المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

الطَّرِيق (الثَّالِث) : عَن جَابر بن عبد الله رضي الله - البدر المنير في تخريج الأحاديث والأثار الواقعة في الشرح الكبير - جـ ١

[ابن الملقن]

فهرس الكتاب

- ‌مُقَدّمَة

- ‌وهاك نبذة من حَالهم، لتعرف قدرهم، واجتهادهم ومحلهم:

- ‌ فصنَّفوا فِي ذَلِكَ مصنفات مبتكرة

- ‌فَإِن كَانَ الحَدِيث أَو الْأَثر فِي صحيحي الإِمامين:

- ‌وَإِن لم يكن الحَدِيث فِي وَاحِد من الصَّحِيحَيْنِ، (عزوته) إِلَى من أخرجه من الْأَئِمَّة:

- ‌نَاظرا عَلَى ذَلِك من كتب الصَّحَابَة:

- ‌وَمن كتب الْأَسْمَاء جرحا وتعديلًا وَغير ذَلِك:

- ‌وَمن كتب الْعِلَل:

- ‌وَمن كتب الْمَرَاسِيل:

- ‌وَمن كتب الموضوعات:

- ‌وَمن كتب الْأَطْرَاف:

- ‌وَمن كتب الْأَحْكَام:

- ‌وَمن كتب الأمالي:

- ‌وَمن كتب النَّاسِخ والمنسوخ:

- ‌وَمن كتب المبهمات فِي الحَدِيث:

- ‌وَمن كتب شُرُوح الحَدِيث والغريب:

- ‌وَمن كتب أَسمَاء الْأَمَاكِن:

- ‌وَمن كتب أُخرى حَدِيثِيَّةٌ:

- ‌وَمن مصنفات أبي الْخطاب بن دِحْيَة:

- ‌وَمن كتب أُخْرَى مُتَعَلقَة بالفقه:

- ‌أمَّا «موطأ» إِمَام دَار الْهِجْرَة

- ‌وَأما مُسْند الإِمام أَحْمد

- ‌وَأما «صَحِيح الإِمام أبي عبد الله البُخَارِيّ»

- ‌وَأما صَحِيح الإِمام أبي الْحُسَيْن مُسلم

- ‌وَأما «سنَن أبي دَاوُد»

- ‌وَأما جَامع أبي عِيسَى التِّرْمِذِيّ:

- ‌وَأما شَرط أبي عبد الرَّحْمَن النَّسَائِيّ

- ‌وَأما سنَن أبي عبد الله بن مَاجَه الْقزْوِينِي:

- ‌وَأما «صَحِيح» أبي حَاتِم بن حبَان

- ‌وَأما «الْمُسْتَدْرك» للْحَاكِم أبي عبد الله

- ‌كتاب الطَّهَارَة

- ‌بَاب المَاء الطَّاهِر

- ‌الحَدِيث الأول

- ‌الحَدِيث الثَّانِي

- ‌الحَدِيث الثَّالِث

- ‌الحَدِيث الرَّابِع

- ‌الحَدِيث الْخَامِس

- ‌الحَدِيث السَّادِس

- ‌بَاب بَيَان النَّجَاسَات (وَالْمَاء النَّجس)

- ‌الأول

- ‌الحَدِيث الثَّانِي

- ‌الحَدِيث الثَّالِث

- ‌الحَدِيث الرَّابِع

- ‌الحَدِيث الْخَامِس

- ‌الحَدِيث السَّادِس

- ‌الحَدِيث السَّابِع

- ‌الحَدِيث الثَّامِن

- ‌الحَدِيث التَّاسِع

- ‌الحَدِيث الْعَاشِر

- ‌الحَدِيث الْحَادِي عشر

- ‌الحَدِيث الثَّانِي عشر

- ‌الحَدِيث الثَّالِث عشر

- ‌الحَدِيث الرَّابِع عشر

- ‌الحَدِيث الْخَامِس (عشر)

- ‌الحَدِيث السَّادِس عشر

- ‌الحَدِيث السَّابِع عشر

- ‌الحَدِيث الثَّامِن عشر

- ‌الحَدِيث التَّاسِع عشر

- ‌الحَدِيث الْعشْرُونَ

- ‌الحَدِيث الْحَادِي وَالْعشْرُونَ

- ‌الحَدِيث الثَّانِي وَالْعشْرُونَ

- ‌الحَدِيث الثَّالِث وَالْعشْرُونَ

- ‌الحَدِيث الرَّابِع وَالْعشْرُونَ

- ‌بَاب الِاجْتِهَاد

- ‌بَاب الْأَوَانِي

- ‌الحَدِيث الأول

- ‌الحَدِيث الثَّانِي

- ‌الحَدِيث الثَّالِث

- ‌الحَدِيث الرَّابِع

- ‌الحَدِيث الْخَامِس

- ‌الحَدِيث السَّادِس

- ‌الحَدِيث السَّابِع

- ‌الحَدِيث الثَّامِن

- ‌الحَدِيث التَّاسِع

- ‌الحَدِيث الْعَاشِر

- ‌الحَدِيث الْحَادِي عشر

- ‌الحَدِيث الثَّانِي عشر

- ‌الحَدِيث الثَّالِث عشر

- ‌بَاب الْوضُوء

- ‌الحَدِيث الأول

- ‌الحَدِيث الثَّانِي

- ‌الحَدِيث الثَّالِث

- ‌الحَدِيث الرَّابِع

- ‌الحَدِيث الْخَامِس

- ‌الحَدِيث السّادس

- ‌الحَدِيث السّابع

- ‌الحَدِيث الثّامن

- ‌الحَدِيث التَّاسِع

- ‌الحَدِيث الْعَاشِر

- ‌الحَدِيث الْحَادِي عشر

- ‌الحَدِيث الثَّانِي عشر

- ‌الحَدِيث الثَّالِث عشر

- ‌الحَدِيث الرَّابِع عشر

- ‌الحَدِيث الْخَامِس عشر

- ‌الحَدِيث السَّادِس عشر

- ‌أَحدهَا:

- ‌الحَدِيث الثَّانِي:

- ‌الحَدِيث الثَّالِث:

الفصل: الطَّرِيق (الثَّالِث) : عَن جَابر بن عبد الله رضي الله

الطَّرِيق (الثَّالِث) : عَن جَابر بن عبد الله رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: «أَيّمَا إهَاب دبغ فقد طهر» .

رَوَاهُ الْحَافِظ أَبُو بكر الْخَطِيب فِي «تلخيصه» .

‌الحَدِيث الثَّالِث

قَوْله صلى الله عليه وسلم: «لَا تنتفعوا من الْميتَة بإهاب وَلَا عَصَب» .

هَذَا الحَدِيث مَشْهُور، وَهُوَ بعض من حَدِيث طَوِيل، وَهُوَ (عَن) عبد الله بن عكيم قَالَ:«أَتَانَا كتاب رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قبل مَوته بِشَهْر: ألآَّ تنتفعوا من الْميتَة بإهاب، وَلَا عصب» .

رَوَاهُ الْأَئِمَّة: الشَّافِعِي فِي «سنَن حَرْمَلَة)) ، وَأحمد فِي «مُسْنده» ، وَالْبُخَارِيّ فِي «تَارِيخه» ، وَأَبُو دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيّ، وَالنَّسَائِيّ، وَابْن مَاجَه، وَالدَّارَقُطْنِيّ، وَالْبَيْهَقِيّ، فِي (سُنَنهمْ) وَلم يذكر مِنْهُم الْمدَّة غير الشَّافِعِي، وَأحمد، وَأبي دَاوُد.

ص: 587

وَفِي رِوَايَة أَحْمد: «بِشَهْر أَو بشهرين» .

قَالَ التِّرْمِذِيّ: هَذَا حَدِيث حسن. قَالَ: وَسمعت أَحْمد بن (الْحسن) يَقُول: كَانَ أَحْمد بن حَنْبَل يذهب إِلَى حَدِيث ابْن عكيم (هَذَا)، لقَوْله:«قبل وَفَاته بشهرين» . وَكَانَ يَقُول: هَذَا آخر الْأَمر. قَالَ: ثمَّ ترك أَحْمد بن حَنْبَل هَذَا الحَدِيث لَمَّا اضْطَرَبُوا فِي إِسْنَاده، حَيْثُ رَوَى بَعضهم، فَقَالَ: عَن عبد الله بن عكيم، عَن أَشْيَاخ من جُهَيْنَة.

(وَرَوَاهُ) أَبُو حَاتِم بن حبَان فِي «صَحِيحه» ، من طَرِيقين، من رِوَايَة: عبد الرَّحْمَن بن أبي لَيْلَى عَن (ابْن) عكيم، وَفِي إِحْدَاهمَا: «كَتَبَ إِلَيْنَا رَسُول الله صلى الله عليه وسلم

» (وذَكَر الْمدَّة، وَفِي الْأُخْرَى: قُرىء علينا كتاب رَسُول الله) ، من غير ذكرهَا. ثمَّ رَوَاهُ من طَرِيق ثَالِث عَن (ابْن) أبي لَيْلَى، عَن عبد الله بن عكيم، قَالَ: حَدَّثَنَا مشيخة لنا من جُهَيْنَة: «أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم كتب إِلَيْهِم: أَن لَا تستمتعوا من الْميتَة بِشَيْء» . قَالَ: وَهَذِه اللَّفْظَة وَهِي: «حَدَّثَنَا مشيخة لنا من جُهَيْنَة» أوهمت عَالما من النَّاس أَن الْخَبَر لَيْسَ بِمُتَّصِل. قَالَ: وَهَذَا مِمَّا نقُول فِي (كتَابنَا) : أنَّ الصَّحَابِيّ قد يشْهد النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَيسمع مِنْهُ شَيْئا، ثمَّ يسمع ذَلِك الشَّيْء مِمَّن

ص: 588

هُوَ أعظم خطرًا (مِنْهُ) ، عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم، فَمرَّة يخبر عمَّا شَاهده، وَمرَّة يروي عَمَّن سمع.

أَلا ترَى أَن ابْن عمر شهد سُؤال جِبْرِيل رَسُول الله صلى الله عليه وسلم عَن الإِيمان، وسَمعه من عمر بن الْخطاب، فَمرَّة أخبر بِمَا شَاهد، وَمرَّة رَوَى عَن أَبِيه مَا سمع، فَكَذَلِك عبد الله بن عكيم، شهد كتاب رَسُول الله صلى الله عليه وسلم حَيْثُ قُرىء عَلَيْهِم فِي جُهَيْنَة، وَسمع مَشَايِخ جُهَيْنَة يَقُولُونَ ذَلِك، فأدّى مرّة مَا شهد، وَأُخْرَى مَا سمع، من غير أَن يكون فِي الْخَبَر انْقِطَاع. هَذَا آخر كَلَامه فِي «صَحِيحه» .

(وَقَالَ) فِي كتاب «الثِّقَات» : عبد الله بن عكيم، الْجُهَنِيّ أَبُو معبد أدْرك (زمن) رَسُول الله صلى الله عليه وسلم، وَلم يسمع مِنْهُ شَيْئا «كتب النَّبِي صلى الله عليه وسلم[إِلَى جُهَيْنَة] قبل مَوته بِشَهْر: أَن لَا تنتفعوا من الْميتَة بإهاب، وَلَا عصب» .

وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي (كِتَابه)«معرفَة السّنَن والْآثَار» ، وَغَيره من الْحفاظ:(هَذَا الحَدِيث مُرْسل، وَابْن عكيم لَيْسَ بصحابي. وَقَالَ الخَطَّابي) : مَذْهَب عَامَّة الْعلمَاء جَوَاز الدّباغ، وَوَهَّنُوا هَذَا

ص: 589

الحَدِيث، لِأَن ابْن عكيم (لم يَلْقَ) النَّبِي صلى الله عليه وسلم، إِنَّمَا هُوَ حِكَايَة عَن (كتاب) . وعَلَّلوه أَيْضا: بِأَنَّهُ مُضْطَرب، وَعَن مشيخة مجهولين، لم تثبتْ صحبتهم.

وَقَالَ ابْن عبد الْبر: رَوَى دَاوُد بن عَلّي: أَن ابْن معِين ضَعَّفه، وَقَالَ: لَيْسَ بِشَيْء. وَابْن عكيم لَيست لَهُ صُحْبَة، (قَالَه) الرازيان. و (عَدَّه) أَبُو نعيم مِنْهُم، وَذكر لَهُ حَدِيثا آخر.

وَذكره ابْن أبي حَاتِم فِي «كِتَابه» ، وَقَالَ: لَا يُعْرف لَهُ سَماع (صَحِيح) من رَسُول الله صلى الله عليه وسلم.

وَقَالَ ابْن عبد الْبر: اخْتُلف فِي سَمَاعه من رَسُول الله من حَدِيثه «من عَلَّق شَيْئا وُكِلَ إِلَيْهِ» .

وَحَكَى الْمَاوَرْدِيّ من أَصْحَابنَا، عَن عَلّي بن الْمَدِينِيّ قولة غَرِيبَة: أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم مَاتَ ولعَبْد الله بن عكيم سنة.

وَقَالَ ابْن أبي حَاتِم فِي « (علله» ) : سَأَلت أبي عَن هَذَا

ص: 590

الحَدِيث، فَقَالَ: لم يسمع عبد الله بن (عكيم) من النَّبِي صلى الله عليه وسلم، وَإِنَّمَا هُوَ كِتَابه.

وَقَالَ ابْن شاهين: هَذَا (الحَدِيث) مَشْهُور بِعَبْد الله بن عكيم، وَلَيْسَ لَهُ لِقَاء لهَذَا الحَدِيث، وَكَذَا جزم الإِمام الرَّافِعِيّ فِي «شرح الْمسند» بذلك فَقَالَ: فِي هَذَا الحَدِيث إرْسَال.

وَقَالَ الْحَافِظ أَبُو الْحسن، عَلّي بن الْفضل (الْمَقْدِسِي) : قد اعْتمد الْأَصْحَاب عَلَى هَذَا الحَدِيث وَهُوَ ضَعِيف فِي إِسْنَاده، (قَابل التَّأْوِيل فِي مُرَاده) .

قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي «شرح الإِلمام» : قَوْله: (ضَعِيف)(فِي) إِسْنَاده. لَا يُحمل عَلَى (الطعْن) فِي الرِّجَال، فإنَّهم ثِقَات إِلَى عبد الله بن عكيم، وإنَّما يَنْبَغِي أَن يُحمل عَلَى الضعْف بِسَبَب الِاضْطِرَاب، كَمَا نُقل عَن الإِمام أَحْمد.

وَكَذَا قَالَ فِي (كِتَابه «الإِمام» ) : الَّذِي يعتل بِهِ (فِي) هَذَا الحَدِيث الِاخْتِلَاف، فروَى (عَن الحكم) عَن عبد الرَّحْمَن، عَن عبد

ص: 591

الله بن عكيم، قَالَ:«قُرىء علينا كتاب رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: أَن لَا تنتفعوا من الْميتَة بإهاب، وَلَا عصب» .

وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ من حَدِيث أبي عمر الضَّرِير، نَا أَبُو شيبَة، وَإِبْرَاهِيم بن (عُثْمَان) ، عَن الحكم، عَن عبد الرَّحْمَن بن أبي لَيْلَى، عَن عبد الله بن عكيم، قَالَ:«أَتَانَا كتاب رَسُول الله صلى الله عليه وسلم إِلَى (أَرض) جُهَيْنَة، قبل وَفَاته بشهرين: أَن لَا تنتفعوا من الْميتَة بإهاب، وَلَا عصب» . ثمَّ قَالَ الطَّبَرَانِيّ: لم يَرْوِه عَن أبي شيبَة إلَاّ: أَبُو عمر الضَّرِير، وَأَبُو شيبَة تكلمُوا فِيهِ، وَقيل: مَتْرُوك.

وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد، من جِهَة (خَالِد) ، عَن الحكم، (عَن عبد الرَّحْمَن) : «أَنه انْطلق هُوَ وأناس إِلَى عبد الله بن عكيم، فَدَخَلُوا، وَقَعَدت عَلَى الْبَاب، فَخَرجُوا إليَّ، فَأَخْبرُونِي أَن عبد الله بن عكيم أخْبرهُم

» الحَدِيث.

ص: 592

فَفِي هَذِه الرِّوَايَة: أَنه سَمعه من النَّاس الداخلين (عَلَيْهِ)(عَنهُ) ، وهم مَجْهُولُونَ.

(و) رَوَاهُ ابْن عدي، من حَدِيث يَحْيَى بن أَيُّوب، عَن أبي سعيد (الْبَصْرِيّ) - وَهُوَ شبيب بن سعيد - عَن (شُعْبَة) ، عَن الحكم، عَن عبد الرَّحْمَن بن أبي لَيْلَى، عَن ابْن عكيم، قَالَ: «جَاءَنَا كتاب رَسُول الله صلى الله عليه وسلم، وَنحن بجهينة

» الحَدِيث.

قَالَ عَلّي بن الْمَدِينِيّ: «شبيب ثِقَة» ، وتَكَلَّم فِيهِ ابْن عدي.

وَأخرجه الطَّبَرَانِيّ - أَيْضا - فِي «مُعْجَمه الْأَوْسَط» : من حَدِيث فضَالة بن الْمفضل (بن فضَالة) ، عَن أَبِيه، عَن يَحْيَى بن أَيُّوب، كَمَا تَقَدَّم، ثمَّ قَالَ: لم يَرْوِه عَن أبي سعيد إلَاّ يَحْيَى، تفرَّد بِهِ فضَالة عَن أَبِيه.

قُلْتُ: قَالَ أَبُو حَاتِم الرَّازِيّ: لم يكن فضَالة بِأَهْل أَن يُكْتَبَ عَنهُ الْعلم.

وَاعْلَم: أَن متن (حَدِيث) عبد الله بن عكيم قد رُوي من غير طَرِيقه، ذكره (الْحفاظ) : ابْن شاهين، وَابْن الْجَوْزِيّ فِي

ص: 593

(كِتَابَيْهِمَا)« (نَاسخ) الحَدِيث ومنسوخه» ، وَالشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي «الإِمام» بأسانيدهم، من حَدِيث ابْن عمر، قَالَ: (نهَى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أَن يُنْتَفَع من الْميتَة بعصبٍ أَو إهَاب» .

(وَفِيه) - خَلا رِوَايَة ابْن شاهين، وَابْن الْجَوْزِيّ - عَدِي بن الْفضل، وَكَأَنَّهُ أَبُو حَاتِم الْبَصْرِيّ، مولَّى بني (تيم) ابْن مرّة، وَهُوَ ضَعِيف جدا، وَلم يعقها الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين بِشَيْء، (وَكَأَنَّهُ) ترك التَّنْصِيص عَلَى ذَلِك لوضوحه.

وَرَوَاهُ الْأَوَّلَانِ - أَيْضا - فِي (كِتَابَيْهِمَا) الْمَذْكُورين من حَدِيث جَابر بن عبد الله رضي الله عنه أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَا يُنْتفع (من الْميتَة) بِشَيْء» .

لَا أعلم بِإِسْنَادِهِ بَأْسا، وَاسْتدلَّ بِهِ ابْن الْجَوْزِيّ فِي «تَحْقِيقه» ، بعد أَن عزاهُ إِلَى رِوَايَة الدَّارَقُطْنِيّ، وَلَفظه:«لَا تنتفعوا» بدل: «لَا ينْتَفع» ، وَفِي نُسْخَة مِنْهُ: رَوَاهُ أَصْحَابنَا.

ص: 594

وَقَالَ صَاحب «الْمُغنِي» : رَوَاهُ أَبُو بكر الشَّافِعِي، بِإِسْنَادِهِ، عَن أبي الزبير، عَن جَابر، وَإِسْنَاده حسن.

وَقد رَوَاهُ ابْن وهب فِي «مُسْنده» ، عَن زَمعَة بن صَالح، عَن أبي الزبير بِهِ. وَزَمعَة مُخْتَلف فِيهِ.

فَتَلخَّص مِمَّا ذَكرْنَاهُ: أَن للحفَّاظ فِي حَدِيث ابْن عكيم هَذَا مقالتان - بعد تَسْلِيم الإِرسال -:

إِحْدَاهمَا: الِاضْطِرَاب، (وَلَهُم فِي ذَلِك مقامان:

أَحدهمَا: أَنه قَادِح، كَمَا تقدم عَن الإِمام أَحْمد) ؛ وَالثَّانِي: أَنه لَيْسَ بقادح، بل يُمكن الْجمع، (وَلَا اضْطِرَاب) ، كَمَا تقدم عَن الْحَافِظ أبي حَاتِم بن حبَان، وَهَذَا فِي رِوَايَة (صَحِيحه) كَمَا قَرَّره، وَأما فِي (ضعيفه) كَمَا تقدم فَلَا.

وَالثَّانيَِة: الضعْف، كَمَا تَقَدَّم (عَن ابْن معِين) ، وَأبي الْحسن الْمَقْدِسِي، وفيهَا النّظر الْمُتَقَدّم. ثمَّ لَهُم بعد ذَلِك نظران:

أَحدهمَا: أَنه عَلَى تَقْدِير صِحَّته، مَحْمُول عَلَى مَا قبل الدّباغ، قَالَه أَبُو مُحَمَّد ابْن حزم فِي كِتَابه «الْمُحَلَّى» ، وَأَبُو حَاتِم بن حبَان فِي «صَحِيحه» ، وَهَذَا لَفظه: «مَعْنَى خبر عبد الله بن عكيم: أَن لَا تنتفعوا

ص: 595

من الْميتَة بإهاب، وَلَا عصب، يُرِيد قبل الدّباغ، (قَالَ) وَالدَّلِيل عَلَى صِحَة ذَلِك، قَوْله صلى الله عليه وسلم:«أيُّما إهابٍ دُبغَ فقد طَهُر» . أه.

الثَّانِي: أَنه نَاسخ، أَو مَنْسُوخ، قَالَ أَبُو بكر الْأَثْرَم: هَذَا الحَدِيث نَاسخ لما قبله، أَلا ترَاهُ يَقُول:«قبل مَوته بِشَهْر» . وَقَالَ الْحَافِظ أَبُو عبد الله الْحَاكِم: هَذَا الحَدِيث مَنْسُوخ بِحَدِيث مَيْمُونَة. وَقَالَ الشَّيْخ مجد الدَّين ابْن تَيْمِية فِي «الْأَحْكَام» : أَكثر أهل الْعلم عَلَى أَن الدّباغ مُطَهِّر فِي الْجُمْلَة، لصِحَّة النُّصُوص بِهِ، وَخبر ابْن عكيم (لَا يقاربها) فِي الصِّحَّة وَالْقُوَّة لينسخها. وَقَالَ الْحَافِظ جمال الدَّين أَبُو الْفرج ابْن الْجَوْزِيّ فِي (كِتَابيه) :«النَّاسِخ والمنسوخ» ، [و] «الْإِعْلَام» [مَا] مُخْتَصره: حَدِيث ابْن عكيم مُضْطَرب جدا، لَا يُقَاوم حَدِيث مَيْمُونَة الثَّابِت فِي الصَّحِيحَيْنِ. زَاد فِي «الْإِعْلَام» : وَقَالَ قوم: يجوز أَن تكون أَحَادِيث الْإِبَاحَة قبل مَوته بِيَوْم أَو بيومين.

قَالَ: وَأجَاب آخَرُونَ عَنهُ: (بِأَنَّهُ) قد رَوَى فِي بعض أَلْفَاظه: «كنت رَخَّصت لكم فِي جُلُود الْميتَة» ، فَدَلَّ عَلَى تَقْدِيم أَحَادِيث الإِباحة، وصحَّ النّسخ. قَالَ: وَهَذِه اللَّفْظَة بعيدَة الثُّبُوت. قَالَ: ثمَّ يحْتَمل أَن يكون رخص فِي ذَلِك، ثمَّ نهَى، ثمَّ رخص.

وَلَقَد أَجَاد الْحَافِظ أَبُو بكر الْحَازِمِي، فِي كِتَابه «النَّاسِخ

ص: 596

والمنسوخ» - وَهُوَ كتاب لَا نَظِير لَهُ فِي بَابه، فِي غَايَة التَّحْقِيق والنفاسة - فِي كَلَامه عَلَى هَذَا الحَدِيث، فَقَالَ: حَدِيث ابْن عكيم هَذَا حسن، عَلَى شَرط أبي دَاوُد، وَالنَّسَائِيّ، أَخْرجَاهُ فِي كِتَابَيْهِمَا من عدَّة طرق، وَقد رُوِيَ عَن الحكم من غير وَجه، (وفيهَا) اخْتِلَاف أَلْفَاظ.

قَالَ: وَمن ذهب إِلَى هَذَا الحَدِيث قَالَ: الْمصير إِلَى هَذَا الحَدِيث أَوْلَى، لِأَن فِيهِ دلَالَة النّسخ، أَلا ترَى أَن حَدِيث سَلمَة بن المحبق - يَعْنِي الْآتِي قَرِيبا - يدل (عَلَى) أَن الرُّخْصَة كَانَت يَوْم تَبُوك، وَهَذَا قبل مَوته بِشَهْر، فَهُوَ بعد الأول بِمدَّة. وَلِأَن فِي حَدِيث سَوْدَة: حَتَّى تخرقت، وَفِي رِوَايَة أُخْرَى: «كُنَّا (ننبذ) فِيهِ حتَّى صَار شَنًّا) . وَلَا تتخرق الْقرْبَة وَلَا تصير شَنًّا فِي شهر.

قَالَ: وَفِي بعض الرِّوَايَات، عَن الحكم بن (عتيبة)، عَن عبد الرَّحْمَن بن أبي لَيْلَى: أَنه انْطلق وناس مَعَه إِلَى عبد الله بن عكيم

نَحوا (مِمَّا) ذكرنَا.

قَالَ خَالِد: أما أَنه قد حَدَّثَنَي: أَنه كتب إِلَيْهِم قبل هَذَا الْكتاب بِكِتَاب آخر. قُلْتُ: فِي تَحْلِيله؟ [قَالَ] : مَا تصنع بِهِ؟ هَذَا بعده.

ص: 597

كَذَا رَوَاهُ الدَّارمِيّ، وَقَالَ: فِي قَول (خَالِد) هَذَا دَلِيل عَلَى أَنه كَانَ مَعَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم إِلَيْهِم فِي ذَلِك تَحْلِيل قبل التَّشْدِيد، وأنَّ التَّشْدِيد كَانَ بعد.

قَالَ الْحَازِمِي: وَلَو اشْتهر حَدِيث ابْن عكيم، بِلَا مقَال فِيهِ - كَحَدِيث ابْن عَبَّاس فِي الرُّخْصَة - لَكَانَ حَدِيثا أَوْلَى أَن يُؤخذ بِهِ، وَلَكِن فِي إِسْنَاده اخْتِلَاف: رَوَاهُ الحكم مرّة عَن عبد الرَّحْمَن بن أبي لَيْلَى، عَن ابْن عكيم. وَرَوَاهُ عَنهُ الْقَاسِم بن مخيمرة، عَن خَالِد، عَن الحكم. وَقَالَ: إِنَّه لم يسمعهُ من ابْن عكيم، وَلَكِن من أنَاس دخلُوا عَلَيْهِ، ثمَّ خَرجُوا فأخبروه بِهِ.

قَالَ: وَلَوْلَا هَذِه الْعِلَل، لَكَانَ أولَى (الْحَدِيثين) أَن يُؤْخَذ بِهِ: حَدِيث ابْن عكيم؛ لِأَنَّهُ إِنَّمَا يُؤْخَذ عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم بالآخِر فالآخِر، والأحدث فالأحدث. عَلَى أَن جمَاعَة أخذُوا بِهِ، وَذهب إِلَيْهِ من الصَّحَابَة: عمر بن الْخطاب، وَابْنه عبد الله، وَعَائِشَة.

ثمَّ رَوَى الْحَازِمِي بِإِسْنَادِهِ عَن أبي الشَّيْخ الْحَافِظ، أَنه (قَالَ) : حُكِي أنَّ إِسْحَاق بن رَاهَوَيْه نَاظر الشَّافِعِي - وَأحمد بن حَنْبَل حَاضر - فِي جُلُود الْميتَة إِذا دُبغت، فَقَالَ الشَّافِعِي: دباغها طهورها. فَقَالَ لَهُ إِسْحَاق: مَا الدَّلِيل؟ فَقَالَ: حَدِيث الزُّهْرِيّ، عَن عبيد الله بن عبد الله، [عَن] ابْن عَبَّاس، عَن مَيْمُونَة، أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم (قَالَ) : « (هلا)

ص: 598

انتفعتم بإهابها؟» .

فَقَالَ لَهُ إِسْحَاق: حَدِيث ابْن عكيم: «كتب إِلَيْنَا النَّبِي صلى الله عليه وسلم قبل مَوته بِشَهْر: أَن لَا تنتفعوا من الْميتَة بإهاب وَلَا عصب» ، فَهَذَا يشبه أَن يكون نَاسِخا لحَدِيث مَيْمُونَة، لِأَنَّهُ قبل مَوته بِشَهْر. فَقَالَ الشَّافِعِي: فَهَذَا كتاب، وَذَاكَ سَماع. فَقَالَ إِسْحَاق: فإنَّ النَّبِي صلى الله عليه وسلم كتب إِلَى كسْرَى وَقَيْصَر، (فَكَانَت) حجَّة بَينهم عِنْد الله. فَسكت الشَّافِعِي. فَلَمَّا سمع (ذَلِك) أَحْمد ذهب إِلَى حَدِيث (ابْن) عكيم، وأَفتى بِهِ، وَرجع إِسْحَاق إِلَى حَدِيث الشَّافِعِي.

قَالَ الْحَازِمِي: وَقد حَكَى الخلَاّل فِي «كِتَابه» عَن أَحْمد، أَنه توقف فِي حَدِيث ابْن عكيم، لَمَّا رَأَى تزلزل (الروَاة) فِيهِ، وَقَالَ بَعضهم: رَجَعَ عَنهُ.

قَالَ الْحَازِمِي: وَطَرِيق الإِنصاف فِيهِ أَن يُقال: إِن حَدِيث ابْن عكيم ظَاهر الدّلَالَة فِي النّسخ لَو صَحَّ، وَلكنه كثير الِاضْطِرَاب، ثمَّ لَا يُقَاوم حَدِيث مَيْمُونَة فِي الصِّحَّة. وَقَالَ النَّسَائِيّ: أصحّ مَا فِي هَذَا الْبَاب، فِي جُلُود الْميتَة إِذا دُبغت: حَدِيث الزُّهْرِيّ، عَن [عبيد الله بن عبد الله، عَن] ابْن عَبَّاس، عَن مَيْمُونَة.

وَقَالَ الْحَازِمِي: وروينا عَن الدوري أَنه قَالَ: قيل ليحيى بن معِين:

ص: 599

أيُّما أعجب إِلَيْك من هذَيْن الْحَدِيثين: «لَا ينْتَفع من الْميتَة بإهاب وَلَا عصب» أَو: «دباغها طهورها» ؟ (فَقَالَ: «دباغها طهورها» ) أعجب إليَّ.

قَالَ الْحَازِمِي: فَإِذا تَعَذّر ذَلِك، فالمصير إِلَى حَدِيث ابْن عَبَّاس أَوْلَى، لوجوه من الترجيحات، ويُحمل حَدِيث ابْن عكيم عَلَى منع الِانْتِفَاع (بِهِ) قبل الدّباغ، وحينئذٍ يُسمَّى:(إهابًا) . وَبعد الدّباغ يُسمَّى جلدا، وَلَا يُسمى إهابًا، وَهَذَا مَعْرُوف عِنْد أهل اللُّغَة ليَكُون جمعا بَين (الْحكمَيْنِ) . وَهَذَا هُوَ الطَّرِيق فِي نفي التضاد عَن الْأَخْبَار. هَذَا آخر كَلَامه - رَحْمَة الله عَلَيْهِ -، مَا أَشد تَحْقِيقه.

وتَلَخَّص (لَك مِنْهُ) وَمِمَّا تقدم، أَن للحفاظ فِيهِ سِتّ مقالات - بعد تَسْلِيم الإِرسال -:

أَولهَا: أَنه مُضْطَرب قَادِح.

ثَانِيهَا: أَنه مُضْطَرب غير قَادِح.

ثَالِثهَا: أَنه ضَعِيف.

رَابِعهَا: أَنه مؤول.

خَامِسهَا: أَنه نَاسخ.

سادسها: أَنه مَنْسُوخ.

وَالله أعلم بِالصَّوَابِ من ذَلِك، وَالَّذِي يظْهر - وَالْحَالة هَذِه - مَا قَالَه الْحَافِظ أَبُو بكر الْحَازِمِي (أخيرًا) .

ص: 600