الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الِاسْتِنْجَاء بالأحجار، وبلادهم حارة، فَإِذا نَام أحدهم عرق، فَلَا يَأْمَن النَّائِم أَن تَطوف يَده عَلَى الْمحل النَّجس، أَو عَلَى (بَثْرة) وقملة، وَنَحْو ذَلِك، (فيتنجس) .
الحَدِيث الْخَامِس (عشر)
أَنه صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِذا بَلَغَ الماءُ قلَّتَيْن، بِقِلال هَجَر، لَمْ يَحْمِل خَبَثًا» . وَرُوِيَ: «نَجَسًا» .
هَذَا الحَدِيث تقدم الْكَلَام (عَلَيْهِ) وَاضحا فِي الْبَاب قبله.
الحَدِيث السَّادِس عشر
«أَنه صلى الله عليه وسلم قَالَ لأسماء: حُتِّيه، ثُمَّ اقرَصيه، ثُمَّ اغسليه بِالْمَاءِ» .
هَذَا الحَدِيث رُوِيَ من طَرِيقين صَحِيحَيْنِ:
أَحدهمَا: عَن أَسمَاء أَن امْرَأَة سَأَلت. وَالثَّانِي: أَن أَسمَاء سَأَلت.
أما الطَّرِيقَة الأولَى: فأخرجها الشَّيْخَانِ فِي «صَحِيحَيْهِمَا» عَن أَسمَاء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قَالَت: «جَاءَت امْرَأَة إِلَى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَقَالَت: إحدانا يُصِيب ثوبها من دم الْحَيْضَة، كَيفَ تصنع بِهِ؟ قَالَ: تَحُتّه، ثمَّ تقرصه بِالْمَاءِ، ثمَّ تنضحه، ثمَّ تصلِّي فِيهِ» .
وَفِي رِوَايَة (لأبي) دَاوُد - بِإِسْنَاد عَلَى شَرطهمَا -: «إِذا أصَاب إحداكن الدَّم من الْحيض، فلتقرصه، ثمَّ لتنضحه بِالْمَاءِ، (ثمَّ) لتصلي» .
وَفِي رِوَايَة لَهُ عَلَى شَرط البُخَارِيّ: «حُتِّيه، ثمَّ اقرصيه بِالْمَاءِ، ثمَّ انضحيه» .
وَفِي رِوَايَة لِلتِّرْمِذِي: «حُتِّيه، ثمَّ اقرصيه بِالْمَاءِ، ثمَّ رشيه، (و) صلي فِيهِ» . قَالَ التِّرْمِذِيّ: هَذَا حَدِيث حسن صَحِيح. و (صححها) ابْن خُزَيْمَة، وَابْن حبَان أَيْضا.
وَفِي رِوَايَة لِابْنِ حبَان: «سُئِلَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم عَن الثَّوْب يُصِيبهُ الدَّم من الْحَيْضَة، فَقَالَ: لِتَحُتُّه، ثمَّ (تَقْرُصُه) بِالْمَاءِ، ثمَّ لتَنْضَحْه، فتصلِّي فِيهِ» .
وَفِي رِوَايَة لَهُ: «أنَّ امْرَأَة قَالَت: يَا رَسُول الله، مَا أصنع بِمَا أصَاب ثوبي من دم (الْحيض) ؟ قَالَ: حُتِّيه، ثمَّ اقرصيه بِالْمَاءِ،
وانضحي مَا حوله» .
وَفِي رِوَايَة لأبي عوَانَة فِي «صَحِيحه» ، من حَدِيث الشَّافِعِي عَن مَالك:«إِذا أصَاب ثوبَ إحداكنَّ الدَّم، فلتقرصه، ثمَّ لتتبعه بِالْمَاءِ، ثمَّ تصلِّي فِيهِ» .
وَفِي رِوَايَة لِابْنِ مَاجَه: «سُئِلَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم عَن دم الْحيض يكون فِي الثَّوْب، قَالَ: اقرصيه، واغسليه، وصلِّي فِيهِ» .
وَأما الطَّرِيقَة الثَّانِيَة: فرواها الإِمام الشَّافِعِي رضي الله عنه، (وَهِي) فِي «مُسْنده» عَن سُفْيَان بن عُيَيْنَة، عَن هِشَام، عَن فَاطِمَة، عَن أَسمَاء قَالَت:«سَأَلت النَّبِي صلى الله عليه وسلم عَن دم الْحَيْضَة يُصِيب الثَّوْب، فَقَالَ: حتِّيه، (ثمَّ) اقرصيه بِالْمَاءِ، ثمَّ رشيه، وصلِّي فِيهِ» .
قَالَ الشَّافِعِي: ونا سُفْيَان بن عُيَيْنَة، عَن هِشَام بن عُرْوَة، أَنه سمع امْرَأَته فَاطِمَة بنت الْمُنْذر تَقول: سمعتُ جدتي أَسمَاء بنت أبي بكر تَقول: «سَأَلت النَّبِي صلى الله عليه وسلم عَن دم الْحَيْضَة
…
» فَذكر مثله.
وَرَوَاهُ فِي «الْمسند» أَيْضا عَن مَالك، عَن هِشَام، عَن فَاطِمَة، عَن أَسمَاء قَالَت: «سَأَلت امرأةٌ النَّبِي صلى الله عليه وسلم
…
» فَذكره كَمَا رَوَاهُ البُخَارِيّ وَمُسلم، وَقد تَقَدَّم.
وَرَوَاهُ الشَّافِعِي أَيْضا فِي «الْأُم» بِالطَّرِيقِ الأولَى الَّتِي فِي
«الْمسند» .
وَهَذِه الْأَسَانِيد الَّتِي ذكر الشَّافِعِي بهَا هَذِه الزِّيَادَة - أنَّ أَسمَاء هِيَ السائلة - أَسَانِيد صَحِيحَة، لَا مطْعن لأحد فِي اتصالها، وثقات رواتها، فَكُلّهم أَئِمَّة أَعْلَام، مخرج حَدِيثهمْ فِي (الصَّحِيح) ، وَفِي الْكتب السِّتَّة، فَهُوَ إِسْنَاد صَحِيح عَلَى شَرط أهل الْعلم كلهم، وَأَنا أتعجَّب كل الْعجب من قَول الشَّيْخ محيي الدَّين النَّوَوِيّ رحمه الله فِي «شرح الْمُهَذّب» : أنَّ الشَّافِعِي رَوَى فِي «الْأُم» (أَن أَسمَاء هِيَ السائلة، بِإِسْنَاد ضَعِيف. فالإِسناد الَّذِي ذكره فِي «الْأُم» ) كَمَا قدَّمته، عَلَى أَنه رحمه الله قد يُعذر فِي ذَلِك، فإنَّه سبقه إِلَى هَذِه الْمقَالة الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين ابْن الصّلاح فِي كَلَامه عَلَى (الْمُهَذّب» فقلَّده فِي ذَلِك.
ثمَّ رَأَيْت الْبَيْهَقِيّ فِي (كِتَابه «الْمعرفَة» بعد أَن ذكره عَن الشَّافِعِي بِهَذَا السَّنَد وَاللَّفْظ [قَالَ] : هَكَذَا رَوَى الرّبيع هَذَا الحَدِيث عَن الشَّافِعِي، (بِإِسْنَادِهِ) ، عَن جدَّتهَا أَسمَاء بنت أبي بكر «أَن امْرَأَة سَأَلت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم عَن دم الْحيض يُصِيب الثَّوْب» وَهُوَ الصَّحِيح.
كَذَلِك رَوَاهُ الْحميدِي، وَغَيره، عَن سُفْيَان بن عُيَيْنَة.
[و] كَذَلِك رَوَاهُ مَالك وَيَحْيَى بن سعيد وَعبد الله بن نمير ووكيع وَغَيرهم، عَن هِشَام، وَهُوَ مُخَرَّج فِي «الصَّحِيحَيْنِ» من حَدِيث مَالك وَغَيره. انْتَهَى) .
وَمِمَّا يُتعجب أَيْضا إِنْكَار جماعات عَلَى صَاحب «الْمُهَذّب» ، حَيْثُ رَوَى أَن أَسمَاء هِيَ السائلة، وغَلَّطُوه فِي ذَلِك، وَقد بَانَ غلطُهم بِفضل الله وقوَّته.
بَقِي أَمر آخر - وَهُوَ المهم الْمَطْلُوب - وَهُوَ: أَن هَذِه اللَّفْظَة الَّتِي أوردهَا الإِمام الرَّافِعِيّ وَغَيره من الْفُقَهَاء فِي هَذَا الحَدِيث وَهِي: «اغسليه بِالْمَاءِ» - وَهِي بَيت (القصيد) - غَرِيبَة، لَيست مرويَّة فِي الْكتب الْمَشَاهِير، وَقد أخرج هَذَا الحَدِيث - مَعَ من تقدم - الإِمام أَحْمد، وَبَاقِي السّنَن الْأَرْبَعَة، وَغَيرهم، وَلَيْسَ فِي رواياتهم هَذِه اللَّفْظَة، وَقَالَ الْحَافِظ أَبُو مُحَمَّد الْمُنْذِرِيّ فِي «كَلَامه عَلَى أَحَادِيث الْمُهَذّب» : إِن هَذِه اللَّفْظَة غير مَحْفُوظَة (فِي) هَذَا الحَدِيث. لَكِن قَالَ الإِمام الرَّافِعِيّ فِي «شرح الْمسند» : (يرْوَى) فِي الْخَبَر هَذِه اللَّفْظَة. فَبَقيت زَمنا متحيِّرًا فِي ذَلِك، نَاوِيا الِاعْتِرَاض عَلَيْهِ مرّة، ومتوقفًا أُخرى، إِلَى أَن وجدت مَا
نَقله، فَخرج عَن عُهْدَة النَّقْل، وَقد أَفَادَ ذَلِك شيخ الإِسلام تَقِيّ الدَّين ابْن دَقِيق الْعِيد فِي كِتَابه «الإِمام» ، فَقَالَ: لَيْسَ من الْأُمَّهَات مَا اشْتهر (بَين) الْفُقَهَاء فِي هَذَا الحَدِيث: «ثمَّ اغسليه بِالْمَاءِ» .
(قَالَ) : وَمن زعم أَن: «اقرصيه بِالْمَاءِ» مساوٍ فِي الدّلَالَة (ل «اغسليه) بِالْمَاءِ» ، فَقَوله مَمْنُوع، نعم وَقع لنا الْأَمر بِالْغسْلِ بِالْمَاءِ من رِوَايَة مُحَمَّد بن إِسْحَاق، عَن فَاطِمَة بنت الْمُنْذر، عَن أَسمَاء بنت أبي بكر، قَالَت:«سمعتُ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم (وَسَأَلته) امْرَأَة عَن دم الْحيض يُصِيب ثوبها، قَالَ: اغسليه (بِمَاء، ثمَّ انضحي فِي سَائِر ثَوْبك، وصَلِّي فِيهِ» .
رَوَاهُ أَحْمد بن منيع فِي «مُسْنده» ، عَن يزِيد بن هَارُون، عَن مُحَمَّد بن إِسْحَاق، قَالَ: وَقد رَوَاهُ غَيره عَن مُحَمَّد بن إِسْحَاق بِغَيْر هَذِه اللَّفْظَة، أَعنِي:«اغسليه» ) .
قُلْتُ: وتعتضد هَذِه الرِّوَايَة بِرِوَايَة أبي عوَانَة، وَابْن مَاجَه المتقدمتين، فإنَّ ظاهرهما مثلهَا.
وَرَأَيْت بعد ذَلِك فِي «الْمعرفَة» للبيهقي مَا (نَصه) : وَرَوَى مُحَمَّد بن إِسْحَاق بن يسَار، عَن فَاطِمَة بنت الْمُنْذر، عَن أَسمَاء، وَفِيه:
«حتِّيه، ثمَّ اقرصيه بِمَاء، ثمَّ تنضح فِي سَائِر ثوبها، ثمَّ تصلِّي» . فَهَذِهِ رِوَايَة أُخرى عَن ابْن إِسْحَاق، فَيكون اخْتُلف عَلَيْهِ فِي لَفظه.
وَقد وَردت أَيْضا فِي حَدِيث (آخر) صَحِيح من غير شكّ وَلَا مرية، يتَعَيَّن الِاسْتِدْلَال بِهِ، وَهُوَ مَا رَوَاهُ الإِمام أَحْمد فِي «مُسْنده» ، وَأَبُو دَاوُد، وَالنَّسَائِيّ، وَابْن مَاجَه فِي «سُنَنهمْ» ، وَابْن خُزَيْمَة، وَابْن حبَان فِي «صَحِيحَيْهِمَا» ، من حَدِيث أم قيس بنت مُحصن رضي الله عنها «أَنَّهَا سَأَلت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم عَن دم الْحَيْضَة يُصِيب الثَّوْب، فال: حُكِّيه بضِلَع، واغسليه بِمَاء وَسدر» .
قَالَ أَبُو الْحسن ابْن القطَّان: وَإسْنَاد هَذَا الحَدِيث فِي غَايَة من الصِّحَّة، وَلَا أعلم لَهُ عِلّة.
تَنْبِيهَات:
أَولهَا: جمع الإِمامان ابْن الْأَثِير، والرافعي فِي « (شرحي) الْمسند» بَين الرِّوَايَتَيْنِ المتقدمتين فِي حَدِيث أَسمَاء بِوَجْهَيْنِ:
أَحدهمَا: أَنه يُمكن أَن أَسمَاء سَأَلت عَن ذَلِك، وَسَأَلَ غَيرهَا أَيْضا، فيكونا قصتين، (فترجع) كل رِوَايَة إِلَى سُؤال.
وَالثَّانِي: أَنه يُمكن أَن تَعْنِي أَسمَاء فِي الرِّوَايَة: «أَن امْرَأَة سَأَلت» . نَفسهَا، والوجهان محتملان.
ثَانِيهَا: قَالَ ابْن حبَان فِي «صَحِيحه» : الْأَمر بالحتّ والرشّ أَمر ندبٍ لَا حتم، وَالْأَمر بالقَرْص إِنَّمَا هُوَ مقرون بِشَرْطِهِ، وَهُوَ إِزَالَة الْعين، فإزالة الْعين فرض، والقَرْص بِالْمَاءِ نفل إِذا قُدر عَلَى إِزَالَته بِغَيْر قَرْص، وَالْأَمر بِالصَّلَاةِ فِي ذَلِك الثَّوْب بعد غسله أَمر (إِبَاحَة لَا حتم) .
قَالَ: (و) قَوْله فِي حَدِيث أم قيس: «اغسليه بِالْمَاءِ» أَمر فرض، وَذكر السدر والحك بالضلع أَمر ندب وإرشاد.
ثَالِثهَا: الحتّ بِالتَّاءِ الْمُثَنَّاة فَوق: الحك والقشر، قَالَ الْهَرَوِيّ: حُتِّيه: أَي حُكِّيه.
والقَرْص: الغمز بأطراف الْأَصَابِع، قَالَ أَبُو عُبَيْدَة:(قَرِّصِيه: قَطِّعِيه) . وَرُوِيَ: «تَقْرُصه» بِفَتْح التَّاء وَإِسْكَان الْقَاف وَضم الرَّاء، وبضم التَّاء وَفتح الْقَاف وَكسر الرَّاء الْمُشَدّدَة، وَقَالَ القَاضِي عِيَاض: رَوَيْنَاهُ بهما جَمِيعًا.
رَابِعهَا: أُم قيس بنت مُحصن، لم يذكرالحافظ جمال الدَّين الْمزي
اسْمهَا، وَهِي آمِنَة، كَمَا قَالَه السُّهيْلي فِي «الرَّوْض» ، وَقَالَ ابْن عبد الْبر: هِيَ جذامة بنت وهب بن مُحصن. فاستفد ذَلِك.
خَامِسهَا: قَوْله فِي حَدِيث أُم قيس: «حُكِّيه بِصَلْع» . هُوَ بالصَّاد الْمُهْملَة الْمَفْتُوحَة، بعْدهَا لَام سَاكِنة، ثمَّ عين مُهْملَة. كَذَا ضَبطه صَاحب «الإِمام» وَهُوَ عِنْدهم الْحجر. قَالَ: وَوَقع فِي بعض الْمَوَاضِع: «بِضِلَع» بالضاد الْمُعْجَمَة الْمَكْسُورَة، وَفتح اللَّام.
قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي «الإِمام» : لَعَلَّه تَصْحِيف، لِأَنَّهُ لَا مَعْنَى يَقْتَضِي تَخْصِيص الضلع، وَأما الْحجر فَيحْتَمل أَن [يُحمل] ذكره عَلَى غَلَبَة الْوُجُود، واستعماله فِي (الحك) .
قُلْتُ: (وَمَا زَعمه) الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين رحمه الله من هَذَا التَّصْحِيف خلاف الْمَنْقُول، فقد ذكره جماعات بالضاد الْمُعْجَمَة، قَالَ الصَّاغَانِي فِي «الْعباب» فِي مَادَّة «ضلع» : وَفِي الحَدِيث «أَنه عليه السلام أَمَرَ امْرَأَة فِي دم الْحيض يُصِيب الثَّوْب فَقَالَ: حتيه بضلع» . قَالَ ابْن الْأَعرَابِي: الضلع: هُوَ الْعود هَاهُنَا، وَقيل للعود الَّذِي فِيهِ عرض واعوجاج: ضلع، تَشْبِيها (بالضلع) . وَقَالَ الْأَزْهَرِي فِي «تهذيبه» فِي الْمَادَّة الْمَذْكُورَة: وَرُوِيَ «أَنه عليه السلام أَمَرَ امْرَأَة فِي دم الْحيض يُصِيب الثَّوْب: حتيه بضِلَع» هَكَذَا رَوَاهُ الثِّقَات، بِكَسْر الضَّاد، وَفتح اللَّام، فَأَخْبرنِي الْمُنْذر، عَن ثَعْلَب، عَن ابْن الْأَعرَابِي، أَنه قَالَ: الضلع: الْعود هَاهُنَا.