الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كسر قبل ساكن في الوصل أيضا قوله: (وشفا) أي أن حمزة والكسائي وخلفا يضمون الهاء المسكورة قبل الميم أيضا حالة الوصل مع الميم، فإذا وقفوا كسروا الهاء على أصلهم، وحمزة على أصله كما تقدّم قوله:(وأتبع) أي أتبع يعقوب الهاء الميم: يعني ما تقرر من مذهبه فيضم الميم إذا وقعت بعد الهاء المضمومة في مذهبه نحو «عليهم القتال، ويريهم الله» ويكسرها إذا وقعت بعد مكسور نحو «بهم الأسباب، وقلوبهم العجل» .
باب الإدغام الكبير
قدم هذا الباب على سائر الأبواب من أجل تقديم «الرحيم ملك» على غيره، وافتتح به أبواب الأصول وأتبعه بغيره بحسب الترتيب.
والإدغام هو اللفظ بحرفين حرفا كالثاني مشددا، وينقسم إلى كبير وصغير؛ فالكبير أن يكون الأول من الحرفين متحركا؛ سمي كبيرا لكثرة وقوعه، والصغير أن يكون ساكنا كما سيأتي في بابه. وينقسم كل منهما إلى واجب وجائز وممتنع، وقد تقدّمت الإشارة في الخطبة الى الواجب والممتنع في القراءة، والكلام هنا في الجائز، وله شرط وسبب ومانع كما سيذكره.
إذا التقى خطّا محرّكان
…
مثلان جنسان مقاربان
هذا شرطه؛ وهو أن يلتقي الحرفان المحركان خطا سواء كان خطا أو لفظا أو خطا لا لفظا ليدخل نحو إنه هو، ويخرج نحو «أنا نذير» ، وقوله مثلان، هذا سببه وهو أن يكون الحرفان منهما متماثلين أو متجانسين أو متقاربين؛ فالتماثل أن يتفقا مخرجا وصفة كالهاء في الهاء؛ والتجانس أن يتفقا مخرجا ويختلفا صفة كالدال في التاء والتاء في الطاء والثاء في الذال. والتقارب أن يتقاربا مخرجا أو صفة أو مخرجا وصفة كالتاء في الثاء والجيم في الذال.
أدغم بخلف الدّور والسّوسي معا
…
لكن بوجه الهمز والمدّ امنعا
يعني أن الإدغام في ذلك لأبي عمرو بخلاف عنه، وإنما عبر بالدوري والسوسي لدفع وهم من يتوهم أن المراد به السوسي وحده كما وقع في كلام الشاطبي رحمة الله عليه حيث أطلقه لأبي عمرو ومراده السوسي كما هو مقرر،
وقوله: معا: حال منهما كما تقول مررت بزيد وعمرو معا: أي مصطحبين قوله:
(لكن بوجه الهمز والمد امنعا) أشار إلى أنه قد يجتمع الإدغام الكبير مع همز ساكن أو مد منفصل أو معهما، فإنه ذكر لأبي عمرو في كل منهما خلاف؛ فيحتمل مع البدل والهمز أربعة أوجه (1)، وهي: الإدغام والإظهار مع البدل ومع الهمز، وذلك قوله تعالى: ولما يأتهم تأويله كذلك كذّب الذين من قبلهم يمتنع منها الإدغام مع الهمز وتجوز الثلاثة الباقية، وكذا لو اجتمع الإدغام مع المد كقوله «قل لا أقول لّكم (2)» ، فإنه يحتمل أربعة أوجه أيضا، وهي: الإدغام مع المد والقصر والإظهار معهما يمتنع المد مع الإدغام، وتجوز الثلاثة الأخرى، فلو اجتمع مع الإدغام همز ومد فيحتمل ثمانية أوجه كقوله تعالى: قال لا يأتيكما طعام ترزقانه إلا نبأتكما بتأويله قبل أن يأتيكما» يمتنع منها ثلاثة أوجه، وهي: الإدغام مع الهمز والمد، والإدغام مع الهمز والقصر، والإدغام مع البدل والمد، وتجوز الخمسة الباقية. وهذا موضع مهم يتعين التنبيه عليه، فلذلك نص عليه وبسط القول فيه في النشر (3).
فكلمة مثلى مناسككم وما
…
سلككم وكلمتين عمّما
أي فأدغم من كلمة المثلين من مناسككم وما سلككم لا غير، وأما من كلمتين فهو عام: أي في كل كلمتين ما لم يمنع مانع مما سيذكره في البيت الآتي، وقوله مثلى «مناسككم» هو على حذف مضاف أي مثل حرفي مناسككم وهو في البقرة «و» ما سلككم في المدثر قوله:(وكلمتين عمما) أي اجعله عاما ولا تخصه كما خصصت الكلمة بهاتين الكلمتين فقط وذلك بالشرط المذكور في البيت الآتي:
ما لم ينوّن أو يكن تا مضمر
…
ولا مشدّدا وفي الجزم انظر
هذا مانع الإدغام الكبير الذي شرطه التقاء الحرفين خطا، وسببه أن يكونا مثلين أو
(1) والأوجه الأربعة صحيحة لغة وإسنادا.
(2)
تنبه للشدة فوق الحرف المدغم فيه فهي ترسم لإيضاح وجود الإدغام.
(3)
والأفضل إذا أردت استيعابا وإحاطة بهذا أن تمعن النظر في كتاب النشر في القراءات العشر للمؤلف رحمه الله تعالى المجلد الثاني في باب الإدغام الكبرى.
جنسين أو متقاربين كما تقدم، وهو أن لا يكون الأول منهما منونا، نحو «غفور رحيم، شديد تحسبهم، في ظلمات ثلاث» وأن لا يكون تاء مضمر سواء كان متكلما أو مخاطبا نحو «كنت ترابا، خلقت طينا» وأن لا يكون مشددا، نحو «مس سقر، الحق كمن، وأشد ذكر» فهذه المواضع الثلاثة لا خلاف فيها وبقي مانع آخر وهو الإخفاء قبله وذلك في حرف واحد وهو «يحزنك كفره» كما سيأتي منصوصا عليه، ويمكن أن يدخل في توالي الإعلال فإن الاخفاء إعلال والإدغام كذلك. واختلف في موانع أخرى كالجزم وتوالي الإعلال وقلة الحروف ومصيره إلى حرف واحد، واختص إظهار بعض المتقاربين بخفة الفتحة أو سكون ما قبله أو بهما أو لفقد المجاورة أو عدم التكرار كما سيأتي مبينا، وقوله وفي الجزم: أي وفي مانع الجزم تفصيل، وهو إما أن يكون في المثلين أو المتجانسين أو المتقاربين، فإن كان في المثلين والمتجانسين فإن في إدغامه خلافا لأصحاب الإدغام، منهم من أدغمه نظرا إلى تلاقي الحرفين، ومنهم من أظهره نظرا إلى ما كان أولا، فلم يعتد بذلك العارض وذلك في المثلين، نحو
قوله تعالى: ومن يبتغ غير، ويخل لكم، وإن يك كاذبا وفي المتجانسين «ولتأت طائفة» فإن كان في المتقاربين فالإظهار وذلك حرف واحد وهو «ولم يؤت سعة» وما ذكره صاحب التجريد من إدغامه فهو ضعيف.
فإن تماثلا ففيه خلف
…
وإن تقاربا ففيه ضعف
أي فإن تماثل الحرفان الملتقيان بالجزم ففي إدغامه اختلاف عن أصحاب الإدغام، فإن تقارب الحرفان ففي إدغامه ضعف: أي رواية إدغام ما دخله الجزم من المتقاربين ضعيفة، وأما قوله تعالى «فآت ذا القربى» فيجىء النص عليه مع «ولتأت طائفة» عند ذكر إدغام التاء من المتقاربين والمتجانسين.
والخلف في واو هو المضموم ها
…
وآل لوط جئت شيثا كاف ها
أي واختلف أيضا عن أصحاب الإدغام في إدغام الواو من هو المضموم هاؤه نحو «هو والذين» ووقع في ثلاثة عشر موضعا ووجه إظهاره مصيره إلى حرف مد، وذلك أنه إذا أدغم سكن وإذا سكن صار حرف مد وحرف المد لا يدغم كما تقدم في فصل التجويد. واختلف عنهم أيضا في إدغام اللام من آل لوط، وهو في
أربعة مواضع: اثنان في الحجر وواحد في النمل وآخر في القمر، ووجه إظهاره توالى الإعلال عليه من حيث إن أصله أهل فقلبت الهاء همزة، ثم أبدلت ألفا ثم تدغم فيكون ثلاث إعلالات، وقيل لقلة حروفه وهو منتقض بإدغام «لك كيدا» وهو أقل حروفا منه. واختلف عنهم أيضا في إدغام التاء من قوله تعالى:«لقد جئت شيئا فريا» في سورة مريم، ووجه إظهاره كونه تاء مضمر، ووجه إدغامه دون إدغام «جئت شيئا» في الكهف أنه مكسور والفتحة أخف من الكسرة فأدغم تخفيفا، فإن قيل فلم لم يدغم «كنت ترابا» مع ضمه والضم أثقل من الكسرة، قيل منع ذلك إخفاء النون قبله وذلك وحده مانع فاجتمع فيه مانعان.
كاللّاء لا يحزنك فامنع وكلم
…
(رض سنشدّ حجّتك بذل قثم)
أي كالخلاف في اللائي يعني قوله: «واللآئي يئسن من المحيض» وهو في الطلاق، اختلف في إظهاره وإدغامه على وجه قراءة أبي عمرو بإبدال الهمزة ياء كما بين ذلك في النشر قوله:(لا يحزنك) يعني قوله تعالى: «فلا يحزنك كفره» اتفقوا على إظهاره من أجل إخفاء النون قبله، وهذا هو المانع الرابع الذي تقدّمت إشارتنا إليه، وأما «فلا يحزنك قولهم» فيدخل إظهاره تحت مانع كونه بعد ساكن قوله:(وكلم) يعني لما فرغ من ذكر المثلين انتقل إلى ذكر إدغام المتجانسين والمتقاربين، فقال وكلم: أي وحروف كلم رض الخ، وهو ستة عشر حرفا في الخمس كلمات المذكورات تدغم في مجانسها ومقاربها على ما يأتي تفصيله، وأما قوله رض فمن الرياضة وهي التهذيب.
تدغم في جنس وقرب فصّلا
…
فالرّاء في اللّام وهي في الرّاء لا
أي حروف هذه الكلم تدغم فيما جانسها وفيما قاربها وفصلا: أي بين. ثم أخذ في تفصيل ذلك فبدأ بالراء لأنها المبدوء بها في الكلام فبدأ بها فقال فالراء الخ: أي فالراء تدغم في اللام وهي أي واللام أيضا تدغم في الراء بشرط أن لا تكون واحدة منهما مفتوحة بعد ساكن كما سيأتي في البيت الآتي، ومثال الراء في اللام «أطهر لكم» ، ومثال اللام في الراء «أنزل ربكم» قوله:(لا) أي إلا أن تكون كل من اللام والراء مفتوحا بعد ساكن.
إن فتحا عن ساكن لا قال ثم
…
لا عن سكون فيهما النّون ادّغم
معناه أن الراء واللام إذا وقعا مفتوحتين بعد ساكن فإنهما لا يدغمان إلا كلمة قال فإنها تدغم وإن كانت مفتوحة بعد ساكن، فإن كانتا مضمومتين أو مكسورتين تدغمان وإن وقعا بعد ساكن، ومثال الراء المفتوحة بعد ساكن «والحمير لتركبوها» ومثالها مضمومة بعد ساكن «وإليك المصير لا يكلف الله نفسا» ومكسورة بعد ساكن نحو:«والنهار لآيات» ومثال اللام المفتوحة بعد ساكن، فعصوا رسول ربهم»، ومثالها مضمومة بعد ساكن «يقول ربنا» ومكسورة «إلى سبيل ربك» إلا كلمة قال فإن اللام منها تدغم في الراء، وإن كانت مفتوحة بعد ساكن لكثرة دورها نحو «قال ربكم» وهذا معنى قوله: لا قال، فهو استثناء من استثناء قوله:(ثم لا عن سكون الخ) يعني أن النون تدغم في اللام والراء نحو «تأذن ربكم، وزين للذين» إلا أن تكون النون بعد ساكن فإنها لا تدغم نحو «مسلمين لك، ويخافون ربهم» إلا كلمة نحن كما سيأتي في البيت الآتي:
ونحن أدغم ضاد بعض شان نص
…
سين النّفوس الرّاس بالخلف يخص
أي تدغم نون نحن في اللام بعدها نحو «ونحن له» وإن وقعت بعد ساكن، وهذا في المعنى استثناء مما تقدم قوله:(ضاد) أي وتدغم الضاد من بعض شأنهم في الشين قوله: (نص) أي نص على إدغامه يشير إلى قول الداني، روى إدغامه منصوصا أبو شعيب السوسي ولم يروه غيره قوله:(سين النفوس) يعني وتدغم السين من النفوس، يريد قوله تعالى:«وإذا النفوس زوجت» ، وكذلك تدغم السين من «واشتعل الرأس شيبا» بخلاف عنه قوله:(يخص) أي بالخلاف دون الناس شيئا فإنه لا خلاف فيه، وفي إظهاره مع أنه مثله في وقوع الشين بعده، ولكن يفرق بينهما بكون الشين مفتوحة بخلاف الرأس فإنها فيه مضمومة.
مع شين عرش الدّال في عشر (س) نا
…
(ذا)(ض) ق (ت) رى (ش) د (ث) ق (ظ) با (ز) د (ص) ف (ج) نبا
أي مع الخلاف في إدغام الشين من قوله تعالى «إلى ذي العرش سبيلا» قوله: (الدال) في عشر إلى آخر البيت يعني تدغم في عشرة أحرف وهي الأوائل من العشر كلمات التي ذكرها السين والذال والضاد والتاء والشين والثاء والظاء والزاي والصاد والجيم.
إلّا بفتح عن سكون غيرتا
…
والتّاء في العشر وفي الطّا ثبتا
يعني أن الدال تدغم في هذه الأحرف بأي حركة تحركت الدال إلا إذا فتحت وقبلها ساكن فإنها لا تدغم إلا في التاء فإنها تدغم للتجانس في «كاد تزيغ» وبعد توكيدها ومثالها في غير ذلك ففي السين «يكاد سنا برقه» وفي الذال من بعد ذلك، وفي الضاد «من بعد ضراء» وفي التاء «من الصيد تناله» وفي الشين «شهد شاهد» ، وفي الظاء «يريد ظلما» وفي الزاي، «يكاد زيتها» ، وفي الصاد «نفقد صواع» ، وفي الجيم «داود جالوت» وفي الثاء «يريد ثواب» ، قوله:(غير تاء) أي فإنها تدغم فيها، ولو فتحت بعد ساكن فهو استثناء من استثناء، قوله:(والتاء في العشر الخ) يعني أن التاء تدغم في العشرة الأحرف التي تدغم فيها الدال المذكورة، وفي الطاء أيضا فحينئذ يكون للتاء أحد عشر حرفا لكن التاء من جملة حروف الدال العشرة من باب المثلين، فإذا سقطت من العدد عددت الطاء عوضا عنها فيكون للتاء عشرة أحرف أيضا، وإنما لم يستثنها الناظم للاختصار مع حصول الغرض من البابين، ومثال التاء عند حروفها في السين «السحرة ساجدين» وفي الذال «الآخرة ذلك» ، وفي الضاد «والعاديات ضبحا» وفي الشين «الساعة شيء عظيم» ، وفي الثاء «بالبينات ثم» ، وفي الظاء «الملائكة ظالمي» ، وفي الزاي «فالزجرات زجرا» وفي الصاد «والملائكة صفا» ، وفي الجيم «الصالحات جناح» ، وفي الطاء «الصالحات طوبى» واختلف في كلمات ذكرها في البيت الآتي:
والخلف في الزّكاة والتّوراة حل
…
ولتأت آت ولثا الخمس الأول
أي واختلف رواة الإدغام في إدغام التاء وإظهارها من هذه الكلمات الأربع:
وهي «الزكاة ثم» في البقرة، و «التوراة ثم» في الجمعة وهاتان الثنتان عند التاء لفتحهما وسكون ما قبلها، والثالثة عند الذال وهو قوله تعالى: فآت ذا القربى حقه والرابعة عند الطاء وهو قوله تعالى ولتأت طائفة وهما في حكم المجزوم كما تقدم وتقدم لها خامس وهو جئت شيئا فريا، وقوله حل: أي استقر من حل بالمكان، ويحتمل معنى جاز، من حل الشيء يحل فهو حلال، وللثاء الخمس الأول: أي وللثاء من الحروف التي تدغم فيه التاء الخمس الأحرف التي ذكرت أوّلا من حروف الدال المتقدمة يعني السين والذال والضاد والتاء والشين؛ مثالها «وورث سليمان داود، والحرث ذلك، وحديث ضيف إبراهيم، وحيث تؤمرون، وثلاث شعب» .
والكاف في القاف وهي فيها وإن
…
بكلمة فميم جمع واشرطن
أي وتدغم الكاف في القاف والقاف في الكاف نحو «نقدس لك قال، وينفق كيف» وإن كانت القاف عند الكاف في كلمة فلا تدغم إلا أن تكون بعد الكاف ميم جمع نحو «خلقكم ويرزقكم» فإن لم يكن بعدها ميم جمع أظهرت نحو «خلقك» واختلف فيما بعده نون إناث كما سيأتي في البيت الآتي، ويشترط في جواز إدغام الكاف في القاف والقاف في الكاف وفيما فيه ميم جمع من كلمة أن تكون بعد متحرك كما مثلنا به، فإن كنّ بعد ساكن أظهرت بلا خلاف نحو «وتركوك قائما، وفوق كل ذي علم، وميثاقكم» .
فيهنّ عن محرّك والخلف في
…
طلّقكنّ ولحا زحزح في
أي الكاف في القاف والقاف في الكاف وفيما معه ميم أن يكون بعد محرك قوله: (والخلف الخ) أي واختلف رواة الإدغام في كلمة «طلقكن» في التحريم قوله: (ولحا زحزح الخ) أي ولحرف من المتقاربين زحزح لا غير؛ يعني قوله تعالى: فمن زحزح عن النار في آل عمران واحترز بذكرها عن نحو «ولا جناح عليكم، وما ذبح على النصب» وقول في، أمر وفي يفي: إذا تم وكثر، أو في الوفاء ضد الغدر: أي أتم إدغامه، يعني أعطه حقه إذا لفظت به ولا تكن غادرا لا مخالفا.
والذّال في سين وصاد الجيم صح
…
من ذي المعارج وشطأه رجح
أي وزدتم الذال في حرفين السين والصاد، وذلك قوله تعالى في الكهف «اتخذ سبيله» في الموضعين، و «ما اتخذ صاحبة» في الجن قوله:(الجيم صح) أي كذلك الجيم تدغم في موضعين يعني التاء من قوله تعالى: ذي المعارج تعرج بلا خلاف، وفي الشين من قوله تعالى: أخرج شطأه على الراجح من الوجهين، وقوله رجح، إشارة إلى عدم الخلاف في ذي المعارج، وقوله من ذي المعارج أي قوله تعالى تعرج الملائكة، قوله:(وشطأه) أي وإدغام الجيم في الشين بكلمة شطأه رجح: أي رجح الإدغام فيها على إظهاره إشارة إلى خلاف فيه.
والباء في ميم يعذّب فقط
…
والحرف بالصّفة إن يدغم سقط
أي وتدغم الباء في الميم من كلمة يعذب لا غير، يعني قوله تعالى:
يعذب من يشاء حيث وقع هو خمسة مواضع: (1) في آل عمران موضع، وفي المائدة موضعان (2). وفي العنكبوت (3) وفي الفتح (4) لمجاورتها ما وقع من الإدغام قبلها أو بعدها؛ واحترز بقوله فقط عن نحو «يضرب مثلا، وسنكتب ما» فإنه لا خلاف في إظهاره قوله: (فقط) أي فحسب، يعني لا سواها قوله:(إن يدغم سقط) إشارة إلى فائدة مهمة وتنبيه جليل، وذلك أن الحرف إذا أدغم في هذا الباب فإنه يدغم إدغاما كاملا خالصا من إبقاء صفة من صفاته كالقاف مثلا فإنه يدغم في الكاف من غير خلاف وإن كانوا قد اختلفوا في كمال إدغام «ألم نخلقكم» في سورة المرسلات كما تقدم، وكذلك النون في الراء واللام إدغاما كاملا عند من روى الغنة عن أبي عمرو في النون
الساكنة والتنوين عند اللام والراء كما سيأتي في بابه، ومن لم يروها، ومعنى قوله سقط: أي ذهب وزال.
والميم عند الباء عن محرّك
…
تخفى وأشممن ورم أو اترك
يعني أن الميم تخفى عند الباء إذا تحرك ما قبلها، نحو «أعلم بالشاكرين» فإن سكن فإنه لا خلاف في إظهارها نحو «إبراهيم بنيه. والإخفاء حالة بين الإظهار والإدغام ولا بد من الغنة فيلفظ به كما يلفظ بقوله «من بعد» و «أنبئهم» حالة القلب؛ وبعضهم عبر عن ذلك بالإدغام وهو تجوز، ولم يحتج إلى التنبيه على إسكان الميم لأنه من لوازم الإخفاء كما لا يحتاج إلى التنبيه على الإسكان مع الإدغام، وهذا آخر الكلام على ما يتعلق بالمتقاربين.
ولما فرغ من بيان ما يدغم من المثلين والمتقاربين شرع في بيان قاعدة تتعلق بالإدغام فقال: وأشممن ورم، يعني بالإشمام والروم ما يأتي بيانه في الوقف على أواخر الكلم يعني إذا أدغمت الحرف الأول في الثاني من المثلين أو المتقاربين يجوز لك فيه الإشمام والروم وتركهما: أي الإدغام المحض سوى أربع صور لا خلاف فيها وصورة اختلف فيها كما سيأتي في البيت الآتي. وذلك أن
(1) سورة آل عمران في الآية «130» .
(2)
سورة المائدة في الآية «19» وفي الآية «41» .
(3)
سورة العنكبوت في الآية «33» .
(4)
سورة الفتح في الآية «15» . وهكذا تتم المواضع الخمسة.
الحرف لما أسكن للإدغام أشبه سكون الوقف فجرت عليه أحكامه، وقوله تخفى، الأحسن أن يكون بضم التاء على ما لم يسم فاعله: أي إن القارئ يخفيها قوله:
(أو أترك) أي أترك الإشمام والروم يريد الإدغام الخالص.
في غير با والميم معهما وعن
…
بعض بغير الفا ومعتلّ سكن
يعني في غير أربع صور وهي أن تتلقى الباء مع مثلها نحو «نصيب برحمتنا» أو مع الميم نحو «يعذب من» أو تتلقى الميم مع مثلها، نحو «يعلم ما» أو مع الباء نحو «أعلم بالشاكرين» ؛ والصورة المختلف فيها أن تلتقي الفاء مع مثلها نحو «تعرف في» وألحقها غير واحد من الأئمة بهما، والعلة أن الإشارة تتعين بالشفة مع هذه الأحرف الشفهية ويتعذر فعلها مع الإدغام لأنه وصل بخلاف الوقف فإنه يمكن قوله:(في غير با) أي مع الباء أو مع الميم، وقوله والميم معهما: أي مع الميم أو مع باء، وقوله معهما: أي مع كل منهما، وقوله عن بعض؛ أي بعض أئمة القراء كابن سوار وأبي العز وابن الفحام قوله:(ومعتل سكن) إشارة إلى قاعدة أخرى تتعلق بالإدغام ويتعين التنبيه عليها وذلك أنه لا يخلو ما قبل الحرف المدغم. من أن يكون متحركا أو ساكنا إما يكون معتلا أو صحيحا؛ فإن كان معتلا فإنه يجوز فيه المد بنوعيه والقصر كما سيأتي في البيت الآتي، وإن كان صحيحا فقد اختلفت عبارة أصحابنا في النطق به والتعبير عنه كما سيذكره في البيت الآتي:
قبل امددن واقصره والصّحيح قل
…
إدغامه للعسر والإخفا أجل
أي قبل الحرف المدغم نحو قوله: «الرحيم ملك، والكتاب بالحق، ويقول ربنا» وأطلق المد ليدخل نوعاه وهو الطول والتوسط قوله: (الصحيح) أي والساكن الصحيح الواقع قبل الحرف المدغم. اختلف في التعبير عن النطق بذلك الحرف المدغم من أجل أن الإدغام الصحيح يعسر معه لكونه جمعا بين ساكنين أولهما ليس بحرف علة، فالآخذون بالإدغام الخالصون قليلون، والأكثرون من المتأخرين المحققين على الإخفاء يعنون به الروم المتقدم، ومنهم من عبر عنه بالاختلاس وحمل عبارة من قال إنه إدغام على التجوز وذلك «شهر رمضان، والمهد صبيا،» وكلاهما صحيح قرأنا به إلا أن الإدغام الخالص هو المشهور
والثابت عند القدماء من أهل الأداء وبقيت قاعدة أخرى تتعلق بالإدغام وهي ما إذا وقع الإدغام بعد الإمالة وسيأتي في آخر باب الإمالة إن شاء الله تعالى، وقوله:
أي قلّ الآخذون فيه بالإدغام،، وقوله للعسر الواقع باجتماع الساكنين على غير حدهما قوله:(أجلّ) أي وأقوى حجة.
وافق في إدغام صفّا زجرا
…
ذكرا وذروا (ف) د وذكرا الاخرى
هذا فصل ألحقه في باب الإدغام الكبير ذكر فيه من وافق أبا عمرو على إدغام بعض ما تقدم، ثم استطرد فيه أحرفا أخرى ملحقة بالإدغام الكبير فوافق حمزة أبا عمرو وعلى إدغام أربعة وهي «والصافات صفا فالزاجرات زجرا فالتاليات ذكرا، والذاريات ذروا» ووافقه أيضا خلاد على إدغام حرفين بخلاف عنه وهما «فالملقيات ذكرا، فالمغيرات صبحا» كما سيأتي، وإنما نص على الإدغام ليدل على أنه لم يوافقه على الروم فإن الروم لا يكون معه إدغام، وإذا أطلق الإدغام فالمراد الإدغام المحض قوله:(فد) من الفيد: وهو الميل والتحيز من السرور، لأنه يشير إلى لطف خصوص هذه الأربعة الأحرف فإنه وردت عن ابن مسعود رضي الله عنه كذلك (1) قوله:(وذكرا الأخرى) يعني الذي وقع آخر يريد «فالملقيات ذكرا» في المرسلات، واحترز بذلك عن حرف الصافات، وعلم من ذلك أن ذكر المتقدم هو الذي في الصافات.
صبحا (ق) را خلف وبا والصّاحب
…
بك تمّارى (ظ) نّ أنساب (غ) بي
قوله: (وبا والصاحب) أي وافق أبا عمرو أيضا على إدغام باء «والصاحب «في» بالجنب» يعقوب، وكذلك أدغم يعقوب أيضا التاء في التاء في «ربك تتمارى» في النجم منفردا بذلك عن أبي عمرو، وإنما ذكره هنا لأنه من الإدغام الكبير وإن لم يدغمه أبو عمرو، لأنه تقدم أن أبا عمرو لا يدغم من كلمة إلا «مناسككم وما سلككم» وإدغام
يعقوب «تتمارى» حالة الوصل بالكاف، وكذلك أتى به الناظم، فلو ابتدأ بها لفظا فبتاءين اتباعا للرسم، وقوله أنساب غبي «فلا
(1) إن قراءة ابن مسعود من القراءات الشواذ وإنما ذكرها المؤلف هاهنا رحمه الله تعالى للمقارنة والإيضاح ليس أكثر.
أنساب بينهم» في المؤمنين أدغمه رويس مع ما يأتي بعده مما وافق فيه أبا عمرو، وقوله غبي من الغباوة: أي اختفى وجه تخصيصه بالإدغام دون باقي الباب.
ثمّ تفكّروا نسبّحك كلا
…
بعد ورجّح لذهب وقبلا
يعني أن رويسا أدغم التاء في التاء من قوله تعالى «ثم تتفكروا» وهو في سبأ وإدغامه هذا الحرف كإدغام يعقوب تتمارى قوله: (نسبحك) أي أدغم رويس موافقة لأبي عمرو الكاف من نسبحك كثيرا والحرفين بعده وهما «نذكرك كثيرا إنك كنت» وهذه الخمسة الأحرف مما لا خلاف عن رويس في إدغامها، واختلف عنه فيما يأتي بعد ذلك من الحروف، فمنها ما يترجح إدغامه عنه، ومنها ما يترجح إظهاره، ومنها ما ورد عنه الإدغام والإظهار فيه من غير ترجح، وسيأتي ذلك مبينا فيما بعد، وبدأ بما يترجح إدغامه عنه، فقال ورجح وذلك أربع كلمات في اثنى عشر حرفا وهي «لذهب بسمعهم» في البقرة، لا قبل لهم في النمل، وجعل لكم «الواقع في النحل وهو ثمانية مواضع «وأنه هو أغنى، وأنه هو رب الشعرى» الآخران من النجم، فالجمهور على إدغامها عنه.
جعل نحل أنّه النّجم معا
…
وخلف الأوّلين مع لتصنعا
أي جعل الواقع في النحل وهو ثمانية مواضع وهي «والله جعل لكم من أنفسكم أزواجا، وجعل لكم من أزواجكم، وجعل لكم السمع، وجعل لكم من بيوتكم، وجعل لكم من جلود الأنعام، وجعل لكم مما خلق ظلالا، وجعل لكم من الجبال أكنانا، وجعل لكم سرابيل» ، وقوله معا: أي «وأنه هو أغنى وأقنى، وأنه هو رب الشعرى» وهما الموضعان الأخيران من النجم، ولما فرغ مما يترجح إدغامه عن رويس شرع في ذكر ما ورد فيه الخلاف عنه من غير ترجيح وهو أربعة عشر حرفا وهي «وأنه هو أضحك وأبكى وأنه هو أمات وأحيا» وهما الأولان من النجم «ولتصنع على عيني» في طه، «ولا مبدل لكلماته» في الكهف «والكتاب بأيديهم، والكتاب بالحق، والعذاب بالمغفرة» والثلاثة في البقرة «وكذلك كانوا» في الروم و «ركبك كلا» في الانفطار و «أنزل لكم» في النمل والرمز «تمثل لها» في مريم و «من جهنم مهاد» ، في الأعراف «جعل لكم من أنفسكم» في الشورى كما
سيأتي تفصيله، فروى عنه إدغام كل منها جماعة من أهل الأداء وروى إظهارها آخرون وكلاهما صحيح عن رويس (1).
مبدّل الكهف وبا الكتابا
…
بأيد بالحقّ وإن عذابا
والكاف في كانوا وكلّا أنزلا
…
لكم تمثّل وجهنّم جعلا
شورى وعنه البعض فيها أسجلا
…
وقيل عن يعقوب ما لابن العلا
تقدم شرح البيتين الأولين، وقوله شورى قيد ل «جعل لكم من أنفسكم» فيها احترازا من «جعل لكم» في النحل كما تقدم، فإن الأكثرين عنه على أدغمه، و «من جعل لكم» في باقي القرآن، فإن الجمهور على إظهاره كما سيأتي ولما فرغ من ذكر ما فيه خلاف عنه: أي عن رويس على السواء أخذ في ذكر ما الأكثرون على إظهاره وهي «جعل لكم» في غير الشورى وغير النحل وهو في سبعة عشر موضعا في البقرة والأنعام ويونس وطه والفرقان والقصص والسجد ويس، ثلاثة غافر والزخرف وحرفا الملك وموضع في نوح، فروى إدغامها مع من روى إدغام مواضع النحل وموضع الشورى صاحب الروضة وابن الفحام والأهوازي قوله:
(وقيل عن يعقوب الخ) يشير إلى ما ذكره أبو الكرم في المصباح، وأبو العلا الحافظ في مفردة يعقوب وغيرهما من إدغام يعقوب كل ما أدغمه أبو عمرو من المثلين والمتقاربين.
بيّت (ح) ز (ف) ز تعدانني (ل) طف
…
وفي تمدّونن (ف) ضله (ظ) رف
لما فرغ من مذهب يعقوب ورويس فيما أدغماه من الإدغام الكبير شرع في ذكر أحرف بقيت من الإدغام الكبير والخلاف فيها على غير ما تقدم وهو «بيت طائفة منهم» في النساء، أدغم التاء منه في الطاء أبو عمرو وحمزة، وإدغام أبي عمرو وله على غير الوجه الذي لأبي عمرو أول الباب، فإن إدغام هذا الحرف عنه بلا خلاف سواء قرئ له بالإدغام الكبير أم بالإظهار أم بالهمز أم تركه بالمد أم بالقصر، فلذلك ذكره مع حمزة والباقون بالإظهار قوله:(حز) من الحوز وهو الحفظ والصون، وقوله فز، من الفوز وهو السعادة والفلاح. قوله:(تعدانني) أي وأدغم النون في النون من قوله «أتعدانني أن أخرج» في الأحقاف هشام، والباقون
(1) صحيح قراءة ولغة وإسنادا.