الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث الأول
فضل العمرة والحج
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «العُمْرَةُ إلَى العُمْرَةِ كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُمَا، وَالحَجُّ المَبْرُورُ (1) لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ إِلَّا الجَنَّةَ» [مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ](2).
في هذا الحديث من الفوائد:
أن فضل العمرة دون فضل الحج، ولهذا عبَّر بأن العمرة تكفر ما بينها وبين العمرة التي تليها، وأما الحج المبرور فليس له جزاء إلا الجنة، وهذا لا شك فيه فالحج والعمرة لا يستويان لا في الأجر ولا في الوجوب، فالحج واجب بالنص والإجماع والعمرة فيها خلاف يأتي ذكره إن شاء الله، والعمرة أقل أعمالًا ولهذا كانت العمرة كفارة لما بينها وبين العمرة التي تليها.
قوله: «الحَجُّ المَبْرُورُ لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ إلَّا الجَنَّةَ» يقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
(والحج المبرور ما اجتمع فيه أمور:
أولاً: أن يكون خالصًا لله عز وجل وهذا شرط في كل عبادة.
ثانيًا: أن يكون بمال حلالٍ، فإذا كان بمال حرام فليس بمبرور.
بل قال بعض أهل العلم: إن الحج بمال حرام لا يُقْبل، والصحيح أنه صحيح مع الإثم، لأن الجهة منفكة؛ لأن المال الحرام لا يطرأ على شرائط الحج، ولا على أركانه ولا على واجباته، أشبه بالصلاة في الدار المغصوبة على القول الراجح بل هو أولى من ذلك.
ثالثًا: أن يقوم بفعل ما يجب وأن يترك ويجتنب كل ما يحرم لقوله تعالى: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ
…
} الآية [البقرة: 197].
(1) المبرور: هو الذي لم يخالطه آثام ومعاصٍ.
(2)
رواه البخاري (1773)، ومسلم (1349). انظر تحفة الأشراف (9/ 390، 386).
فإذا اجتمعت هذه الأشياء في الحج يرجى للإنسان أن يكون حجه مبرورًا).
هل الحج يكفر السيئات الصغائر فقط دون الكبائر؟
اشتهر عند أكثر أهل العلم أن الحج يكفر الصغائر فقط، وذهب بعضهم أن الحج يكفر حتى الكبائر، واحتجوا بما أخرجه البخاري في صحيحه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«من حج هذا البيت فلم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه» (1).
ولا شك أن الإنسان تلده أمه ليس عليه من الذنوب لا صغائر ولا كبائر.
واحتجوا أيضًا بما رواه مسلم من طريق عبد الرحمن بن شماسة المهري قال: حضرنا عمرو بن العاص في الوفاة فَحوَّل وجهه تجاه الجدار، فأخذ يبكي ثم قال: إني كنت على أطباق ثلاثة، ثم ذكر أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم يريد أن يبايعه فقال: يا رسول الله أبسط يدك لأبايعك! فبسط النبي صلى الله عليه وسلم يده فقبض عمرو يده فقال صلى الله عليه وسلم: «مالك يا عمرو؟» قال: أردت أن أشترط! قال: «تشترط بماذا؟» قال: اشترط أن يغفر الله لي. فقال: «أما علمت يا عمرو أن الإسلام يهدم ما كان قبله وأن الحج يهدم ما كان قبله وأن الهجرة تهدم ما كان قبلها» (2).
وليس في هذا الحديث أن التوبة تهدم ما قبلها بل لا يصح بهذا اللفظ حديث (3).
والشاهد أن الحج يهدم ما كان قبله ولا شك أن الصغائر تمحوها الصلاة والوضوء وما أشبه ذلك، فلا يُعَبَّر بشيء أنه يُهْدَم إلا بشيء قائم وهو الذنوب الكبار، والاستدلال بهذا ظاهر على أن الحج يكفر الذنوب الكبار.
وهذا مذهب شيخ الإسلام ابن تيمية في الجملة، فشيخ الإسلام يرى أن من الأعمال الصالحة ما يكفر حتى الكبائر.
(1) رواه البخاري (1449، 1723، 1724)، ومسلم (1350).
(2)
رواه مسلم (121).
(3)
أي: لا يثبت في هذا الحديث هذا اللفظ، لكن التوبة النصوح ثبت بالكتاب والسنة فضلها والحث عليها.
قالوا: لهذا غزوة بدر - كما ثبت في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لعل الله اطلع على أهل بدر فقال: أعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم» (1) - كَفَّرت عمن شهدها ما عمل بعد ذلك، على أحد التفاسير المشهورة للخبر وهو الصحيح.
فالحسنات العظام تُكَفَّر ما تصادف من السيئات، فقد تمحو كل السيئات وقد تمحوا أكثرها دون كونها مختصة بالصغائر، وهذا هو القول الراجح في الغزو، وفي بر الوالدين، وفي الحج، وفي العمرة، إذا كانت خالصة لله، وقد يكون هذا حتى في الصلوات التي يكون فيها خشوع واستحضار لعظمة الله عز وجل.
لكن قال أهل العلم: إنه لا يُكَفِّر من السيئات إلا المقبول من العمل الصالح، فلو أن إنسانًا قام يصلي وقلبه ليس بخاشع بل في أودية الدنيا، فحسب هذه أن يسقط بها الفرض فضلًا عن أن تكفر شيئًا من السيئات، كما قال شيخ الإسلام وابن القيم والحافظ ابن حجر:(وإنما يكفر من الذنوب ما استجيب وما قبل من الأعمال الصالحة) وهذا ينبغي أن يكون معلومًا.
(1) أخرجه البخاري (2845، 2915، 3762، 4025، 4608، 5904، 6540)، ومسلم (2494)، وغيرهما من أصحاب السنن والمعاجم والمسانيد.