الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث الحادي والعشرون
مما نهى عنه المحرم
وَعَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَا يَنْكِحُ المُحْرِمُ، وَلَا يُنْكِحُ، وَلَا يَخْطُبُ» [رَوَاهُ مُسْلِمٌ](1).
هذا الحديث في سياق ما يَحْرُم على المُحْرِم:
فقوله: «لَا يَنْكِحُ المُحْرِمُ» يشمل الزوجان فإن النكاح يكون منهما فلا تقبل المرأة النكاح ولا يقبله الرجل، وهنا النفي «لَا يَنْكِحُ» متضمن للنهي، والشارع حينما يأتي بـ (لا) النافية فهي أبلغ كثيرًا مما يأتي بـ (لا) الناهية؛ لأن النفي يقتضي النهي.
وفيه إخبار على أن (النكاح) للمحرم لا يكون شرعًا؛ لأن الشرع نهى عنه، وإذا نهى عنه الشرع ونفاه فإنه يطلب إعدامه.
ومن هنا ذهب بعض أهل العلم أن نكاح المحرم باطل، وأن الإنسان إذا عقد على امرأة وهما محرمان أو أحدهما فإن النكاح باطل، وعلى هذا فتوى كبار الصحابة.
وقوله: «وَلَا يُنْكِحُ» هذا يتناول الولي فهو خطاب للولي بأن لا يزوج موليته، فالمرأة لا تَقْبَل ولا الزوج يَنْكح ولا الولي يَعْقِد للمرأة.
وقوله: «وَلَا يَخْطُبُ» فيه النهي عن النكاح ووسائله.
وينهي عن الجماع من باب أولى هذا بالإجماع في هذه المسألة، فالجماع ووسائله وذرائعه كلها محرمة؛ لأن الجماع أعظم مفسدات الحج، بل أعظم ما نُهي عنه في الحج، ولا يفسد النسك حجًّا أو عمرة شيء من المناهي إلا الجماع، ولهذا أكد النهي عنه بالنهي عن وسائله وذرائعه.
(1) أخرجه مسلم برقم (1409).
وقد تكون ذريعة وذريعة أخرى؛ فالجماع محرم والذريعة إليه النكاح والذريعة إلى النكاح الخطبة وكلاهما محرم.
وفي الحديث تحريم هذه الثلاثة أشياء، وأيضًا المباشرة وهذه ثابتة بالنص في قوله تعالى:{فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ} الآية. والرفث هو: الجماع ودواعيه.
فإذا جامع الإنسان قبل التحلل الأول ترتب عليه خمسة أمور:
1 -
الإثم.
2 -
وفساد النسك.
3 -
ووجوب المضي فيه.
4 -
ووجوب الفدية وهي بدنة.
5 -
ووجوب القضاء من العام القادم.
أما الإثم فهو بالنص والإجماع؛ لأن من فعل شيئًا مما سبق مرتكب للنهي.
وأما الباقية فهي من فتاوى الصحابة كـ: عمر وعلي وابن عباس وابن عمر وابن عمرو وأبو هريرة
…
وغيرهم، ونقله شيخ الإسلام إجماع الصحابة والتابعين وعلى هذا عامة العلماء، وأما ابن حزم فقال: لا يجب المضي في النسك الفاسد، وهذا القول فاسد.
وفيه أن العقد باطل، وأما الخطبة فقيل مكروهة؛ لأنها وسيلة إلى النكاح والنكاح محرم.
وقال بعضهم: هي محرمة؛ لأن الحديث سيق مساقًا واحدًا، وهذا هو الصحيح أن الخطبة محرمة.
وهل هناك فدية في النكاح أو الخطبة؟ الصحيح أنه ليس هناك في النكاح ولا في الخطبة فدية.
إذًا الخطبة والعقد محرمان ولا فدية فيها.
فإن قال قائل: هذا الحديث عارضه ما رواه البخاري من حديث ابن عباس أن النبي تزوج ميمونة وهو محرم؟
فالجواب من وجوه:
1 -
أن ميمونة رضي الله عنها نفسها كما في صحيح مسلم قالت (أن النبي تزوجها وهو حلال)(1).
2 -
قول أبي رافع: (تزوج النبي صلى الله عليه وسلم ميمونة وهو حلال وكنت السفير بينهما)(2) أخرجه أحمد والترمذي وغيرهما وفي إسناده مطر الوراق.
3 -
أن زواج النبي صلى الله عليه وسلم وهو حلال موافق للنهي هنا عن نكاح المحرم، وما توهمه بعضهم من التخصيص ليس بشيء (3).
4 -
أن يزيد بن الأصم ابن أخت ميمونة يخبر عن خالته أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوجها وهو حلال، كما أخرج مسلم (4) في كتاب النكاح، وليته أخرجه في كتاب الحج، وأخبر بذلك عمر بن عبد العزيز حينما سأله عن هذا وقبل عمر بن عبد العزيز قوله: كما رواه عبد الرزاق بإسناد صحيح، ولا شك أن الإنسان إذا كان من أهل البيت فهو أعلم بحال قريباته.
(1) رواه مسلم (1411).
(2)
رواه الترمذي (841)، وأحمد (6/ 392 رقم 27241) وابن حبان (9/ 438، 442)، والدارقطني (3/ 262)، والطبراني في الكبير (1/ 310)، والبيهقي (7/ 211)، وأبو نعيم في الحلية (3/ 264).
(3)
انظر سنن البيهقي (7/ 58).
(4)
سبق.
5 -
وجاء عن سعيد بن المسيب أنه قال: (وهم ابن عباس)(1) رواه أحمد في المسند وغيره وفي سنده بعض مقال.
والخلاصة: أن أهل العلم أجمعوا على أن ابن عباس وَهِمَ في هذا الحديث.
وعند الأصحاب أنه إذا حل التحلل الأول وبقي التحلل الثاني فإنه أيضًا لا يجوز النكاح بعد هذا التحلل، وذهب شيخ الإسلام رحمه الله وجماعة من أهل العلم إلى أنه إذا حل التحلل الأول فإنه له أن يتزوج وهو الصحيح؛ لأنه إنما نهى عن النكاح وهو محرم، فإذا حل التحلل الأول لم يبق عليه إلا تحريم جماع النساء.
والأصحاب احتجوا بحديث «حل له كل شيء قال: إلا النساء» (2) وقالوا: النساء يشمل الجماع والعقد، وبعضهم قال حتى المباشرة، والصحيح أن العقد جائز ولكن هل يباشر أو لا؟ يُقَبِّل أو لا؟ محل خلاف بين أهل العلم وسيأتي تحقيق القول في ذلك.
سؤال عن الجماع قبل الوقوف بعرفة وبعد الوقوف بعرفة؟
أما المشهور عن الحنفية أنه إذا جامع بعد الوقوف فإن الحج صحيح، وقالوا بأنه أمِن الفوات فأمِن الفساد فالنبي صلى الله عليه وسلم يقول:«الحج عرفة» (3) فإذا جامع بعد الوقوف بعرفة فإن حجه صحيح، والجمهور على أن من جامع قبل التحلل الأول فإن حجه فاسد، وإن جامع بعد التحلل الأول فإن حجه صحيح، ولكن إحرامه فاسد، فعليه أن يجدد الإحرام بأن يذهب إلى الحل ويحرم من جديد حتى يطوف ويسعى بإحرام صحيح، والجمهور أجابوا عن حديث «الحج عرفة» فقالوا: كون الحج عرفة لا يمنع أن الإحرام بعد
(1) رواه أبو داود (1845).
(2)
رواه النسائي (3084)، والدارقطني (2/ 276)، وأبو بعلى (1/ 441) وابن أبي شيبة (3/ 238، 239)، والنسائي في الكبرى (2/ 441، 460)، والهيثمي في المجمع (3/ 567).
(3)
رواه أبو داود (1949)، والترمذي (889)، والنسائي (3016، 3044)، وابن ماجه (3015)، وأحمد (4/ 309)، وانظر إرواء الغليل (4/ 256 حديث رقم 1064).
عرفة إحرام كامل لم يدخله النقص حتى يتحلل، وكونه أمن الفوات لا يعني أنه أمن الفساد، فإن حاله بعد عرفة مثل حاله قبلها، ولا يخف الإحرام إلا بالرمي أو الحلق أو الطواف والسعي، إذا فعلها كلها جاز له كل شيء، وقول الجمهور أصح، وأنه إن جامع بعد الوقوف بعرفة فإن حجه فاسد حتى يحل الإحرام بما يحل به التحلل الأول وسيأتي إن شاء الله.