الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث التاسع
حج الصبي والعبد
وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «أَيُّمَا صَبِيٍّ حَجَّ، ثُمَّ بَلَغَ الحِنْثَ، فَعَلَيْهِ أَنْ يَحُجَّ حَجَّةً أُخْرَى، وَأَيُّمَا عَبْدٍ حَجَّ، ثُمَّ أُعْتِقَ، فَعَلَيْهِ أَنْ يَحُجَّ حَجَّةً أُخْرَى» . رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَالبَيْهَقِيُّ، وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ، إِلَّا أَنَّهُ اخْتُلِفَ فِي رَفْعِهِ، وًالمَحْفُوظُ أَنَّهُ مَوْقُوفٌ (1).
(1) موقوف على الراجح: فهذا الحديث رواه البيهقي (4/ 325) من طريق محمد بن المنهال عن يزيد بن زريع عن شعبة عن الأعمش عن أبي ظبيان عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم هكذا مرفوعًا.
وخالفه عبد الوهاب بن عطاء الخفاف فرواه عن شعبة موقوفًا.
ورواه ابن أبي شيبة عن طريق أبي معاوية عن الأعمش عن أبي ظبيان عن ابن عباس أنه قال: احفظوا عني ولا تقولوا قال ابن عباس: وأيما عبد حج به أهله .. وفيه أيما أعرابي حج أعرابيًا م هاجر فعليه حجة المهاجرين ..
قال البيهقي: وتفرد برفعة محمد بن المنهال عن يزيد بن زريع عن شعبة ورواه غيره عن شعبة، وكذلك رواه سفيان الثوري عن الأعمش موقوفًا هو الصواب.
وقلت: ورواه ابن أبي عدي عن شعبة موقوفًا كما عند ابن خزيمة (4/ 350).
وقد رواه البيهقي من وجه آخر عن ابن عباس (5/ 179) وذلك من طريق الوهبي عن يونس عن أبي السفر وهو عند الطحاوي في شرح المعاني من طريق إسرائيل عن أبي السفر .. (2/ 257).
وأخرجه البيهقي (5/ 156) من طريق الثوري عن مطرف عن أبي السفر واسمه سعيد بن يُحمِد قال: (وأيها الناس اسمعوا مني ما أقول لكم، واسمعوني ما تقولون ولا تذهبوا فتقولوا قال ابن عباس قال ابن عباس، من طاف بالبيت فليطف من وراء الحجر، ولا تقولوا الحطيم فإن الرجل في الجاهلية كان يحلف فيلقي سوطه أو نعله أو قوسه، وأيما صبي حج به أهله فقد قضى حجه ما دام صغيرًا، فإذا بلغ فعليه حجة أخرى، وأيما عبد .....) الحديث.
ومن طريق الثوري أخرجه البخاري في صحيحه في كتاب مناقب الأنصار باب القسامة في الجاهلية، ولم يسق الحديث بتمامه بل اقتصر على الشطر الأول، وهذه الزيادة حذفها البخاري عمدًا لعدم تعلقها بالترجمة، ووقعت للإسماعيلي والبرقاني كما قال الحافظ.
وقال الحافظ أيضًا، وهذه الزيادة عند البخاري أيضًا في غير الصحيح.
قلت: ذكرها في التاريخ (1/ 199) من طريق أبي السفر وأبي ظبيان ورجع الوقف، والبخاري ذكر هذا ليعلل به حديث ابن عباس المرفوع أن امرأة رفعت صبيًا لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ألهذا حج؟ قال: «نعم ولك أجر» وتقدم الكلام على ذلك.
وأما قول: «ولا تقولوا: قال ابن عباس» فإن ابن عباس أراد أن الحكم مرفوعًا لا اللفظ، فهو أراد حكم اللفظ لا رفع اللفظ.
وقد أشار إلى هذا الحافظ في شرح البخاري.
والخلاصة: أن هذا الأثر موقوفًا كما قال البخاري، والبيهقي، وابن خزيمة، وعامة أهل العلم على معنى ما جاء في هذا الحديث على مسألة الصبي وكذلك مسألة العبد.
وله شاهد على رفعه رواه ابن أبي شيبة (4/ 444) وأبو داود في «المراسيل» (134) لكنه من مراسيل محمد بن كعب القرظي.
وآخر رواه البيهقي (5/ 179)، من حديث جابر لكن في إسناده متروك، فلا يصلحا للاستشهاد.
فأيما صبي حج في صباه ثم بلغ أن يحج حجة الإسلام؛ لأنه حينما حج صغيرًا حج قبل أن يُخَاطب بالحج وحجه صحيح؛ لأنه قال: «أيما صبي حج» فاعتبر له الحج على الحالتين إن قلنا بأنه مرفوع وإن قلنا بأنه موقوف، فعامة علماء الأمصار على معنى هذا الحديث، وأما مسألة الصبي أظنها مسألة إجماع على أن حجه لا يجزئ عن حجة الإسلام.
أما في مسألة العبد ففيه خلاف حيث ذهب جماعة من أهل العلم أن العبد إذا حج بإذن سيده قبل أن يُعْتَق فحجه صحيح، والصحيح ما دل عليه ظاهر الحديث.
تنبيه: قوله: «أيما إعرابي حج ثم هاجر
…
» المراد: ثم أسلم حيث عبر عن الإسلام بالهجرة (1).
ومن فوائد هذا الحديث:
صحة حج الصبي كما تقدم، وأنه إذا بلغ في عرفات فإن حجه مجزئ عن حج الفرض، ويتصور البلوغ في عرفات بأن يكون نام فاحتلم فيها، أو ضبط بالسن وأتم خمسة عشر سنة في نهار عرفات، أو في ليلة قبل طلوع الفجر، وكان قد
(1) هكذا نقله ابن مفلح عن ابن الوليد (3/ 213).
تأخر وكان في تلك الليلة في عرفات فحينئذ يكون حجة فرضًا.
فإن بلغ بمزدلفة هل نقول أرجع أو أكمل؟ نقول لابد أن يرجع إذا بلغ في مزدلفة وأمكنه الرجوع إلى عرفات، وسبب الإيجاب أنه - أي: الحج - واجب على الفور، وهو قادر الآن فيلزمه الرجوع إلى عرفات ليقف بها لحظات ويدعو الله ثم يرجع، ويكون قد حج فرضه ولا نقول أن ما مضى نفل وما يأتي فرض بل ينسحب الوجوب على الجميع، وهذا يكون من خصائص الحج فيما هو أوسع من ذلك، فلما أتى الصحابة وطافوا بالبيت طواف قدوم ثم سعوا للحج قال النبي:«اجعلوها عمرة» قالوا: كيف وقد سمينا الحج؟ قال: «افعلوا ما أمرتكم به» (1).
فأمرهم أمر إلزامي وإيجابي بأن يجعلوها عمرة، فقصَّروا واعتبر الطواف الذي كان نفلًا والسعي الذي كان للحج على العمرة، وهذا من خصائص الحج والعمرة لا يشركهما غيرهما في كثير من الأحكام من وجوب الإتمام بالشروع ومن الانقلاب بعد فعل العبادة.
(1) رواه البخاري (1493)، ومسلم (1216).