الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[مبحث رموز الائمة العشرة ورواتهم]
جعلت رمزهم على التّرتيب
…
من نافع كذا إلى يعقوب
أي جعل الناظم أثابه الله تعالى لتسعة من هؤلاء العشرة ورواتهم رمزا يعرف به قراؤهم ورواتهم على الترتيب في الكلام الآتي في البيت الآتي وهي تسع كلمات كل كلمة على ثلاثة أحرف، الحرف الأول للقارئ والحرفان الآخران لكل راو من راوييه على الترتيب الذي رتبهم في نظمه السابق. بيان ذلك أبج الأولى من الكلمات التسع، الألف منها لنافع والباء لقالون لأنه المذكور بعد نافع، والجيم لورش لأنه بعد قالون ثم كذا في دهز الدال لابن كثير والهاء للبزى والزاى لقنبل، وهكذا في كلمة كلمة وقارئ
قارئ وراو راو حتى يعقوب وكلمته ظغش، فالظاء ليعقوب والغين لرويس والشين لروح.
(أبج دهز حطّى كلم نصع فضق
…
رست ثخذ ظغش) على هذا النّسق
أي على هذا النظام من الترتيب وإنما جعل رمزهم كذلك ليسهل على أهل هذه الصناعة فإنهم ألفوا ذلك بمناسبة ما رتبته الشاطبية، واستمد ذلك عنهم وما أراد أن يخالف هذه الطريقة ليكون من يحفظها قادرا على استخراج ما في الشاطبية، وكذلك من يحفظ الشاطبية يقدر على استخراج ما فيها وجعلت الكلمتان الأخيرتان دليلا على رمز أبي جعفر ويعقوب ورواتهما لأن حروفهما جعلت في الشاطبية دليلا على الجمع، فجعل الناظم رمز الجمع كلمات (1).
(1)[تصوير] ملحوظة: هذا الجدول يبيّن اسم كل قارئ ثم رمزه ثم اسم الرواة ثم رمزهم ولم يذكر للبزّاز رمزا لأنه عند ما يذكر قراءته يصرّح باسمه أو أحد رواته، أو قد يذكره بالرموز الكلميّة وستأتك في الصحيفة- 18 - إن شاء الله تعالى.
والواو فاصل ولا رمز يرد
…
عن خلف لأنّه لم ينفرد
أي أنه جعل الواو فاصلة بين أحرف الخلاف وذلك أنه لما استكمل القراء ورواتهم سبعة وعشرين حرفا لم يبق إلا الواو فجعلها للفصل، ولو لم يجعل ذلك لاختلطت المسائل وعسر التمييز في أكثرها فجعلت لذلك عند الاحتياج إليها، وربما لم يأت بها عند أمن اللبس كقوله: مالك نل ظلا روى السراط مع البيت؛ وأما عند اللبس فلا بد من الإتيان بها نحو قوله: صحب بميت بلد، والميت هم البيت ونحو: وجزمه مدا شفا ويحسب، ونحو ذلك فلا بد من الإتيان بها، وقد تكون الواو في الفصل زائدة كما مثل به وقد تكون من نفس الكلمة نحو قوله:
…
وبعد مؤمنا فتح
…
ثالثه بالخلف ثابتا وضح
وقد تكون من حرف القرآن نحو: لا تأثيم لا لغو مدا كنز، ولا يقبل أنث حق وأعدنا أقصرا، وقوله فاصل؛ يعني فاصلة، والحروف يجوز تذكيرها وتأنيثها باعتبار اللفظ واعتبار المعنى، وعدل عن قول الشاطبية فيصلا إلى فاصل لأنه المشهور إلى هذه الصيغة من أجل سناد التأسيس الذي هو من عيوب القافية ولا رمز يرد الخ، أشار إلى وجه كونه لم يذكر لخلف رمزا وهو أنه لم يكن له حرف من حروف الخلاف انفرد فيها عن قراءة واحد من السبعة أو رواتهم بل انفرد عن حمزة والكسائى وشعبة إلا في حرفين أحدهما (وحرام على قرية أهلكناها) في الأنبياء (1) قرأه على رواية حفص وغيره، والثاني في سورة النور (2) قرأه على قراءة غيرهم، وكذلك في وجه السكت بين السورتين على ما ذكره أبو العز القلانسى ومن تبعه، ولذلك ذكره الناظم صريحا كما سيأتي، وكذلك ذكر خلاف إدريس عنه في يعكفون في الأعراف (3) صريحا؛ فإنه لم يبق له من الحروف ما يجعل له رمزا فإن الحروف استغرقت الأئمة التسعة السابقين ورواتهم كما تقدم ولم يبق منها سوى الواو وجعلت فاصلة؛ ولما كانت موافقته تارة لحمزة وهو الأكثر، وتارة للكسائي، وتارة لشعبة جعل له مع كل رمزا على حدة كما سيأتي، لذلك
(1) سورة الأنبياء الآية «96» .
(2)
سورة النور الآية «36» .
(3)
سورة الأعراف الآية «139» .
جعله داخلا في رمز حمزة والكسائي ومعهما وشعبة ومعهما وحفص ومع الكوفيين كما سيأتي بيانه قريبا.
وحيث جاء رمز لورش فهو
…
لأزرق لدى الأصول يروى
ومن هنا أخذ في بيان اصطلاحه فذكر في ذلك أنه إذا جاز رمز لورش وهو الجيم فلا يخلو إما أن يكون في الأصول وهي الأبواب المذكورة إلى الفرش كما سيأتي فإنها على ورش من طريق الأزرق ويكون من طريق الأصبهاني كقالون، وذلك لأن الخلاف من طريقى الأزرق والأصبهاني في الأصول كثير فلا بد من إفراده لئلا يقع التركيب، فإن اتفق الأزرق والأصبهاني في حرف سمى ورش باسمه؛ وأما إذا وقع رمز ورش في الفرش فالمراد به ورش من الطريقين، ولم يخرج عن ذلك إلا في حرف واحد وهو «اصطفى» في الصافات (1) ذكر فيه الخلاف عن ورش وهو مفرع على الطريقين، فالوصل للأصبهاني والقطع للأزرق كالجماعة واغتفر له ذلك لأنه لا تركيب فيه.
والأزرق: هو أبو يعقوب يوسف بن عمرو بن يسار المدني ثم المصرى، كان عدلا أستاذا كبيرا محققا ثقة ضابطا قام بالقراءة بعد ورش بمصر وتلقى الناس روايته من طريقه بالقبول، وأجمع أهل مصر والمغرب والأندلس عليها، ولذلك لم يذكر في التيسير ولا في التبصرة ولا في الهادى ولا في الهداية ولا في الكافي ولا في العنوان ولا في الشاطبية ولا في أكثر كتبهم غيرها؛ ولهذا كانت متقنة محررة عندهم، بخلاف من ذكرها غيرهم كالعراقيين فإنها عندهم غير محققة ولا منقحة ولا صحيحة أيضا، وتوفى الأزرق في حدود الأربعين ومائتين.
والأصبهانيّ كقالون وإن
…
سمّيت ورشا فالطّريقان إذن
هو أبو بكر محمد بن عبد الرحيم بن سعيد بن يزيد بن خالد الأسدي الأصبهاني، كان إماما في رواية ورش ضابطا لها ثقة رحل بسببها إلى مصر فقرأها على أصحابه
وأصحاب أصحابه، ثم رجع إلى بغداد فكان أول من أدخلها العراق وأخذها عنه الناس حتى صاروا لا يعرفون رواية ورش إلا من طريقه ولذلك تنسب
(1) سورة الصّافات الآية «154» .
إليه دون من أخذها هو عنه، مات في بغداد سنة مائتين وست وتسعين؛ مثال ما وقع في الأصول من ذلك قوله في باب البسملة وهو أول ما وقع فيه: فاسكت فصل والخلف كم حماجلا، فإنه يدل على أن لكل من ابن عامر وأبي عمرو ويعقوب وورش من طريق الأزرق ثلاثة أوجه وهي السكت والوصل والبسملة كما سيأتي، فيكون للأصبهاني عن ورش مثل قالون له البسملة فقط، وذلك من قوله في أول الباب:(1) بسمل بين السورتين بي نصف؛ ومثال ما سمى فيه ورش من الأصول ليدخل الطريقان قوله في صلة ميم الجمع: وقبل همز القطع ورش؛ ومثاله أيضا قوله: في باب الهمزتين من كلمتين:
وسهل الأخرى رويس قنبل ورش وثامن، وقيل تبدل مدا زكا جودا الخ كما سيأتي (2)(3)
(1) باب البسملة ص- 49 - .
(2)
باب الهمزتين من كلمتين ص- 100 - .
(3)
إليك الجدول التالي عن الرموز الكلميّة حيث شرع المؤلف بالحديث عنها وتبيانها وستحظى بإيضاح ملموس وتيسير في استيعاب وحفظ الرموز خلال الجدول:
[تصوير]
(فمدنيّ) ثامن ونافع
…
(بضريهم) ثالثهم والتّاسع
يعني إذا ذكر المدني فالمراد به نافع وأبو جعفر الذي هو ثامن القراء على ما تقدم ترتيبه، وذلك لأنهما كانا بالمدينة الشريفة على ساكنها أفضل الصلاة والسلام: والمدني نسبة إلى المدينة؛ وكذلك إذا ذكر البصرى فالمراد به أبو عمرو الذي وهو ثالث القراء ترتيبا، ويعقوب الذي هو تاسعهم أيضا لأن كلا منهما كان من البصرة. والبصرة بفتح الباء: المدينة المشهورة التي مصّرت زمن عمر بن الخطاب رضى الله عنه وحكى كسر صادها؛ ومعناها في الأصل الحجارة البيض الرخوة وبها سميت البصرة، والنسبة إليها بكسر الباء على الفصيح وهو مما خرج عن القياس في باب النسب، وقيل للفرق بين النسب إلى الحجارة وإلى البلد.
وخلف في الكوف والرّمز (كفى)
…
وهم بغير عاصم لهم (شفا)
أي في الكوفة؛ والكوف والكوفات من أسماء الكوفة، يريد أن خلفا داخل في الكوفيين الذين هم عاصم وحمزة والكسائي كما تقدم من قوله ثلاثة من كوفة، فعاصم وإنما أدخله فيهم لأن مادة قراءته منهم ولا يخرج عن قراءتهم ولا عن قراءة أحدهم كما تقدم قوله والرمز كفا: أي ورمز الكوفيين وخلف فيهم كفا.
فيكون مدلول كفا لعاصم وحمزة والكسائي وخلف، واختار ذلك لهم لخفته وسهولة دلالته عليهم من حيث الاشتقاق الأكبر ولدلالته على الكفاية وهي مما يثنى به على القراءة كقوله: كفلها الثقل كفا، أو على القارئ كقوله: فرح ظهر كفا أو عليهما، نحو قوله: وقبلا كسر أو فتحا ضم حق كفا؛ قوله وهم الخ يعني رمز هؤلاء بغير أن يكون معهم عاصم شفا فيكون مدلول شفا لحمزة والكسائي وخلف، واختار لهم ذلك لأنه كثيرا ما يرد في الشاطبية لحمزة والكسائي فيكون معينا لحافظ أحد الكتابين كما ذكره في الرمز الحرفي ولحسن دلالته أيضا ولكثرة التصرف في معانيه، فإنه يأتي اسما بمعنى حرف الشيء وطرفه، كقوله تعالى «شفا جرف هار» وبمعنى البقية وبمعنى القليل كقولهم: ما بقى منهم إلا شفا، ويأتي نحو شفا الله، وقد استعمله الناظم بحسب ما يناسبه من المعاني تارة اسما وتارة فعلا وتارة قد يحتملهما.
وهم وحفص (صحب) ثمّ (صحبه)
…
مع شعبة وخلف وشعبه
أي رمز هؤلاء الثلاثة ومعهم حفص صحب، فيكون مدلول صحب لحمزة والكسائي وخلف وحفص وهو جمع صاحب كراكب وركب وهو أخف من صحاب الذي استعمله الشاطبي في مدلول حمزة والكسائي وحفص (قوله ثم صحبة) أي رمز صحبة للثلاثة المذكورين ومعهم شعبة فيكون مدلول صحبة لحمزة والكسائي وخلف وشعبة وهو أيضا جمع صاحب كفارة وفرهة وهو في الشاطبية لحمزة والكسائي وشعبة فوافقه الناظم أيضا (قوله وخلف الخ) وأول البيت الآتي يعني ورمز خلف وشعبة صفا، لأنه يأتي في الشاطبية لشعبة، ولأنه يأتي اسما مقصورا جمع صفاة: وهو الحجر الأملس، وممدودا وهو خلاف الكدر وفعلا من ذلك ومن الخلاصة:
(صفا) وحمزة وبزّار (فتا)
…
حمزة مع عليهم (رضى) أتى
أي ورمز حمزة مع خلف فتا، لأن الفاء لحمزة فيسهل استحضاره وخلف من جملة رواته؛ والفتى الكريم والسخي والشاب، ويستعمل في الكامل الأخلاق وذي الصفات الجميلة، وقوله: رضى: يعني أن رمز حمزة إذا اتفق مع الكسائي (رضي) لأن الراء رمز الكسائي وهو صاحب حمزة وهو مصدر يوصف به للمبالغة في الثناء ويكون بمعنى المرضى.
وخلف مع الكسائيّ (روى)
…
وثامن مع تاسع فقل ثوى
أي رمز خلف مع الكسائي روى فإن الراء للكسائي وخلف من الآخذين عنه وروى يأتي اسما ممدودا بمعنى أنه حلو وعذب ولطيف، يقال ماء روا إذا وصفته بذلك،
ويأتي فعلا من الرواية ومن الرواء أيضا على لغة طيء، يقال رويت من الماء ورويت منه على قلب الياء ألفا في لغتهم (قوله وثامن الخ) أي ورمز أبي جعفر ويعقوب (ثوى) لأن الثاء رمز أبي جعفر فيسهل تناوله ومعناه أقام؛ يقال ثوى بالمكان: إذا أقام به ثواء بالمد.
ومدن (مدا) وبصريّ (حما)
…
والمدني والمكّ والبصري (سما)
يعني رمز المدني وتقدم أنه عبارة عن نافع وأبي جعفر مدا من أجل سهولة النظم ومبادرة دلالته على ذلك من حيث الاشتقاق كما ذكره في كفا للكوفيين ومعناه كفاية (قوله: وبصرى) أي رمز البصرى الذي هو أبو عمرو ويعقوب حما،
لأن الحاء رمز أبي عمرو فيبادر إليه ولأن يعقوب كثير الموافقة له، ومعناه الممنوع من القرب منه والتعرض إليه، ويجيء ممدودا ومعناه المدافع عنه، يقال حاميت عن فلان حمى: أي ناءيت عنه ودافعت (قوله: والمدني الخ) أي رمز المدني والمكى والبصرى سما فيكون مدلوله لنافع وأبي جعفر وابن كثير وأبي عمرو ويعقوب، وقد وافق الشاطبية على ذلك إلا أنه أدخل فيهم أبا جعفر ويعقوب ومعناه علا وارتفع، وقد يأتي اسما من الممدود وهو كل ما علاك؛ والسماء أيضا المطر والسماء واحد السموات يذكّر ويؤنّث.
مكّ وبصر (حقّ) مكّ مدني
…
(حرم) و (عمّ) شامهم والمدني
أي رمز المكى والبصرى حق فيكون مدلوله لابن كثير وأبي عمرو ويعقوب وتبع فيه الشاطبية أيضا (معناه خلاف الباطل) قوله مك أي رمز المكى والمدني حرمى وهو مما تبع فيه الشاطبية أيضا إلا أنه أدخل فيه أبا جعفر وأصله حرمى نسبة إلى الحرمين الشريفين فخفف (1) كما خفف غيره من المكى والمدني ونحو وأجرى مجرى المنقوص، ومن ذلك قول الشاعر:
وأمست بلاد الحرم وحشا بقاعها
…
لغيبة ما كانت من الوحي تعهد
(قوله: وعم) أي رمز لابن عامر ونافع وأبي جعفر تبع في ذلك الشاطبي أيضا وهو يأتي اسما وفعلا ومركبا من حرف واسم؛ فمن الإسم العم أخو الأب والعم الجماعة من الناس والمحترم منهم، والفعل من العموم ومن المركب «يتساءلون» أصله عن ما فأدغم وحذف ألف الاستفهام.
و (خبر) ثالث ومك (كنز)
…
كوف وشام ويجيء الرّمز
يعني ورمز (حبر) لأبي عمرو وابن كثير ومعناه العالم المقتدي به فوافق كون الحاء لأبي عمرو وهو أحد أصحاب ابن كثير الذي مادة قراءته منه فكأنهما واحد.
قوله: (كنز) أي ورمز كنز للكوفيين وابن عامر ووافق أن الكاف لابن عامر فيبادر الفهم إليه ومعناه المال المجموع والمدفون والمدخر؛ وفي الجملة فكل هذه
(1) لم يعد مشدّدا
الكلمات دالة على الثناء بالكفاية والصحبة والاصطحاب والصفا والفتوة والرواية والثبات والحماية والسمو، ونحو ذلك قوله: ويجيء الرمز. لما فرغ من الرموز الحرفية والكلمية أخذ في بيان فروعهما في كتابه، ثم ذكر مصطلحه فقال ويجيء الرمز: يعني من الكلمى والحرفي بعد حرف القراءة وقبله كما سيأتي في البيت الآتي بعد.
قبل وبعد وبلفظ اغنى
…
عن قيده عند اتّضاح المعنى
مثاله بعد الحرف وهو الغالب قوله:
من الحرفى وأزال في أزل
…
فوز وآدم انتصاب الرفع دل
ومن الكلمى ينزل خف حق، وقوله: والغيث مع منزلها حق شفا، ومن الكلمى والحرفي جميعا: مالك نل ظلا روى، وقوله ويكتمون حبر صف، وقوله وكسر حج عن شفا، ومثاله قبل الحرف في الحرفي قوله: وصف يمسك خف، وفي الكلمى وعم يرتدد ومنهما جميعا ودم رضا حلا الذي يبشر قوله:(وبلفظ أغنى الخ) يعنى أنه ربما يلفظ بالقراءة في بعض المواضع من غير تقييد وذلك حيث المعنى وأمن اللبس إما بالوزن أو بالخط أو بهما فتارة يلفظ بإحداهما ولا يقيد الأخرى لشهرتها كقوله: مالك نل ظلا، روى السراط مع سراط زن خلفا غلا كيف وقع وتارة يلفظ بإحداهما ويقيد الأخرى كقوله: تفجر الأولى كتقتل ظبا، وتارة بلفظ بالقراءتين معا من غير تقييد لواحدة منهما، كقوله وما يخادعون يخدعون كنز ثوى، وتارة يلفظ بالقراءتين ويقيد بعض الأخرى كقوله: وفي وطأ وطاء واكسر أحزكم (1).
وأكتفي بضدّها عن ضدّ
…
كالحذف والجزم وهمز مدّ
يعني أنه إذا كان قيد القراءة ضد للقيد الآخر فإنه يكتفي بذكر أحدهما عن الآخر للاختصار فإن الضدين يدل على الآخر كالحذف مثلا، فإن ضده الإثبات وبالعكس؛ وفي معنى الإثبات قوله زد، وفي معنى الحذف قوله دع، وكالجزم
(1) هذه أمثلة من المتن على مجيء الرمز الكلمي والحرفي بعد حرف القراءة وقبله وسيأتي كل شاهد في موضعه وخاصة عند ما يشرع في الكلام عن باب فرش الحروف ص- 204.
ضده الرفع ولكنه لا ينعكس، لأنه ذكر بعد ذلك أن الرفع ضده النصب وكالهمز ضده عدم الهمز وبالعكس وكالمد ضده القصر وبالعكس وكالتحريك ضده التسكين
وبالعكس، وكالتنوين ضده عدم التنوين وبالعكس، وكالنقل ضده عدم النقل وبالعكس، وكالإمالة ضدها الفتح ولا عكس لأنه ذكر أن ضد الفتح الكسر وسيأتي كالإدغام ضده الإظهار وبالعكس، وكالجمع ضده التوحيد وبالعكس، وكالغيب ضده الخطاب وبالعكس وكالتذكير ضده التأنيث وبالعكس وكالتخفيف ضده التشديد وبالعكس وكالاختلاس ضده الإتمام؛ أي إتمام الحركة ولا ينعكس لاختلاف الحركات، وكالتغليظ ضده الترقيق وبالعكس وكذلك التفخيم، وكالقطع ضده الوصل وبالعكس، وكالإهمال ضده الإعجام وتسمية الفاعل ضدها تجهيله وبالعكس، وكل ذلك سيأتي في موضعه فلا حاجة إلى ذكر أمثلته هنا.
ومطلق التّحريك فهو فتح
…
وهو للاسكان كذاك الفتح
أي إذا أطلق التحريك فإن المراد به الفتح دون الضم والكسر كقوله وكسفا حركا عم نفس. يعني فتح السين بخلاف ما إذا قيد كقوله: نصب إضم حركا به عفا ومقابله الإسكان فيكون ضده سواء كان التحريك مطلقا أو مقيدا كالفتح مع الكسر وكالنصب مع الخفض وكالنون مع الياء؛ فكل من هذه الأربعة يقابل الآخر ويكون ضدا له طردا وعكسا قوله: (وهو للإسكان) أي والتحريك المطلق طردا وعكسا كقوله: حسنا فضم اسكن نها حز عم دل، قوله: والدرك سكن كفا قوله:
(كذاك الفتح) أي مثل الفتح للكسر كما سيأتي طردا وعكسا كقوله، واتخذوا بالفتح كم أصل، وقوله: وفتح السلم حرم رشفا.
للكسر والنّصب لخفض إخوة
…
كالنّون لليا ولضمّ فتحة
أي النصب للخفض طردا وعكسا كقوله: وأرجلكم نصب ظبا عن كم أضا، وقوله: أخفض نوره صحب دد ووجه كون هذه الأربعة إخوة لأضدادها جعل كل اثنين منهما يغنى ذكر أحدهما عن الآخر قوله: (كالنون) يعني كذلك النون أخ للياء طردا وعكسا كقوله: نجمعكم نون ظبا، وقوله: ويا سنوتيهم فتا قوله:
(ولضم فتحة) أي وجعل أيضا للضم الفتح ضدا طردا وعكسا كما سيأتي في البيت الآتي كقوله: ضم يخافا فز ثوى، وليس في شيء من هذه إشكال لأن أضداد هذه
الثلاثة لا يأتي بها إلا مقيدة كقوله: أولاد نصب شركائهم يجر ومثله لا يعقلون خاطبوا وتحت عم، وقوله: يقبل أنث حق. فإن قيل ذكر هذا تكرار لأن قوله وبلفظ أغنى عن قيده عند اتضاح المعنى. فالجواب أن قوله عند اتضاح المعنى يرده، وليعلم أيضا أن هذه الثلاثة لم تأت في جميع الكتاب مطلقة بل المراد أنها إذا أطلقت من غير قيد يكون كذلك وذلك بحسب ما تيسر في النظم، وإلا فقد وردت مقيدة في كثير من المواضع كقوله: قتل ارفعوا يقول يا فز يعملو، وقوله غيبا وما تشاءون، وقوله خف تساقط في علا ذكر صدا.
كالرّفع للنّصب اطردن وأطلقا
…
رفعا وتذكيرا وغيبا حقّقا
أي كذل جعل الرفع ضد النصب كقوله: يقول ارفع ألا العفو حسنا. وقوله اطردا: يعني أن هاتين الحركتين المذكورتين (1) وهما الضم والرفع يكون ضدهما الفتح والنصب كما ذكر على وجه الطرد من غير عكس؛ لأنه تقدم أن الفتح ضده الكسر والنصب ضده الخفض طردا وعكسا، وقوله أطلقا الخ؛ يعني أنه ذكر هذه الأحوال الثلاثة وهي الرفع والتذكير والغيب مطلقة ويريد بها التقييد: أي يعلم من إطلاقه لها أنها المرادة لا أضدادها كقوله: وصية حزم صفا ظلا رفه، وقوله:
يكون إذ حما نفا، وقوله: ويغلبون يحشرون رد فتا، وقد جمع الثلاثة في بعض بيت وهو قوله: خالصة إذ يعلموا الرابع صف يفتح في روى.
وهذه أرجوزة وجيزة
…
جمعت فيها طرقا عزيزه
ولما فرغ من اصطلاحه أخذ في ذكر منظومته وما ذكر فيها، فقال وهذه إلى آخر الأبيات وأرجوزة أفعولة من الرجز، وهو ضرب من الشعر؛ سمى بذلك لتقارب أجزائه وقلة حروفه، وجيزة: أي مختصرة من أوجزت الكلام: إذا اختصرته وقصرته مع توفية المعنى، وطرقا: أي روايات ومذاهب، وعزيزة: أي قليلة الوجود كثيرة الدلالة عظيمة القدر.
ولا أقول إنّها قد فضلت
…
حرز الأماني بل به قد كملت
فضلت: أي غلبت في الفضل، من فاضله ففضلته إذا غلبته في الفضل،
(1) في بعض النسخ بعد هذا البيت: وكل ذا اتبعت فيه الشاطبي ليسهل استحضار طالب ولم يذكره أحد من الشرح اهـ.
وكملت: أي تمت انتهت وجاءت كاملة من غير نقص، وفي كملت ثلاث لغات فتح الميم وضمها وكسرها وهو أقلها، ووجه كما لها بحرز الأماني أن ناظمها هو المتقدم، والفضل للمتقدم: وأنه الفاتح لهذا الباب والآخذ من كل فضل بأسباب ومقترح ذلك المصطلح، وما وصل صاحب هذه الأرجوزة إلى ما وصل إلا ببركة ذلك الكتاب، وحفظه له حالة الصغر منذ كان في الكتاب، ولولاه لم يصل إلى هذه الرتبة ولم يكن له من هذا العلم نصيب ولا حبة، فالله تعالى يتغمده بالرحمة والغفران ويبوئه في الدار الآخرة أعلى الجنان.
وحرز الأماني هي الشاطبية نظم الإمام ولى الله أبي القاسم بن فيرة ابن خلف الرّعينى الشاطبي شيخ الإقراء بالديار المصرية رحمه الله تعالى وجزاه عنا خيرا، توفى في ثامن عشر جمادى الأخرى سنة خمسمائة وتسعين بقاهرة مصر.
حوت لما فيه مع التّيسير
…
وضعف ضعفه سوى التّحرير
أي جمعت هذه الأرجوزة لما في حرز الأماني ولما في كتاب التيسير من القراءات والطرق والروايات ومثله ومثل مثله، وبيان ذلك تقدم عند قوله: وهذه الرواة عنهم طرق، ويجوز في ضعف النصب عطفا على موضع لما فيه والخفض عطفا على ما والتيسير أيضا، وضعف الشيء: مثله، وضعف ضعفه: مثل مثله، وضعفاه: مثلاه، ولو قيل
وضعف ضعيفه لجاز وصح ولعله أولى، قوله سوى التحرير: أي غير ما فيها من الإتقان والتحقيق والتقويم، ومن نظر في ذلك بعين الإنصاف علم ذلك بحقه.
ضمّنتها كتاب نشر العشر
…
فهي به (طيّبة) في النّشر
يعني كتاب نشر العشرة وهو كتاب القراءات الذي ألفه الناظم يرجو به رضى الله عنه جزيل ثوابه، ولا حاجة إلى زيادة في وصفه وإطنابه، فإن من وقف عليه علم مقداره حتى قال بعض العلماء من المصنفين: لا تصح رواية القراءة لأحد بعد تأليفه حتى يطلع عليه، وسميت هذه الأرجوزة طيبة؛ وفي تسميتها بذلك تورية حسنة تامة تخدم في معان من طيب الرائحة ومن الحياة ومن البسط ومن الإذاعة ومن كتاب النشر.
وها أنا مقدّم عليها
…
فوائدا مهمّة لديها