الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث الثاني والعشرون، والثالث والعشرون
مما نهي عنه الحاج
وَعَنْ أَبِي قَتَادَةَ الأَنْصَارِيِّ رضي الله عنه فِي قِصَّةِ صَيْدِهِ الحِمَارَ الوَحْشِيَّ، وَهُوَ غَيْرُ مُحْرِمٍ - قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم؛ لِأَصْحَابِهِ - وَكَانُوا مُحْرِمِينَ -: «هَلْ مِنْكُمْ أَحَدٌ أَمَرَهُ أَوْ أَشَارَ إِلَيْهِ بِشَيْءٍ؟» قَالُوا: لَا، قَالَ:«فَكُلُوا مَا بَقِيَ مِنْ لَحْمِهِ» [مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ](1).
وَعَنِ الصَّعْبِ بْنِ جَثَّامَةَ اللَّيْثِيِّ رضي الله عنه أَنَّهُ أَهْدَى لِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم حِمَارًا وَحْشِيًّا وَهُوَ بِالأَبْوَاءِ، أَوْ بِوَدَّانَ فَرَدَّهُ عَلَيْهِ وَقَالَ:«إنَّا لَمْ نَرُدَّهُ عَلَيْك إلَّا أَنَّا حُرْمٌ» . [مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ](2).
هذان الحديثان يتعلقان بالصيد وهو منهي عنه للمحرم أي: (صيد البر) لقوله تعالى: {وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا
…
} الآية [المائدة: 96] فإذا أحرم الإنسان حَرُم عليه الصيد.
وفي حديث أبي قتادة وكان هذا في سنة صلح الحديبية، وقد أحرم الصحابة وهو لم يحرم فرأى حمارًا وحشيًا فأراد صيده، فركب خيله وطلب من أصحابه أن يعطوه سوطه، وقد سقط منه أو نسي أن يأخذه فلم يعطوه، ثم ذهب واصطاده ثم أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم:«هَلْ مِنْكُمْ أَحَدٌ أَمَرَهُ أَوْ أَشَارَ إِلَيْهِ بِشَيْءٍ؟» قالوا: لا. قال: «فَكُلُوا مَا بَقِيَ مِنْ لَحْمِهِ» .
وهنا أمور ينبغي النظر إليها:
الأول: أنه لم يصده أحد من المُحْرِمِين بل صاده أبو قتادة وهو حلال.
الثاني: أن المحرمين لم يشيروا بشيء.
(1) أخرجه البخاري (1824)، ومسلم (1196)(60).
(2)
أخرجه البخاري (1825)، ومسلم (1193).
الثالث: أنه لم يصده لهم كما هو ظاهر، ودل على ذلك حديث الصعب بن جثامة، وهذا هو الجمع بين الحديثين ففي حديث الصعب بن جثامة أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقبله منه؛ لأن صاده له صلى الله عليه وسلم.
فالخلاصة: أن المحرم إذا صاد صيدًا فإن الصيد ميتة فإنه لا يحل له، وإذا أعان على صيده فإنه لا يحل له، وإذا صيد له فإنه لا يحل له.
وما سوى ذلك فحلال كما لو صاده حلال وأهداه لمحرم ولم يكن صاده لأجله فإنه حلال.
وفي هذا الباب الحديث الذي رواه أحمد وأهل السنن من حديث عمرو بن أبي عمرو عن مطلب عبد الله بن حنطب عن جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «صيد البر حلال لكم ما لم تصيدوه أو يصاد لكم» (1) ولكن الحديث مع أن في متنه الفيصل لكن في سنده (المطلب عبد الله بن حنطب لم يسمع من جابر) ولكن العلماء أخذوا بمعناه رغم ضعفه.
والحمار الوحشي معروف وسمعت شيخنا ابن باز رحمه الله يقول: هو ما يسمى بالوضيحي (نوع من الغزلان) ونوقش في ذلك.
والصحيح: أنه هو مثل الحمار الإنسي ولكنه متوحش يفر من الآدميين، ومخطط البدن بالسواد، ونص على ذلك الزركشي بن بهادر الشافعي في كتابه «المنثور في القواعد» (جـ2، ص223)، وقال:(إن هذا هو المؤثر في الحكم مع الاستيحاش).
فبعض أهل العلم نحى منحى الجمع بين حديث أبي قتادة وحديث الصعب ابن جثامة على قولين:
(1) رواه أبو داود (1851)، والترمذي (846)، والنسائي (2827)، وابن جبان (3971)، والمستدرك (1/ 621، 649)، والدارقطني (2/ 290)، والبيهقي (5/ 190)، وانظر كلام الزيلعي في نصب الراية (3/ 140)، والحافظ في التلخيص (2/ 276).
القول الأول: أن حديث الصعب بن جثامة متأخر، فحديث أبي قتادة في صلح الحديبية في العام السادس من الهجرة، وحديث الصعب في العام العاشر فهو ناسخ، وفيه أن الصيد يحرم إذا أهدي للمحرم.
والقول الثاني: أن الجمع ممكن ولا يُصار إلى النسخ إلا إذا تعذر الجمع.
والمراتب: الجمع ثم النسخ ثم الترجيح.
والجمع ممكن وهو أنه في حديث أبي قتادة لم يُعِنْهُ أحد ولم يصده لأجلهم، وأما في حديث الصعب فإنه صاده لأجل النبي صلى الله عليه وسلم.
ومما يستفاد من الحديث:
1 -
أن الإنسان إذا أهديت له هدية ولا تحل له يردها ويعتذر ويبين سبب عدم القبول كما بين النبي للصعب وقد كان كريمًا مضيافًا فدفع للنبي صلى الله عليه وسلم الحمار الوحشي ولكن النبي اعتذر له وقال: «إنا محرمون» .
2 -
أن الإنسان المحرم يحل له ما صاده غير المحرم لنفسه إذا لم يُصَدْ له ولم يعن أحدًا في صيده.
3 -
ويستفاد من حديث أبي قتادة في صيد الحمار الوحشي جواز أن يستوهب من صاحبه شيئًا، وبوب البخاري في كتاب الهبة: باب من استوهب من صاحبه شيئًا .... فهذا جائز إذا علم طيب نفوسهم كأن يقول الشخص ناولني كذا وكذا فلا بأس.
ومبايعة النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه على ألا يسألوا الناس شيئًا، وأن أحدهم يسقط سوطه فينزل فيأخذه (1) هذا مبالغة في الاستغناء، وإلا فهو جائز.
(1) رواه مسلم (1043) من حديث عوف بن مالك الأشجعي رضي الله عنه.
وقد ذكر البخاري في الترجمة المذكورة حديث سهل بن سعد في طلب النبي صلى الله عليه وسلم من المرأة أن تعمل له أعواد المنبر (1).
وكتاب البخاري كتاب عظيم أعظم كتب السنة فقهًا وحديثًا ولن تجد في كتب السنة مثل كتاب البخاري، ونصيحتي لطلبة العلم أن يحفظوه إن استطاعوا؛ لأن البخاري فقيه محدث، فإن أبوا فليكثروا من النظر فيه ومدارسته.
مسألة:
ولو أن المحرم رأى صيدًا فضحك وأخذ ينظر، فنظر إليه الحلال فإذا هو يضحك وينظر، فنظر إلى جهة نظره فإذا هو إلى الصيد فصاده هل يحرم أو لا؟
الجواب؟
لا يحرم وهذه قصة أبي قتادة ولهذا بوب البخاري «باب إذا رأى المحرمون صيدًا فضحكوا ففطن الحلال» . وهذا الضحك لا يعتبر إعانة.
سؤال: هل جميع أنواع الإشارة تعتبر إعانة ممنوعة؟
جواب: كل ما يمكن أن يسمى إشارة أو إعانة وما أشبه ذلك ممنوع.
(1) رواه البخاري (2430).