الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث السابع والعشرون
مما نهي عنه المحرم
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: لَمَّا فَتَحَ اللهُ تَعَالَى عَلَى رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم مَكَّةَ، قَامَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي النَّاسِ، فَحَمِدَ اللهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ:«إنَّ اللهَ حَبَسَ عَنْ مَكَّةَ الفِيلَ، وَسَلَّطَ عَلَيْهَا رَسُولَهُ وَالمُؤْمِنِينَ، وَإِنَّهَا لَمْ تَحِلَّ؛ لِأَحَدٍ كَانَ قَبْلِي، وَإِنَّمَا أُحِلَّتْ لِي سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ، وَإِنَّهَا لَنْ تَحِلَّ؛ لِأَحَدٍ بَعْدِي، فَلَا يُنَفَّرُ صَيْدُهَا، وَلَا يُخْتَلَى شَوْكُهَا، وَلَا تَحِلُّ سَاقِطَتُهَا إِلَّا لِمُنْشِدٍ، وَمَنْ قُتِلَ لَهُ قَتِيلٌ فَهُوَ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ» فَقَالَ العَبَّاسُ: إلَّا الإِذْخِرَ، يَا رَسُولَ اللهِ، فَإِنَّا نَجْعَلُهُ فِي قُبُورِنَا وَبُيُوتِنَا، فَقَالَ:«إِلَّا الإِذْخِرَ» [مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ](1).
هذا الحديث يتعلق بالمناسك في مسألة «ولا يُخْتَلَى شَوْكُهَا» و «لَا تَحِلُّ سَاقِطَتُهَا» وفتح النبي صلى الله عليه وسلم لمكة أسبابه معروفة في السيرة، وهى نقض العهد فسلط الله رسوله على المشركين، وصار الفتح عنوة بالسيف والغلبة والقهر في العام الثامن من الهجرة.
وقوله: «إنَّ اللهَ حَبَسَ عَنْ مَكَّةَ الفِيلَ» أي: قصة الفيل المعروفة في كتاب الله «وسلط الله عليها رسوله والمؤمنين» في سنة الفتح ولهذا قال: «وَإِنَّهَا لَمْ تَحِلَّ؛ لِأَحَدٍ كَانَ قَبْلِي، وَإِنَّمَا أُحِلَّتْ لِي سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ» .
وقوله: «سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ» أي: فترة من نهار.
وجاء في مسند أحمد: أن الساعة من النهار كانت من طلوع الشمس إلى صلاة العصر (2).
ثم بعد ذلك عادت حرمتها كحرمتها يوم خلق السماوات والأرض أي: أنها محرمة ولم تحل لأحد حتى من الأنبياء غير النبي صلى الله عليه وسلم.
(1) أخرجه البخاري (2434)، ومسلم (1355).
(2)
انظر المسند (5/ 343).
وقوله: «فلَا يُنَفَّرُ صَيْدُهَا» أي: لا يزجر ولا يطرد، كما لو رأى ظبيًا أو صيدًا في ظل، فليس له أن ينفره ويجلس مكانه في الظل.
وقوله: «وَلَا يُخْتَلى» أي: لا يقطع. «خلاها» والخلا هو الكلأ (العُشْب).
والمراد به ما أنبته الله لا ما تسبب الآدميون في إنباته فغرسوه.
وبعض الحكمة التي ظهرت لأهل العلم من ذلك: حتى يتوفر ذلك لدواب الحجاج والعمار.
فبهذا تكون الأرض كثيفة لا يجوز لأحد أن يختليها بنفسه، لكن لو أن الدواب رعت فيها من إبل وبقر وغنم وغيرها فلا بأس، ولهذا لم ينقل أن أحدًا من الحجاج والعمار يكممون أفواه الدواب عن الاحتشاش، وأكل ما أنبتته الأرض.
ولكن أن يأتي الإنسان ويحتطب أو يحتش أو يكسر الشوك فهذا كله لا يجوز، بل يتوفر هذا الظلال وذلك الكلأ (العُشْب) للناس ودوابهم.
مسألة:
وهل في قطعه كفارة؟ الصحيح لا كفارة فيه وهو مذهب الجمهور، وذهب بعض أهل العلم أن الدوحة الكبيرة (الشجرة العظيمة) فيها بقرة، ويروى هذا عن ابن عباس وتلاميذه جاهد وعطاء وابن الزبير والأسانيد إليهم فيها مقال (1)، ولو صحت فإن هذا القول ضعيف، والصحيح أنه آثم وليس عليه فدية.
وقوله: «وَلَا تَحِلُّ سَاقِطَتُهَا إِلَّا لِمُنْشِدٍ» أي: اللقطة لا تحل إلا لمنشد أي: لمعرف يعرفها الدهر كله ليس كسائر الأمصار؛ لأن سائر الأمصار تعرف سنة واحدة، ثم بعد التعريف تكون ملكًا للمُعَرِّف.
(1) انظر مصنف عبد الرازق (5/ 142)، وابن أبي شيبة (3/ 253)، والبيهقي في سننه (5/ 196).
قال: «وَمَنْ قُتِلَ لَهُ قَتِيلٌ فَهُوَ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ» أي: إما أن يَقْتُل القاتل أو أن يقبل الدية.
فقال العباس: «إلَّا الإِذْخِرَ» أي: رخص لنا يا رسول الله فيه، وهذا معطوف عل قوله صلى الله عليه وسلم:«وَلَا يُخْتَلَى شَوْكُهَا» وفي رواية: (خلاها) فسمح فيه صلى الله عليه وسلم؛ لأنه يكون في البيوت يخلطونه بالطين فيقوى الطين، ويضعونه عل قبورهم يغلقون به قبورهم.
ويستفاد من الحديث تحريم القتال في مكة، لكن إذا قُتل الإنسان فله أن يقاتل كما قال تعالى: {وَلَا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ
…
} الآية [البقرة: 191].