الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَقع لَهُ فِي هَذَا الحَدِيث نُكْتَة غَرِيبَة، (وَهِي) : أَنه جعل (المُصْغِي الإِناء) للهرة هُوَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم وتَبِعَ فِي ذَلِك الْمُتَوَلِي من أَصْحَابنَا فإنَّه ذكر ذَلِك فِي «تتمته» وَالْمَعْرُوف أَنه أَبُو قَتَادَة - فَقَالَ مَا نَصه: سُؤْر الْهِرَّة طَاهِر؛ لِأَنَّهَا طَاهِرَة الْعين، وَمَا هُوَ طَاهِر الْعين، فَهُوَ طَاهِر السؤر، وَلذَلِك (لَمَّا تعجبوا) من إصغاء النَّبِي صلى الله عليه وسلم الإِناء للهرة قَالَ:«إِنَّهَا لَيست بنجسة، إِنَّهَا من الطوافين عَلَيْكُم» جعل طَهَارَة الْعين عِلّة طَهَارَة السؤر. (انْتَهَى) ، فَذكرت (أَنا) الحَدِيث بِاللَّفْظِ الْمَعْرُوف فَافْهَم ذَلِك.
نعم، فِي «سنَن الْبَيْهَقِيّ» من حَدِيث عبد الله بن أبي قَتَادَة قَالَ:«كَانَ أَبُو قَتَادَة يُصْغِي الإِناء (للهرة فَتَشرب) ، ثمَّ يتَوَضَّأ بِهِ، فَقيل لَهُ فِي ذَلِك، فَقَالَ: مَا صنعت إلَاّ مَا رَأَيْت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يصنع» . فقد يَقْتَضِي ظَاهر هَذَا مُوَافقَة مَا أوردهُ المُصَنّف.
الحَدِيث الرَّابِع وَالْعشْرُونَ
(أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم كَانَ يُصْغِي للهرة الإِناء) .
هَذَا الحَدِيث لَهُ طَرِيقَانِ، (أَحدهمَا) : من طَرِيق جَابر، وَالثَّانِي: من طَرِيق عَائِشَة.
أما الأول: فَرَوَاهُ ابْن شاهين فِي « (تَارِيخه» و) «ناسخه ومنسوخه» ، من حَدِيث ابْن إِسْحَاق، عَن صَالح، عَن جَابر، قَالَ:«كَانَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم (يضع) الإِناء للسنور، فيلغ فِيهِ، ثمَّ يتَوَضَّأ من فَضْلِه» .
وَابْن إِسْحَاق عَقَدتُ لَهُ فصلا فِي «كتاب الصَّلَاة» فليُنْظَر مِنْهُ.
وَأما الطَّرِيق الثَّانِي: فلهَا أَربع طرق:
أَجودهَا: رِوَايَة الدَّارَقُطْنِيّ فِي «سنَنه» وَالْبَيْهَقِيّ فِي «خلافياته» وَابْن شاهين فِي «ناسخه ومنسوخه» ، من حَدِيث يَعْقُوب بن إِبْرَاهِيم الْأنْصَارِيّ، عَن عبد ربه بن سعيد، عَن أَبِيه، عَن عُرْوَة بن الزبير، عَن عَائِشَة رضي الله عنها قَالَت:«كَانَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يمر بالهرة، فيصغي لَهَا الإِناء، فَتَشرب ثمَّ يتَوَضَّأ بفضلها» .
قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: قَالَ أَبُو بكر النَّيْسَابُورِي: يَعْقُوب هَذَا هُوَ أَبُو يُوسُف القَاضِي، وَعبد ربه هُوَ عبد الله بن سعيد المَقْبُري، وَهُوَ ضَعِيف عِنْدهم بِمرَّة.
وَمَعْنى «يُصْغِي» : يمِيل تسهيلًا للشُّرْب عَلَيْهَا، وَمِنْه (فقد صغت قُلُوبكُمَا)، أَي: مالتا عَن الْحق.
الطَّرِيق الثَّانِي: رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ عَن مُحَمَّد بن عمر، عَن عبد الحميد (بن) عمرَان بن أبي أنس، عَن أَبِيه، عَن عُرْوَة، عَن عَائِشَة:«أنَّ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم كَانَ يصغي إِلَى الْهِرَّة الإِناء، حتَّى تشرب مِنْهُ، ثمَّ يتَوَضَّأ بفضلها» .
مُحَمَّد بن (عمر) هُوَ الْوَاقِدِيّ، وَقد أَكثر القَوْل فِيهِ، وأفظع فِيهِ النَّسَائِيّ، فنسبه إِلَى وضع الحَدِيث.
الطَّرِيق الثَّالِث: عَن عبد الله بن سعيد، عَن أَبِيه، عَن أبي سَلمَة، عَن عَائِشَة، قَالَت:«رُبمَا رَأَيْت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يُكْفِىءُ الإِناء للسِنَّور حتَّى يشرب، ثمَّ يتَوَضَّأ مِنْهُ» .
ذكره الشَّيْخ فِي «الإِمام» بِإِسْنَادِهِ إِلَيْهِ.
الطَّرِيق الرَّابِع: عَن أبي حنيفَة، عَن حَمَّاد، عَن إِبْرَاهِيم، عَن الشّعبِيّ، عَن عَائِشَة: «أنَّ رَسُول الله توضَّأ ذَات يَوْم، فَجَاءَت الْهِرَّة فَشَرِبت من المَاء، فتوضَّأ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم (مِنْهُ)(وَشرب)(مِنْهُ) مَا بَقِي) .
وَقد رُوي عَن عَائِشَة رضي الله عنها من طَرِيقين آخَرين: «أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم كَانَ يتَوَضَّأ بِفضل الْهِرَّة» .
أَحدهمَا: عَن (دَاوُد بن صَالح) التَمَار، عَن أمه « (أَن) مولاتها أرسلتها (بهريسة) إِلَى عَائِشَة رضي الله عنها، فَوَجَدتهَا تصلِّي، فَأَشَارَتْ إليَّ أَن ضعيها، فَجَاءَت هرة فَأكلت مِنْهَا، فَلَمَّا انصرفت أكلت من حَيْثُ أكلت الْهِرَّة، فَقَالَت: إِن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: إنَّها لَيست بِنَجس، (إنَّما هِيَ) من الطوافين عَلَيْكُم. وَقد رَأَيْت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يتوضَّأ بفضلها» .
رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَالدَّارَقُطْنِيّ، وَقَالَ: تَفرَّد بِهِ عبد الْعَزِيز بن مُحَمَّد الدَّرَاورْدِي، عَن دَاوُد بن صَالح، عَن أمه بِهَذِهِ الْأَلْفَاظ.
قُلْتُ: قَالَ أَحْمد فِي دَاوُد: لَا أعلم بِهِ بَأْسا. فَإِذا لَا يضر تفرُّده، لَكِن أمه مَجْهُولَة لَا يُعلَم لَهَا حَال، وَلِهَذَا قَالَ الْبَزَّار: لَا يثبت من جِهَة النَّقْل. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ فِي «علله» : اخْتلف فِي هَذَا الحَدِيث، فرفعه قوم، وَوَقفه آخَرُونَ. وَاقْتَضَى كَلَامه أَن وَقفه هُوَ الصَّحِيح.
وَأخرجه الطَّبَرَانِيّ فِي «مُعْجم شُيُوخه» بِحَذْف أم دَاوُد، والإِتيان بِأَبِيهِ بدلهَا، من حَدِيث الدَّرَاورْدِي، عَن [دَاوُد بن صَالح] ، عَن أَبِيه،
عَن عَائِشَة مَرْفُوعا فِي الْهِرَّة: «إِنَّهَا لَيست بِنَجس» .
(وَصَالح بن دِينَار) ، ذكره ابْن حبَان فِي «الثِّقَات» .
الطَّرِيق الثَّانِي: عَن حَارِثَة - بِالْحَاء الْمُهْملَة، (بعْدهَا ألف) ، ثمَّ رَاء مُهْملَة، ثمَّ ثاء مُثَلّثَة، ثمَّ هَاء - بن مُحَمَّد، (عَن عمْرَة) ، عَن عَائِشَة، قَالَت:«كنت أتوضأ أَنا وَرَسُول الله صلى الله عليه وسلم من إِنَاء وَاحِد، وَقد أَصَابَت مِنْهُ الْهِرَّة قبل ذَلِك» .
رَوَاهُ ابْن مَاجَه، وَالدَّارَقُطْنِيّ وَقَالَ: لَا بَأْس بحارثة.
قُلْتُ: وضَعَّفه يَحْيَى، وَقَالَ النَّسَائِيّ: مَتْرُوك.
وَله طَرِيق ثَالِث: رَوَاهُ الْخَطِيب فِي «تَارِيخه» من حَدِيث (سلم بن) الْمُغيرَة الْأَزْدِيّ، نَا مُصعب بن ماهان، نَا سُفْيَان، عَن هِشَام، عَن أَبِيه، عَن عَائِشَة، قَالَت:«توضَّأت أَنا وَرَسُول الله صلى الله عليه وسلم من إِنَاء وَاحِد، وَقد أصَابَتْه الْهِرَّة قبل ذَلِك» ، ثمَّ قَالَ: تَفَرَّد بِهِ عَن سُفْيَان: مُصعب بن ماهان، وَلم أَرَه إلَاّ من حَدِيث سلم [عَنهُ] . قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ:(سلم) لَيْسَ بِالْقَوِيّ.
وَله طَرِيق رَابِع: رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي «أَصْغَر معاجمه» ، من حَدِيث جَعْفَر بن (عَنْبَسَة) الْكُوفِي، نَا عمر بن حَفْص (الْمَكِّيّ) ، عَن جَعْفَر بن مُحَمَّد، عَن أَبِيه، عَن جده عَلّي بن الْحُسَيْن، عَن (أنس) رضي الله عنه قَالَ:«خرج رَسُول الله صلى الله عليه وسلم إِلَى أَرض بِالْمَدِينَةِ - يُقَال لَهَا: (بطحان) - فَقَالَ: يَا أنس، اسكب لي وضُوءًا. فَسَكَبت لَهُ، فَلَمَّا قَضَى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم حَاجته، أقبل إِلَى الإِناء، وَقد أَتَى هِرٌّ فولغ فِي الإِناء، فَوقف لَهُ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَقْفَة حتَّى شرب الهر، ثمَّ توضَّأ، فَذكرت لرَسُول الله صلى الله عليه وسلم أَمر الهر، فَقَالَ: يَا أنس، إِن الهِرَّ من متاعِ البيتِ، لن يُقَذِّرَ شَيْئا، وَلنْ يُنجسهُ» .
قَالَ الطَّبَرَانِيّ: لم يَرْوِه عَن جَعْفَر بن (عَنْبَسَة) الْكُوفِي إلَاّ عمر بن حَفْص الْمَكِّيّ، وَلَا رَوَى (عَن) عَلّي بن الْحُسَيْن عَن أنس [حَدِيثا] غير هَذَا.
فإنْ قيل: قد ورد حَدِيث يُخَالف هَذِه الْأَحَادِيث، وَهُوَ مَا رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ، وَالْبَيْهَقِيّ، من حَدِيث أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا:«يُغسل من ولوغ الْكَلْب سبعا، وَمن ولوغ الْهِرَّة مرّة» .
فَالْجَوَاب عَنهُ من وَجْهَيْن:
أَحدهمَا: - عَلَى تَقْدِير صِحَّته - أنَّ هَذِه اللَّفْظَة - وَهِي قَوْله: «وَمن ولوغٍ الْهِرَّة مرّة» - مدرجة فِي الحَدِيث من كَلَام أبي هُرَيْرَة، مَوْقُوفا عَلَيْهِ، (لَيست) من كَلَام رَسُول الله صلى الله عليه وسلم. قَالَه الْبَيْهَقِيّ، وَغَيره من الْحفاظ.
الثَّانِي: - وَبِه أجَاب (الإِمام) الشَّافِعِي - أَن هَذَا الحَدِيث مَتْرُوك الظَّاهِر بالِاتِّفَاقِ؛ لِأَن ظَاهره (يَقْتَضِي) وجوب غسل الإِناء من ولوغ الْهِرَّة، وَلَا يجب ذَلِك بالإِجماع.
خاتمتان:
إِحْدَاهمَا: لَمَّا ذَكَر الإِمَام الرَّافِعِيّ الدَّلِيل عَلَى نَجَاسَة الْخمر قَالَ: أَلا ترَى أَن الشَّرْع حكم بِنَجَاسَة الْكلاب لَمَّا نهَى عَن مخالطتها، مُبَالغَة فِي الْمَنْع. انْتَهَى.
فَأَما حكمه بنجاستها؛ فقد عَلمته مِمَّا تقدَّم، وَأما نَهْيه عَن مخالطتها؛ فَهُوَ ثَابت فِي «الصَّحِيحَيْنِ» من حَدِيث سَالم، عَن ابْن عمر، قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: «مَن اقتنى كَلْبا، إلَاّ كلب صيد أَو مَاشِيَة، (فإنَّه) ينقص من أجره كل يَوْم قيراطان» . قَالَ سَالم: وَكَانَ أَبُو هُرَيْرَة يَقُول: «أَو كلب حرث» وَكَانَ صَاحب حرث. وَفِي رِوَايَة: «كل يَوْم (قِيرَاط) » .
قَالَ ابْن الْجَوْزِيّ فِي «جَامع المسانيد» : وَهِي من أَفْرَاد مُسلم.
وَأَخْرَجَاهُ أَيْضا من حَدِيث أبي هُرَيْرَة، وَمن حَدِيث [سُفْيَان بن أبي زُهَيْر] ، وَقد صَحَّ الْأَمر (بقتلهن) ، وكل ذَلِك يدل عَلَى النَّهْي عَن (مخالطتهن) .
الخاتمة الثَّانِيَة: (لَمَّا) ذَكَر الإِمام الرَّافِعِيّ أَن بَوْل الْمَأْكُول نجس، قَالَ: وَفِيه وَجه: أَنه طَاهِر، وَاخْتَارَهُ الرَّوْيَانِيّ. قَالَ: وَأَحَادِيثه مَشْهُورَة فِي الْبَاب مَعَ تَأْوِيلهَا ومعارضاتها.
فلنذكر طرفا مِمَّا أَشَارَ إِلَيْهِ فَنَقُول:
بَوْل الْحَيَوَان الْمَأْكُول (وروثه) نجس عندنَا، وَعند أبي حنيفَة وَأبي يُوسُف، وَغَيرهمَا.
وَقَالَ عَطاء وَالنَّخَعِيّ وَالزهْرِيّ وَمَالك وسُفْيَان الثَّوْريّ (وَزفر) وَأحمد: بَوْله وروثه طاهران.
وَاخْتَارَ هَذَا القَوْل من أَصْحَابنَا: ابْن خُزَيْمَة، وَالرُّويَانِيّ، كَمَا ذكره الإِمام الرَّافِعِيّ، وَهُوَ قَول أبي سعيد الأصطخري.
وَعَن اللَّيْث وَمُحَمّد بن الْحسن: أَن بَوْل الْمَأْكُول طَاهِر دون روثه. (و) قَالَ أَبُو حنيفَة: ذَرْقُ الحَمَام طَاهِر.
احتجَّ من قَالَ بِالطَّهَارَةِ بِأَحَادِيث:
الأول: حَدِيث أنس رضي الله عنه الْمُتَّفق عَلَى صِحَّته، قَالَ:(قدم نَاس من عُكْل أَو عرينة، (فاجتووا) الْمَدِينَة، فَأمر لَهُم النَّبِي صلى الله عليه وسلم بلِقاح، وَأمرهمْ أَن يشْربُوا من أبوالها وَأَلْبَانهَا» .
الثَّانِي: عَن جَابر رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: «مَا أُكِل لَحْمه، فَلَا بَأْس ببوله» .
الثَّالِث: عَن الْبَراء بن عَازِب رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: «لَا بَأْس ببول مَا أكل لَحْمه» (رَوَاهُمَا) الدَّارَقُطْنِيّ.
واحتجَّ من قَالَ بِالنَّجَاسَةِ: بقول الله - تَعَالَى -: (وَيحرم عَلَيْهِم الْخَبَائِث) ، وَالْعرب تستخبث هَذَا، وبإطلاق الْأَحَادِيث الصَّحِيحَة الْوَارِدَة فِي تَعْذِيب من لَا (يستنز) مِنْهُ، وَسَيَأْتِي بَيَانه، حَيْثُ ذكره المُصَنّف فِي بَاب الِاسْتِنْجَاء إِن شَاءَ الله - تَعَالَى.
وبالقياس عَلَى مَا لَا يُؤكل، وَعَلَى دم الْمَأْكُول.
(وَالْجَوَاب) عَن حَدِيث أنس: أَنه كَانَ للتداوي، وَهُوَ جَائِز بِجَمِيعِ النَّجَاسَات، سُوَى الْخمر والمسكرات، وَقَالَ الشَّافِعِي وَغَيره: إِنَّه مَنْسُوخ، إِذْ فِيهِ الْمثلَة، وَقد نهي بعد عَنْهَا.
لَكِن لَعَلَّ مُرَادهم الْعقُوبَة خَاصَّة، لَا جملَة مَا (دلّ) عَلَيْهِ من الْأَحْكَام.
(وَعَن) حَدِيث جَابر: أَنه ضَعِيف (جدًّا) ، لَا يجوز الِاحْتِجَاج بِهِ، فإنَّ فِي إِسْنَاده: عَمْرو بن الْحصين الْعقيلِيّ، وَهُوَ واهٍ جدًّا. (و) قَالَ أَبُو حَاتِم الرَّازِيّ: ذَاهِب الحَدِيث، لَيْسَ بِشَيْء. وَقَالَ أَبُو زرْعَة: واهي الحَدِيث. وَقَالَ الْأَزْدِيّ: ضَعِيف جدًّا، يَتَكَلَّمُونَ فِيهِ. وَقَالَ ابْن عدي: حَدَّث عَن الثِّقَات بِغَيْر حَدِيث (مُنكر)، وَهُوَ مَتْرُوك الحَدِيث. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: مَتْرُوك.
وَفِي إِسْنَاده أَيْضا: يَحْيَى بن الْعَلَاء (أَبُو عَمْرو) البَجلِيّ الرَّازِيّ، وَقد ضَعَّفوه (جدًّا) ، كَانَ وَكِيع شَدِيد الْحمل عَلَيْهِ، وَقَالَ أَحْمد: كَذَاب، يضع الحَدِيث. وَقَالَ يَحْيَى: لَيْسَ بِثِقَة. وَقَالَ عَمْرو بن عَلّي وَالنَّسَائِيّ والأزدي: مَتْرُوك الحَدِيث. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: ضَعِيف. وَقَالَ ابْن عدي: الضعْف عَلَى حَدِيثه بَيِّن، وَأَحَادِيثه مَوْضُوعَات. وَقَالَ ابْن حبَان: ينْفَرد عَن الثِّقَات بالمقلوبات، لايجوز الِاحْتِجَاج بِهِ.
وَالْجَوَاب عَن حَدِيث الْبَراء بن عَازِب: أَنه ضَعِيف - أَيْضا - جدًّا، (بل قَالَ) ابْن حزم فِي كِتَابه «المحلَّى» : هُوَ خبر بَاطِل مَوْضُوع؛ لِأَن فِي إِسْنَاده سَوَّار بن مُصعب، وَهُوَ مَتْرُوك الحَدِيث (عِنْد) جَمِيع أهل النَّقْل، مُتَّفق عَلَى ترك الرِّوَايَة عَنهُ، يروي الموضوعات.
وَمِمَّنْ ضعف هذَيْن الْحَدِيثين من الْحَنَابِلَة ابْن الْجَوْزِيّ فِي كتاب «التَّحْقِيق» .
قُلْتُ: وَقد اختُلف عَلَى سَوَّار فِي إِسْنَاده، فَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ عَنهُ عَن مطرف، عَن (أبي) الجهم، عَن الْبَراء مَرْفُوعا:«مَا أُكل لَحْمه، فَلَا بَأْس بسؤره» .
وَهَذَا تَعْلِيل ثَان للْحَدِيث أَفَادَهُ الدَّارَقُطْنِيّ.
(آخر الْجُزْء الثَّالِث بِحَمْد الله ومَنِّه،
يتلوه فِي الرَّابِع
بَاب الِاجْتِهَاد)