الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث الخمسون
وَعَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ: رَمَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم الجَمْرَةَ يَوْمَ النَّحْرِ ضُحًى، وَأَمَّا بَعْدَ ذَلِكَ فَإِذَا زَالَتِ الشَّمْسُ. [رَوَاهُ مُسْلِمٌ](1).
في هذا تحديد الرمي أما رمي جمرة العقبة فقد رماها صلى الله عليه وسلم ضحى ووقع في صحيح البخاري «رميت بعدما أمسيت» (2) في حديث ابن عباس كأنه بعد الزوال، فلا بأس في ذلك اليوم حتى ولو في ليلة الحادي عشر إن تأخر، وأما الأيام الأخرى يرمي بعد زوال الشمس يوم الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر لمن تأخر، ولا يرمي قبل الزوال في أيام التشريق، ولو كان الرمي في هذه الأيام قبل الزوال سائغًا لبينه النبي صلى الله عليه وسلم ولما ترك الأمة تنتظر في وقت الضحى، وهو وقت البراد والسعة إلى زوال الشمس وتكون الهاجرة، فلما عدل عن هذا الوقت علم أنه غير مشروع وإثم، وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا خُيِّر بين أمرين اختار أيسرهما ما لم يكن إثمًا (3).
فعلم أن وقت الرمي في وقت الضحى إثم وإذا عُلِمَ أنه إثم وغير طاعة فتعين أنه معصية وغير مجزئ، واستثنى بعضهم يوم النفر من تعجل يوم الثاني عشر، ولكن الصحيح أنه لا استثناء في ذلك ولا ينبغي أن تُطَوِّع الفتيا لأفعال الناس، فإن الناس لا يقفون عند شيء، ولهذا في حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال:(كنا نتحين فإذا زالت الشمس رمينا)(4) أي: نتحرى ونبحث عن هذا الوقت وننتظر فكيف يدع النبي صلى الله عليه وسلم هذا الوقت مع سعته فيجعل الوقت بعد الزوال، ومعلوم أن وقت ما بعد الزوال فيه شيء من التضييق في الوقت، فَعُلِمَ أن الرمي قبل الزوال لا يصح.
(1) أخرجه مسلم برقم (1299).
(2)
رواه البخاري (1636).
(3)
رواه البخاري (3367، 5775)، ومسلم (2327).
(4)
رواه البخاري (1659).
والخلاصة: أنه لا يجوز ولا يجزئ الرمي قبل الزوال وقد بالغ شيخ شيوخنا محمد بن إبراهيم رحمه الله في الرد على قول من أجاز الرمي قبل زوال الشمس في رده على الشيخ عبد الله بن زيد آل محمود، وأصاب.
ولنا كتابة مفردة في هذا الموضوع يسر الله إتمامها، وقد كان الصحابة رضي الله عنهم ينهون عن الرمي قبل الزوال، وقد صح عن ابن عمر في الموطأ (1).
أما الرمي بالليل يوم الحادي عشر يرمي ليلة الثاني عشر أو يوم الثاني عشر يرمي ليلة الثالث عشر إن تأخر لا بأس به؛ لأن العبادة لا تجوز قبل وقتها كما قال شيخ الإسلام في الفتاوى (26/ 203): «إن المناسك لا تجزيء قبل وقتها» اهـ.
وتجوز بعد وقتها في الجملة، فلا يمكن أن تصح صلاة الظهر قبل وقتها ولكن قد تؤخر للعصر للعذر.
وفي الباب حديث ابن عباس في البخاري (رميت بعدما أمسيت)(2) والمساء يطلق على آخر النهار وأول الليل.
وكذلك أثر عبد الرحمن بن سابط أخرجه ابن أبي شيبة بإسناد صحيح قال (كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يدعون ظهرهم ويرمون بالليل)(3).
وإن كان هذا احتمال أنهم متعجلين؛ لأنهم كانوا على ظهور يركبونها - على دواب - وأما إذا قروا بمنى فالغالب أنهم يمشون.
وقد صح أن صفية زوج ابن عمر رمت جمرة العقبة ليلة الحادي عشر (4).
(1) انظر الاستذكار (13/ 214).
(2)
سبق.
(3)
رواه ابن أبي شيبة (3/ 398).
(4)
رواه مالك في المؤطأ وانظر التمهيد (7/ 268).
فظاهر هذا اتساع وقت رمي يوم الحادي عشر إلى ليلة الثاني عشر والثاني عشر إلى ليلة الثالث عشر، وأما الثالث عشر فلا يجوز أن يرمي بعد غروب شمسه؛ لأن أيام الرمي انتهت بعد الغروب.