الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث الحادي عشر
الحج عن الغير
وَعَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم سَمِعَ رَجُلًا يَقُولُ: لَبَّيْكَ عَنْ شُبْرُمَةَ، قَالَ:«مَنْ شُبْرُمَةَ؟» قَالَ: أَخٌ لِي، أَوْ قَرِيبٌ لِي، فَقَالَ:«حَجَجْت عَنْ نَفْسِك؟» قَالَ: لَا، قَالَ:«حُجَّ عَنْ نَفْسِك ثُمَّ حُجَّ عَنْ شُبْرُمَةَ» [رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ]، وَالرَّاجِحُ عِنْدَ أَحْمَدَ وَقْفُهُ (1).
هذا الحديث من الأحاديث المشهورة في الحج وأيضًا في سنده كلام كثير في الاحتجاج به.
فهذا الحديث يرويه أبو داود وابن ماجة والبيهقي عن طريق عبده بن سليمان عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن عزرة بن عبد الرحمن عن سعيد بن جبير عن ابن عباس مرفوعًا، ورواه غندر (محمد بن جعفر) عن سعيد بن أبي عروبة فوقفه.
واختلف في رفع الحديث ووقفه والصحيح أنه موقوف كما رجحه أحمد والطحاوي وابن المنذر.
(1) أخرجه أبو داود (1811)، وابن ماجه (2903)، وابن حبان (3988)، والطبراني في الكبير (12/ 42 رقم 12419)، والصغير (1/ 377 رقم 630) مرفوعًا.
لكن هذا الحديث فيه كلام كثير فمن العلماء من رجح الرفع، ومنهم من رجح الوقف.
فمن الذين رجحوا الرفع: ابن خزيمة، وابن حبان، والبيهقي، وعبد الحق، وابن القطان
…
وآخرون.
ومن الذين رجحوا الوقف: الإمام أحمد، والطحاوي، وابن المنذر.
فهو من طريق عبدة ابن سليمان رواه عن سعيد بن أبي عروبة مرفوعًا كما عند الدارقطني (2/ 270)، وهو أثبت الناس سماعًا في سعيد كما قال يحيى بن معين.
ومن طريق غندر (محمد بن جعفر) رواه عن سعيد موقوفًا كما عند الدارقطني (2/ 271)، وغندر سمع من سعيد قبل الاختلاط كما ذكره عنه الفلاس في شرح العلل.
وقد صحح العلامة الألباني الحديث مرفوعًا كما في سنن أبي داود، وابن ماجه، والإرواء
…
وغيره.
وانظر إن شئت مزيد بيان: نصب الراية (3/ 155)، والتلخيص (2/ 427)، والفروع (3/ 265)، وشرح العمدة (1/ 291).
وبناءً على الاختلاف في هذا الحديث نشأ الخلاف في الحج عن الغير فيمن لم يحج عن نفسه، فعلى قول جمهور أهل العلم سواءً صح الحديث مرفوعًا أو قالوا بأنه موقوف له حكم المرفوع، يقولون: من حج عن غيره بأجره ولم يكن حج عن نفسه فإنه يكون عن نفسه، ويلزمه إرجاع المال الذي أخذه إلى الذي استنابه.
وهذه المسألة يدخلها الاجتهاد، فهناك قول آخر بناءً على ضعف الحديث، وهو رواية عن أحمد رحمه الله وهو إذا حج عن غيره ولم يكن قد حج من قبل عن نفسه فإنه يقع عن المستنيب، ولكنه يأثم هو لعدم البدار إلى الحج.
وشيخنا ابن عيثمين رحمه الله يميل إلى هذا القول ويقول: عندنا حديث «إنما الأعمال بالنيات
…
» في الصحيحين فكيف نقدم حديث ابن عباس المضطرب على حديث من أصول الإسلام، ويقول: إنه إذا نوى عن غيره فإن النية تكون عن الغير والحج يكون عن الغير.
وستأتي صورة - إن شاء الله - ينبغي ألا يختلف فيها، وهي صورة (إذا كان الإنسان فقيرًا والحج يشترط له الاستطاعة كما ثبت في الكتاب والسنة، ويحتاج في أداء الحج إلى زاد وراحلة وأموال، فأتاه شخص قادر بماله وعاجز ببدنه فاستنابه) هنا نقول: هذا الفقير لا يجب عليه الحج لعدم القدرة المالية فحينئذ يجوز أن يحج عن ذلك القادر بماله العاجز بدنه، وهذا القول صححه الجمهور في مثل هذه الصورة، أو أن يستنيبه شخص ولي لميت في الحج عن الميت فلا نزاع في المسألة؛ لأنه لا يجب على هذا الفقير أصلًا أن يحج فهو نائب عن الميت، أو نائب عن الحي أما إذا كان قادرًا فسيأتي في شرح الحديث.
والذي أرى في هذه المسألة أن مذهب الجمهور أحوط إلا في صورة الفقير التي ذكرنا، فإن الحج يكون عن المستنيب لدلالة الحديث «إنما الأعمال بالنيات
…
» وينبغي ألا يختلف في ذلك.
أما إذا كان في غير هذه الصورة فالأحوط ألا يفعل الإنسان إذا لم يكن قد حج الإنسان عن نفسه، بل إذا كان قادرًا نقول يجب عليه أن يحج عن نفسه ولا تقبل النيابة عن غيرك لا مجانًا وبلا مال.
ولهذا الحديث مسائل ملحقة به مثل: (من حج نفلًا ولم يحج الفرض لكنه حج يريد النفل، أو نذر الحج ولم يكن قد حج الفرض)، في هذه شبه اتفاق بين أهل العلم أن هذه الحجة تقع عن الفرض، وهذا قد أفتى به ابن عمر كما عند البيهقي وغيره بسند صحيح، أن رجلًا نذر أن يحج ولم يحج حجة الإسلام فقال: اجعل هذه عن نفسك ثم حج عن النذر (1).
وكذلك إذا حج إنسان بنية النفل ولم يحج الفرض فإن هذه الحجة تقع عن الفرض، أما إذا حج الإنسان عن غيره ولم يكن حج عن نفسه فعندنا هذا الحديث، وشيخنا ابن باز رحمه الله يصحح هذا الحديث ويقول هذا الحج ينقلب عن النفس، وانقلاب الحج سواءً عن الغير أو كونه يخالف كثير من الأحكام هذا يخص الحج، ولهذا نقول: من حج عن غيره ولم يحج عن نفسه فالأحوط أن المستنيب لا يعتد بهذه الحجة؛ لأنه قول الجمهور أنها تكون عن النائب إذا لم يكن حج عن نفسه، ويلزمه إعادة مال المستنيب إن كان أخذ مالًا.
وفي الحديث من الفوائد:
1 -
الجهر بالتلبية، لأن النبي صلى الله عليه وسلم سمعه وهذه سُنَّة ويأتي حديث يخصه.
2 -
وفيه تسمية الإنسان من يحج عنه فيقول: (لبيك عن فلان) والظاهر أنه لا يكررها بل يكتفي بها عند الميقات وسيأتي مواضع التلبية.
وعلى القول بصحة الحديث أنه لا يجوز أن يحج الإنسان عن غيره ولم يكن حج غير نفسه.
3 -
وفيه أن الحج يمتاز عن غيره بجواز قلب النية.
(1) رواه البيهقي (4/ 339 رقم 8473، 8474) من كلام ابن عمر، و (4/ 339 رقم 8475) من كلام أنس رضي الله عنهم، وفي مصنف ابن أبي شيبة (3/ 130) من كلام عطاء.