الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث الثاني
ما على النساء من جهاد
وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: قُلْت: يَا رَسُولَ اللهِ! عَلَى النِّسَاءِ جِهَادٌ؟ قَالَ: «نَعَمْ، عَلَيْهِنَّ جِهَادٌ لَا قِتَالَ فِيهِ: الحَجُّ، وَالعُمْرَةُ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ، وَاللَّفْظُ لَهُ، وَإِسْنَادُهُ صَحِيحٌ، وَأَصْلُهُ فِي الصَّحِيح (1).
هذا الحديث:
أصله في صحيح البخاري؛ «أن عائشة رضي الله عنها قالت: نرى الجهاد أفضل الأعمال أفنجاهد؟ فقال صلى الله عليه وسلم: «لكن أفضل الجهاد حج مبرور» (2).
وقد احتج بهذا اللفظ الذي في السنن وفي مسند الإمام أحمد وابن ماجة على أن العمرة واجبة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «عليهن» وهذه الصيغة عند أهل العلم ليست صريحة في الوجوب ولكنها ظاهرة فيه.
ففي حديث: «يصبح على كل سلامي من أحدكم صدقة» (3) ليس كل الخصال المذكورة واجبة.
فهذا الحديث أحد الأحاديث التي استدل بها من قال بأن العمرة واجبة كالحج، وهذا اختيار شيخنا ابن باز رحمه الله، واختيار الشيخ ابن عثيمين، وهو مذهب البخاري كذلك في صحيحه، قال: باب وجوب العمرة وفضلها، واحتج بحديث الترجمة حديث الباب الأول «العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما» .
(1) أخرجه أحمد (6/ 165)، وابن ماجه (2901)، وابن خزيمة (3074)، انظر تحفة الأشراف (12/ 402).
(2)
أخرجه البخاري (1520، وأطراف 1861، 2784، 2875، 2876). التحفة (17871).
(3)
أخرجه البخاري (2560، 2734، 2827)، ومسلم (720، 1007، 1009)، وغيرهما.
ولما لم يصح على شرط البخاري حديث في وجوب العمرة وإنما اكتفى بالترجمة، وهذه عادته رحمه الله؛ أنه إذا لم يصح الحديث على شرطه إما أن يذكر اختياره في الترجمة، أو يسند إلى بعض الصحابة والتابعين اختياره هذا، ومن درس البخاري علم هذا.
فائدة:
إن الحديث بهذا اللفظ غير محفوظ، فإن هذا اللفظ جاء من طريق محمد بن فضيل عن حبيب بن أبي عمرة عن عائشة بنت طلحة عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم به.
وهذا الإسناد ظاهره الصحة، ولكن ذِكْر الحديث بلفظ الأمر تفرد به محمد بن فضيل، فقد روى الحديث عن حبيب بن أبي عمرة بلفظ الخبر والفضيلة، وليس بلفظ الأمر، جماعة من الرواة منهم:
1 -
عبد الواحد بن زياد (1).
2 -
خالد بن عبد الله الطحان (2).
3 -
سفيان الثوري (3).
4 -
جرير بن عبد الحميد (4).
5 -
يزيد بن عطاء اليشكري (5).
هؤلاء يروونه بلفظ البخاري، فالصحيح أن هذا اللفظ - لفظ الأمر - غير محفوظ فلم يتم الاستدلال به على وجوب العمرة.
هذا أحد الأدلة التي استدل بها من قال إن العمرة واجبة.
(1) انظر «صحيح البخاري» (1861)، وأحمد (6/ 79).
(2)
انظر «صحيح البخاري» (1520).
(3)
انظر «صحيح البخاري» (2876).
(4)
انظر «سنن النسائي» (5/ 114).
(5)
وهو لين الحديث، انظر «مسند أحمد» (6/ 71).
وكذلك استدلوا بحديث عمر الذي أصله في مسلم في سياق أركان الإسلام قال: «وتحج وتعتمر وتغتسل من الجنابة» (1).
ولكنه بهذا اللفظ «تحج وتعتمر» تفرد به سليمان التيمي، ومسلم رحمه الله رواه بدون هذه اللفظة، وساق إسناده من طريق سليمان التيمي نفسه لكن لم يسق لفظه فقال: بنحوه.
أي: كما تقدم بلفظه الأول الذي ليس فيه زيادة «وتعتمر» فمسلم عَدَل عن هذه اللفظة، وهذا هو الحديث الثاني الذي استدل به من قال بوجوب العمرة، وهو معلول بتفرد سليمان التيمي فقد خالفه جماعة من الحفاظ.
وكذلك استدلوا بحديث الصُّبي ابن معبد عند أبي داود وغيره أنه أتى عمر فقال: إني وجدت الحج والعمرة مكتوبين عليّ في كتاب الله! فقال: (هديت لسنة نبيك)(2).
فهذا مع كونه غير صريح إلا إنه اختلف في لفظة بهذا السياق (إني وجدت الحج والعمرة مكتوبين عليّ) فهو بهذا الحرف فيه نظر، ثم إنه لو كان محفوظًا (إني وجدت الحج والعمرة مكتوبين عليّ) ليس المراد بالكتابة: الفرض فهو قابل للتأويل بمعنى أنها مشروعة، ثم إنه أحال على كتاب الله، وليس في كتاب الله وجوب العمرة كما هو معلوم!.
وإن أُريد به في حكم الله وأقره عمر، فيكون قولًا له رضي الله عنه.
وأصح ما استدل به على وجوب العمرة ما أخرجه أصحاب السنن من حديث أبي رزين العقيلي أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله! إن أبي شيخ كبير لا يستطيع: الحج، ولا العمرة، ولا الظعن؟ فقال له النبي صلى الله عليه وسلم:«حج عن أبيك واعتمر» (3).
(1) بهذا اللفظ رواه ابن خزيمة (1/ 3) رقم (1)، وابن حبان (1/ 397) رقم (173)، والدارقطني (2/ 282) رقم (207)، والبيهقي (4/ 349) رقم (8537).
(2)
أخرجه أبو داود (1/ 559) رقم (1798، 1799)، وغيره.
(3)
أخرجه الترمذي (3/ 269) رقم (930)، وأبو داود (1/ 562) رقم (1810)، والنسائي (5/ 111، 117) رقم (2621، 2637)، وابن ماجه (2/ 970) رقم (2906)، وأحمد (4/ 10، 11، 12) وابن حبان (9/ 304)، وغيرهم من أصحاب السنن والمعاجم والمسانيد.
وقد أخرج البيهقي بسنده من طريق مسلم قال: سمعت أحمد بن حنبل رحمه الله يقول: (لا أعلم حديثًا أصح وأجود إسنادًا في إيجاب العمرة من هذا).
هكذا قال الإمام أحمد وقد روُي عنه بالإسناد الصحيح، ولكن نازع الإمام أحمد جماعة من الحفاظ المتأخرين كابن دقيق العيد، وقالوا: لمن هذا فيه مشروعية العمرة عن الأموات ليس فيه أنها واجبة ابتداءً، وإنما فيه الإذن بالحج عنه والاعتمار هذا مجمل الأدلة على وجوب العمرة.
وشيخنا ابن باز رحمه الله يحتج بزيادة: «تحج وتعتمر» وبهذا اللفظ: «عليهن جهاد لا قتال فيه الحج والعمرة» .
والبخاري كما ذكر قال: باب وجوب العمرة وفضلها.
ومسألة وجوب العمرة تكاد تكون مناصفة بين أهل العلم ليس فيها جمهور.
هذه الأدلة، وفيما تقدم كنا نميل إلى الوجوب لكن الآن أقل ما يقال:(وفي الوجوب نظر).
فالأحوط ألا يدع الإنسان العمرة، ولكن مع القول بأنها واجبة فهي ليست ركنًا من أركان الإسلام باتفاق العلماء، فقد يكون الشيء واجبًا وليس ركنًا، وهذا يكون في كثير من التكاليف الشرعية، تكون واجبة ولكنها ليست من الأركان، فالواجبات في العبادات غير الأركان كثيرة، فهذه زكاة الفطر ليست ركن من أركان الإسلام وهي واجبة بالنص والإجماع.