين يخدمون بِرِفْق وعناية.

وَإِنَّمَا جَمَعَ الهرَّة بِالْيَاءِ وَالنُّون، مَعَ أَنَّهَا لَا تعقل، لِأَن المُرَاد (أَنَّهَا) من جنس الطوَّافين (أَو الطوَّافات) .

وَمَعْنى الحَدِيث: أَن الطوَّافين من الخدم وَالصغَار الَّذين سَقَطَ فِي حَقهم الْحجاب والاستئذان فِي غير الْأَوْقَات (الثَّلَاثَة) الَّتِي ذكرهَا الله - تَعَالَى - (و) إِنَّمَا سقط فِي حَقهم دون غَيرهم للضَّرُورَة، وَكَثْرَة (مداخلتهم) ، بِخِلَاف الْأَحْرَار الْبَالِغين، (وَكَذَا) يُعْفَى عَن الْهِرَّة للْحَاجة، وَقد أَشَارَ إِلَى نَحْو هَذَا الْمَعْنى أَبُو بكر بن الْعَرَبِيّ فِي كِتَابه «الأحوذي فِي شرح التِّرْمِذِيّ» وَذكر الخطَّابي أَن هَذَا الحَدِيث مؤل عَلَى وَجْهَيْن:

أَحدهمَا: أَنه شَبَّهها بخدم الْبَيْت وَمن يطوف عَلَى أَهله (للْخدمَة) .

وَالثَّانِي: شبهها بِمن يطوف للْحَاجة وَالْمَسْأَلَة، وَمَعْنَاهُ: الْأجر فِي مواساتها (كالأجر) فِي مواساة من يطوف للْحَاجة (وَالْمَسْأَلَة) .

(و) قَالَ النَّوَوِيّ: وَهَذَا الثَّانِي قد يأباه سِيَاق قَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة

ص: 562

وَالسَّلَام: «إِنَّهَا لَيست بِنَجس» .

وَهُوَ كَمَا قَالَ، بل قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي «شرح الإِلمام» : إِنَّه غَرِيب بعيد.

فإنْ قُلْتَ: فالخدم وَالْعَبِيد لَا يُعفى عَن نَجَاسَة أَفْوَاههم؟

فَالْجَوَاب: أَن نَجَاسَة (أَفْوَاههم) تندر، وَلَا يشق الِاحْتِرَاز، وَفِي هَذَا (بِخِلَافِهِ) .

وَقَوْلها: «فسكبتُ لَهُ وَضوءًا» هُوَ بِفَتْح الْوَاو، وَهُوَ اسْم للْمَاء الَّذِي يُتَوضأ بِهِ، و «الوُضُوء» بِالضَّمِّ: اسْم للْفِعْل. قَالَ ابْن الْأَنْبَارِي: هَذِه اللُّغَة هِيَ قَول الْأَكْثَرين من أهل اللُّغَة.

وَقَوله عليه الصلاة والسلام: «إِنَّهَا لَيست بِنَجَس» هُوَ بِفَتْح الْجِيم، كَذَا قَيَّده غير وَاحِد، مِنْهُم: الْمُنْذِرِيّ فِي «مُخْتَصر السّنَن» ، وَالنَّوَوِيّ فِي كَلَامه عَلَى أبي دَاوُد، وَالشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي «شرح الإِلمام» وَغَيرهم.

قَالَ الله - تَعَالَى -: (إِنَّمَا الْمُشْركُونَ نجس) .

وَفِي هَذَا الحَدِيث من الْفَوَائِد المستنبطة مَا لَا يُستغنى (عَنهُ) ، [ذكرت] بعضه هُنَا، لِئَلَّا يطول الْكتاب، وَيخرج عَن مَوْضُوعه، وَهَذَا الْقدر كَاف.

(وَبَقِي أَمر مُهِمّ) ، وَرَاء (هَذَا) كُله، وَهُوَ أَن الإِمام الرَّافِعِيّ

ص: 563