الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَائِدَة:
ذكر أَحْمد لعبد الله بن عكيم حَدِيثا آخر، وَهُوَ:«من (تعلق) شَيْئا وُكِلَ إِلَيْهِ» .
الحَدِيث الرَّابِع
أَنه صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إنَّما حرم من الْميتَة أكلهَا» .
هَذَا الحَدِيث صَحِيح، رَوَاهُ البُخَارِيّ، وَمُسلم من رِوَايَة ابْن عَبَّاس رضي الله عنهما، وَقد تَقَدَّم بِطُولِهِ أول الْبَاب.
وَيجوز أَن تقْرَأ: «حُرِّم» ، بِضَم الْحَاء، وَكسر الرَّاء الْمُشَدّدَة، و «حَرُم» ، بِفَتْح الْحَاء، وَضم الرَّاء المخففة، وهما (رِوَايَتَانِ) .
الحَدِيث الْخَامِس
رُوِيَ أَنه صلى الله عليه وسلم قَالَ: «أَلَيْسَ فِي (الشَّبِّ) ، والقرظ، وَالْمَاء مَا يُطَهِّره؟» .
هَذَا الحَدِيث غَرِيب بِذكر الشَّبِّ فِيهِ، لَا أعلم من خَرَّجه بِهِ، وَلَعَلَّ الإِمام الرَّافِعِيّ قَلَّد فِيهِ الإِمام، فَإِنَّهُ قَالَ فِي «نهايته» : إِنَّه جَاءَ فِي رِوَايَة: «أَلَيْسَ فِي الشَّبِّ والقرظ مَا يطهره؟» ؛ وَالْمَاوَرْدِيّ فإنَّه قَالَ فِي
«حاويه» : جَاءَ فِي الحَدِيث النَّص عَلَى الشث (والقرظ) . وَالْمَاوَرْدِيّ والإِمام (قلَّدا) الْأَصْحَاب (فِي ذَلِك)، فقد قَالَ الشَّيْخ (أَبُو حَامِد) فِي «تَعْلِيقه» : رُوي أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ: «أَلَيْسَ فِي المَاء والقرظ مَا يطهرها؟» . قَالَ: وَهَذَا الَّذِي أعرفهُ مرويًّا. قَالَ: وأصحابنا يَرْوُونَهُ (الشب والقرظ) ، وَلَيْسَ بِشَيْء.
فَهَذَا شيخ الْأَصْحَاب، قد نَصَّ عَلَى (أَن) هَذِه الرِّوَايَة لَيست بِشَيْء.
قَالَ النَّوَوِيّ فِي «الْخُلَاصَة» : هُوَ بِهَذَا اللَّفْظ بَاطِل، لَا أصل لَهُ. وَقَالَ فِي «شرح الْمُهَذّب» : «لَيْسَ للشَّبِّ ذِكْر فِي هَذَا الحَدِيث، وإنَّما هُوَ من كَلَام الشَّافِعِي، فإنَّه قَالَ: والدباغ بِمَا كَانَت الْعَرَب تدبغ بِهِ، وَهُوَ الشب والقرظ.
وَاخْتلف فِي الشب فِي كَلَام الشَّافِعِي، هَل هُوَ بِالْبَاء الْمُوَحدَة، (أم بالثاء الْمُثَلَّثَة، فَقَالَ الْأَزْهَرِي: هُوَ بِالْبَاء الْمُوَحدَة) ، وَهُوَ من الْجَوَاهِر الَّتِي جعلهَا الله فِي الأَرْض، يُدْبَغ بِهِ يشبه الزاج. قَالَ: وَالسَّمَاع فِيهِ بِالْمُوَحَّدَةِ، وَقد صَحَّفَه بَعضهم، فَقَالَ بِالْمُثَلثَةِ، (وَهُوَ شجر مُرّ الطّعْم، لَا أَدْرِي أَيُدبغ بِهِ أَمْ لَا؟ .
وَفِي «الصِّحَاح» : الشث - بِالْمُثَلثَةِ) -: نبت طيب الرَّائِحَة، (مر) الطّعْم، يدبغ بِهِ.
ثمَّ رَأَيْت بعد ذَلِك ابْن الْأَثِير فِي «النِّهَايَة» ، فِي أول بَاب الشين مَعَ (الثَّاء) :(أَنه مَرَّ بِشَاة [ميتَة] ، فَقَالَ [عَن جلدهَا] : أَلَيْسَ فِي الشث والقرظ مَا يطهره؟) .
فَإِذا عرفت ذَلِك، فَاعْلَم: أَن الْمَعْرُوف من متن الحَدِيث الْمَذْكُور فِي كتب الحَدِيث «أَلَيْسَ فِي المَاء والقرظ مَا يطهرها؟» ، كَمَا أوردهُ الشَّيْخ أَبُو حَامِد، كَذَلِك ورد من طَرِيقين:
أَحدهمَا: عَن ابْن عَبَّاس رضي الله عنهما قَالَ: «مَرَّ النَّبِي صلى الله عليه وسلم بِشَاة ميتَة، فَقَالَ: هلا انتفعتهم بإهابها؟ فَقَالُوا: يَا رَسُول الله إِنَّهَا ميتَة! قَالَ: إنَّما حَرُم أكلهَا، أَوَلَيْس فِي المَاء والقرظ مَا يطهرها؟» .
رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ فِي «سنَنه» كَذَلِك، وَفِي رِوَايَة لَهُ:«أوليس فِي الدّباغ وَالْمَاء مَا يطهرها؟» .
وَأخرجه الْبَيْهَقِيّ - أَيْضا فِي «سنَنه» . وإسنادهما حسن. قَالَ الشَّيْخ زكي الدَّين فِي «كَلَامه عَلَى أَحَادِيث الْمُهَذّب» : هَذَا حَدِيث حسن، وَرِجَاله ثِقَات، أخرجه الدَّارَقُطْنِيّ فِي «سنَنه» ، ثمَّ ذكر بعده
أَحَادِيث من مَعْنَاهُ، وَقَالَ: هَذِه أَسَانِيد صِحَاح، قَالَ: وَهُوَ كَمَا قَالَ، فإنَّه رَوَاهُ عَن الإِمام أبي بكر النَّيْسَابُورِي - وشهرته تغني عَن ذكره - عَن إِبْرَاهِيم بن هَانِئ - وَقد كتب عَنهُ عبد الرَّحْمَن بن أبي حَاتِم، وَكَانَ ثِقَة (صَدُوقًا) - عَن عَمْرو بن الرّبيع - وَهُوَ ابْن طَارق، كتب عَنهُ أَبُو حَاتِم (الرَّازِيّ) وَالِد عبد الرَّحْمَن الْمُتَقَدّم وسُئِل عَنهُ، فَقَالَ:«صَدُوق» عَن يَحْيَى بن أَيُّوب - وَهُوَ: (أَبُو) الْعَبَّاس الْمصْرِيّ، أخرج لَهُ البُخَارِيّ مستشهدًا بِهِ، وَمُسلم محتجًا (بِهِ) - عَن عقيل - وَهُوَ: ابْن خَالِد الْأَيْلِي - عَن الزُّهْرِيّ - وَهُوَ: مُحَمَّد بن مُسلم بن شهَاب الزُّهْرِيّ - عَن عبيد الله بن عبد الله بن عتبَة - وكل مِنْهُم ثِقَة ثَبت، مخرج (حَدِيثه) فِي «الصَّحِيحَيْنِ» - عَن (عبد الله) بن عَبَّاس.
الطَّرِيق الثَّانِي: عَن الْعَالِيَة بنت سُبيع، عَن مَيْمُونَة رضي الله عنها، حدثتها:«أَنه مَرَّ برَسُول الله صلى الله عليه وسلم (رجالٌ) يَجُرُّون شَاة لَهُم مثل الْحمار، فَقَالَ (لَهُم) رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: لَو أَخَذْتُم إهابها؟ فَقَالُوا: إنَّها ميتَة! فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: (فَإِنَّهَا) يُطَهِّرُها المَاء والقرظ» .
رَوَاهُ: أَبُو دَاوُد، وَالنَّسَائِيّ، وَالدَّارَقُطْنِيّ، فِي «سُنَنهمْ» ، وَأَبُو حَاتِم بن حبَان فِي «صَحِيحه» ، وَكَذَا ابْن السكن فِي
«صحاحه» ، وَقَالَ الْمُنْذِرِيّ: إِسْنَاده حسن.
وَاعْلَم: أَن الْوَاقِع فِي (رِوَايَة) هذَيْن الْحَدِيثين: «يطهرها» بهاء التَّأْنِيث، وَوَقع فِي «الْمُهَذّب» للشَّيْخ أبي إِسْحَاق - وَتَبعهُ الرَّافِعِيّ عَلَى ذَلِك -:«يطهره» وَهُوَ تَحْرِيف لَفْظِي، وَإِن كَانَ الْمَعْنى صَحِيحا.
وَأما الحَدِيث الْوَارِد عَن عَائِشَة (مَرْفُوعا) : «اسْتَمْتعُوا بجلود الْميتَة إِذا هِيَ دُبغت، بِتُرَاب، أَو ملح، أَو رماد، أَو مَا كَانَ بعد أَن يرد صَلَاحه» : فَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ، وَغَيره، (و) ضَعَّفه ابْن عدي، وَآخَرُونَ، وإنْ ذكره ابْن السكن فِي «صحاحه» .
وَمِمَّا يَنْبَغِي أَن يُتنبه لَهُ: أَن «الْقرظ» يكْتب بالظاء، لَا بالضاد، (وَهُوَ) وَإِن كَانَ وَاضحا، فَلَا يضر التَّنْبِيه عَلَيْهِ، فقد صُحِّف.
والقرظ: ورق شجر السَّلَم - بِفَتْح السِّين وَاللَّام - وَمِنْه: «أَدِيم مقروظ» : أَي مدبوغ (بالقرظ)، والقرظ: نبت بنواحي تهَامَة.