المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ فصنفوا في ذلك مصنفات مبتكرة - البدر المنير في تخريج الأحاديث والأثار الواقعة في الشرح الكبير - جـ ١

[ابن الملقن]

فهرس الكتاب

- ‌مُقَدّمَة

- ‌وهاك نبذة من حَالهم، لتعرف قدرهم، واجتهادهم ومحلهم:

- ‌ فصنَّفوا فِي ذَلِكَ مصنفات مبتكرة

- ‌فَإِن كَانَ الحَدِيث أَو الْأَثر فِي صحيحي الإِمامين:

- ‌وَإِن لم يكن الحَدِيث فِي وَاحِد من الصَّحِيحَيْنِ، (عزوته) إِلَى من أخرجه من الْأَئِمَّة:

- ‌نَاظرا عَلَى ذَلِك من كتب الصَّحَابَة:

- ‌وَمن كتب الْأَسْمَاء جرحا وتعديلًا وَغير ذَلِك:

- ‌وَمن كتب الْعِلَل:

- ‌وَمن كتب الْمَرَاسِيل:

- ‌وَمن كتب الموضوعات:

- ‌وَمن كتب الْأَطْرَاف:

- ‌وَمن كتب الْأَحْكَام:

- ‌وَمن كتب الأمالي:

- ‌وَمن كتب النَّاسِخ والمنسوخ:

- ‌وَمن كتب المبهمات فِي الحَدِيث:

- ‌وَمن كتب شُرُوح الحَدِيث والغريب:

- ‌وَمن كتب أَسمَاء الْأَمَاكِن:

- ‌وَمن كتب أُخرى حَدِيثِيَّةٌ:

- ‌وَمن مصنفات أبي الْخطاب بن دِحْيَة:

- ‌وَمن كتب أُخْرَى مُتَعَلقَة بالفقه:

- ‌أمَّا «موطأ» إِمَام دَار الْهِجْرَة

- ‌وَأما مُسْند الإِمام أَحْمد

- ‌وَأما «صَحِيح الإِمام أبي عبد الله البُخَارِيّ»

- ‌وَأما صَحِيح الإِمام أبي الْحُسَيْن مُسلم

- ‌وَأما «سنَن أبي دَاوُد»

- ‌وَأما جَامع أبي عِيسَى التِّرْمِذِيّ:

- ‌وَأما شَرط أبي عبد الرَّحْمَن النَّسَائِيّ

- ‌وَأما سنَن أبي عبد الله بن مَاجَه الْقزْوِينِي:

- ‌وَأما «صَحِيح» أبي حَاتِم بن حبَان

- ‌وَأما «الْمُسْتَدْرك» للْحَاكِم أبي عبد الله

- ‌كتاب الطَّهَارَة

- ‌بَاب المَاء الطَّاهِر

- ‌الحَدِيث الأول

- ‌الحَدِيث الثَّانِي

- ‌الحَدِيث الثَّالِث

- ‌الحَدِيث الرَّابِع

- ‌الحَدِيث الْخَامِس

- ‌الحَدِيث السَّادِس

- ‌بَاب بَيَان النَّجَاسَات (وَالْمَاء النَّجس)

- ‌الأول

- ‌الحَدِيث الثَّانِي

- ‌الحَدِيث الثَّالِث

- ‌الحَدِيث الرَّابِع

- ‌الحَدِيث الْخَامِس

- ‌الحَدِيث السَّادِس

- ‌الحَدِيث السَّابِع

- ‌الحَدِيث الثَّامِن

- ‌الحَدِيث التَّاسِع

- ‌الحَدِيث الْعَاشِر

- ‌الحَدِيث الْحَادِي عشر

- ‌الحَدِيث الثَّانِي عشر

- ‌الحَدِيث الثَّالِث عشر

- ‌الحَدِيث الرَّابِع عشر

- ‌الحَدِيث الْخَامِس (عشر)

- ‌الحَدِيث السَّادِس عشر

- ‌الحَدِيث السَّابِع عشر

- ‌الحَدِيث الثَّامِن عشر

- ‌الحَدِيث التَّاسِع عشر

- ‌الحَدِيث الْعشْرُونَ

- ‌الحَدِيث الْحَادِي وَالْعشْرُونَ

- ‌الحَدِيث الثَّانِي وَالْعشْرُونَ

- ‌الحَدِيث الثَّالِث وَالْعشْرُونَ

- ‌الحَدِيث الرَّابِع وَالْعشْرُونَ

- ‌بَاب الِاجْتِهَاد

- ‌بَاب الْأَوَانِي

- ‌الحَدِيث الأول

- ‌الحَدِيث الثَّانِي

- ‌الحَدِيث الثَّالِث

- ‌الحَدِيث الرَّابِع

- ‌الحَدِيث الْخَامِس

- ‌الحَدِيث السَّادِس

- ‌الحَدِيث السَّابِع

- ‌الحَدِيث الثَّامِن

- ‌الحَدِيث التَّاسِع

- ‌الحَدِيث الْعَاشِر

- ‌الحَدِيث الْحَادِي عشر

- ‌الحَدِيث الثَّانِي عشر

- ‌الحَدِيث الثَّالِث عشر

- ‌بَاب الْوضُوء

- ‌الحَدِيث الأول

- ‌الحَدِيث الثَّانِي

- ‌الحَدِيث الثَّالِث

- ‌الحَدِيث الرَّابِع

- ‌الحَدِيث الْخَامِس

- ‌الحَدِيث السّادس

- ‌الحَدِيث السّابع

- ‌الحَدِيث الثّامن

- ‌الحَدِيث التَّاسِع

- ‌الحَدِيث الْعَاشِر

- ‌الحَدِيث الْحَادِي عشر

- ‌الحَدِيث الثَّانِي عشر

- ‌الحَدِيث الثَّالِث عشر

- ‌الحَدِيث الرَّابِع عشر

- ‌الحَدِيث الْخَامِس عشر

- ‌الحَدِيث السَّادِس عشر

- ‌أَحدهَا:

- ‌الحَدِيث الثَّانِي:

- ‌الحَدِيث الثَّالِث:

الفصل: ‌ فصنفوا في ذلك مصنفات مبتكرة

فصل

فَهَذِهِ نبذةٌ من أحوالِ هَؤُلَاءِ الْحفاظ، الَّذين تتنزل الرَّحْمَة بذكرهم، وَهِي مختصرة بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَا تَرَكْنَاهُ. ذكرتها لَك مَجْمُوعَة أَيهَا النَّاظر فِي هَذَا الْموضع؛ لتعرف مَنَازِلهمْ، وَمَا كَانُوا عَلَيْهِ، وَكَيف حَالهم فِي اجتهادهم فِي هَذَا الْعلم، والإِكباب عَلَيْهِ. فَلَعَلَّ ذَلِكَ يكون محركًا فِي المسارعة إِلَى تتبع أَثَرهم، وَالسير إِلَيْهِ، لَعَلَّك تصل إِلَى بعض بعض مَا وصلوا إِلَيْهِ، أَو إِلَى كلّه، ففضل الله وعطاؤه وَاسع، لَا زَالَ مُنْهَلًّا لَدَيْهِ.

ثمَّ وفَّق الله الْعَظِيم - وَله المِنَّة - هَؤُلَاءِ الحفَّاظ، الْأَئِمَّة النقَّاد إِلَى وُصُول مَا حفظوه إِلَيْنَا، وتقريب مَا تقلَّدوه علينا،‌

‌ فصنَّفوا فِي ذَلِكَ مصنفات مبتكرة

، مُطَوَّلَة ومختصرة.

وَاخْتلف الْعلمَاء فِي أول من صنَّف الْكتب عَلَى ثَلَاثَة أَقْوَال:

أَحدهَا: عبد الْملك بن جريج.

ثَانِيهَا: الرّبيع بن صَبِيح.

ثَالِثهَا: (سعيد) بن أبي عرُوبَة.

حَكَاهُ ابْن الْجَوْزِيّ فِي «جَامع المسانيد» .

وَاخْتلف فِي ذَلِكَ مقاصدهم، وتشعَّبت آراؤهم، وَكلهَا مَقَاصِد حَسَنَة، وأفعال مستحسنة.

فَمنهمْ من رَأَى أَن تدوينه عَلَى مسانيد الصَّحَابَة رضي الله عنهم أقرب إِلَى ضَبطه، فرتَّبه كَذَلِك، كالإِمام أَحْمد بن حَنْبَل فِي «مُسْنده» ، ونظرائه.

(قَالَ الْحَاكِم: أول من صنَّف الْمسند عَلَى [تراجم الرِّجَال] :

ص: 273

عبيد الله بن مُوسَى العَبْسي، وَأَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيّ) .

وَمِنْهُم من رَأَى أَن تدوينه عَلَى تَرْتِيب أَبْوَاب الْفِقْه أسْرع لتنَاوله، فرتَّبه كَذَلِك.

وَقيل: أول من فعل ذَلِكَ الرّبيع بن صبِيح. وَقيل: مَالك بن أنس فِي «موطئِهِ» وَبِه جزم الإِمام الرَّافِعِيّ فِي «أَمَالِيهِ» .

ثمَّ مِنْ بعدهمْ جمع كَبِير، وجمٌّ غفير، كَعبد الرَّزَّاق، وَابْن أبي شيبَة، وَغَيرهمَا.

وهلم جرًّا إِلَى زمن الإِمامين، الحافظين، الناقدين: أبي عبد الله مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل البُخَارِيّ، وَأبي الْحُسَيْن مُسلم بن (الْحجَّاج) الْقشيرِي، فصنفا كِتَابَيْهِمَا الصَّحِيحَيْنِ، والتزما ألَّا يوردا فيهمَا إلَّا حَدِيثا صَحِيحا، وتلقَّتهما الْأمة بِالْقبُولِ.

ثمَّ ألَّف جمَاعَة فِي زمنهما كتبا أُخر عَلَى الْأَبْوَاب، من غير الْتِزَام فِيهَا مَا التزماه، فَلم تلتحق بهَا، كسنن أبي دَاوُد سُلَيْمَان بن الْأَشْعَث السجسْتانِي، وجامع أبي عِيسَى مُحَمَّد بن سَوْرة التِّرْمِذِيّ (الضَّرِير) ، وَسنَن أبي عبد الرَّحْمَن النَّسَائِيّ، وَسنَن أبي عبد الله بن مَاجَه الْقزْوِينِي.

وألَّف جمَاعَة أُخر كتبا كَذَلِك: فبعضهم شَرط أَن يكون مُصَنفه مُخرَّجًا عَلَى أَحَادِيث الصَّحِيحَيْنِ أَو أَحدهمَا، ككتاب أبي نعيم،

ص: 274

وَالْبرْقَانِي، والإسماعيلي، وَأبي عَوَانَة.

وَبَعْضهمْ شَرط أَن يسْتَدرك مَا أهمله الشَّيْخَانِ فِي «صَحِيحَيْهِمَا» ، كَمَا فعل الْحَاكِم أَبُو عبد الله فِي الْكتاب الَّذِي سَمَّاه ب «الْمُسْتَدْرك عَلَى الصَّحِيحَيْنِ» .

وَبَعْضهمْ شَرط فِي مُصَنفه الصِّحَّة مُطلقًا، لَا عَلَى رأيٍ، بل عَلَى رَأْيهمْ، كصحيح إِمَام الْأَئِمَّة، أبي بكر مُحَمَّد بن إِسْحَاق بن خُزَيْمَة، وصحيح أبي حَاتِم بن حبَان، الْمُسَمَّى ب «التقاسيم والأنواع» ، وَهَذَا لم يرتبه مُصَنفه عَلَى التَّرْتِيب الْمَذْكُور، وَإِنَّمَا رتَّبه عَلَى ترتيبٍ خَاص بديع.

(وَبَعْضهمْ لم يَشْتَرِطْ) شَرْطًا، وإنَّما أودعا فِي تصانيفهما الصَّحِيح والضعيف، مبينين ذَلِكَ، ك «سنَن أبي الْحسن الدَّارَقُطْنِيّ) ، و «السّنَن الْكَبِير» لِلْحَافِظِ أبي بكر الْبَيْهَقِيّ، المرتَّب عَلَى تَرْتِيب «الْمَبْسُوط» الَّذِي صنَّفه عَلَى تَرْتِيب (مُخْتَصر) الْمُزنِيّ.

هَذَا كُله كَانَ (عَلَى) رَأْي السّلف الأول، يذكرُونَ الْأَحَادِيث بِالْأَسَانِيدِ فِي هَذِه التصانيف، إذْ عَلَيْهِ المُعَوَّل.

وَأما الْمُتَأَخّرُونَ، فاقتصروا عَلَى إِيرَاد الْأَحَادِيث فِي تصانيفهم بِدُونِ الْإِسْنَاد، مقتصرين عَلَى الْعزو إِلَى الْأَئِمَّة الأُوَل -[إلاّ أفرادًا] من ذَلِكَ وآحادًا -: كأحكام عبد الْحق «الْكُبْرَى» ، و «الصُّغْرَى» و «الْوُسْطَى» .

ص: 275

وَعَلَى «الْوُسْطَى» اعتراضات لِلْحَافِظِ أبي الْحسن بن الْقطَّان، وَمَا أَكثر نَفعه. وَعَن بَعْضهَا أجوبة لبَعض الْمُتَأَخِّرين.

وَأَحْكَام (الْحَافِظ) أبي عبد الله مُحَمَّد بن عبد الْوَاحِد، الْمَعْرُوف ب «الضياء الْمَقْدِسِي» ، وَلم يتمم كِتَابه، وصل فِيهِ إِلَى أثْنَاء الْجِهَاد، وَهُوَ أكثُرها نفعا.

وَأَحْكَام الْحَافِظ عبد الْغَنِيّ الْمَقْدِسِي: «الْكُبْرَى» ، و «الصُّغْرَى» .

وَأَحْكَام الْحَافِظ مجد الدَّين عبد السَّلَام ابْن تَيْمِية، الْمُسَمَّى ب «المُنْتَقَى» ، وَهُوَ كاسمه، وَمَا أحْسنه، لَوْلَا إِطْلَاقه فِي كثير من الْأَحَادِيث الْعزو إِلَى (كتب) الْأَئِمَّة دون التحسين والتضعيف، يَقُول مثلا:(رَوَاهُ أَحْمد) ، رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. وَيكون الحَدِيث ضَعِيفا، وَأَشد من ذَلِكَ: كَون الحَدِيث فِي «جَامع التِّرْمِذِيّ» مُبَيَّنًا ضعفه، فيعزيه إِلَيْهِ من غير بَيَان ضعفه.

وَيَنْبَغِي لِلْحَافِظِ جمع هَذِه الْمَوَاضِع، وكتبها عَلَى حَوَاشِي هَذَا الْكتاب، أَو جمعهَا فِي مُصَنف لتكمل فَائِدَة الْكتاب الْمَذْكُور. وَقد شَرَعْتُ فِي كَتْبِ ذَلِكَ عَلَى حَوَاشِي نُسْخَتي، وَأَرْجُو إِتْمَامه.

وَأَحْكَام الْحَافِظ محب الدَّين الطَّبَرِيّ - نزيل مَكَّة، شرَّفها الله تَعَالَى - وَهُوَ أبسطها وأطولها.

وَأَحْكَام بَقِيَّة الْمُجْتَهدين فِي هَذَا الْفَنّ: تَقِيّ الدَّين أبي الْفَتْح الْقشيرِي، الْمُسَمَّى ب «الْإِلْمَام» ، وشَرَطَ فِيهِ - كَمَا قَالَ فِي خطبَته - أَن لَا

ص: 276

يُخرج إلَّا حَدِيثا قد صحَّحه أحدٌ من الْأَئِمَّة، أَو زَكَّى (رُواته) واحدٌ مِنْهُم، وإنْ كَانَ غَيره قد ضعَّفه.

وَأما كِتَابه «الإِمام» : فَهُوَ للْمُسلمين إِمَام، وَلِهَذَا الْفَنّ زِمَام، لَا نَظِير لَهُ، لَو تمَّ جَاءَ فِي خَمْسَة وَعشْرين مجلدًا، كَمَا قَالَ الْحَافِظ أَبُو عبد الله الذَّهَبِيّ فِي كِتَابه «سير النبلاء» . وَهُوَ حقيق بذلك؛ فقد رَأَيْت من أوَّلِه إِلَى أثْنَاء كتاب الصَّلَاة فِي الْكَلَام عَلَى رفع الْيَدَيْنِ فِي ثَلَاث مجلداتٍ ضخماتٍ، وَنقل (الذَّهَبِيّ) فِي الْكتاب الْمَذْكُور، عَن شَيخنَا قطب الدَّين (عبد الْكَرِيم) الْحلَبِي - رَحْمَة الله عَلَيْهِ - أنَّه كَمَّل تسويد هَذَا الْكتاب. وَكَذَلِكَ سمعته من بعض مَشَايِخنَا، يَحْكِي عَن الهمذاني عَن المُصَنّف أَنه أكمله.

وَالْمَوْجُود بِأَيْدِينَا مِنْهُ متواليًا مَا قَدَّمْتُه، وَقطعَة من الْحَج وَالزَّكَاة. وَلَو بُيِّض هَذَا الْكتاب، وَخرج إِلَى النَّاس، لاستغني بِهِ عَن كل كتاب صُنِّف فِي نَوعه، أَو بقيت مسودته. وَيُقَال: إِن بَعضهم أَفْسَدَ قِطْعَة مِنْهُ حسدًا. فَلَا حول وَلَا قُوَّة إلَّا بِاللَّه العليّ الْعَظِيم.

هَذَا كَلَامهم فِيمَا يتَعَلَّق بمتن الحَدِيث. وَأما متعلقاته:

فَأمر غَرِيبه:

ص: 277

أفرده بالتصنيف: أَبُو عُبَيْدَة معمر بن المثنَّى، وتلميذه أَبُو عبيد الْقَاسِم بن سَلام، وَالنضْر بن شُمَيْل، والهروي، وَابْن الْأَثِير، وَغَيرهم.

وَأمر أَسمَاء رُوَاته جرحا وتعديلًا:

وَأول من تكلَّم فِي ذَلِكَ: شُعْبَة، ثمَّ تبعه يَحْيَى بن سعيد القطَّان، ثمَّ أَحْمد بن حَنْبَل، وَيَحْيَى بن معِين. كَمَا قَالَه صَالح بن مُحَمَّد الْبَغْدَادِيّ - فأفرده بالتصنيف: يَحْيَى بن معِين - وَهُوَ أول من وضع كتابا فِي ذَلِكَ - ثمَّ البُخَارِيّ، ثمَّ أَبُو زرْعَة، وَأَبُو حَاتِم، وَالنَّسَائِيّ.

وَمن بعدهمْ: كالعُقَيْلي، والأزدي، وَابْن حبَان.

قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي كِتَابه «الاقتراح» : أَعْرَاض الْمُسلمين حُفْرَة من حفر النَّار، وَقَفَ عَلَى شَفِيْرِها طَائِفَتَانِ من النَّاس: المحدثون والحكام. قَالَ: وَكَانَ شيخ شُيُوخنَا الْحَافِظ أَبُو الْحسن الْمَقْدِسِي يَقُول فِي الرجل الَّذِي يخرج عَنهُ فِي الصَّحِيح: هَذَا جَازَ القنطرة. يَعْنِي بذلك: أَنه لَا (يلْتَفت) إِلَى مَا قيل فِيهِ.

قَالَ الشَّيْخ: وَهَكَذَا (نعتقد، و) بِهِ نقُول، وَلَا نخرج عَنهُ إلَّا ببيانٍ (شافٍ) ، وَحجَّة ظَاهِرَة.

وَأمر صحابته أفرده بالتصنيف:

أَبُو نعيم وَأَبُو مُوسَى الأصبهانيان، وَابْن قَانِع، وَابْن عبد الْبر، وَابْن الْأَثِير، وَغَيرهم.

وَكَذَلِكَ فعلوا - قَدَّس الله أَرْوَاحهم، ونَوَّر ضرائحهم - بباقي

ص: 278

أَنْوَاعه، وفنونه الزَّائِدَة عَلَى السِّتين نوعا، أَنْجَحَ الله قصدهم، وَلَا خَيَّبَ سعينا وسعيهم، فَلَقَد بذلوا جهدهمْ فِيمَا صنَّفوه، وأتعبوا فِكْرَهُم فِيمَا وضعوه وحرَّروه، وَلم يبْق هِمَّةُ أكثرِ الْفُضَلَاء (من) الْمُتَأَخِّرين إلَّا النّظر فِيمَا هَذَّبُوه، والاقتباس مِمَّا قَيَّدوه وضبطوه، ولعمري إنَّ ذَلِكَ (الْيَوْم) لمن أشرفِ المطالب، وأعظمِ الْمَقَاصِد.

وَكنت مِمَّن أَنعمَ الله سبحانه وتعالى، وَله الْحَمد والمِنَّة - عَلَيْهِ محبَّة الْعُلُوم الشَّرْعِيَّة، خُصُوصا هَذَا الْعلم الشريف، فَكنت أُعلِّق فَوَائده، وأَضبط شوارده، وأُقيِّد أوابده، وأَسمع عاليه ونازله، كاشفًا عَن فنونه، باحثًا عَن علومه، (أَعنِي) : صَحِيحه، وَحسنه، وضعيفه، ومتصله، ومرسله، ومنقطعه، ومعضله، ومقلوبه، ومشهوره، وغريبه، وعزيزه، ومنكره، و (معروفه) ، وآحاده، ومتواتره، وأفراده، وشاذه، ومعلله، ومدرجه، ومبينه، ومختلفه، وموضوعه، إِلَى غير ذَلِكَ من معرفَة حَال أسانيده جرحا وتعديلًا، وأنسابًا وتاريخًا، وصدقًا وتدليسًا، واعتبارًا ومتابعةً، ووصلًا وإرسالًا، ووقفًا وانقطاعًا، وَزِيَادَة الثِّقَات، وَمَا خُولف فِيهِ الْأَثْبَات، وَمَعْرِفَة الصَّحَابَة، وتابعيهم، وتابعي التَّابِعين رضي الله عنهم أَجْمَعِينَ.

ويَسَّر الله - تَعَالَى - لنا - سُبْحَانَهُ، وَله الْحَمد والْمنَّة - من الْكتب الَّتِي يحْتَاج إِلَيْهَا طَالب هَذَا الْفَنّ: زِيَادَة عَلَى مائَة تأليف، كَمَا سأعدها لَك فِي آخر الْخطْبَة. وأحببت أَن أشتغل بِكِتَابَة الحَدِيث النَّبَوِيّ - عَلَيْهِ أفضل الصَّلَاة وَالسَّلَام، وَأعظم التَّحِيَّة والإِكرام - رَجَاء شَفَاعَته (فيَّ)

ص: 279

يَوْم الْقِيَامَة، يَوْم الهول والملامة، وثواب الله الْكَرِيم، وفضله العميم، وَقد قَالَ عبد الله بن مَسْعُود رضي الله عنه فِيمَا (روينَا عَنهُ) :«اغْدُ عَالما أَو مُتَعَلِّمًا، وَلَا تَغْدُ الثَّالِثَة فَتَهْلِك» .

وَفِي «المعجم الْكَبِير» للطبراني من حَدِيث عَطاء بن مُسلم، عَن خَالِد الحَذَّاء، عَن عبد الرَّحْمَن بن أبي [بكرَة] ، عَن أَبِيه، قَالَ: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَقُول: «اغْدُ عَالما، أَو مُتَعَلِّمًا، أَو مستمعًا، أَو مُحِبًّا، وَلَا تكن الْخَامِسَة فتهلك» ، قَالَ: يَعْنِي بالخامسة: المُبْغِض.

ورجاءَ وُصُول هَذَا (الْعلم) الشريف إِلَى ذهني الركود، وقريحتي الَّتِي قَلَّ أَن تجود، وامتثالًا لقَوْل الْعلمَاء أولي الْفضل والتفضيل: التصنيف أحد (طريقَي) التَّحْصِيل.

وَلَا شكّ وَلَا مرية أَن أهم أَنْوَاعه - قبل الْخَوْض فِي فهمه -: معرفَة صَحِيحه من سقيمه، قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي كِتَابه «الاقتراح» : نَحن نرَى أَن [من] أهم عُلُوم الحَدِيث: مَا يُؤَدِّي إِلَى معرفَة صَحِيح الحَدِيث.

ص: 280

فَبَقيت زَمنا مُتَحَيِّرًا فِيمَ أكتبه، وَمَا أعلِّقه وأصنِّفه، إِلَى أَن خار الله سبحانه وتعالى والخيرة بِيَدِهِ، كَمَا قَالَ فِي كِتَابه:(مَا كَانَ لَهُم الْخيرَة) ، وَله الْحَمد والمنَّة - بتأليف كتاب نَفِيس، لم أُسْبَقْ إِلَى وَضعه، وَلم يُنسج عَلَى منواله وَجمعه، وَأهل زَمَاننَا وَغَيرهم (شديدو) الْحَاجة إِلَيْهِ، وكل الْمذَاهب تعتمد فِي الِاسْتِدْلَال عَلَيْهِ، وَهُوَ: أَن أتكلَّم عَلَى الْأَحَادِيث (والْآثَار الْوَاقِعَة) فِي «الْفَتْح الْعَزِيز (فِي) شرح الْوَجِيز» ، وَهُوَ الشَّرْح الْكَبِير الَّذِي صنَّفه إِمَام الملَّة والدِّين، أَبُو الْقَاسِم عبد الْكَرِيم ابْن الإِمام أبي الْفضل مُحَمَّد بن عبد الْكَرِيم الرَّافِعِيّ، قدَّس الله روحه ونوَّر ضريحه، فَإِنَّهُ كتاب لم يصنف فِي الْمَذْهَب عَلَى مثل أسلوبه، وَلم يجمع أحد سلف كجمعه، فِي ترتيبه وتنقيحه وتهذيبه، ومرجع فقهائنا فِي كل الأقطار - الْيَوْم - فِي الْفَتْوَى، والتدريس، والتصنيف إِلَيْهِ، واعتمادهم فِي هَذِه الْأُمُور عَلَيْهِ.

لكنه - أَجْزَل الله مثوبته - مَشَى فِي هَذَا الشَّرْح الْمَذْكُور عَلَى طَريقَة الْفُقَهَاء الخُلَّص، فِي ذكر الْأَحَادِيث الضعيفة والموضوعات، والمنكرة والواهيات، وَالَّتِي لَا تعرف أصلا فِي كتاب حَدِيث، لَا قديم وَلَا حَدِيث، فِي معرض الِاسْتِدْلَال، من غير بَيَان ضَعِيف من صَحِيح، وسليم من جريح.

وَهُوَ رحمه الله إِمَام فِي الْفَنّ الْمَذْكُور، وَأحد فرسانه، كَمَا سَيَأْتِي إيضاحه فِي تَرْجَمته. فتوكلت - حينئذٍ - عَلَى الله سبحانه وتعالى فِي

ص: 281