الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سورة القَدْرِ
مدنية، وقيل: مكية
وهي مائة واثنا عشر حرفًا، وثلاثون كلمةً، وخمس آيات.
باب ما جاء في فضل قراءتها
عن أُبَيِّ بن كعب رضي الله عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "مَنْ قَرَأ سُورةَ القَدْرِ كانَ كَمَنْ صامَ رَمَضانَ وَأحْيا لَيْلةَ القَدْرِ"
(1)
.
وَرُوِيَ عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "مَنْ قَرَأ سُورةَ القَدْرِ ضَجُّوا أهْلُ السَّماواتِ وَأهْلُ الأرْضِ مِنْ عَظَمَتِها عِنْدَ الِلّه، وَكَتَبَ لَهُ رَبُّهُ ثَوابَها ألفَ ضِعْفٍ"
(2)
.
باب ما جاء فيها من الإعراب
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله عز وجل: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (1)} يعني القرآن، كناية عن غير مذكور، أُنْزِلَ جُمْلةً واحِدةً في ليلة القَدْرِ من اللُّوْحِ المَحْفُوظِ إلَى سَماءِ الدنيا، ثم فُرِّقَ في السنين بالإنزال على محمد صلى الله عليه وسلم، وقد تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ في سورة البَقَرةِ.
(1)
ينظر: الكشف والبيان 10/ 247، الوسيط 4/ 532، الكشاف 4/ 273، مجمع البيان 10/ 403.
(2)
لَمْ أعثر له على تخريج.
واللَّه تعالَى هو المُنْزِلُ لَهُ، والعرب تُؤَكِّدُ فِعْلَ الواحد، وَتَجْعَلُهُ بلَفْظِ الجَمِيعِ لِيَكُونَ أثْبَتَ وَأوْكَدَ
(1)
.
فإن قال قائل: لِمَ كَنَّى عن شيءٍ لَمْ يَتَقَدَّمْ لَهُ ذِكْرٌ؟، فالجواب في ذلك أن العرب قد تُكَنِّي عن الشيء وَإنْ لَمْ يَتَقَدَّمْ لَهُ ذِكْرٌ إذا كان المعنى مفهومًا، كقولهم: ما عليها أعْلَمُ مِنْ فُلَانٍ، يعنون الأرضَ، قال اللَّه تعالَى:{حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ}
(2)
، يعني الشمس
(3)
.
قوله: {وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ (2)} "ما" الأولَى استفهام ابتداء، و {أَدْرَاكَ} فِعْلٌ، وفيه ضمير الفاعل يعود عليها، والكاف مفعول {أَدْرَاكَ} ، و"ما" الثانية استفهامٌ أيضًا ابتداءٌ ثانٍ، و {لَيْلَةُ} خَبَرٌ عن الثانِي، والجملة في موضع المفعول الثانِي لـ {أَدْرَاكَ} ، و {أَدْرَاكَ} ومفعولاه خَبَرُ "ما" الأولَى، ومثله:{وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحَاقَّةُ}
(4)
، {وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْقَارِعَةُ}
(5)
.
وَسُمِّيَتْ لَيْلةَ القَدْرِ لأن فيها تَقْدِيرَ الأمور والأحكام، قَدَّرَ اللَّهُ تعالَى في ليلة القدر أمْرَ السَّنةِ من الآجال والأرزاق في عباده وبلاده إلَى السنة المقبلة، قال أكثر المفسرين
(6)
: وهي التي قال اللَّه تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ (3) فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ}
(7)
.
(1)
قاله النقاش في شفاء الصدور ورقة 252/ ب.
(2)
ص 32.
(3)
من أول قوله: "فإن قال قائل" نقله المؤلف عن ابن خالويه في إعراب ثلاثين سورة ص 142.
(4)
الحاقة 3.
(5)
سورة القارعة الآية 3، وينظر: مشكل إعراب القرآن 2/ 487.
(6)
ينظر: جامع البيان 30/ 327، معانِي القرآن وإعرابه 5/ 347، الكشف والبيان 10/ 247، زاد المسير 9/ 182.
(7)
الدخان 3 - 4.
وهي مصدر كقولهم: قَدَرَ اللَّهُ الشَّيْءَ قَدْرًا وَقَدَرًا، لغتان كالنَّهْرِ والنَّهَرِ والشَّعْرِ والشَّعَرِ، وَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا بمعنًى واحدٍ
(1)
، قال ابن السِّكِّيتِ
(2)
: يُقال: قَدَرَ اللَّهُ الأمْرَ يَقْدُرُهُ قَدْرًا وَقَدَرًا، وأنشد الأخْفَشُ
(3)
:
537 -
ألَا يا لَقَوْمِي لِلنَّوائِبِ والقَدْرِ
…
وَلِلأمْرِ يَأْتِي المَرْءَ مِنْ حَيثُ لَا يَدْرِي
(4)
ثم فَسَّرَها فقال تعالَى: {لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ (3)} يعني: العمل فيها خَيْرٌ من العمل في ألف شهر لا لَيْلةَ قَدْرٍ فيها
(5)
.
قوله: {تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ} يعني جبريل عليه السلام {فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ} ؛ أي: بِأمْرِ رَبِّهِمْ، قيل: إنَّها تَنْزِلُ من غروب الشمس إلَى طلوع الفجر، وقرأ البَزِّيُّ:"تَّنَزَّلُ" بتشديد التاء
(6)
، والأصل: تتَنَزَّلُ، فحُذِفَت التاءُ الأولَى لاجتماع تاءَيْنِ.
(1)
ينظر: ياقوتة الصراط ص 363، 364، 576، تهذيب اللغة 9/ 20.
(2)
قال ابن السكيت: "وَما لَهُ عِنْدِي قَدْرٌ وَلَا قَدَرٌ، وكذلك: قَدَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ قَدْرَا وَقَدَرًا". إصلاح المنطق ص 96.
(3)
أنشده الجوهري عن الأخفش في الصحاح 2/ 786.
(4)
البيت من الطويل لِهُدْبةَ بنِ الخَشْرَمِ العُذْرِيِّ، ويُرْوَى:
ألا يا لقومي لِلنَّوائِبِ والدَّهْرِ
…
وَلِلْمَرْءِ يُرْدِي نَفْسَهُ وَهْوَ لَا يَدْرِي
التخريج: ديوانه ص 95، التنبيه والإيضاح 2/ 184، شرح التسهيل لابن مالك 3/ 411، اللسان: قدر، الوافِي بالوفيات 27/ 335، خزانة الأدب 9/ 337، التاج: قدر.
(5)
قاله قتادة وأبو العالية والفراء، ينظر: معاني القرآن للفراء 3/ 280، شفاء الصدور ورقة 253/ أ، عين المعانِي ورقة 147/ أ، تفسير القرطبي 20/ 131.
(6)
قرأ البَزِّيُّ: "شَهْر تَّنَزَّلُ" بإدغام التاء في الراء، ينظر: تفسير القرطبي 20/ 133 - 134، الإتحاف 2/ 621.
وقوله: {مِنْ كُلِّ أَمْرٍ (4)} ؛ أي: بِكُلِّ أمْرٍ من الخَيْرِ والبَرَكةِ، وهو كقوله:{يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ}
(1)
؛ أي: بِأمْرِ اللَّه، وَتَمَّ الكَلَامُ، ثُمَّ ابتدأ فقال:{سَلَامٌ هِيَ} ابتداء وخبر، يعني أن ليلة القدر سلامة هي، وَخَيْرٌ كُلُّها، ليس فيها شَرٌّ {حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ (5)} ورُوِيَ عن ابن عباس أنه كان يقرأ:"مِنْ كُلِّ امْرِئٍ سَلَامٌ"
(2)
، قال ابن الأنباري
(3)
: فعلى هذه القراءة الوَقْفُ على {سَلَامٌ} ، والمعنى: مِنْ كُلِّ امْرِئٍ من الملائكة سَلَامٌ عَلَى المُؤْمِنِينَ والمُؤْمِناتِ.
و {حَتَّى} حرف غاية بمعنى "إلَى"، مجازها: إلَى مَطْلَع الفَجْرِ، قرأ يحيى ابن وَثّابٍ والأعْمَشُ والكِسائِيُّ وَخَلَف بكسر اللام، وقرأَ غيرهم بالفتح
(4)
، وهو الاختيار؛ لأن المَطْلَعَ -بفتح اللام- مصدر بمعنى الطُّلُوعِ، يقال: طَلَعَتِ الشَّمْسُ طُلُوعًا وَمَطْلَعًا، فأما المَطْلِيعُ -بكسر اللام- فإنه مَوْضِعُ الطُّلُوعِ، ولا معنى للاسم في هذا الموضع، إنما هو بمعنى المصدر
(5)
.
(1)
الرعد 11، وكون "مِنْ" بمعنى الباء قاله ابن قتيبة في تأويل مشكل القرآن ص 574، والزَّجّاجِيُّ في حروف المعانِي ص 50، 76، وينظر: عين المعانِي للسجاوندي ورقة 147/ أ، تفسير القرطبي 20/ 133، البحر المحيط 8/ 493.
(2)
وهي أيضًا، قراءة عَلِيِّ بن أبِي طالب وَعِكْرِمةَ والكَلْبِيِّ، ينظر: المحتسب 2/ 368، تفسير القرطبي 20/ 134، البحر المحيط 8/ 493.
(3)
إيضاح الوقف والابتداء ص 981.
(4)
قرأ أبو عمرو في رواية عُبَيْدِ بنِ عُمَيْرٍ عنه، والكِسائِيُّ وَخَلَفٌ والأعْمَشُ وابنُ مُحَيْصِنٍ وأبو رجاء ويحيى بنُ وَثّاب وَطَلْحةُ:"مَطْلِعِ" بكسر اللام، وقرأ البافون، وأبو عمرو في غير رواية عُبَيْدِ بنِ عُمَيْرٍ:"مَطْلَعِ" بفتح اللام، ينظر. السبعة ص 693، البحر المحيط 8/ 493، الإتحاف 2/ 621.
(5)
المؤلف في هذا مُتابِعٌ لِلثَّعْلَبِيِّ فيما قاله في الكشف والبيان 10/ 258، ولم يذكر كلاهما أن كسر العين في المَطْلِعِ لغةٌ في المصدر، فقد ذكر سيبويه في اشتقاق اسم المكان من =