الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قُلْتُ: وَيحْتَمل قولا ثَالِثا: وَهُوَ أَن يكون الْحُسَيْن رضي الله عنه ويؤيِّده مَا رَوَاهُ الْحَاكِم أَبُو عبد الله فِي «الْمُسْتَدْرك عَلَى الصَّحِيحَيْنِ» من رِوَايَة ابْن عَبَّاس رضي الله عنه عَن أم الْفضل، قَالَت:«دخل عليَّ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَأَنا أُرضع الْحُسَيْن بن عَلّي بِلَبن ابنٍ كَانَ يُقَال لَهُ: قثم. قَالَت: فتناوله رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فناولته إِيَّاه، فَبَال عَلَيْهِ. قَالَت: فَأَهْوَيْت بيَدي إِلَيْهِ، فَقَالَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم: لَا تزرمي ابْني. قَالَت: فرشَّه بِالْمَاءِ. قَالَ ابْن عَبَّاس: بَوْل الْغُلَام الَّذِي لم يَأْكُل (يُرش) ، وَبَوْل الْجَارِيَة يُغسل» . قَالَ الْحَاكِم: هَذَا الحَدِيث قد رُوي بأسانيد، وَلم يخرجَاهُ. وَذكر (ذَلِك) فِي تَرْجَمَة الْحُسَيْن بِالْيَاءِ رضي الله عنه فَسَلِمَ من ادِّعَاء التَّصْحِيف بالْحسنِ مُكَبَّرًا.
ثمَّ رَأَيْت بعد ذَلِك مثله فِي «مُسْند أَحْمد» ، و «سنَن أبي دَاوُد» ، و «الدَّارَقُطْنِيّ» ، وَغَيرهمَا كَمَا تقدم.
الحَدِيث الثَّانِي وَالْعشْرُونَ
عَن أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِذا وَلَغَ الكلبُ فِي إناءِ أحدكُم فَلْيُرِقْه، وليغسله سبعا، أولَاهُنَّ - أَو إِحْدَاهُنَّ - بِالتُّرَابِ» .
هَذَا الحَدِيث أصل من الْأُصُول الْمُعْتَمد عَلَيْهَا، وَهُوَ مَشْهُور، فلنذكره من جَمِيع طرقه، فَنَقُول: رَوَى البُخَارِيّ، وَمُسلم، عَن أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ:«إِذا شرب الْكَلْب فِي إِنَاء أحدكُم، فليغسله سبع مَرَّات» .
وَرَوَاهُ كَذَلِك قبلهمَا (مَالك) فِي «الْمُوَطَّأ» .
قَالَ ابْن عبد الْبر: كَذَا قَالَ مَالك فِي هَذَا الحَدِيث: «إِذا شرب» وَغَيره من الروَاة يَقُولُونَ: «إِذا ولغَ» . وَهُوَ الَّذِي يعرفهُ أهل اللُّغَة.
وَكَذَا استغربَ هَذِه اللَّفْظَة الحافظان، أَبُو بكر الإِسماعيلي فِي «صَحِيحه» ، والحافظ أَبُو عبد الله بن مَنْدَه.
وَقد تَابع مَالِكًا عَلَى لَفظه: «إِذا شرب» : الْمُغيرَة بن عبد الرَّحْمَن وورقاء بن عمر، عَن أبي الزِّنَاد؛ رَوَى الطَّرِيق الأول أَبُو الشَّيْخ الْحَافِظ، وَالثَّانِي أَبُو بكر الجوزقي فِي «كِتَابه» .
وَرَوَاهُ أَيْضا هِشَام بن حسان، عَن مُحَمَّد بن سِيرِين، عَن أبي هُرَيْرَة، وَفِيه أَيْضا «إِذا شرب» .
وَقد اختُلف عَلَى مَالك فِي لفظ «الشّرْب» ، و «الولوغ» وَالْمَشْهُور (عَنهُ) ، مَا قَالَ أَبُو عمر. أَفَادَ ذَلِك الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي «الإِمام» .
وَفِي رِوَايَة لمُسلم: «إِذا ولغَ الْكَلْب فِي إِنَاء أحدكُم فليرقه، ثمَّ ليغسله سبع (مرارٍ) » .
قَالَ ابْن مَنْدَه: وَهَذِه الزِّيَادَة - وَهِي: «فليرقه» - تَفَرَّد بهَا عَلّي بن مسْهر، وَلَا تُعْرف عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم بِوَجْه من الْوَجْه إلَاّ من هَذِه الرِّوَايَة.
قُلْتُ: وَلَا يضرّ تفرُّده بهَا، فإنَّ عَلّي بن مسْهر إِمَام حَافظ، متَّفق
عَلَى عَدَالَته والاحتجاج بِهِ، وَلِهَذَا (قَالَ) - بعد تَخْرِيجه لَهَا - الدَّارَقُطْنِيّ: إسنادها حسن، ورواتها ثِقَات.
وأخرجها إِمَام الْأَئِمَّة مُحَمَّد بن إِسْحَاق بن خُزَيْمَة فِي «صَحِيحه» ، وَلَفظه:«فليهرقه» .
وَفِي رِوَايَة «لمُسلم» : «طهُور إِنَاء أحدكُم إِذا ولغَ فِيهِ الْكَلْب، أَن يغسلهُ سبع مَرَّات، أولَاهُنَّ بِالتُّرَابِ» .
وَفِي رِوَايَة لأبي دَاوُد: «إِذا ولغَ الْكَلْب فِي الإِناء، فاغسلوه سبع مَرَّات، السَّابِعَة بِالتُّرَابِ» . ورجالها ثِقَات. كَمَا قَالَه صَاحب «الإِمام» .
وَفِي رِوَايَة صَحِيحَة للشَّافِعِيّ، (وَالْبَيْهَقِيّ) :«أُولاهن - أَو أُخراهن - بِالتُّرَابِ» .
وَفِي رِوَايَة لِلتِّرْمِذِي: «أُولاهن - أَو قَالَ: أولهنَّ - بِالتُّرَابِ» ، ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث حسن صَحِيح.
وَفِي رِوَايَة للبزار: «إِذا ولغَ الْكَلْب فِي الإِناء، يُغسل سبع مَرَّات، آخِره بِالتُّرَابِ» .
وَفِي رِوَايَة للدارقطني وَغَيره عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا فِي الْكَلْب يلغ فِي الْإِنَاء: «أَنه يُغسل ثَلَاثًا، أَو خمْسا، أَو سبعا» .
وَهِي ضَعِيفَة، بَيَّن الْبَيْهَقِيّ ضعفها (وَاضحا) فِي «سنَنه» ، و «خلافياته» .
وَفِي أَفْرَاد مُسلم من حَدِيث عبد الله بن مُغفل مَرْفُوعا: «إِذا وَلَغَ الْكَلْب فِي إِنَاء أحدكُم، فاغسلوه سبعا، وعَفِّرُوه الثَّامِنَة بِالتُّرَابِ» .
وَقَالَ ابْن مَنْدَه: إِسْنَاده مُجْمَع عَلَى صحَّته.
وَقَالَ ابْن الْجَوْزِيّ فِي «التَّحْقِيق» : انْفَرد بِهِ البُخَارِيّ. وَهُوَ سبق قلم مِنْهُ قطعا، فَلَعَلَّهُ أَرَادَ أَن يكْتب: انْفَرد بِهِ مُسلم، فَسبق الْقَلَم إِلَى البُخَارِيّ، فليصلح.
وَرَدَّ الْبَيْهَقِيّ هَذِه الرِّوَايَة (بِأَن) قَالَ: أَبُو هُرَيْرَة أَحْفَظ من رَوَى
الحَدِيث فِي دهره، فروايته أَولى.
وَأما الرِّوَايَة الَّتِي ذكرهَا المُصَنّف - وَهِي: «أُولاهن أَو إِحْدَاهُنَّ» - بِالْحَاء وَالدَّال الْمُهْمَلَتَيْنِ - فَغَرِيبَة.
وَقد أخرجهَا كَذَلِك - (عَلَى [مَا] وجدته خطا) - أَبُو عبيد فِي كِتَابه «الطّهُور» عَن إِسْمَاعِيل بن إِبْرَاهِيم، عَن أَيُّوب، عَن ابْن سِيرِين، عَن أبي هُرَيْرَة، قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: «إِذا وَلَغَ الْكَلْب فِي الإِناء، غُسل سبع مَرَّات، أُولاهن أَو (إِحْدَاهُنَّ) بِالتُّرَابِ» .
وَهَذِه الرِّوَايَة سندها كسند الشَّافِعِي فِي رِوَايَة: «أُولاهن أَو أُخراهن» ، فإنَّ الشَّافِعِي أخرجهَا فِي «مُسْنده» عَن سُفْيَان بن عُيَيْنَة، عَن أَيُّوب (بِهِ) . فَيتَوَقَّف حينئذٍ فِي لفظ:«إِحْدَاهُنَّ» بِالْحَاء الْمُهْملَة، وَيُقَال: لَعَلَّهَا «أُخراهن» بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة، لِأَن السَّنَد وَاحِد، وَقد يقُال: لَا يلْزم ذَلِك؛ لِأَن التِّرْمِذِيّ أخرج بِهَذَا السَّنَد - أَعنِي طَرِيق أَيُّوب - رِوَايَته (السالفة) : «أُولاهن، أَو قَالَ: أولهنَّ» ، فابحث عَن ذَلِك.
نعم، رِوَايَة:«إِحْدَاهُنَّ» - من غير شكّ - (مَشْهُورَة)، مَوْجُودَة من ثَلَاث طرق - وَقد ذكرهَا الرَّافِعِيّ بعد هَذَا وَحدهَا -:
الأول: (رَوَى) الدَّارَقُطْنِيّ فِي «سنَنه» من حَدِيث مَحْمُود
بن مُحَمَّد الْمروزِي، نَا الْخضر بن (أَصْرَم) ، نَا الْجَارُود، عَن إِسْرَائِيل، عَن أبي إِسْحَاق، عَن هُبَيْرَة بن يريم، عَن عَلّي بن أبي طَالب رضي الله عنه أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ:« (إِذا) وَلَغَ الْكَلْب فِي إِنَاء أحدكُم، فليغسله سبع مَرَّات، إِحْدَاهُنَّ بالبطحاء» .
قَالَ النَّوَوِيّ فِي «شرح الْمُهَذّب» : هَذِه الرِّوَايَة (لَيست) فِي الصَّحِيح وَلَا فِي الْكتب الْمُعْتَمدَة، رَوَاهَا الدَّارَقُطْنِيّ، وَهِي غَرِيبَة.
قُلْتُ: وَمَعَ غرابتها، فَفِي إسنادها جمَاعَة يجب معرفَة حَالهم:
أحدهم: الْخضر بن أَصْرَم، لَا أعرفهُ، وَلم أره فِي (كتاب)(ابْن) أبي حَاتِم، وَلَا غَيره.
الثَّانِي: الْجَارُود، وَهُوَ ابْن يزِيد، أَبُو عَلّي النَّيْسَابُورِي، مَتْرُوك الحَدِيث بإجماعهم.
الثَّالِث: هُبَيْرَة بن يريم، قَالَ أَبُو حَاتِم الرَّازِيّ: هُبَيْرَة هَذَا شَبيه بالمجهولين. وَقَالَ ابْن حزم فِي «محلاه» فِي كتاب الْحَضَانَة: مَجْهُول. وَقَالَ ابْن سعد: لَيْسَ بِذَاكَ. وَقَالَ النَّسَائِيّ: لَيْسَ بِالْقَوِيّ. وَقَالَ ابْن خرَاش: ضَعِيف. وَقَالَ الْحَافِظ ضِيَاء الدَّين الْمَقْدِسِي فِي «أَحْكَامه» - مُعْتَرضًا عَلَى أبي حَاتِم الرَّازِيّ فِي قَوْله السالف -:
قد صَحَّح التِّرْمِذِيّ (حديثين) من طَرِيقه، ووثَّقه ابْن حبَان. وَهُوَ كَمَا قَالَ، فإنَّه ذكره فِي «ثقاته» وَقَالَ: رَوَى عَنهُ أَبُو إِسْحَاق السبيعِي. وَقَالَ الْحَافِظ جمال (الدَّين) الْمزي: رَوَى عَنهُ أَيْضا أَبُو فَاخِتَة. قَالَ الذَّهَبِيّ: وَلم يَرْوِ عَنهُ غَيرهمَا. وَقَالَ أَحْمد: لَا بَأْس بِهِ، هُوَ أحبّ إِلَيْنَا (من) الْحَارِث.
فَإِذن ارْتَفَعت عَنهُ جَهَالَة الْعين وَالْحَال، فلولا مَا مَضَى، (لَكَانَ حسنا) .
أما [مَحْمُود بن مُحَمَّد] الْمروزِي (السَّابِق) : فقد ذكره الْخَطِيب فِي «تَارِيخه» وحَسَّن حَاله.
الطَّرِيق الثَّانِي: رَوَاهُ أَبُو بكر الْبَزَّار فِي «مُسْنده» من حَدِيث أبي هِلَال الرَّاسِبِي، وَيزِيد بن إِبْرَاهِيم، عَن مُحَمَّد، عَن أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: «إِذا ولغَ الْكَلْب فِي إِنَاء أحدكُم، ليغسله سبع مَرَّات، إِحْدَاهُنَّ بِالتُّرَابِ» .
وَأَبُو هِلَال الرَّاسِبِي اسْمه مُحَمَّد بن سليم، بَصرِي، وَلم يكن من بني راسب، وإنَّما نزل فيهم، رَوَى لَهُ أَصْحَاب السّنَن الْأَرْبَعَة، وَفِيه مقَال، كَانَ يَحْيَى بن سعيد لَا يعبأ بِهِ، وَقَالَ يزِيد بن زُرَيْع: عَدَلت عَنهُ