الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَمَوْتاها
(1)
، والأثْقالُ جَمْعُ الثِّقْلِ، والموتى أثْقالٌ فِي بَطْنِ الأرْضِ، فإذا كانوا فوقها فهم أثْقالٌ عليها
(2)
.
قوله: {وَقَالَ الْإِنْسَانُ مَا لَهَا} يعني: يقول الكافر الذي لا يؤمن بالبعث: لأيِّ شَيْءٍ زِلْزالُها؟ و {ومَا} ابتداء استفهام وهو اسم تام، و {لَهَا} الخبر.
قوله: {يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا (4)} يعني: تُخْبِرُ الأرْضُ النّاسَ بِما عَمِلُوا عليها من خَيْرٍ وَشَرٍّ، و {تُحَدِّثُ} و"تُخْبِرُ" بمعنًى واحدٍ، ومعنى "حَدَّثَنا" و"أخْبَرَنا" واحدٌ
(3)
، ونصب {أَخْبَارَهَا} بِنَزْعِ الخافض؛ أي: بِأخْبارِها
(4)
.
فصل
عن أبِي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فِي قوله تعالَى:
(1)
قاله الفراء والزجاج، ينظر: معانِي القرآن للفراء 3/ 283، معانِي القرآن وإعرابه 5/ 351.
(2)
قاله أبو عبيدة في مجاز القرآن 2/ 306، والطبريُّ في جامع البيان 30/ 337، والسجستانِي في غريب القرآن ص 181، وحكاه القرطبي عن الأخفش في تفسيره 20/ 147.
(3)
قاله النحاس في إعراب القرآن 5/ 209، 276.
(4)
قال ابن الحاجب: "حَدُّثْتُ وأخواتها التي تتعدى إلَى مفعولٍ واحدٍ، ثم تتعدى إلَى ثلاثة مفاعيل على ما ذكره النحويون، تارةً يُلْفَظُ بالثلاثِ المَفاعِيلِ إذا قُصِدَ تفصيل ذلك، وتارةً يُؤْتَى بلَفْظٍ دالٍّ على المفعولين فَيُسْتَغْنَى به، ومثله قوله تعالَى: {يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا}، فَإنَّ "أخْبارَها" هاهنا قائمٌ مَقامَ المفعولين؛ لكون الخبر يتضمن في المعنى ما ذُكِرَ من التفصيل، و {بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا} مِن الناس مَنْ قال: بَدَلٌ من "أخْبارَها"، ولا بُعْدَ في ذلك، وذهب بعضهم إلَى أن هذه {تُحَدِّثُ} مستثناةٌ من قاعدة ما ذُكِرَ، وتتعدى إلَى مفعول واحد، وليبس بصحيح، وفي القرآن مثله، وهو قوله: "مَنْ أنْبَأكَ هَذا"، فإن "هَذا" قائمٌ مَقامَ المفعولين، كأنه قال: مَنْ أنْبَأكَ النَّبَأ؟ ". أمالِيُّ ابن الحاجب 2/ 786 - 787.
{يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا} : "أتَدْرُونَ ما أخْبارُها؟ "، قالوا: اللَّه ورسوله أعْلَمُ، قال:"أخْبارُها أنْ تَشْهَدَ على كُلِّ عَبْدٍ وَأمةٍ بِما عَمِلَ عَلَى ظَهْرِها، تقول: عَمِلَ كَذا وَكَذا فِي يَوْمِ كَذا وَكَذا"
(1)
.
وَرُوِيَ عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "حافِظُوا عَلَى الوُضُوءِ، وَخَيْرُ أعْمالِكُم الصَّلاةُ، وَتَحَفَّظُوا مِنَ الأرْضِ؛ فَإنَّها أُمُّكُمْ، وَلَيْسَ أحَدٌ يَعْمَلُ خَيْرًا وَلَا شرًّا إلّا وَهِيَ مُخْبِرةٌ بِهِ"
(2)
.
وفي حرف أُبَيٍّ: "يَوْمَئِذٍ تُنَبِّئُ أخْبارَها"
(3)
، {بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا (5)} قال الفَرّاءُ
(4)
: تُحَدِّثُ أخْبارَها بِوَحْيِ الِله وَإذْنِهِ لَها، قال ابن عباس
(5)
: أذِنَ اللَّهُ لَها لِتُخْبِرَ بِما عُمِلَ عليها، قال الراجز:
539 -
أوْحَى لَها القَرارَ فاسْتَقَرَّتِ
وَشَدَّها بالرّاسِياتِ الثُّبَّتِ
(6)
(1)
رواه الإمام أحمد في المسند 2/ 374، والترمذي في سننه 4/ 41 أبواب صفة القيامة: باب ما جاء في العرض، 5/ 117 أبواب تفسير القرآن: سورة "إذا زُلْزِلَت"، ورواه النسائي في السنن الكبرى 6/ 520 كتاب التفسير: سورة الزلزلة.
(2)
رواه الطبرانِيُّ بسنده عن ربيعة الجُرَشِيُّ مرفوعًا في المعجم الكبير 5/ 65، وينظر: الوسيط 4/ 542، مجمع الزوائد 1/ 241 كتاب الطهارة: باب المحافظة على الوضوء.
(3)
قرأ ابن مسعود: "تُنَبِّئُ" بالتشديد، وقرأ سعيد بن جبير:"تُنْبِئُ" بالتخفيف، وَلَمْ أقِفْ على أن أُبَيًّا قرأ بواحدة منهما، ينظر: جامع البيان 30/ 338، مختصر ابن خالويه ص 177، شواذ القراءة ورقة 268.
(4)
معانِي القرآن 3/ 283.
(5)
ينظر قوله في الوسيط للواحدي 4/ 542، مجمع البيان للطبرسي 10/ 419.
(6)
البيتان من الرجز المشطور، لِلْعَجّاجِ، ورواية ديوانه:"وَحَى لَها"، ويُرْوَى الثانِي:"وَمَدَّها بِالرّاسِياتِ". =
يعني: أوْحَى لَها بالقَرارِ، ويقال أيضًا: وَحَى وَأوْحَى بمعنًى واحدٍ أي: أمَرَ
(1)
، قاله العَجّاجُ
(2)
، مَعناه: أمَرَها بِالقَرارِ فاسْتَقَرَّتْ.
واللَّام هاهنا في موضع "إلَى"
(3)
، ومجاز الآية: يُوحِي إلَيْها، ومعنى {بِأَنَّ رَبَّكَ}؛ أي: لِأنَّ رَبَّكَ أوْحَى لَها، والوَحْيُ: كُلُّ إفْهامٍ يكون بِغَيْرِ كَلَامٍ.
قوله تعالَى: {يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا} يعني: يَرْجِعُ النّاسُ عن يوم الحساب مُتَفَرِّقِينَ، فآخِذٌ ذاتَ اليَمِينِ إلَى الجَنّةِ، وآخِذٌ ذاتَ الشِّمالِ إلَى النّارِ، والأشْتاتُ جَمْعُ شَتٍّ، ومنه قولهم: شَتَّتَ اللَّهُ جَمْعَهُمْ؛ أي: فَرَّقَهُ
(4)
، ونصب {أَشْتَاتًا} على الحال.
= التخريج: ديوانه ص 218، العين 3/ 320، مجاز القرآن 1/ 182، 2/ 306، تأويل مشكل القرآن ص 111، 490، جامع البيان 3/ 363، 4/ 281، جمهرة اللغة ص 576، الزاهر 2/ 342، إعراب القرآن للنحاس 4/ 76، 5/ 45، معانِي القرآن للنحاس 2/ 383، 6/ 303، إعراب القراءات السبع 2/ 450، تهذيب اللغة 5/ 296، 297، المحتسب 2/ 331، مقاييس اللغة 6/ 93، مجمل اللغة ص 919، الصحاح ص 2520، المخصص 14/ 253، الكشف والبيان 10/ 265، عين المعانِي ورقة 147/ أ، الفريد للهمداني 4/ 539، تفسير القرطبي 4/ 85، 6/ 363، 25/ 149، البحر المحيط 8/ 340، 497، اللباب في علوم الكتاب 20/ 449، التاج: وحي.
(1)
قال ابن قتيبة: "والوَحْيُ أمْرٌ، قال اللَّه تعالَى: {بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا}؛ أي: أمَرَها، وقال الراجز: وَحَى لَها. . . البيت". تأويل مشكل القرآن ص 490.
(2)
الضمير في "قاله " يعود إلى الرَّجَزِ، لا إلَى تفسير معنى الوحي.
(3)
قاله الفراء والأخفش وابن قتيبة والنحاس، ينظر: معانِي القرآن للفراء 1/ 250، معانِي القرآن للأخفش ص 542، تأويل مشكل القرآن ص 572، إعراب القرآن 5/ 276، وينظر أيضًا: تهذيب اللغة 5/ 296، 297، كتاب الشعر ص 103، 198، 360، المحكم والمحيط الأعظم 4/ 28، أمالِيُّ ابن الشجري 1/ 31، 2/ 89، 255، 523، 615.
(4)
قاله ابن السكيت والنقاش، ينظر: إصلاح المنطق ص 376، شفاء الصدور ورقة 257/ أ، وينظر: إعراب ثلاثين سورة ص 153، تهذيب اللغة 11/ 269.
وقوله: {لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ (6)} خَبَرُ ما لَمْ يُسَمَّ فاعِلُهُ، قرأ العامة بضم الياء، وقرأ الحسن وا لأعرج بفتح الياء
(1)
، والمعنى: لِيُرَوْا أجْرَ أعمالهم، وذلك أنهم يرجعون عن الموقف فِرَقًا؛ لِيَنْزِلُوا مَنازِلَهُمْ من الجنة والنار، {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ} يعني وَزْنَ نَمْلةٍ، أصْغَرُ ما يكون من النمل
(2)
{خَيْرًا} أي: مِنْ خَيْرٍ {يَرَهُ (7)} في كتابه يوم القيامة، فَيَفْرَحُ به {وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا}؛ أي: مِنْ شَرٍّ {يَرَهُ} فِي كتابه، فَيَسُوؤُهُ ذلك، قال الشاعر:
540 -
إنَّ مَنْ يَعْتَدِي وَيَكْسِبُ إثْمًا
…
وَزْنَ مِثْقالِ ذَرّةٍ سَيَراهُ
وَيُجازَى بِفِعْلِهِ الشَّرَّ شَرًّا
…
وَبِفِعْل الجَمِيلِ أيضًا جَزاهُ
هَكَذا قَوْلُهُ -تَبارَكَ رَبِّي-
…
فِي "إذا زُلْزِلَتْ"، وَجَلَّ ثَناهُ
(3)
ومِثْقالٌ مِفْعالٌ من الثِّقَلِ، و"مَنْ" في موضع رفع بالابتداء، وهو اسمٌ تامٌّ، و {يَعْمَلْ} جزم بالشرط، و {خَيْرًا} منصوب على البيان أو بَدَلٌ من
(1)
قرأ النبي صلى الله عليه وسلم والحَسَنُ والأعْرَجُ وَقَتادةُ وَحَمّادُ بنُ سَلَمةَ والزُّهْرِيُّ وأبو حَيْوةَ وعيسى بن عُمَرَ، ونافعٌ في روايةٍ عنه، ونصرُ بنُ عاصم وطلحةُ:"لِيَرَوْا" بفتح الياء، ينظر: مختصر ابن خالويه ص 177، إعراب القراءات السبع 2/ 516، شواذ القراءة ورقة 268 - 269، تفسير القرطبي 20/ 150، البحر المحيط 8/ 498.
(2)
قال أبو عبيدة: "أي: زِنةَ نَمْلةٍ صَغِيرةٍ". مجاز القرآن 1/ 278، وقال ابن قتيبة:"مِثْقالَ ذَرّةٍ": وَزْنَ نَمْلةٍ صَغِيرةٍ". غريب القرآن ص 535، وينظر: تهذيب اللغة 14/ 405، الوسيط 4/ 543.
(3)
الأبيات من بحر الخفيف، لم أقف على قائلها، و"مَنْ" في قوله:"إنَّ مَنْ يَعْتَدِي" موصولة لا شرطية.
التحريج الكشف والبيان 10/ 267، عين المعانِي ورقة 147/ أ، تفسير القرطبي 20/ 152.