الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سورة القارعة
مكية
وهي مائة واثنان وخَمْسُونَ حرفًا، وست وثلاثون كلمةً، وإحدى عشرة آيةً.
باب ما جاء فِي فضل قراءتها
عن أُبَيِّ بن كعب رضي الله عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "مَنْ قَرَأ سُورةَ القارِعةِ ثَقَّلَ اللَّهُ عز وجل مِيزانَهُ يَوْمَ القِيامةِ"
(1)
، وَرُوِيَ عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال:"مَنْ قَرَأ سُورةَ القارِعةِ لَمْ تُصِبْهُ قارِعةٌ أبَدًا"
(2)
.
باب ما جاء فيها من الإعراب
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله عز وجل: {الْقَارِعَةُ (1) مَا الْقَارِعَةُ (2)} {الْقَارِعَةُ} مبتدأ، وخبره {مَا الْقَارِعَةُ} بالرفع، وقال المُبَرِّدُ
(3)
: معناه: أتَتْكُم القارِعةُ،
(1)
ينظر: الكشف والبيان 10/ 274، الوسيط 4/ 546، الكشاف 4/ 280، مجمع البيان 10/ 426.
(2)
لَمْ أعثر له على تخريج.
(3)
يعني أن القارعة فاعل بفعل مقدر، وهذا القول حكاه النحاس بغير عزو في إعراب القرآن 5/ 280، وينظر قول المبرد في عين المعانِي ورقة 147/ ب.
وقال الزَّجّاجُ
(1)
: هو تَحْذِيرٌ، والعرب تُحَذِّرُ وَتُغْرِي بالرفع كما فِي النصب
(2)
، قال الشاعر:
545 -
واحْذَرُوا غِبَّ ما يُحاذَرُ إنْ
…
قالَ أخُو النَّجْدةِ: السِّلَاحُ السِّلَاحُ
(3)
والقارعة: اسم من أسماء يوم القيامة، والقارعة: الداهية أيضًا
(4)
، وَسُمِّيَتْ قارعةً؛ لأنها تَقْرَعُ القُلُوبَ بالفزع، وَتَقْرَعُ أعْداءَ اللَّه بالعذاب
(5)
، وقوله:{مَا الْقَارِعَةُ} تَهْوِيلٌ وَتَعْظِيمٌ.
ثم خاطَبَ نَبِيَّهُ صلى الله عليه وسلم، فقال:{وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْقَارِعَةُ (3)} تعظيمًا لِشَأْنِها،
(1)
لَمْ أقف على هذا القول في معانِي القرآن وإعرابه، وإنما ذكره السجاوندي في عين المعاني 147/ ب، وينظر: البحر المحيط 8/ 503، الدر المصون 6/ 563، اللباب في علوم الكتاب 20/ 469.
(2)
وقد قرأ عيسى بن عمر: "القارِعةَ ما القارِعةَ" بالنصب، ينظر: البحر المحيط 8/ 503.
(3)
البيت من الخفيف، لَمْ أقف على قائله، ويُرْوَى:
لَجَدِيرُونَ بِالوَفاءِ إذا قا
…
لَ أخُو النَّجْدةِ: السِّلَاحُ السِّلَاحُ
وقبله:
إنَّ قَوْمًا مِنْهُمْ عُمَيْرٌ وَأشْبا
…
هُ عُمَيْرٍ وَمِنْهُمُ السَّفّاحُ
التخريج: معانِي القرآن للفراء 1/ 188، 3/ 269، جامع البيان 3/ 208، الخصائص 3/ 102، عين المعانِي ورقة 147/ أ، تفسير القرطبي 5/ 6، البحر المحيط 8/ 503، الدر المصون 6/ 563، المقاصد النحوية 4/ 306، اللباب في علوم الكتاب 20/ 469، همع الهوامع 2/ 21.
(4)
قاله ابن قتيبة في غريب القرآن ص 537، وينظر: إعراب القرآن للنحاس 5/ 280، شفاء الصدور ورقة 259/ ب، غريب القرآن للسجستانِيِّ ص 182.
(5)
قاله مقاتل، ينظر: عين المعانِي ورقة 147/ ب.
وقد تقدم الكلام فيها وفي نظائرها في الحاقة وغيرِها
(1)
، فَأغْنَى عن الإعادة هاهنا؛ إذ المعنى واحد.
ثم بَيَّنَ مَتَى تكون؟ فقال تعالى {يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوثِ (4)} القليل فِي يوم القارعة؛ أي: تَقْرَعُ آذانَ الخَلْقِ وَقُلُوبَهُمْ يَوْمَ يكون الناس كالفراش المبثوث، والفَراشُ هو الطَّيْرُ الذي يَتَساقَطُ في النّارِ، والمَبْثُوثُ: المُتَفَرِّقُ، يُقال منه: بَثَّهُ: إذا فَرَّقَهُ، قال الفَرّاءُ
(2)
: هو كَغَوْغاءِ الجَرادِ يَرْكَبُ بَعْضُهُ بَعْضًا من الهَوْلِ، وقيل
(3)
: الفَراشُ شِبْهُ البَعُوضِ يَتَهافَتُ فِي النار.
قوله: {وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ (5)} يعني: كالصُّوفِ المَصْبُوغِ المَنْدُوفِ، شَبَّهَ اللَّهُ تعالى الجِبالَ الصُّمَّ الصِّلَابَ الشَّوامِخَ في ذلك اليوم بِالصُّوفِ المَنْدُوفِ؛ لِرَخاوَتهِ وَتَفَرُّقِ بَعْضِهِ فِي بَعْضٍ، والمعنى: أنها تصير خفيفة في المسير.
ثم ذَكَرَ أحوال الناس بقوله: {فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ (6)} يعني: رَجَحَتْ حَسَناتُهُ على سَيِّئاتِهِ {فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ (7)} يعني: مَرْضِيّة في الجنة، ومحل {مَنْ} رفع بالابتداء.
{وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ (8)} يعني: رَجَحَتْ سَيِّئاتُهُ على حَسَناتِهِ
(1)
ينظر ما سبق 4/ 35.
(2)
معانِي القرآن 3/ 286.
(3)
قاله الحسن وابن قتيبة والزجاج، ينظر: غريب القرآن لابن قتيبة ص 537، وينظر: معانِي القرآن وإعرابه 5/ 355، تهذيب اللغة 11/ 346، غريب القرآن للسجستانِيِّ ص 182، زاد المسير 9/ 214، عين المعانِي ورقة 147/ ب.
{فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ (9)} يعني: مَسْكَنُهُ وَمَأْواهُ جَهَنَّمُ، قال قتادة
(1)
: هي كلمة عربية، كان الرجل إذا وقع في أمْرٍ شدِيدٍ قيل: هَوَتْ أمُّهُ، قال الشاعر:
546 -
هَوَتْ أُمُّهُ ما يَبْعَثُ الصُّبْحُ غادِيًا
…
وَماذا يُؤَدِّي اللَّيْلُ حِينَ يَؤُوبُ
(2)
وقال بعضهم
(3)
: أراد أُمَّ رَأْسِهِ، يعني: أنَّهُمْ يَهْوُونَ في النّارِ على رُؤوسِهِمْ، والهاوِيةُ من أسماء جهنم، وهي المَهْواةُ لا يُدْرَكُ قَعْرُها. وَسُمِّيَتْ هاوِيةً لأنها تَهْوِي بِصاحِبِها، تَخْفِضُهُ مَرّةً، وَتَرْفَعُهُ أُخْرَى، ليس له فيها قَرارٌ، ولا يَضَعُ قَدَمَهُ فيها على شيء
(4)
.
ثم عَظَّمَ شَأْنَها لِشِدّةِ هَوْلِها، فقال تعالى:{وَمَا أَدْرَاكَ} يا محمد، ابتداء وخبر {مَا هِيَهْ (10)} يعني الهاوية، لولا أن اللَّه تعالَى أخْبَرَكَ بِها.
(1)
ينظر قوله في جامع البيان 30/ 360، الكشف والبيان 10/ 274، زاد المسير 9/ 215، عين المعانِي ورقة 147/ ب.
(2)
البيت من الطويل، لِكَعْبِ بنِ سَعْدٍ الغَنَوِيِّ، يرثي أخاه أبا المِغْوارِ، وقيل: يَرْثِي ثَلَاثةً من إخوته.
اللغة: هَوَتْ أُمُّهُ: هَلَكَتْ، وَهَوَتْ أُمُّهُ فَهِيَ هاوِيةٌ؛ أيْ: ثاكِلةٌ، وَلَيْسَ المُرادُ بِذَلِكَ الدُّعاءُ عَلَيْهِ بَلِ التَّعَجُّبُ والمَدْحُ.
التخريج: ديوانه ص 77، غريب الحديث للهروي 2/ 95، الأصمعيات ص 95، جمهرة اللغة ص 229، إعراب القرآن 5/ 281، تهذيب اللغة 6/ 492، 14/ 274، 15/ 602، 641، المسائل الحلبيات ص 20، ديوان المعانِي 2/ 178، الصاحبي ص 324، المخصص 12/ 182، الكشاف 4/ 280، عين المعانِي ورقة 147/ أ، اللسان: أمم، هبل، هوا، البحر المحيط 8/ 504، اللباب في علوم الكتاب 20/ 473، التاج: هبل، أمم، هوا.
(3)
قاله عكرمة وقتادة وأبو صالح، ينظر: جامع البيان 30/ 361، 362، الكشف والبيان 10/ 274، المحرر الوجيز 5/ 517، زاد المسير 9/ 215، تفسير القرطبي 20/ 167.
(4)
قاله النقاش في شفاء الصدور ورقة 260/ ب.
ثم بيَّنَها فقال: {نَارٌ حَامِيَةٌ (11)} يعني: حارّةٌ قد انْتَهَى حَرُّها، قد أحْماها اللَّهُ تعالَى لِلْكُفّارِ مِنْ يَوْمِ خَلَقَها -أجارنا اللَّه منها-.
والهاء في {هِيَهْ} هاءُ وَقْفٍ واستراحة، لا موضع لها من الإعراب، وإنما دخلت للوقف لبيان حركة الياء، و {نَارٌ} رفع على إضمار مبتدأ محذوف؛ أي: هِيَ نارٌ، و {حَامِيَةٌ} نعت لَها.
قرأ حمزة: "ما هِيَ"
(1)
بغير هاء في الوصل، وقرأ الباقون بالهاء، ولا خِلَافَ في الوقف أنه بالهاء.
رُوِيَ عن أنَسِ بنِ مالِكٍ رضي الله عنه أنه قال: "إنَّ مَلَكًا مِنْ مَلَائِكةِ اللَّهِ تعالَى مُوَكَّلٌ يَوْمَ القِيامةِ بِمِيزانِ ابنِ آدَمَ، فَيُجاءُ بِهِ حَتَّى يُوقَفَ بَيْنَ كِفَّتَيِ المِيزانِ، فَيُوزَنُ عَمَلُهُ، فَإنْ ثَقُلَ مِيزانُهُ نادَى المَلَكُ بِصَوْتٍ يَسْمَعُهُ جَمِيعُ الخَلَائِقِ بِاسْمِ الرَّجُلِ: ألَا سَعِدَ فُلَانٌ سَعادةً لا يَشْقَى بَعْدَها أبَدًا، وَإنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ نادَى المَلَكُ: ألَا شَقِيَ فُلَانٌ شَقاوةً لَا سَعادةَ بَعْدَها أبَدًا"
(2)
، واللَّه أعلم.
* * *
(1)
قرأ حمزة ويعقوب وابن أبِي إسحاق والأعمش والكسائي وابن مُحَيْصِنٍ: "ما هِيَ" بحذف الهاء في الوصل وإثباتها في الوقف، ينظر: إعراب القراءات السبع 2/ 523، تفسير القرطبي 20/ 167، البحر المحيط 8/ 504.
(2)
رواه الثعلبي في الكشف والبيان 10/ 275، وينظر: عين المعانِي ورقة 147/ ب، تفسير القرطبي 11/ 293، مجمع الزوائد 10/ 350 كتاب البعث: باب في الحساب.