الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قُلْتُ: الْوَازِع بن نَافِع، قَالَ فِيهِ الْحَرْبِيّ:(غَيره) أوثق مِنْهُ. وَهَذِه عبارَة عَجِيبَة فَإِنَّهَا لَا (تُقال) إلَاّ لِمَنْ شُورك فِي الثِّقَة، والوازع هَذَا قَالَ فِيهِ أَحْمد وَيَحْيَى: لَيْسَ بِثِقَة. وَقَالَ أَحْمد مرّة أُخْرَى: لَيْسَ حَدِيثه بِشَيْء. (وَقَالَ البُخَارِيّ: مُنكر الحَدِيث. وَقَالَ الرَّازِيّ: ذَاهِب الحَدِيث. وَقَالَ أَبُو زرْعَة: لَيْسَ بِشَيْء) . قَالَ (النَّسَائِيّ) : مَتْرُوك الحَدِيث. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: ضَعِيف. فَتَلخَّص أنَّ الحَدِيث الْمَذْكُور ضَعِيف من (طريقيه) .
الحَدِيث التَّاسِع عشر
هَذَا الحَدِيث صَحِيح، مرويّ من طَرِيقين صَحِيحَيْنِ، لَا مطْعن لأحد فيهمَا:
رَوَاهُ البُخَارِيّ، وَمُسلم فِي «صَحِيحَيْهِمَا» ، وَاللَّفْظ لمُسلم.
الطَّرِيق الثَّانِي: عَن أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه قَالَ: «قَامَ أَعْرَابِي فِي الْمَسْجِد فَبَال، فتناوله النَّاس، فَقَالَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم: دَعوه (وهريقوا) عَلَى بَوْله سَجْلًا من مَاء - أَو ذَنُوبًا من مَاء - فإنَّما بُعِثْتُمْ مُيَسِّرين، وَلم تُبعَثوا معسرين» .
رَوَاهُ البُخَارِيّ فِي «صَحِيحه» مُنْفَردا بِهِ.
وَفِي «صَحِيح ابْن حبَان» عَنهُ: «دخل أَعْرَابِي الْمَسْجِد، وَرَسُول الله جَالس، فَقَالَ: اللَّهُمَّ اغْفِر لي ولمحمد، وَلَا تغْفر لأحد مَعنا. فَقَالَ
عَلَيْهِ السَّلَام: لقد (احتظرت) وَاسِعًا. ثمَّ تنحَّى الْأَعرَابِي فَبَال فِي نَاحيَة الْمَسْجِد. فَقَالَ (الْأَعرَابِي بعد أَن فَقِهَ الإِسلام: إنَّ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ لَهُ: إِن هَذَا الْمَسْجِد) إِنَّمَا هُوَ لِذِكْر الله، وَالصَّلَاة وَلَا يُبَال فِيهِ. ثمَّ دَعَا بسجل من مَاء، فأفرغه عَلَيْهِ» .
(و) اعْلَم: أنَّ الإِمام الرَّافِعِيّ لمَّا نَقَل عَن أبي حنيفَة: أَن الأَرْض لَا تطهر حتَّى تُحْفَر إِلَى الْموضع (الَّذِي) وصلت إِلَيْهِ النداوة، وينقل التُّرَاب. قَالَ: لنا هَذَا الحَدِيث. ثمَّ قَالَ إثره: وَلم يَأْمر بِنَقْل التُّرَاب. انْتَهَى.
وَقد رُوِيَ الْأَمر بذلك من طرق، (لَكِنَّهَا) مُتَكَلم فِيهَا:
أَحدهَا: عَن عبد الله بن معقل بن مقرن رضي الله عنه قَالَ: «قَامَ أَعْرَابِي إِلَى زَاوِيَة من زَوَايَا الْمَسْجِد، [فانكشف] ، فَبَال فِيهَا، فَقَالَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم: خُذُوا مَا بَال عَلَيْهِ من التُّرَاب فألقوه، وأهريقوا عَلَى مَكَانَهُ مَاء» .
رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَالدَّارَقُطْنِيّ فِي «سُنَنهمَا» . قَالَا: وَعبد الله بن معقل تَابِعِيّ، وَهُوَ مُرْسل. قَالَ الْعجلِيّ: تَابِعِيّ ثِقَة. وَقَالَ الإِمام أَحْمد: هَذَا حَدِيث مُنكر. قَالَ أَبُو دَاوُد: وَقد رُوي مَرْفُوعا وَلَا يصحّ.
الطَّرِيق الثَّانِي: عَن أبي (وَائِل)، عَن عبد الله بن مَسْعُود رضي الله عنه قَالَ:(جَاءَ أَعْرَابِي فَبَال فِي الْمَسْجِد، فَأمر رَسُول الله صلى الله عليه وسلم بمكانه فاحتُفر، وصُبَّ عَلَيْهِ دلو من مَاء، فَقَالَ الْأَعرَابِي: يَا رَسُول الله، الْمَرْء يحب الْقَوْم و (لمَّا) يعْمل (عَمَلهم) . فقَالَ عليه السلام: الْمَرْء مَعَ من أحب» .
رَوَاهُ (الدَّارَقُطْنِيّ) فِي «سنَنه» بِإِسْنَاد فِيهِ ضعيفان: أَحدهمَا: سمْعَان بن مَالك، قَالَ أَبُو زرْعَة: لَيْسَ بِالْقَوِيّ. الثَّانِي: أَبُو هِشَام الرِّفَاعِي، قَالَ البُخَارِيّ: رَأَيْتهمْ مُجْمِعِينَ عَلَى ضعفه.
وَقَالَ ابْن أبي حَاتِم: لَيْسَ لهَذَا الحَدِيث أصل. وَقَالَ ابو زرْعَة: مُنكر.
الطَّرِيق الثَّالِث: عَن أنس رضي الله عنه «أَن أَعْرَابِيًا بَال فِي الْمَسْجِد، فَقَالَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم: احفروا مَكَانَهُ، ثمَّ صبوا عَلَيْهِ ذَنُوبًا من مَاء» .
رَوَاهُ ابْن صاعد، عَن عبد الْجَبَّار بن الْعَلَاء، عَن ابْن عُيَيْنَة، عَن يَحْيَى بن سعيد، عَن أنس.
قَالَ ابْن الْجَوْزِيّ فِي «علله» : قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: وهم عبد الْجَبَّار
عَلَى ابْن عُيَيْنَة؛ لِأَن أَصْحَاب ابْن عُيَيْنَة الحفَّاظ رَوَوْهُ عَنهُ، عَن يَحْيَى بن سعيد، فَلم يذكر أحد مِنْهُم «الْحفر» وإنَّما رَوَى ابْن عُيَيْنَة هَذَا عَن عَمْرو بن دِينَار، عَن طَاوس أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ:«احفروا مَكَانَهُ» مُرْسلا، فاختلط عَلَى عبد الْجَبَّار المتنان.
وَقَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي «الإِمام» : عبد الْجَبَّار هَذَا هُوَ ابْن الْعَلَاء بن عبد الْجَبَّار أَبُو بكر [الْعَطَّار] الْبَصْرِيّ، أخرج لَهُ مُسلم وَابْن خُزَيْمَة، وَرَوَى لَهُ التِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ، وَقَالَ أَبُو حَاتِم: مكي صَالح. وَقَالَ فِي رِوَايَة أُخْرَى: شيخ. وَسُئِلَ عَنهُ أَحْمد بن حَنْبَل، فَقَالَ: رَأَيْته (عِنْد) ابْن عُيَيْنَة حسن الْأَخْذ.
الطَّرِيق (الرَّابِع) : عَن وَاثِلَة بن الْأَسْقَع رضي الله عنه قَالَ: «كُنَّا مَعَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَدخل أَعْرَابِي فَقَالَ: اللَّهُمَّ ارْحَمْنِي ومحمدًا، وَلَا ترحم مَعنا أحدا. فَقَالَ لَهُ: وَيحك - أَو وَيلك - لقد حظرت وَاسِعًا. ثمَّ تَنَحَّى الْأَعرَابِي فَبَال قَائِما، فَوَثَبُوا إِلَيْهِ، فَقَالَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم: دَعوه حتَّى يَفْرُغَ من مباله. ثمَّ دَعَا رَسُول الله صلى الله عليه وسلم بِسَجْلٍ من مَاء فَصَبَّه عَلَيْهِ» .
رَوَاهُ ابْن مَاجَه فِي «سنَنه» ، وَالطَّبَرَانِيّ فِي «مُعْجَمه» ، وَفِي
إِسْنَاده عبيد الله بن أبي حُميد الْهُذلِيّ، وَهُوَ ضَعِيف، سُئِلَ عَنهُ الإِمام أَحْمد فَقَالَ: تُرِكَ حَدِيثه. وَقَالَ أَبُو حَاتِم: هُوَ مُنكر الحَدِيث، (ضَعِيف الحَدِيث) . وَقَالَ البُخَارِيّ: مُنكر الحَدِيث.
(إِذا) عرفت طرق هَذَا الحَدِيث، فلنعد إِلَى تَبْيِين مَا وَقع (فِيهِ) من الْغَرِيب، فَنَقُول:
قَوْله عليه السلام: «لَا تُزْرِموه» هُوَ: بِضَم التَّاء، وَإِسْكَان الزَّاي الْمُعْجَمَة، بعْدهَا رَاء مُهْملَة مَكْسُورَة، وَمَعْنَاهُ: لَا (تقطعوه) . والإِزرام: (الْقطع) .
و «الدَّلْو» فِيهِ لُغَتَانِ: التَّذْكِير، والتأنيث.
و «الذَّنوب» بِفَتْح الذَّال الْمُعْجَمَة: الدَّلْو إِذا كَانَت الدَّلْو ملأى، قَالَ ابْن سِيده فِي «الْمُحكم» : الذَّنُوب: الدَّلْو فِيهَا مَاء. وَقيل: الذُّنُوب: الدَّلْو الَّذِي يكون المَاء دون ملئها. وَقيل: هِيَ الدَّلْو الملأى. وَقيل: هِيَ الدَّلْو مَا كَانَت. كل ذَلِك مُذَكّر عِنْد اللحياني. (قَالَ) : وَقد (يؤنث) الذُّنُوب.
و «السَّجْل» بِفَتْح السِّين الْمُهْملَة، وبالجيم الساكنة: الدَّلْو الْكَبِيرَة إِذا كَانَ فِيهَا مَاء، قَلَّ أَو كثر، قَالَ الْجَوْهَرِي: وَهُوَ مُذَكّر، وَلَا يُقَال: سجل إِذا لم يكن فِيهِ مَاء.