الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث السابع والثلاثون
وَعَنْهُ رضي الله عنه قَالَ: لَمْ أَرَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَسْتَلِمُ مِنَ البَيْتِ غَيْرَ الرُّكْنَيْنِ اليَمَانِيَّيْنِ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ (1).
هذا هو السنة استلام الركنين اليمانيين بتخفيف الياء الأولى؛ لأنها لا تشدد وإنما استلمهما النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنهما على القواعد على قواعد إبراهيم، وَقَبَّل الركن الذي فيه الحجر لوجود الحجر، واستلم الركن اليماني؛ لأنه على قواعد إبراهيم فاستقرت السُّنَّة على هذا.
فالخلاصة: فالحجر الأسود يُقِّبل ويُستلم فإن لم يستطيع تقبيله مسحه بيده وقبل يده.
فإن لم يستطع مسحه بيده وكان بيده آله كـ: محجن أو عصا استلمه بالعصا أو بالمحجن وقبل المحجن.
فإن تعسر أو تعذر ذلك فإنه يشير إليه ويكبر.
فهذا كله اختص به الحجر وليس للركن اليماني من هذا سوى المسح فقط فإنه يُمسح، فإذا تعسر عليه فلا يشير إليه ولا يكبر وليس له إلا المسح فقط.
وما ذكره ابن القيم في الهدي من قوله: وذكر الطبراني عنه - أي: النبي صلى الله عليه وسلم بإسناد جيد أنه كان إذا استلم الركن اليماني قال: «بسم الله والله أكبر
…
».
(1) رواه البخاري (1609) واللفظ له، ورواه مسلم (1267) بلفظ (يسمح) مكان (يستلم)، وهو عن ابن عمر رضي الله عنهما.
وعند مسلم (1269) من غير قوله: (من البيت)، وهو عن ابن عباس رضي الله عنهما.
ففي هذا نظر فالصحيح أن هذا الأثر موقوف على ابن عمر رضي الله عنهما كما رواه أحمد والطبراني في كتاب الدعاء له (2/ 1201) والبيهقي (9/ 79).
وثانيًا: أن هذا عند الحجر الأسود، ففيه عند من أخرجه: (فيأتي البيت ويستلم الحجر ويقول: «بسم الله والله أكبر» ، وليس في الخبر زيادة اليماني، والإمام ابن القيم رحمه الله ساقه من حفظه، وشيخنا ابن باز رحمه الله ذكر نحو كلام ابن القيم في منسكه فالقول فيه كما تقدم، وزيادة البسملة قبل التكبير من اجتهاد ابن عمر رضي الله عنه.
أما الأركان الشامية والعراقية فإنها لا يشار إليها ولا يُكبَّر عندها ولا يلتفت إليها في أثناء الطواف؛ ولهذا أنكر ابن عباس على معاوية لما قال: ليس شيء من البيت مهجورًا. قال: صدقت ولكن ما كنا نفعل هذا مع النبي صلى الله عليه وسلم وقد قال الله تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} فرجع معاوية رضي الله عنه.
ثم هل معنى هذا أن الكعبة لو كانت على قواعد إبراهيم أنها تستلم؟
نقول: هذا هو الأصل، ولكن هذه المسألة الآن غير متصورة؛ لأن الكعبة على ما تعلمون الآن ناقصة البناء فهذا هو البناء هو الذي كان على عهده صلى الله عليه وسلم.
ولما مات النبي صلى الله عليه وسلم حدّثت عائشة رضي الله عنها ابن الزبير بعدما ولي خلافة الحجاز وما والاه فمدها على الأركان الأربعة، ثم بعد ذلك لما صار بينه وبين عبد الملك ما صار وانتهى بقتله ردها عبد الملك بن مروان على ما كانت عليه، وزعم أن ابن الزبير كذب في خبره عن عائشة في بناء الكعبة، ثم ندم على ما وقع منه لما حدثه الحارث بن عبد الله بن أبي ربيعة أنه سمع عائشة رضي الله عنها تذكر عن النبي صلى الله عليه وسلم تمنيه بناء الكعبة على قواعد إبراهيم (1)، وخبر ندم عبد الملك بن مروان عند مسلم (2).
(1) سيأتي الحديث قريبًا إن شاء الله.
(2)
روى مسلم (1333) قصة ندم عبد الملك بن مروان في قصة وفادة الحارث بن عبد الله على عبد الملك، وأنه فعلًا سمع من عائشة رضي الله عنها أنها نقلة أن النبي صلى الله عليه وسلم تمنى أن يعيد بناء الكعبة على بناية إبراهيم عليه السلام.
ثم لما جاء بعض خلفاء بني العباس استفتى مالكًا في ذلك فقال: أخشى أن يصير ملعبة للملوك، فتركها فكانت على ما هي عليه إلى الساعة.
قال الحافظ: ولم أقف في شيء في التواريخ على أن أحد من الخلفاء ولا من دونهم غير من الكعبة شيئًا مما صنعه الحجاج إلى الآن
…
اهـ.
ولعل في ذلك حكمة حتى يكون الإنسان يدخل الإنسان ويخرج من باب هذا الذي تمناه النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لولا أن قومك حُدثاء عهد بكفر لنقضت الكعبة ولألصقت بابها بالأرض ولجعلت لها بابين باب يدخل منه الناس وباب يخرجون منه» (1).
فهم الآن يدخلون ويخرجون من الفتحات التي عند الحِجر - هكذا يقال (الحِجر) ولا يقال: (حِجر إسماعيل)؛ لأن إسماعيل ليس مدفونًا هناك، ولم يصح هذا وكيف يصح هذا فيكون المسجد الحرام مبنيًا على قبر؟! إنما يقال له: الحِجر يعني: المحجور، ويقال له:(الحطيم) أي: المحطوم.
(1) رواه البخاري (126، 1506، 1509، 3188، 4214، 6816)، ومسلم (1333).