الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث الخامس عشر
بَابُ وُجُوهِ الإِحْرَامِ وَصِفَتِهِ
أنواع الأنساك
عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَامَ حَجَّةِ الوَدَاعِ، فَمِنَّا مِنْ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ، وَمِنَّا مَنْ أَهَلَّ بِحَجٍّ وَعُمْرَةٍ، وَمِنَّا مَنْ أَهَلَّ بِحَجٍّ، وَأَهَلَّ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِالحَجِّ فَأَمَّا مَنْ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ فَحَلَّ عِنْدَ قُدُومِهِ، وَأَمَّا مَنْ أَهَلَّ بِحَجٍّ، أَوْ جَمَعَ بَيْنَ الحَجِّ وَالعُمْرَةِ فَلَمْ يَحِلُّوا حَتَّى كَانَ يَوْمُ النَّحْرِ. [مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ](1).
هذا الحديث يتكلم عن أنواع الأنساك وهي ثلاثة:
1 -
حج مفرد.
2 -
حج وعمرة فعلهما واحد وهو: قران.
3 -
حج وعمرة منفصلان وهو: التمتع.
وهما باقيان إلى قيام الساعة، وقد أخرج مسلم وأحمد وغيرهما من طرق عن الزهري عن حنظله الأسلمي عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:«والذي نفسي بيده ليهلن ابن مريم بفج الروحاء، حاجًا أو معتمرًا أو ليثنيهما» (2).
واختلف في الأفضل، فقال بعضهم: الإفراد. وقال بعضهم: التمتع. وقال بعضهم: القران.
والخلاف في هذه المسألة طويل، ولكن الذي يظهر أن التمتع أفضل، لكن إن ساق الهدي فينبغي أن يكون قارنًا.
مسألة:
وقد يقول قائل: إذا ساق الهدي ما يمكن إلا أن يكون قارنًا؟
(1) أخرجه البخاري (1562)، ومسلم (1211). انظر تحفة الأشراف (12/ 75).
(2)
رواه مسلم (1252)، وأحمد (2/ 240) وغيرهما.
نقول: لا. يمكن أن يكون مفردًا ويسوق الهدي حينئذ وليس بواجب، لكنه يمكن أن يسوق الهدي وليس بقارن، فإذا ساق الهدي يستحب أن يكون قارنًا تأسيًا بالنبي صلى الله عليه وسلم.
وقول عائشة رضي الله عنها: (وأهل النبي صلى الله عليه وسلم بالحج) هذا في ظنها وعلمها؛ لأنه لما جمع بين الحج والعمرة وكان فعلهما واحدًا ظنت أنه أهل بالحج، وإلا قد جاء في حديث ابن عمر في الصحيحين (1) وحديث ابن عباس أنه قال سمعت عمر يقول: لما أتى النبي صلى الله عليه وسلم وادي العقيق (2) أتاه جبريل في هذا الوادي وقال: «صل في هذا الوادي المبارك وقل عمرة في حجة» (3) وجاء تأييد ذلك في حديث أنس (4) أيضًا، وغير ذلك الكثير مما يدل جزمًا على أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما كان قارنًا.
ففي هذا الحديث التخيير بين الأنساك الثلاثة التي لا رابع لها.
وفيه أن المتمتع إذا قدم يبدأ بالعمرة مباشرة لا يتشاغل بغيرها، وأما قولها (أَوْ جَمَعَ بَيْنَ الحَجِّ وَالعُمْرَةِ فَلَمْ يَحِلُّوا حَتَّى كَانَ يَوْمُ النَّحْرِ) هذا مخصوص بمن ساق الهدي ليس عامًّا.
وفيه أن الإنسان يسمي نسكه، وتسمية النسك ليس جهرًا بالنية كما في الإفراد يقول:(لبيك حجًا)، والتمتع يقول:(لبيك عمرة)، والقارن يقول:(لبيك عمرة وحجًا)، وأما قول بعضهم في التمتع:(لبيك عمرة متمتعًا بها إلى الحج) فهذا لم يثبت ولا نعلم له أصلًا.
(1) رواه البخاري (1491)، ومسلم (1229).
(2)
(وادي العقيق) قرب البقيع بينه وبين المدينة أربعة أميال، ومعنى العقيق الذي شقه السيل قديمًا من العق وهو: الشق.
(3)
رواه البخاري (1461).
(4)
انظر صحيح مسلم (1251).
وفي حديث ابن عمر في الصحيحين قال: (لما أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يهل سبح الله وحمده وكبَّره بعد أن قامت به راحلته استقبل القبلة ثم أهل بالحج، وقال: هكذا رأيت النبي يفعل)(1) وهذا في البخاري وغيره ومثله حديث أنس وبوب عليه البخاري: باب التحميد والتسبيح والتكبير قبل الإهلال
…
قال ابن حجر: (وَقَلَّ من تعرض لها مع أنها في الصحيح) أي: قول: (سبحان الله والحمد لله والله أكبر) وما أشبه ذلك قبل أن يحرم، فَقَلَّ من تعرض لها من الفقهاء مع أنها ثابتة في التصحيح.
والإهلال هو رفع الصوت بالتلبية وهو سنة في حق الرجال، وأما المرأة لا ترفع صوتها إنما تهل بقدر ما تسمع نفسها، أو تسمع صاحبتها، والتلبية قيل إنها واجبة وقيل إنها ركن وقيل إنها سنة، والصحيح أنها سنة، وإنما النية هي التي ركن وهي التي فرض، والتلبية تكون دائمًا وتتأكد في مواضع منها عند التقاء الرِّفاق ودبر الصلاة
…
وأحسن ما روي فيها أثر عند ابن أبي شيبة عن عبد الرحمن بن سابط قال: «كان السلف يستحبون التلبية في أربعة مواضع في دبر الصلاة وإذا هبطوا واديًا أو علوا وعند التقاء الرفاق» (2) وهو تابعي أدرك قلة من الصحابة ونقل أكثر رواياته عن التابعين وإسناده صحيح إليه.
وروى البخاري ومسلم من حديث ابن عباس وفيه «وأما موسى فرجل آدم جعد على جمل أحمر مخطوم بخلبة كأني انظر إليه إذا انحدر في الوادي يلبي» (3) وبوب البخاري: باب التلبية إذا انحدر في الوادي.
(1) رواه البخاري (1443، 1477، 1479)، ومسلم (1187).
(2)
رواه ابن أبي شيبة (3/ 131 رقم 12750)، وانظر نصب الراية (3/ 26).
(3)
رواه البخاري (1480، 5569)، ومسلم (166).
وشيخ الإسلام يرى أن التلبية إنما تكون في التنقل أما إذا قَرَّ في المكان لا يلبي، فيرى أن التلبية تكون إذا شخصت من منى إلى عرفات فإذا قرَّت بعرفات لا تلبي.
فإن قيل فقد أخرجه مسلم (1) والنسائي (2) من طريق أبي الأحوص عن حصين عن كثير بن مدرك عن عبد الرحمن بن يزيد قال: قال عبد الله ونحن بجمع: سمعت الذي أُنزلت عليه سورة البقرة يقول في المقام «لبيك اللهم لبيك» ومثله من طريق زياد البكائي عن حصين، فهذا ظاهره التلبية وهو قار بمزدلفة.
لكن أخرجه مسلم عن طريق هشيم عن أبي الأحوص به، ولفظه أن عبد الله لبّى حين أفاض من جمع فقيل: أعرابي هذا؟ فقال: عبد الله أنسى الناس أم ضلوا؟ سمعت الذي أُنزلت عليه سورة البقرة يقول: في هذا المكان: «لبيك اللهم لبيك» (3) ورواه أيضًا من حديث سفيان عن حصين ولم يسق لفظه وهذا اللفظ مقيد لما أطلق قبله فصح ما قال شيخ الإسلام.
لكن أخرج النسائي (4) من طريق علي بن صالح - وهو أخو الحسن بن صالح بن حي - عن ميسرة بن حبيب عن المنهال بن عمرو عن سعيد بن جبير قال: كنت مع ابن عباس بعرفات فقال: مالي لا أسمع الناس يلبون؟ قلت: يخافون من معاوية. فخرج من فسطاطه فقال: لبيك اللهم لبيك فإنهم قد تركوا السنة من بغض علي. وإسناده لا بأس به.
وعلق عليه شيخنا ابن باز رحمه الله في شرح النسائي: معاوية لم يكن يمنع ذلك ولعل بعض الناس ممن لا بصيرة عنده ترك التلبية في ذلك المحل حول ابن عباس. اهـ.
(1) برقم (1283).
(2)
برقم (3046).
(3)
انظر الرقم السابق في مسلم.
(4)
برقم (3006).
قلت: ظاهره التلبية في عرفات، وبوب عليه النسائي فقال:(التلبية في بعرفة) فإذا تحركت من عرفات إلى مزدلفة تلبي، فإذا استقريت بمزدلفة وأنت قار (بائت) تلبي، فإذا أفضت من مزدلفة إلى منى فإنك تلبي هكذا.
وسألت شيخنا ابن باز رحمه الله عن قول شيخ الإسلام فقال: ضعيف والصحيح أنه يستديم التلبية.
قلت: ما صححه شيخنا هو ما دلت عليه السنة، وبالنسبة لصيغة التلبية، وهل كان النبي يلبي غيرها ستأتي - إن شاء الله تعالى -.