المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

نبَّهنا بِمَا ذكرنَا عَلَى كثير (مِمَّا تركنَا) ، ولعلنا نفرده - البدر المنير في تخريج الأحاديث والأثار الواقعة في الشرح الكبير - جـ ١

[ابن الملقن]

فهرس الكتاب

- ‌مُقَدّمَة

- ‌وهاك نبذة من حَالهم، لتعرف قدرهم، واجتهادهم ومحلهم:

- ‌ فصنَّفوا فِي ذَلِكَ مصنفات مبتكرة

- ‌فَإِن كَانَ الحَدِيث أَو الْأَثر فِي صحيحي الإِمامين:

- ‌وَإِن لم يكن الحَدِيث فِي وَاحِد من الصَّحِيحَيْنِ، (عزوته) إِلَى من أخرجه من الْأَئِمَّة:

- ‌نَاظرا عَلَى ذَلِك من كتب الصَّحَابَة:

- ‌وَمن كتب الْأَسْمَاء جرحا وتعديلًا وَغير ذَلِك:

- ‌وَمن كتب الْعِلَل:

- ‌وَمن كتب الْمَرَاسِيل:

- ‌وَمن كتب الموضوعات:

- ‌وَمن كتب الْأَطْرَاف:

- ‌وَمن كتب الْأَحْكَام:

- ‌وَمن كتب الأمالي:

- ‌وَمن كتب النَّاسِخ والمنسوخ:

- ‌وَمن كتب المبهمات فِي الحَدِيث:

- ‌وَمن كتب شُرُوح الحَدِيث والغريب:

- ‌وَمن كتب أَسمَاء الْأَمَاكِن:

- ‌وَمن كتب أُخرى حَدِيثِيَّةٌ:

- ‌وَمن مصنفات أبي الْخطاب بن دِحْيَة:

- ‌وَمن كتب أُخْرَى مُتَعَلقَة بالفقه:

- ‌أمَّا «موطأ» إِمَام دَار الْهِجْرَة

- ‌وَأما مُسْند الإِمام أَحْمد

- ‌وَأما «صَحِيح الإِمام أبي عبد الله البُخَارِيّ»

- ‌وَأما صَحِيح الإِمام أبي الْحُسَيْن مُسلم

- ‌وَأما «سنَن أبي دَاوُد»

- ‌وَأما جَامع أبي عِيسَى التِّرْمِذِيّ:

- ‌وَأما شَرط أبي عبد الرَّحْمَن النَّسَائِيّ

- ‌وَأما سنَن أبي عبد الله بن مَاجَه الْقزْوِينِي:

- ‌وَأما «صَحِيح» أبي حَاتِم بن حبَان

- ‌وَأما «الْمُسْتَدْرك» للْحَاكِم أبي عبد الله

- ‌كتاب الطَّهَارَة

- ‌بَاب المَاء الطَّاهِر

- ‌الحَدِيث الأول

- ‌الحَدِيث الثَّانِي

- ‌الحَدِيث الثَّالِث

- ‌الحَدِيث الرَّابِع

- ‌الحَدِيث الْخَامِس

- ‌الحَدِيث السَّادِس

- ‌بَاب بَيَان النَّجَاسَات (وَالْمَاء النَّجس)

- ‌الأول

- ‌الحَدِيث الثَّانِي

- ‌الحَدِيث الثَّالِث

- ‌الحَدِيث الرَّابِع

- ‌الحَدِيث الْخَامِس

- ‌الحَدِيث السَّادِس

- ‌الحَدِيث السَّابِع

- ‌الحَدِيث الثَّامِن

- ‌الحَدِيث التَّاسِع

- ‌الحَدِيث الْعَاشِر

- ‌الحَدِيث الْحَادِي عشر

- ‌الحَدِيث الثَّانِي عشر

- ‌الحَدِيث الثَّالِث عشر

- ‌الحَدِيث الرَّابِع عشر

- ‌الحَدِيث الْخَامِس (عشر)

- ‌الحَدِيث السَّادِس عشر

- ‌الحَدِيث السَّابِع عشر

- ‌الحَدِيث الثَّامِن عشر

- ‌الحَدِيث التَّاسِع عشر

- ‌الحَدِيث الْعشْرُونَ

- ‌الحَدِيث الْحَادِي وَالْعشْرُونَ

- ‌الحَدِيث الثَّانِي وَالْعشْرُونَ

- ‌الحَدِيث الثَّالِث وَالْعشْرُونَ

- ‌الحَدِيث الرَّابِع وَالْعشْرُونَ

- ‌بَاب الِاجْتِهَاد

- ‌بَاب الْأَوَانِي

- ‌الحَدِيث الأول

- ‌الحَدِيث الثَّانِي

- ‌الحَدِيث الثَّالِث

- ‌الحَدِيث الرَّابِع

- ‌الحَدِيث الْخَامِس

- ‌الحَدِيث السَّادِس

- ‌الحَدِيث السَّابِع

- ‌الحَدِيث الثَّامِن

- ‌الحَدِيث التَّاسِع

- ‌الحَدِيث الْعَاشِر

- ‌الحَدِيث الْحَادِي عشر

- ‌الحَدِيث الثَّانِي عشر

- ‌الحَدِيث الثَّالِث عشر

- ‌بَاب الْوضُوء

- ‌الحَدِيث الأول

- ‌الحَدِيث الثَّانِي

- ‌الحَدِيث الثَّالِث

- ‌الحَدِيث الرَّابِع

- ‌الحَدِيث الْخَامِس

- ‌الحَدِيث السّادس

- ‌الحَدِيث السّابع

- ‌الحَدِيث الثّامن

- ‌الحَدِيث التَّاسِع

- ‌الحَدِيث الْعَاشِر

- ‌الحَدِيث الْحَادِي عشر

- ‌الحَدِيث الثَّانِي عشر

- ‌الحَدِيث الثَّالِث عشر

- ‌الحَدِيث الرَّابِع عشر

- ‌الحَدِيث الْخَامِس عشر

- ‌الحَدِيث السَّادِس عشر

- ‌أَحدهَا:

- ‌الحَدِيث الثَّانِي:

- ‌الحَدِيث الثَّالِث:

الفصل: نبَّهنا بِمَا ذكرنَا عَلَى كثير (مِمَّا تركنَا) ، ولعلنا نفرده

نبَّهنا بِمَا ذكرنَا عَلَى كثير (مِمَّا تركنَا) ، ولعلنا نفرده بالتصنيف - إِن شَاءَ الله وقَدَّر.

وَقد فعل ذَلِك - وَله الْحَمد - فِي سنة ثَلَاث وَسِتِّينَ، فِي جُزْء لطيف.

‌الحَدِيث الثَّانِي

«أَنه صلى الله عليه وسلم تَوَضَّأ من بئرِ بضَاعَة» .

هَذَا الحَدِيث صَحِيح، مَشْهُور من حَدِيث أبي سعيد سعد بن مَالك بن سِنَان، الْخُدْرِيّ رضي الله عنه، قَالَ:«قيل: يَا رَسُول الله، أَنَتَوَضَّأُ من بِئْر بضَاعَة - وَهِي بِئْر يُلقى فِيهَا الحِيَضُ، وَلُحُوم الْكلاب، والنَّتْنُ؟ فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: إنَّ المَاء طهُور، لَا يُنَجِّسُه شَيْء» .

رَوَاهُ الْأَئِمَّة، أهل الْحل وَالْعقد: الشَّافِعِي فِي «الْأُم» ، و «اخْتِلَاف الحَدِيث» ، وَأحمد فِي «الْمسند» ، وَأَبُو دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيّ، وَالنَّسَائِيّ، وَالدَّارَقُطْنِيّ، وَالْبَيْهَقِيّ فِي «سُنَنهمْ» .

قَالَ التِّرْمِذِيّ: هَذَا حَدِيث حسن، وَفِي بعض نسخه: صَحِيح.

ص: 381

قَالَ: وَقد جَوَّد أَبُو أُسَامَة هَذَا الحَدِيث، [لم يَرْوِ أحد] حَدِيث أبي سعيد فِي بِئْر بضَاعَة أحسن مِمَّا رَوَى أَبُو أُسَامَة، قَالَ:(وَقد) رُوي هَذَا الحَدِيث من غير وَجه عَن أبي سعيد.

وَقَالَ الإِمام أَحْمد: هَذَا حَدِيث صَحِيح. نَقله الْحَافِظ جمال الدَّين الْمزي فِي «تهذيبه» وَغَيره عَنهُ.

قَالَ النَّوَوِيّ فِي «كَلَامه عَلَى سنَن أبي دَاوُد» : صحَّحه يَحْيَى بن معِين، وَالْحَاكِم، وَآخَرُونَ من الْأَئِمَّة الْحفاظ، وَقَالَ فِي «الْخُلَاصَة» : وَقَوْلهمْ مقدم عَلَى قَول الدَّارَقُطْنِيّ إِن هَذَا الحَدِيث لَيْسَ بِثَابِت.

قلت: كَذَا نَقَل عَن الدَّارَقُطْنِيّ هَذِه القولة أَيْضا ابْن الْجَوْزِيّ فِي «تَحْقِيقه» ، وَلم أَرَها فِي «علله» ، بل ذكر فِي «علله» الِاخْتِلَاف

ص: 382

فِي إِسْنَاده، ثمَّ قَالَ: و (أحْسنهَا) إِسْنَادًا: حَدِيث الْوَلِيد بن كثير، عَن مُحَمَّد بن كَعْب الْقرظِيّ، عَن عبيد الله بن عبد الله بن رَافع، عَن أبي سعيد؛ وَحَدِيث ابْن إِسْحَاق، عَن عبد الله بن أبي سَلمَة (الْمَاجشون) ، عَن (عُبيد الله) بِهِ، فَاعْلَم ذَلِك.

وَقَالَ الْحَافِظ أَبُو مُحَمَّد الْمُنْذِرِيّ: تكلَّم فِيهِ بَعضهم، وَلم يبيِّنه رحمه الله.

وَقَالَ أَبُو الْحسن (بن) الْقطَّان فِي كتاب «الْوَهم والإِيهام» : أمره إِذا بُين، تبين مِنْهُ ضعف الحَدِيث لَا حسنه، وَذَلِكَ أَن مَدَاره عَلَى أبي أُسَامَة، عَن مُحَمَّد بن كَعْب، ثمَّ اختُلف عَلَى أبي أُسَامَة فِي الْوَاسِطَة [الَّتِي] بَين مُحَمَّد بن كَعْب، وَأبي سعيد، فقوم يَقُولُونَ: عبيد الله بن عبد الله بن رَافع بن خديج، وَقوم يَقُولُونَ: عبد الله بن عبد الله بن رَافع بن خديج. وَله [طَرِيق] آخر، من رِوَايَة: ابْن إِسْحَاق، عَن سليط بن أَيُّوب.

واختُلف عَلَى ابْن إِسْحَاق فِي الْوَاسِطَة بَين سليط وَأبي سعيد، فقوم يَقُولُونَ: عبيد الله بن عبد الرَّحْمَن بن رَافع - قلت: وَنقل أَبُو دَاوُد هَذَا فِي «سنَنه» عَن بَعضهم - وَقوم يَقُولُونَ: عبد الله بن عبد الرَّحْمَن

ص: 383

بن رَافع؛ (وَقوم يَقُولُونَ: عَن عبد الرَّحْمَن بن رَافع) .

فَتحصل فِي هَذَا الرجل - يَعْنِي الرَّاوِي لَهُ عَن أبي سعيد - خَمْسَة أَقْوَال: عبد الله بن (عبد الله) بن رَافع، وَعبيد الله بن عبد الله بن رَافع، وَعبد الله بن عبد الرَّحْمَن بن رَافع، وَعبد الرَّحْمَن بن رَافع، وَعبيد الله بن عبد الرَّحْمَن بن رَافع.

وكيفما كَانَ، فَهُوَ من لَا (تعرف) لَهُ حَال وَلَا عين، والأسانيد بِمَا ذَكرْنَاهُ فِي كتب الحَدِيث مَعْرُوفَة، وَقد ذكر البُخَارِيّ فِي «تَارِيخه» الْخلاف الْمَذْكُور مُفَسرًا.

قَالَ (ابْن الْقطَّان) : وَلِحَدِيث بِئْر بضَاعَة (طَرِيق) حسن، من غير رِوَايَة أبي سعيد، من رِوَايَة سهل بن سعد.

قَالَ قَاسم بن أصبغ: ثَنَا مُحَمَّد بن وَضَّاح، ثَنَا أَبُو عَلّي عبد الصَّمد بن أبي سكينَة الْحلَبِي، بحلب، نَا عبد الْعَزِيز بن أبي حَازِم، عَن أَبِيه، عَن سهل بن سعد: قَالُوا: «يَا رَسُول الله، (إِنَّك تتوضأ) من بِئْر

ص: 384

بضَاعَة، وفيهَا مَا يُنْجِي النَّاس والمحايض، وَالْجنب؟ ! فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم:«المَاء لَا يُنجسهُ شَيْء» .

قَالَ قَاسم: هَذَا من أحسن شَيْء فِي بِئْر بضَاعَة.

وَقَالَ مُحَمَّد بن عبد الْملك بن أَيمن: ثَنَا ابْن وَضَّاح

فَذكره - أَيْضا - بِإِسْنَادِهِ وَمَتنه.

وَقَالَ ابْن حزم فِي (كتاب)«الإِيصال» : عبد الصَّمد بن أبي سكينَة ثِقَة مَشْهُور.

وَذكره (المنتجالي)، وَقَالَ:(إِن) ابْن وضاح لقِيه بحلب. ويُروى عَن سهل بن سعد فِي بِئْر بضَاعَة من طرق، هَذَا (خَيرهَا) .

وَقَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي «الإِمام» : أخرج أَبُو عبد الله بن مَنْدَه هَذَا الحَدِيث من رِوَايَة مُحَمَّد بن كَعْب الْقرظِيّ، عَن عبيد الله بن عبد الله بن رَافع، وَقَالَ: هَذَا إِسْنَاد مَشْهُور، أخرجه أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ، وَتَركه البُخَارِيّ وَمُسلم لاخْتِلَاف فِي إِسْنَاده. رَوَاهُ ابْن أبي ذِئْب، عَن الثِّقَة عِنْده، عَن عبد الله بن عبد الرَّحْمَن، عَن أبي سعيد. ثمَّ ذكر رِوَايَة مطرف

ص: 385

بن طريف، عَن خَالِد بن أبي نوف، عَن سليط بن أَيُّوب، عَن عبد الرَّحْمَن بن أبي سعيد الْخُدْرِيّ، عَن أَبِيه. وَقَالَ بعد ذَلِك: فإنْ كَانَ عبيد الله بن عبد الرَّحْمَن بن رَافع هَذَا، هُوَ الْأنْصَارِيّ الَّذِي رَوَى عَن جَابر بن عبد الله، فقد (رَوَى) عَنهُ هِشَام بن عُرْوَة، وَهُوَ رجل مَشْهُور فِي أهل الْمَدِينَة. وَعبد الله بن رَافع بن خديج مَشْهُور، (وَعبيد الله) ابْنه مَجْهُول. فَهَذَا حَدِيث مَعْلُول (بِرِوَايَة) عبيد الله بن عبد الله بن رَافع.

وَقد أخرج الْحَافِظ، أَبُو مُحَمَّد عبد الْغَنِيّ (بن سعيد) الْمصْرِيّ، فِي (كتاب) :«إِيضَاح الإِشكال» رِوَايَة مطرف، عَن خَالِد بن أبي نوف، عَن سليط، عَن ابْن أبي سعيد، عَن أَبِيه قَالَ:«انْتَهَيْت إِلَى النَّبِي صلى الله عليه وسلم، وَهُوَ يتَوَضَّأ من بِئْر بضَاعَة، فَقلت: يَا رَسُول الله، تتوضأ مِنْهَا وَهِي يُلقى فِيهَا مَا يُلقى من النتن؟ ! فَقَالَ: إنَّ المَاء لَا يُنَجِّسه شَيْء» .

قَالَ الشَّيْخ فِي «الإِمام» : وَفِي رِوَايَة [ابْن] إِسْحَاق، عَن سليط شَيْء آخر، ذكره أَبُو مُحَمَّد بن أبي حَاتِم فِي «الْمَرَاسِيل» عَن أَبِيه، قَالَ: مُحَمَّد بن إِسْحَاق بَينه وَبَين سليط رجل.

وَكَلَامه مُحْتَمل لِأَن يكون بَينهمَا رجل فِي حَدِيث بِئْر بضَاعَة، وَبَين

ص: 386

أَن يكون بَينهمَا رجل مُطلقًا، وَالْأَقْرَب إِلَى وضع الْكتاب الْمَذْكُور هُوَ الثَّانِي. اه.

قلت: وَالَّذِي يظْهر، صِحَة الحَدِيث مُطلقًا، كَمَا صحَّحه الْأَئِمَّة المتقدمون: التِّرْمِذِيّ، وَأحمد، وَيَحْيَى بن معِين، وَالْحَاكِم، وهم أَئِمَّة هَذَا الْفَنّ والمرجوع إِلَيْهِم.

وتضعيف ابْن الْقطَّان إِيَّاه لجَهَالَة الوسائط بَين سليط بن أَيُّوب وَأبي سعيد، يُعَارضهُ رِوَايَة سليط عَن عبد الرَّحْمَن بن أبي سعيد الْخُدْرِيّ، وَلَيْسَت مِمَّا ذكره، فَلَيْسَ عبد الرَّحْمَن هَذَا مَجْهُولا، رَوَى لَهُ الْجَمَاعَة إلَاّ البُخَارِيّ.

وَأما قَوْله: إنَّ الْخَمْسَة الَّذين (رَوَوْهُ) عَن أبي سعيد كلهم مَجَاهِيل. فَفِيهِ نظر؛ لِأَن تَصْحِيح الحفَّاظ الأُوَل لهَذَا الحَدِيث تَوْثِيق مِنْهُم لَهُم، إِذْ لَا يُظن بِمن دونهم الإِقدام عَلَى تَصْحِيح مَا رِجَاله مَجَاهِيل؛ لِأَنَّهُ تَدْلِيس فِي (الرِّوَايَة) وغش، وهم برَاء من ذَلِك.

وَقد وثَّق أَبُو حَاتِم ابْن حبَان (عبيد الله) بن عبد الله بن رَافع، وَعبيد الله بن عبد الرَّحْمَن بن رَافع، وَعقد لَهما ترجمتين فِي «ثقاته» . وهما فِي كتاب البُخَارِيّ وَاحِد، وَكَذَلِكَ عِنْد (ابْن) أبي حَاتِم، بل لَعَلَّ الْخَمْسَة الْمَذْكُورين عِنْد ابْن الْقطَّان [واحدٌ] عِنْد البُخَارِيّ.

ص: 387

لَا جرم أَن الْحَافِظ أَبَا مُحَمَّد بن حزم (قَالَ) فِي كِتَابه «المحلَّى شرح المجلَّى» عقب حَدِيث بِئْر بضَاعَة: هَذَا حَدِيث صَحِيح، جَمِيع رُوَاته معروفون عدُول.

وَقَالَ أَبُو حَاتِم ابْن حبَان فِي «صَحِيحه» - لمَّا ذكر (حَدِيث) عبيد الله بن عبد الرَّحْمَن عَن جَابر رَفعه: «من أَحْيَا أَرضًا ميتَة، فَلهُ فِيهَا أجر

» الحَدِيث -: (ذكر) الْخَبَر المدحض قَول من زعم أَن [عبد الله بن عبد الرَّحْمَن] هَذَا مَجْهُول، لَا يعرف. ثمَّ أخرجه من حَدِيث هِشَام، عَن (عبد الله) بن عبد الرَّحْمَن بن رَافع بن خديج، سَمِعت جَابِرا يذكر

الحَدِيث. وَسَيَأْتِي بَيَان هَذَا فِي كتاب «إحْيَاء الْموَات» حِين يذكر الإِمام الرَّافِعِيّ هَذَا الحَدِيث.

و (إِذْ) قد فَرغْنَا من تَصْحِيح هَذَا (الحَدِيث) ، فَلَا بُد من إِيرَاد ضبط بعض أَلْفَاظه، وفوائده، فَنَقُول:

«بضَاعَة» : بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة، وَيُقَال: بِكَسْرِهَا، لُغَتَانِ، حَكَاهُمَا الْجَوْهَرِي وَغَيره، وَالضَّم أشهر وأفصح، وَلم يذكر جمَاعَة

ص: 388

(سواهُمَا) . ثمَّ قيل: هُوَ اسْم لصَاحب الْبِئْر. وَقيل: اسْم لموضعها. وَهِي بِئْر بِالْمَدِينَةِ، بَصق رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فِيهَا، وبرَّك فِيهَا، وَتَوَضَّأ فِي دلو وَرَدَّه فِيهَا، وَكَانَ إِذا مرض مَرِيض يَقُول لَهُ:«اغْتسل بِمَائِهَا» فيغتسل فَكَأَنَّمَا نشط من عقال. وَهِي فِي ديار بني سَاعِدَة مَعْرُوفَة، وَبهَا مَال من أَمْوَال الْمَدِينَة.

و «الحِيَض» : بِكَسْر الْحَاء وَفتح الْيَاء، جمع: حِيَضة - بِكَسْر الْحَاء - وَهِي الْخِرْقَة الَّتِي تحشي (بهَا) الْمَرْأَة. وَقد تطلق «الحِيضة» - بِكَسْر الْحَاء - عَلَى الِاسْم من «الحَيضة» بِالْفَتْح.

وَفِي رِوَايَة لأبي دَاوُد (و) الدَّارَقُطْنِيّ: «وعَذِر النَّاس» : وَهِي - بِفَتْح الْعين، وَكسر الذَّال - اسْم جنس للعذرة. وَضبط أَيْضا بِكَسْر الْعين وَفتح الذَّال، كمعدة ومِعَد، وَكِلَاهُمَا صَحِيح، وَضم الْعين فِيهَا تَصْحِيف.

وَقَوله: «وَمَا يُنْجِي الناسُ» : هُوَ بياء مثناة تَحت مَضْمُومَة، ثمَّ نون سَاكِنة، ثمَّ جِيم (مَكْسُورَة) . كَذَا ضَبطه صَاحب «الإِمام» .

ثمَّ قَالَ: و «النَّاس» : بِرَفْع السِّين عَلَى الفاعلية، يُقَال: أنجى الرجل، إِذا أحدث، فَيحْتَمل أَلا يكون فِيهِ حذف وَيُؤَيِّدهُ رِوَايَة الدَّارَقُطْنِيّ - الْمَذْكُورَة «وَعذر النَّاس» - وَيحْتَمل أَن يكون (فِيهِ) حذف عَلَى تَقْدِير: ويُلقى فِيهِ خرق مَا يُنجي النَّاس، كَمَا قيل فِي المحايض.

ص: 389

قَالَ الْخطابِيّ وَآخَرُونَ: لم يكن (إِلْقَاء) ذَلِك تعمدًا من آدَمِيّ، بل كَانَت هَذِه الْبِئْر فِي حَدُور السَّيْل تكسح الأقذار من الأفنية، فتلقيها فِيهَا، وَلَا يُؤثر فِي المَاء لكثرته. وَقيل: كَانَت الرّيح تلقي ذَلِك. وَقيل: المُنَافِقُونَ. وَيحْتَمل الرّيح والسيول، وَأما: المُنَافِقُونَ، فبعيد؛ لِأَن الِانْتِفَاع بهَا مُشْتَرك، مَعَ تَنْزِيه الْمُنَافِقين وَغَيرهم الْمِيَاه فِي الْعَادة.

وَوَقع فِي «الرَّافِعِيّ» : أَن مَاء هَذِه الْبِئْر كَانَ (كَنُقَاعَةِ) الْحِنَّاء. وَهَذَا (غَرِيب) جدًّا، لم أَرَه بعد الْبَحْث، وسؤال بعض الْحفاظ عَنهُ، وَهَذَا الْوَصْف لَا أعلمهُ يلقى إلَاّ فِي صفة الْبِئْر الَّتِي (سُحِر) فِيهَا رَسُول الله صلى الله عليه وسلم، وَهِي: بِئْر ذروان.

وَقَالَ ابْن الْجَوْزِيّ فِي «تلبيسه» : «أَنه صلى الله عليه وسلم تَوَضَّأ من غَدِير مَاؤُهُ كنقاعة الْحِنَّاء» .

وَذكرهَا ابْن الرّفْعَة فِي «الْمطلب» ، وَلَعَلَّه أَخذهَا من «كتاب الرَّافِعِيّ» . قَالَ بَعضهم: إنَّها مَوْجُودَة فِي «شرح السنَّة» لِلْبَغوِيِّ، وراجعته، فَلم أجد ذَلِك فِيهِ.

وَالَّذِي أعلمهُ فِي صفة (بِئْر) بضَاعَة مَا قَالَه أَبُو دَاوُد فِي «سنَنه» : سَمِعت قُتَيْبَة بن سعيد يَقُول: سَأَلت قَيِّمَ بِئْر بضَاعَة عَن

ص: 390

عمقها، قَالَ: أَكثر مَا يكون فِيهَا المَاء إِلَى الْعَانَة. قلت: فَإِذا نقص؟ قَالَ: دون الْعَوْرَة. قَالَ أَبُو دَاوُد: وقَدَّرتُ بِئْر بضَاعَة بردائي، مددته عَلَيْهَا ثمَّ ذرعته فَإِذا عرضهَا سِتَّة أَذْرع، وَسَأَلت الَّذِي فتح لي بَاب الْبُسْتَان فأَدخلني إِلَيْهِ: هَل غُيِّر بنيانها عَمَّا كَانَت عَلَيْهِ؟ فَقَالَ: لَا. وَرَأَيْت فِيهَا مَاء متغير اللَّوْن.

وَقَالَ الإِمَام الشَّافِعِي - كَمَا نَقله عَنهُ الْبَيْهَقِيّ فِي «الْمعرفَة» و «السّنَن» -: بِئْر بضَاعَة كَثِيرَة المَاء وَاسِعَة، وَكَانَ يُطرح فِيهَا من الأنجاس مَا لَا يُغير لَهَا لونًا، وَلَا طعمًا، وَلَا يظْهر لَهُ (فِيهَا) ريح، فَقيل للنَّبِي (: تتوضأ من بِئْر بضَاعَة، وَهِي يُطرح فِيهَا كَذَا وَكَذَا؟ فَقَالَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم مجيبًا:«المَاء لَا يُنجسهُ شَيْء» . يَعْنِي: فِي المَاء مثلهَا.

وَمِمَّا يَنْبَغِي أَن يُعْلَمَ: أَن بِئْر بضَاعَة كَانَت واقفةً، وأمَّا مَا قَالَه الْوَاقِدِيّ وَغَيره: أنَّ هَذِه الْبِئْر كَانَ يُسْقَى مِنْهَا الزَّرْع و (الْبَسَاتِين) . وَقَول بَعضهم: إِنَّهَا كَانَت جَارِيَة. فغلط؛ لِأَن الْعلمَاء ضبطوا بِئْر بضَاعَة، وعرَّفوها فِي كتب مَكَّة وَالْمَدينَة، وَأَن المَاء لم يكن يجْرِي، والواقدي لَا يحْتَج بِرِوَايَاتِهِ الْمُتَّصِلَة، فَكيف بِمَا يُرْسِلهُ أَو يَقُوله عَن نَفسه؟ وَعَلَى تَقْدِير صِحَة ذَلِك، فَيكون مَعْنَاهُ: أَنه يُسْقَى مِنْهَا بالدلو والناضح، عملا بِمَا نَقله الْأَثْبَات فِي صفتهَا.

وَالْمرَاد «بالعورة» فِي كَلَام (قَيِّم) الْبِئْر: الْفرج، يَعْنِي: دون الْفرج بِقَلِيل. وَكَأَنَّهَا كَانَت تنقص شبْرًا أَو نَحوه، وإنَّما قدرهَا أَبُو دَاوُد

ص: 391

بردائه، وَسَأَلَ عَنْهَا قُتَيْبَة، ليعلم أَنَّهَا كَبِيرَة جدًّا.

وَالْمَقْصُود: أَن بعض الْأَئِمَّة يَقُول: إِذا كَانَ المَاء غير جارٍ، وَوَقعت فِيهِ نَجَاسَة، فَإِن كَانَ بِحَيْثُ لَو حُرِّك أحد طَرفَيْهِ تَحرَّك الآخر فَهُوَ نجس كُله، وإلَاّ فطاهر. وَهَذِه الْبِئْر كَانَت دون هَذَا، فمعلوم أَنَّهَا إِذا حرَّك أحد طرفيها، تَحرَّك الآخر، وَقد صَحَّ أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم تَوَضَّأ مِنْهَا، وَكَانَت النَّجَاسَات تقع فِيهَا، فَهَذَا يردُّ مَذْهَب هَذَا الإِمام. هَذَا مَقْصُود قُتَيْبَة وَأبي دَاوُد بِمَا ذكرَاهُ وَلِهَذَا قَالَ: سَأَلت الَّذِي فتح لي الْبَاب: هَل غُيِّر بناؤها عمَّا كَانَ فِي زمن النَّبِي صلى الله عليه وسلم؟ قَالَ: لَا.

وَقَوله: رَأَيْت فِيهَا مَاء متغير اللَّوْن. هَذَا التَّغَيُّر كَانَ بطول الْمكْث أَو نَحوه، أَو من أَصْلهَا، لَا بِنَجَاسَة، ثمَّ إنَّ هَذِه صفة مَائِهَا فِي زمن أبي دَاوُد، وَلَا يلْزم مِنْهُ أَن تكون صفتهَا كَذَلِك فِي زمن النَّبِي صلى الله عليه وسلم، (وَلَعَلَّه) قلَّ اسْتِعْمَالهَا، فَتغير مَاؤُهَا.

وَاعْلَم: أَن هَذَا الحَدِيث عَام مَخْصُوص، خُصَّ مِنْهُ الْمُتَغَيّر بِنَجَاسَة، فإنَّه ينجس بالإِجماع، وَخص مِنْهُ أَيْضا: مَا دون الْقلَّتَيْنِ إِذا لاقته نَجَاسَة، عَلَى قَول الشَّافِعِي وَأحمد وكثيرين، وَقَالَ مَالك وَآخَرُونَ (بِعُمُومِهِ)، فَالْمُرَاد: المَاء الْكثير الَّذِي لم تغيره نَجَاسَة لَا يُنجسهُ شَيْء، وَهَذِه كَانَت صفة بِئْر بضَاعَة.

وَهَذَا الحَدِيث لَا يُخَالف حَدِيث الْقلَّتَيْنِ الْآتِي؛ لِأَن ماءها كَانَ كثيرا، لَا يُغَيِّره وُقُوع هَذِه الْأَشْيَاء فِيهِ.

وَقَوله: «أَتَتَوَضَّأُ» هُوَ بتاءين مثناتين من فَوق، خطابٌ للنَّبِي (، كَمَا وَقع مُصَرحًا بِهِ فِي رِوَايَة قَاسم بن أصبغ الْمُتَقَدّمَة، قَالُوا: «يَا رَسُول

ص: 392