المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌الحَدِيث السَّادِس عَن ابْن عَبَّاس رضي الله عنهما أَن رَسُول الله - البدر المنير في تخريج الأحاديث والأثار الواقعة في الشرح الكبير - جـ ١

[ابن الملقن]

فهرس الكتاب

- ‌مُقَدّمَة

- ‌وهاك نبذة من حَالهم، لتعرف قدرهم، واجتهادهم ومحلهم:

- ‌ فصنَّفوا فِي ذَلِكَ مصنفات مبتكرة

- ‌فَإِن كَانَ الحَدِيث أَو الْأَثر فِي صحيحي الإِمامين:

- ‌وَإِن لم يكن الحَدِيث فِي وَاحِد من الصَّحِيحَيْنِ، (عزوته) إِلَى من أخرجه من الْأَئِمَّة:

- ‌نَاظرا عَلَى ذَلِك من كتب الصَّحَابَة:

- ‌وَمن كتب الْأَسْمَاء جرحا وتعديلًا وَغير ذَلِك:

- ‌وَمن كتب الْعِلَل:

- ‌وَمن كتب الْمَرَاسِيل:

- ‌وَمن كتب الموضوعات:

- ‌وَمن كتب الْأَطْرَاف:

- ‌وَمن كتب الْأَحْكَام:

- ‌وَمن كتب الأمالي:

- ‌وَمن كتب النَّاسِخ والمنسوخ:

- ‌وَمن كتب المبهمات فِي الحَدِيث:

- ‌وَمن كتب شُرُوح الحَدِيث والغريب:

- ‌وَمن كتب أَسمَاء الْأَمَاكِن:

- ‌وَمن كتب أُخرى حَدِيثِيَّةٌ:

- ‌وَمن مصنفات أبي الْخطاب بن دِحْيَة:

- ‌وَمن كتب أُخْرَى مُتَعَلقَة بالفقه:

- ‌أمَّا «موطأ» إِمَام دَار الْهِجْرَة

- ‌وَأما مُسْند الإِمام أَحْمد

- ‌وَأما «صَحِيح الإِمام أبي عبد الله البُخَارِيّ»

- ‌وَأما صَحِيح الإِمام أبي الْحُسَيْن مُسلم

- ‌وَأما «سنَن أبي دَاوُد»

- ‌وَأما جَامع أبي عِيسَى التِّرْمِذِيّ:

- ‌وَأما شَرط أبي عبد الرَّحْمَن النَّسَائِيّ

- ‌وَأما سنَن أبي عبد الله بن مَاجَه الْقزْوِينِي:

- ‌وَأما «صَحِيح» أبي حَاتِم بن حبَان

- ‌وَأما «الْمُسْتَدْرك» للْحَاكِم أبي عبد الله

- ‌كتاب الطَّهَارَة

- ‌بَاب المَاء الطَّاهِر

- ‌الحَدِيث الأول

- ‌الحَدِيث الثَّانِي

- ‌الحَدِيث الثَّالِث

- ‌الحَدِيث الرَّابِع

- ‌الحَدِيث الْخَامِس

- ‌الحَدِيث السَّادِس

- ‌بَاب بَيَان النَّجَاسَات (وَالْمَاء النَّجس)

- ‌الأول

- ‌الحَدِيث الثَّانِي

- ‌الحَدِيث الثَّالِث

- ‌الحَدِيث الرَّابِع

- ‌الحَدِيث الْخَامِس

- ‌الحَدِيث السَّادِس

- ‌الحَدِيث السَّابِع

- ‌الحَدِيث الثَّامِن

- ‌الحَدِيث التَّاسِع

- ‌الحَدِيث الْعَاشِر

- ‌الحَدِيث الْحَادِي عشر

- ‌الحَدِيث الثَّانِي عشر

- ‌الحَدِيث الثَّالِث عشر

- ‌الحَدِيث الرَّابِع عشر

- ‌الحَدِيث الْخَامِس (عشر)

- ‌الحَدِيث السَّادِس عشر

- ‌الحَدِيث السَّابِع عشر

- ‌الحَدِيث الثَّامِن عشر

- ‌الحَدِيث التَّاسِع عشر

- ‌الحَدِيث الْعشْرُونَ

- ‌الحَدِيث الْحَادِي وَالْعشْرُونَ

- ‌الحَدِيث الثَّانِي وَالْعشْرُونَ

- ‌الحَدِيث الثَّالِث وَالْعشْرُونَ

- ‌الحَدِيث الرَّابِع وَالْعشْرُونَ

- ‌بَاب الِاجْتِهَاد

- ‌بَاب الْأَوَانِي

- ‌الحَدِيث الأول

- ‌الحَدِيث الثَّانِي

- ‌الحَدِيث الثَّالِث

- ‌الحَدِيث الرَّابِع

- ‌الحَدِيث الْخَامِس

- ‌الحَدِيث السَّادِس

- ‌الحَدِيث السَّابِع

- ‌الحَدِيث الثَّامِن

- ‌الحَدِيث التَّاسِع

- ‌الحَدِيث الْعَاشِر

- ‌الحَدِيث الْحَادِي عشر

- ‌الحَدِيث الثَّانِي عشر

- ‌الحَدِيث الثَّالِث عشر

- ‌بَاب الْوضُوء

- ‌الحَدِيث الأول

- ‌الحَدِيث الثَّانِي

- ‌الحَدِيث الثَّالِث

- ‌الحَدِيث الرَّابِع

- ‌الحَدِيث الْخَامِس

- ‌الحَدِيث السّادس

- ‌الحَدِيث السّابع

- ‌الحَدِيث الثّامن

- ‌الحَدِيث التَّاسِع

- ‌الحَدِيث الْعَاشِر

- ‌الحَدِيث الْحَادِي عشر

- ‌الحَدِيث الثَّانِي عشر

- ‌الحَدِيث الثَّالِث عشر

- ‌الحَدِيث الرَّابِع عشر

- ‌الحَدِيث الْخَامِس عشر

- ‌الحَدِيث السَّادِس عشر

- ‌أَحدهَا:

- ‌الحَدِيث الثَّانِي:

- ‌الحَدِيث الثَّالِث:

الفصل: ‌ ‌الحَدِيث السَّادِس عَن ابْن عَبَّاس رضي الله عنهما أَن رَسُول الله

‌الحَدِيث السَّادِس

عَن ابْن عَبَّاس رضي الله عنهما أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ اغْتَسَلَ (بِمَاء مشمس) ، فأصابهُ وَضَحٌ، فَلَا يَلُومَنَّ إلَاّ نَفْسَه» .

هَذَا الحَدِيث غَرِيب (جدًّا) لَيْسَ فِي السّنَن الْأَرْبَعَة قطعا، حاشا الصَّحِيحَيْنِ مِنْهُ، وَلَيْسَ هُوَ فِي «السّنَن الْكَبِير» ، و «الْمعرفَة» للبيهقي، وَلَا فِي «سنَن الدَّارَقُطْنِيّ» ، و «علله» ، وَلَا فِي «المسانيد» ، فِيمَا فحصت عَنهُ عدَّة سِنِين فَوق الْعشْرَة، وسؤالي لبَعض الْحفاظ بِمصْر، والقدس، ودمشق عَنهُ، فَلم يعرفوه.

(إلَاّ أَنِّي ظَفرت بِهِ) فِي (مشيخة) قَاضِي المرستان، فِي أَوَاخِر الْجُزْء الْخَامِس مِنْهَا، وَقد أخبرنَا بهَا: المُسْنِد، أَبُو عبد الله، مُحَمَّد بن أَحْمد بن (خَالِد) الفارقي، أَنا الْعِزّ الْحَرَّانِي سَمَاعا، والنجيب إجَازَة، أخبرنَا ابْن الخُرَيف، ضِيَاء (الدَّين) بن أبي الْقَاسِم، سَمَاعا، أَنا القَاضِي أَبُو بكر مُحَمَّد بن عبد الْبَاقِي الْبَزَّاز، الْمَعْرُوف بقاضي المرستان، أَنا أَبُو الْحسن عَلّي بن جَامع النَّيْسَابُورِي، أَنا أَبُو بكر بن عبد ربه، أَنا أَبُو مُسلم فَارس بن المظفر بن غَالب، أَنا (أَبُو عمر

ص: 425

مُحَمَّد) بن عَمْرو بن أَحْمد الْمُقْرِئ، أَنا أَبُو بكر مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بن الْعَبَّاس الإِسماعيلي، أَنا أَبُو بكر مُحَمَّد بن هَارُون بن حميد بن [المجدر] ، وثنا أَبُو بكر مُحَمَّد بن عبد الله بن مَيْمُون الْبَصْرِيّ، نَا عَلّي بن (الْحسن) بن يعمر، عَن عمر بن (صُبْح) ، عَن مقَاتل بن حَيَّان، عَن الضَّحَّاك، عَن ابْن عَبَّاس رضي الله عنهما أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ:«من احْتجم يَوْم الْأَرْبَعَاء، أَو السبت، فَأَصَابَهُ داءٌ فَلَا يلومنَّ إلَاّ نَفسه، وَمن اغْتسل (بالمشمس) فَأَصَابَهُ وَضَحٌ، فَلَا يلومنَّ إلَاّ نَفسه، ومَنْ بَال فِي مستنقع، مَوضِع وضوئِهِ، فَأَصَابَهُ وسواس فَلَا يلومنَّ إلَاّ نَفسه، وَمن تَعَرَّى فِي غير كِنٍّ، فَخُسِفَ بِهِ فَلَا يلومنَّ إلَاّ نَفسه، وَمن نَام وَفِي يَده غَمَرُ الطَّعَام، فَأَصَابَهُ لَمَمٌ فَلَا يلومنَّ إِلَّا نَفسه، وَمن نَام بعد الْعَصْر، فاختلس عقله فَلَا يلومنَّ إلَاّ نَفسه، وَمن شَبَّك فِي صلَاته، فَأَصَابَهُ زحِيْرٌ فَلَا يلومنَّ إِلَّا نَفسه» .

ص: 426

(حَدِيث واهٍ)، (عمرُ) بن صبح: كَذَّاب، اعْترف بِالْوَضْعِ، والضَحَّاك: لَمْ يَلْقَ ابْن عَبَّاس، وَابْن [المجدر] : صَدُوق، لكنه نَاصِبِيٌّ منحرفٌ عَن (الْحق) .

وَفِي الْبَاب - أَيْضا - فِي النَّهْي عَن المشمس: حَدِيث أنس، وَله طَرِيقَانِ:

أَولهمَا: عَن سوَادَة، عَن أنس رضي الله عنه، أنَّه سمع النَّبِي صلى الله عليه وسلم يَقُول:«لَا تغتسلوا (بِالْمَاءِ) الَّذِي يُسَخَّن فِي الشَّمْس، فإنَّه يُعْدِي من البَرَصِ» .

رَوَاهُ الْعقيلِيّ، وَغَيره، من حَدِيث: عَلّي بن هَاشم الْكُوفِي، عَن سوَادَة، بِهِ كَمَا تقدم، ثمَّ قَالَ: سوَادَة مَجْهُول بِالنَّقْلِ، حَدِيثه غير مَحْفُوظ.

وَقَالَ البُخَارِيّ: كَانَ (عليٌّ وهَاشِم غاليين) فِي مَذْهَبهمَا. يَعْنِي التَّشَيُّع. وَقَالَ ابْن حبَان: كَانَ (عليٌّ) غاليًا فِي التَّشَيُّع، ويروي الْمَنَاكِير عَن الْمَشَاهِير.

وَثَانِيهمَا: عَن زَكَرِيَّا بن حَكِيم، عَن الشّعبِيّ، عَن أنس رضي الله عنه، قَالَ:

ص: 427

قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: «لَا تغسلوا صِبْيَانكُمْ بِالْمَاءِ الَّذِي يسخن بالشمس، فإنَّه يُورث البَرَص» .

رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ فِي الْجُزْء النيف والثمانين من «أَفْرَاده» ، كَمَا أَفَادَهُ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي «الإِمام» ، وَهِي طَريقَة غَرِيبَة، (قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: تَفَرَّد بِهِ زَكَرِيَّا بن حَكِيم، عَن الشّعبِيّ، وَلم يروه) عَنهُ (غير) أبي اليسع، أَيُّوب بن سُلَيْمَان.

قلت: زَكَرِيَّا هَذَا ضَعِيف بِمرَّة. قَالَ فِيهِ أَحْمد، وَيَحْيَى: لَيْسَ بِشَيْء. وقَالَ مرّة: لَيْسَ بِثِقَة. وَكَذَلِكَ قَالَ النَّسَائِيّ. وَقَالَ عليٌّ: هَالك. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: ضَعِيف.

وَأما أَيُّوب بن سُلَيْمَان، الرَّاوِي عَنهُ: فَهُوَ المكفوف، قَالَ الْأَزْدِيّ: غير حجَّة.

فَتَلَخَّص: أَن الْوَارِد فِي النَّهْي عَن اسْتِعْمَال المَاء المشمس، من جَمِيع طرقه بَاطِل، لَا يصحّ، وَلَا يحلُّ (لأحدٍ) الِاحْتِجَاج بِهِ. وَمَا (قَصَّرَ) ابنُ الْجَوْزِيّ فِي نسبته إِلَى الْوَضع فِي حَدِيث عَائِشَة وأَنس، وَقَوله فِي كل مِنْهُمَا: هَذَا حَدِيث لَا يصحّ عَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم.

وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي «السّنَن» : لَا يصحُّ. وَقَالَ فِي «الْمعرفَة» :

ص: 428

لَا يثبت الْبَتَّةَ. وَقَالَ الْعقيلِيّ الْحَافِظ: لَا يصحُّ فِي المَاء المشمس حَدِيث مُسْند، إنَّما يرْوَى فِيهِ شَيْء عَن عمر بن الْخطاب من قَوْله. وَسَيَأْتِي ذَلِك قَرِيبا.

ثمَّ بَينه بعد ذَلِك لما وَقع لأبي عبد الله، مُحَمَّد بن معن الدِّمَشْقِي فِي كِتَابه الَّذِي وَضعه عَلَى «الْمُهَذّب» ، الْمُسَمَّى ب «التنقيب» ، فإنَّه لمَّا ذكر حَدِيث عَائِشَة الْمُتَقَدّم، قَالَ: رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيّ فِي كِتَابَيْهِمَا.

هَكَذَا هُوَ ثَابت فِي كل النّسخ، وَلَا أَدْرِي كَيفَ وَقع لَهُ هَذَا الْغَلَط الْقَبِيح، (وَمن أَيْن أَخذه) ؟ ! ، وَقد (وَقع فِي) الْكتاب الْمَذْكُور أَمْثَال ذَلِك، لَعَلَّنَا نُنَبِّه عَلَيْهَا فِي مواطنها - إِن شَاءَ الله ذَلِك وقَدَّره.

انْقَضَى الْكَلَام عَلَى أَحَادِيث الْبَاب، بِحَمْد الله وعونه.

وَذكر فِيهِ عَن الصَّحَابَة رضي الله عنهم: « (أَنهم تَطَهَّرُوا) بِالْمَاءِ المُسَخَّنِ بَين يَدي رَسُول الله صلى الله عليه وسلم، وَلم يُنكِر عَلَيْهِم.

وَهَذَا، قَالَ الْمُحب الطَّبَرِيّ: لم أَرَهُ فِي غير الرَّافِعِيّ.

قلت: وَقد رَوَاهُ بِنَحْوِهِ الطَّبَرَانِيّ فِي «مُعْجَمه الْكَبِير» من حَدِيث الْعَلَاء بن الْفضل المِنْقَري، نَا الْهَيْثَم بن رُزَيْق - بِتَقْدِيم الرَّاء الْمُهْملَة عَلَى الزَّاي - الْمَالِكِي، من بني مَالك بن كَعْب بن سعد، عَاشَ مائَة و [سبع عشرَة] سنة، عَن أَبِيه، عَن الأسلع بن شريك، قَالَ: «كنت أُرَحِّلُ ناقةَ

ص: 429

النَّبِي صلى الله عليه وسلم، فأصابتني جنابةٌ فِي لَيْلَة بَارِدَة، وَأَرَادَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم الرحلة، فكرهتُ أَن أُرَحِّل نَاقَته وَأَنا جنب، وخشيت أَن أَغْتَسِل بِالْمَاءِ الْبَارِد فأموت، أَو أمرض، فأمرتُ رجلا من الْأَنْصَار، يُرَحِّلها، ووضعتُ أحجارًا، فأسخنت بهَا [مَاء] ، فاغتسلت، ثمَّ لحقت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم[وَأَصْحَابه، فَقَالَ: يَا أسلع، مَا لي أرَى رحلتك تَغَيَّرت؟] فَقلت: يَا رَسُول الله لم أُرَحِّلْها، رحَّلها رجل من الْأَنْصَار. قَالَ:«ولِمَ» ؟ [فَقلت: إِنِّي] أصابتني جَنَابَة، فخشيتُ القُرَّ عَلَى نَفسِي، فَأَمَرته أَن يرحِّلها، ووضعتُ أحجارًا، فأسخنتُ مَاء فاغتسلت بِهِ، فَأنْزل الله - تَعَالَى -: يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا لَا تقربُوا الصَّلَاة وَأَنْتُم سكارى

إِلَى قَوْله: (إِن الله كَانَ عفوا غَفُورًا) .

وَرَوَاهُ الْحَافِظ: الْحسن بن سُفْيَان، عَن مُحَمَّد بن مَرْزُوق، عَن الْهَيْثَم بن رُزَيْق، بِسَنَدِهِ، وَفِيه:«مَالِي أرَى (رحلتك) تضطرب» ؟

وَمن جِهَة الْحسن بن سُفْيَان، أخرجه الْحَافِظ أَبُو بكر (الْبَيْهَقِيّ) ، إلَاّ أَنه مُخْتَصر اللَّفْظ.

وَأخرجه أَبُو نعيم فِي كِتَابه «معرفَة الصَّحَابَة» من طُرُق، أَحدهَا تقدَّم، وَالْبَاقِي فِي التَّيَمُّم.

ص: 430

والهيثم هَذَا ذكره وأباه: ابنُ أبي حَاتِم، وَلم يذكر فيهمَا جرحا وَلَا تعديلاً، وَلم يذكر (رَاوِيا) عَن الْهَيْثَم إلَاّ وَاحِدًا.

قلت: وَذكره الْعقيلِيّ، وَقَالَ: لَا يُتابع عَلَى حَدِيثه.

والْعَلَاء بن الْفضل (الْمنْقري) : فِيهِ ضعف يسير، قَالَ ابْن حبَان: كَانَ مِمَّن ينْفَرد بأَشْيَاء مَنَاكِير عَن (أَقوام) مشاهير، لَا يُعجبنِي الِاحْتِجَاج بأخباره الَّتِي انْفَرد بهَا، فأمَّا مَا وَافق [فِيهَا] الثِّقَات: فإنْ (اعْتبر بهَا) مُعْتَبر، لم أَرَ بذلك بَأْسا.

وَيُقَال: رَحَلَ النَّاقة، يرحَلها - بِفَتْح الْحَاء - فِي الْمَاضِي والمستقبل، والرِّحلة - بِكَسْر الرَّاء هَهُنَا -: الْهَيْئَة، والرِّحلة - بِالْكَسْرِ أَيْضا -: الارتحال.

فَأَما الرُّحلة - بِالضَّمِّ -: فَمَا (يُرْتَحَلُ) إِلَيْهِ، يُقَال: أَنْتُم رُحْلَتِي. أَفَادَهُ الشَّيْخ فِي «الإِمام» .

وَلَا أعلم عَن أحدٍ من الصَّحَابَة فِي زَمَنه «وَقع لَهُ ذَلِك) إلَاّ الأسلع هَذَا، (ولعلنا نتكلم علَىَ شَيْء من حَاله فِي بَاب التَّيَمُّم - إِن شَاءَ

ص: 431

الله وقَدَّره) .

وَهُوَ وافٍ بِمَا أوردهُ الإِمام الرَّافِعِيّ؛ لِأَن عِبَارَته ظَاهِرَة فِي أَن جَمِيع الصَّحَابَة فعلوا ذَلِك بَين يَدي النَّبِي صلى الله عليه وسلم، وَالْعقل قَاض باستحالة ذَلِك، لتفرقهم فِي الْبلدَانِ.

وَلَعَلَّه كَانَ فِي الأَصْل الَّذِي نَقله الرَّافِعِيّ: أَن بعض الصَّحَابَة تطهَّر بِالْمَاءِ المسخن. . إِلَى آخِره، فَسقط لفظ «بعض» ، إِمَّا من الأَصْل الْمَنْقُول مِنْهُ أَو من أصل الرَّافِعِيّ.

نعم، قد رُوِيَ (التطهر) بِالْمَاءِ المسخن من فعل جمع من الصَّحَابَة:

أحدهم: عمر رضي الله عنه.

رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ، وَالْبَيْهَقِيّ عَن زيد بن أسلم، (عَن أسلم) مولَى عمر بن الْخطاب: أَن عمر رضي الله عنه كَانَ يُسَخَّن لَهُ (مَاء) فِي قُمْقُمَةٍ، فيغتسل بِهِ. قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: إِسْنَاده صَحِيح.

قلت: فِيهِ وَقْفَة، فَفِي إِسْنَاده عَلّي بن غراب، وَهِشَام بن سعد، وَقد ضُعِّفَا، فَلَعَلَّ الدَّارَقُطْنِيّ (اخْتَار تعديلهما.

أما) عَلّي بن غراب: فَقَالَ أَحْمد: كَانَ يدلِّس، وَلَا أرَاهُ إلَاّ صَدوقًا. وَقَالَ السَّعْدِيّ: سَاقِط. وَقَالَ أَبُو دَاوُد: تركُوا حَدِيثه. وَقَالَ الْجوزجَاني: سَاقِط. وَقَالَ ابْن حبَان: حَدَّث بالأشياء الْمَوْضُوعَة، فَبَطل الِاحْتِجَاج بِهِ، وَكَانَ غاليًا فِي التَّشَيُّع، وإنْ أخرج لَهُ مُسلم. وَقَالَ أَحْمد: كَانَ يدلِّس، وَمَا أرَاهُ إلَاّ

ص: 432

صَدوقًا.

قلت: قد عنعن فِي (هَذَا) الْأَثر.

وَأما هِشَام بن سعد: فَقَالَ أَحْمد: لَيْسَ (هُوَ بمحكم) الحَدِيث.

وَقَالَ يَحْيَى مرّة: لَيْسَ بِشَيْء. وَمرَّة: لَيْسَ بِذَاكَ الْقوي. وَمرَّة: ضَعِيف. وَقَالَ (النَّسَائِيّ) : ضَعِيف.

وَله إِسْنَاد آخر صَحِيح عَلَى شَرط الشَّيْخَيْنِ، رَوَاهُ أَبُو بكر بن أبي شيبَة فِي «مُصَنفه» عَن عبد الْعَزِيز (الدَّرَاورْدِي) ، عَن زيد بن أسلم، عَن أَبِيه: أنَّ عمر كَانَت لَهُ قمقمة يسخن فِيهَا المَاء.

وَرَوَاهُ - أَيْضا -[عبد الرَّزَّاق] عَن معمر، عَن زيد بن أسلم، عَن

ص: 433

أَبِيه: أَن عمر كَانَ يغْتَسل بِالْمَاءِ الْحَمِيم. وَهَذَا إِسْنَاد كَالَّذي قبله.

(ثمَّ رَوَاهُ عَن: وَكِيع، عَن هِشَام بن سعد عَن زيد بِهِ) .

وَأخرجه أَبُو عبيد فِي كتاب «الطّهُور» بالإِسناد الأول، فَقَالَ: نَا ابْن أبي مَرْيَم، و [نعيم] بن حَمَّاد، عَن عبد الْعَزِيز بن مُحَمَّد، عَن زيد بن أسلم، عَن أَبِيه: أَن عمر بن الْخطاب كَانَ يغْتَسل، وَيتَوَضَّأ بالحميم.

الثَّانِي: عَن ابْنه عبد الله رضي الله عنه.

رَوَاهُ عَنهُ: ابْن أبي شيبَة فِي «مُصَنفه» ، عَن إِسْمَاعِيل بن عُلَيَّة، عَن أَيُّوب، قَالَ: سَأَلت نَافِعًا عَن المَاء المسخَّن، فَقَالَ: كَانَ ابْن عمر يتَوَضَّأ بالحميم.

(وَرَوَاهُ عبد الرَّزَّاق فِي «مُصَنفه» ، عَن معمر، عَن أَيُّوب، عَن نَافِع: أَن ابْن عمر كَانَ يتَوَضَّأ بِالْمَاءِ الْحَمِيم) .

وَهَذَا الإِسناد، وَالَّذِي قبله: رجالهما رجال الصَّحِيحَيْنِ. وَأخرجه أَبُو عبيد فِي كِتَابه «الطّهُور» بالإِسناد الأول سَوَاء.

الثَّالِث: عبد الله بن عَبَّاس.

رَوَاهُ ابْن أبي شيبَة فِي «مُصَنفه» ، عَن مُحَمَّد بن بشر، نَا مُحَمَّد بن (عَمْرو) ، نَا أَبُو سَلمَة، قَالَ: قَالَ ابْن عَبَّاس: إنَّا نَدَّهِن بالدهن

ص: 434

وَقد طُبخ عَلَى النَّار، ونتوضأ بالحميم وَقد أُغلي عَلَى النَّار. وَهَذَا إِسْنَاد صَحِيح.

وَفِي «مُصَنف عبد الرَّزَّاق» بِإِسْنَاد صَحِيح (عَنهُ) : «لَا (بَأْس) أَن يُغتسل بالحميم، وَيتَوَضَّأ مِنْهُ» .

الرَّابِع: سَلمَة بن الْأَكْوَع.

رَوَاهُ ابْن أبي شيبَة فِي «مُصَنفه» ، عَن حَمَّاد بن مسْعدَة، عَن يزِيد: أَن سَلمَة كَانَ يُسَخَّنُ لَهُ المَاء، فيتوضأُ بِهِ.

وَهَذَا إِسْنَاد عَلَى شَرط الشَّيْخَيْنِ.

وَرَوَاهُ أَبُو عبيد فِي كِتَابه «الطّهُور» بِإِسْنَادِهِ، وَزَاد فِي آخِره: فِي الْبرد.

وَذكر الإِمام الرَّافِعِيّ فِيهِ (من الْآثَار: أثر عمر بن الْخطاب رضي الله عنه: أَنه كره) المَاء المشمس، وَقَالَ: إنَّه يُورث البَرَص.

وَهَذَا الْأَثر رُوِيَ من طَرِيقين:

أَحدهمَا: من رِوَايَة جَابر عَنهُ، كَذَلِك رَوَاهُ (الإِمام) الشَّافِعِي فِي

ص: 435

«الْأُم» ، عَن إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد، عَن صَدَقَة بن عبد الله، عَن أبي الزبير، عَن جَابر، عَنهُ بِهِ.

وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي «السّنَن» ، و «الْمعرفَة» ، عَن الشَّافِعِي بالسند الْمَذْكُور.

وَهَذِه الطَّرِيقَة معلولة من وَجْهَيْن:

الأول: الطعْن فِي إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد، وَهُوَ:[ابْن أبي] يَحْيَى، سمْعَان الْأَسْلَمِيّ، (الْمدنِي)، (لم يُخرج لَهُ غير [ابْن مَاجَه] حَدِيث وَاحِد وَهُوَ:«من مَاتَ مَرِيضا مَاتَ شَهِيدا» ) .

قَالَ عبد الْغَنِيّ بن سعيد، حَافظ مصر، فِي كِتَابه «إِيضَاح الإِشكال» - وَهُوَ مُفِيد -: هُوَ عبد [الْوَهَّاب] الْمقري، الَّذِي (يروي عَنهُ) مَرْوَان بن مُعَاوِيَة، وَهُوَ أَبُو الذِّئْب الَّذِي يحدث (عَنهُ) ابْن جريج.

وَقَالَ ابْن الْجَوْزِيّ فِي «ضُعَفَائِهِ» : كَانُوا يبهرجونه؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِثِقَة، وَكَانَ الْوَاقِدِيّ يَقُول: أَبُو إِسْحَاق بن مُحَمَّد، وَرُبمَا قَالَ: إِسْحَاق

ص: 436

بن إِدْرِيس. و (كَانَ) ابْن جريج يَقُول نَا إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد بن أبي عَطاء. وَكَانَ يَحْيَى بن آدم يَقُول: نَا إِبْرَاهِيم بن أبي يَحْيَى [الْمدنِي] . أه.

وَقد أَكثر أهل الحَدِيث القَوْل فِيهِ من جِهَة الْقدر وَغَيره، حَكَى ابْن أبي حَاتِم جرحه وتوهينه عَن: مَالك، ووكيع، وَابْن الْمُبَارك، وَابْن عُيَيْنَة، وَالْقطَّان، وَابْن الْمَدِينِيّ، وَأحمد، وَيَحْيَى بن معِين، وَأبي حَاتِم، وَأبي زرْعَة، وَغَيرهم.

قَالَ يَحْيَى بن سعيد: سَأَلت مَالِكًا عَنهُ: أَكَانَ ثِقَة فِي الحَدِيث؟ قَالَ: لَا، وَلَا فِي دينه. وَسَيَأْتِي أَنه حط عَلَى مَالك أَيْضا.

وَقَالَ (الْقطَّان) : كَذَّاب. وَقَالَ أَحْمد: تركُوا أَحَادِيثه، (قدري) معتزلي، يروي أَحَادِيث مُنكرَة، لَيْسَ لَهَا أصل، وَيَأْخُذ أَحَادِيث النَّاس يَضَعهَا فِي كتبه.

(وَقَالَ وَكِيع: لَا تكْتبُوا عَنهُ حرفا) . وَقَالَ أَحْمد (مرّة) : (قدريّ) ، جهمي، كل بلَاء فِيهِ، ترك النَّاس حَدِيثه. وَقَالَ البُخَارِيّ: تَركه ابْن الْمُبَارك وَالنَّاس. وَقَالَ مرّة: كَانَ يرَى الْقدر، وَكَانَ جهميًّا. وَقَالَ ابْن معِين: كَذَّاب، رَافِضِي، مَتْرُوك. وَقَالَ مُحَمَّد بن عُثْمَان بن أبي

ص: 437

شيبَة: سَمِعت [عليا] يَقُول: هُوَ كَذَّاب، وَكَانَ يَقُول بِالْقدرِ، (وَأَخُوهُ أنيس) ثِقَة. وَقَالَ النَّسَائِيّ: الكذابون المعروفون بِوَضْع الحَدِيث عَلَى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أَرْبَعَة: إِبْرَاهِيم بن أبي يَحْيَى بِالْمَدِينَةِ، والواقدي بِبَغْدَاد، وَمُقَاتِل بن سُلَيْمَان بخراسان، وَمُحَمّد بن سعيد بِالشَّام، (يعرف بالمصلوب) . وَقَالَ (النَّسَائِيّ) مرّة: مَتْرُوك. وَكَذَا قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ، وَغَيره.

وَقَالَ إِبْرَاهِيم بن سعد - عَلَى مَا أسْندهُ الْعقيلِيّ فِي «ضُعَفَائِهِ» -: كنَّا نُسَمِّيه - وَنحن نطلب الحَدِيث -: خرافة. وَقَالَ الدَّارمِيّ: سَمِعت يزِيد بن هَارُون يكذبهُ. وَقَالَ بشر بن (الْمفضل) : سَأَلت فُقَهَاء الْمَدِينَة عَنهُ، فكلهم قَالُوا: هُوَ كذَّاب. وَقَالَ أَبُو همَّام (السكونِي) : سَمِعت إِبْرَاهِيم بن أبي يَحْيَى يشْتم بعض السّلف. وحطَّ عَلَى مَالك الإِمام، فَحَدَّث شخصا غَرِيبا بِثَلَاثِينَ حَدِيثا، وَقَالَ: قد حدَّثتك ثَلَاثِينَ حَدِيثا، وَلَو ذهبت إِلَى ذَلِك الْحمار، فحدَّثك (بِثَلَاثَة) أَحَادِيث لفرحت بهَا؛ يَعْنِي: مَالِكًا. وَقَالَ الْعجلِيّ: كَانَ قدريًا، معتزليًا، رَافِضِيًّا، كَانَت فِيهِ كل

ص: 438

بِدعَة، وَكَانَ من أحفظ النَّاس، وَكَانَ قد سمع علما كثيرا، وقرابته كلهم ثِقَات، وَهُوَ غير ثِقَة. وَفِي «كتاب (الْآجُرِيّ) » عَن أبي دَاوُد: كَانَ قدريًا رَافِضِيًّا، شتَّامًا، مَأْبُونًا.

وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» فِي بَاب نزُول الرُّخْصَة فِي التَّيَمُّم: إِبْرَاهِيم هَذَا مُخْتَلف فِي ثقته، ضعَّفه أَكثر أهل الْعلم بِالْحَدِيثِ، وطعنوا فِيهِ، قَالَ: وَكَانَ الشَّافِعِي (يُبْعده) عَن الْكَذِب، قَالَ: وَقَالَ الرّبيع: سَمِعت الشَّافِعِي يَقُول: كَانَ إِبْرَاهِيم بن (أبي) يَحْيَى قَدَرِيًّا. قَالَ يَحْيَى بن زَكَرِيَّا: قلت للربيع: فَمَا حمل الشَّافِعِي عَلَى أَن رَوَى عَنهُ؟ قَالَ: كَانَ يَقُول: (لِأَن)(يخر إِبْرَاهِيم) من بُعْد، أحبّ إِلَيْهِ من أَن يكذب، وَكَانَ ثِقَة فِي الحَدِيث.

وَفِي «سنَن الدَّارَقُطْنِيّ» فِي الْحَج: أنَّ الشَّافِعِي قَالَ فِيهِ: أنَّه أَحْفَظ من عبد الْعَزِيز الدَّرَاورْدِي. الْمُتَّفق عَلَى إِخْرَاج حَدِيثه فِي الصَّحِيح.

قَالَ أَبُو أَحْمد بن عدي الْحَافِظ: سَأَلت أَحْمد (بن مُحَمَّد) بن سعيد - يَعْنِي ابْن عقدَة - فَقلت: تعلمُ أحدا أحسن القَوْل فِي إِبْرَاهِيم بن (أبي) يَحْيَى، شيخ الشَّافِعِي، غَيره؟ فَقَالَ: نعم، ثَنَا أَحْمد

ص: 439

بن يَحْيَى (الأودي)، قَالَ: سَأَلت (حمدَان) بن الْأَصْبَهَانِيّ - يَعْنِي مُحَمَّدًا - قلت: [أتدينُ بِحَدِيث إِبْرَاهِيم] بن أبي يَحْيَى؟ قَالَ: نعم. وَقَالَ ابْن عدي: قَالَ لي أَحْمد بن مُحَمَّد بن سعيد: نظرت فِي حَدِيث إِبْرَاهِيم بن أبي يَحْيَى، فَلَيْسَ هُوَ بمنكر الحَدِيث.

قَالَ ابْن عدي: وَقد نظرت (أَنا) فِي (حَدِيثه) - أَيْضا - الْكثير، فَلم أجدْ فِيهِ مُنْكرا، وإنَّما الْمُنكر إِذا [كَانَت الْعهْدَة] من قبل الرَّاوِي عَنهُ، (أَو من قبل) من يروي إِبْرَاهِيم عَنهُ، وَله أَحَادِيث كَثِيرَة، وَله كتاب أَضْعَاف موطأ مَالك.

(قَالَ) : وَقد رَوَى عَنهُ: ابْن جريج، و [الثَّوْريّ] ، وعَبَّاد بن مَنْصُور، و (منْدَل) ، وَيَحْيَى بن أَيُّوب؛ وَهَؤُلَاء أقدم موتا مِنْهُ، وأكبر سنا، وَهُوَ فِي (جملَة) من يكْتب حَدِيثه، وَقد وثَّقَه الشَّافِعِي، وَابْن الْأَصْبَهَانِيّ.

ص: 440

وَقَالَ الرّبيع: كَانَ الشَّافِعِي إِذا قَالَ: (ثَنَا) من لَا أتهم. (بِهِ) يُرِيد إِبْرَاهِيم بن أبي يَحْيَى.

وَقَالَ (السَّاجِي) : الشَّافِعِي لم يخرجْ عَن إِبْرَاهِيم حَدِيثا فِي فرض، إنَّما جعله شَاهدا فِي فَضَائِل الْأَعْمَال، وَظن بِهِ الشَّافِعِي مَا ظن بِهِ ابْن جريج.

قلت: وَفِيه نظر.

وَقَالَ ابْن حبَان: كَانَ يرَى الْقدر، وَيذْهب إِلَى كَلَام جهم، ويكذب مَعَ ذَلِك فِي الحَدِيث، قَالَ: وَأما الشَّافِعِي: فإنَّه كَانَ يُجَالس إِبْرَاهِيم فِي حداثته، ويحفظ عَنهُ حفظ الصَّبِي، وَالْحِفْظ فِي الصغر كالنقش فِي الْحجر، فَلَمَّا دخل مصر فِي آخر عمره، وَأخذ يُصَنِّف الْكتب المبسوطة احْتَاجَ إِلَى الْأَخْبَار، وَلم يكن مَعَه كتبه، فَأكْثر مَا أودع الْكتب من حفظه، وَرُبمَا كَنَّى عَنهُ، وَلَا يُسَمِّيه فِي كتبه.

وَقَالَ ابْن الْقطَّان (فِي «علله» : قد) كَانَ من النَّاس من أحسن الرَّأْي فِيهِ، مِنْهُم: الشَّافِعِي، وَابْن جريج.

قلت: فَتَلَخَّص أَن خَمْسَة وَثَّقُوه، وهم: الشَّافِعِي، (وَابْن جريج) ، وحمدان بن مُحَمَّد الْأَصْبَهَانِيّ، وَأحمد بن مُحَمَّد بن سعيد بن عقدَة الْحَافِظ، وَابْن عدي، وَأَن الجمَّ الْغَفِير ضَعَّفُوهُ، وَلَا

ص: 441

خَفَاء أَن الْجرْح مقدم، (لَا جرم) قَالَ الذَّهَبِيّ فِي «الْمُغنِي فِي الضُّعَفَاء» : هُوَ مَتْرُوك عِنْد الْجُمْهُور.

وَقَول ابْن الصّلاح فِي «مشكله» فِي صفة الصَّلَاة: وَابْن أبي يَحْيَى، وإنْ كَانَ ثِقَة عِنْد الشَّافِعِي، فَهُوَ مَجْرُوح عِنْد سَائِر أهل الحَدِيث. غَرِيب مِنْهُ مَعَ جلالته، وَكَأَنَّهُ تبع أَبَا الْعَرَب، فإنَّه قَالَ فِي «ضُعَفَائِهِ» : حَدَّثَنَي عِيسَى بن حَكِيم، عَن مُحَمَّد بن (سَحْنُون)، أَنه قَالَ:(إِنَّه) لَا يحْتَج (بحَديثه) عِنْد (الْأمة) جَمِيعهَا، لَا أعلم (بَين) الْأَئِمَّة اخْتِلَافا فِي إبِْطَال الْحجَّة بحَديثه.

وَقَالَ الخليلي فِي كتاب «الإِرشاد» : لَا يروي عَنهُ من (يُزَكِّيه) إلَاّ الشَّافِعِي، فَإِنَّهُ يَقُول:(ثَنَا) الثِّقَة (فِي حَدِيثه) ، الْمُتَّهم فِي دينه، وَقد رَوَى عَنهُ ابْن جريج مَعَ جلالته.

الثَّانِي: الطعْن فِي صَدَقَة بن عبد الله، شيخ إِبْرَاهِيم، وَهُوَ أخف حَالا من تِلْمِيذه، وَهُوَ:(أَبُو) مُعَاوِيَة، السمين، الْقرشِي، الدِّمَشْقِي،

ص: 442

وثَّقَه (دُحَيْم)، وَقَالَ أَحْمد:(ضَعِيف) جدا، لَيْسَ بِشَيْء، أَحَادِيثه مَنَاكِير، لَيْسَ يُسَاوِي حَدِيثه شَيْئا.

وَقَالَ يَحْيَى، و (النَّسَائِيّ)، وَالدَّارَقُطْنِيّ: ضَعِيف، وَقَالَ (البُخَارِيّ) : ضَعِيف جدا. وَقَالَ ابْن حبَان: يروي الموضوعات عَن الثِّقَات.

فَتَلَخَّص: أنَّ هَذَا الْأَثر ضَعِيف، للعلتين المذكورتين. وَقَالَ الْحَافِظ أَبُو مُحَمَّد الْمُنْذِرِيّ فِي «كَلَامه عَلَى أَحَادِيث الْمُهَذّب» : هَذَا الْأَثر حسنٌ. وَفِي ذَلِك مَا لَا يخْفَى.

الطَّرِيق الثَّانِي: من رِوَايَة حسَّان بن أَزْهَر، عَنهُ، (أَنه) قَالَ: لَا تغتسلوا بِالْمَاءِ المشمس، فإنَّه يُورث البرص.

رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ، عَن أبي سهل بن زِيَاد، ثَنَا إِبْرَاهِيم الْحَرْبِيّ، ثَنَا دَاوُد بن رشيد، ثَنَا إِسْمَاعِيل بن عَيَّاش، قَالَ: حَدَّثَنَي صَفْوَان بن (عَمْرو) ، عَن حسَّان بِهِ.

وَهَذَا إسنادٌ جيدٌ، وَإِسْمَاعِيل بن عَيَّاش: فِيهِ مقَال، تَقَدَّم فِي الْكَلَام عَلَى حَدِيث «هُوَ الطّهُور مَاؤُهُ» . وَقد قَالَ البُخَارِيّ فِي حَقه: إِذا رَوَى عَن أهل حمص يكون حَدِيثه صَحِيحا.

وَصَفوَان بن (عَمْرو) هَذَا: حمصي، لَا جرم، قَالَ الْحَافِظ

ص: 443

محب الدَّين الطَّبَرِيّ (فِي «شَرحه» ) : إنَّ إِسْنَاده صَحِيح.

قلت: وَلم ينْفَرد إِسْمَاعِيل بِهِ، بل تُوبع عَلَيْهِ، قَالَ ابْن حبَان فِي «ثقاته» ، فِي تَرْجَمَة حسان بن أَزْهَر هَذَا:(ثَنَا) مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بن خَالِد، (ثَنَا) عبد الْأَعْلَى بن سَالم الكتاني، ثَنَا [أَبُو الْمُغيرَة عبد القدوس] بن الْحجَّاج، ثَنَا صَفْوَان بن عَمْرو، ثَنَا حسان بن أَزْهَر، عَن عمر بن الْخطاب، قَالَ: لَا تغتسلوا بِالْمَاءِ المشمس، فإنَّه ينْزع إِلَى البَرَص.

خَاتِمَة

ذكر الرَّافِعِيّ هُنَا، فِي الْكَلَام عَلَى مَا إِذا تَغَيَّر المَاء بِالتُّرَابِ: أنَّ الشَّرْع أَمر بالتعفير (من) ولوغ الْكَلْب. وَهُوَ كَمَا قَالَ، و (ستعلمه) فِي أثْنَاء الْبَاب (الْآتِي) - إِن شَاءَ الله.

ص: 444