الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب ما جاء فيها من الإعراب
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله عز وجل: {وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا (1)} قال عامّةُ أهْلِ التفسير
(1)
: هي الخَيْلُ التِي تَعْدُو في سبيل اللَّه تَضْبَحُ، والضَّبْحُ: صَوْتُ أنْفاسِها إذا جَهِدَتْ في الجَرْيِ، فَيَكْثُرُ الرِّيقُ في أجْوافِها مِنْ شِدّةِ العَدْوِ، ألا ترى إلَى الفَرَسِ إذا عَدا يَقُولُ: أُحْ أُحْ
(2)
، يقال: ضَبَحَ الفَرَسُ والثَّعْلَبُ وما أشْبَهَهُما، والضَّبْحُ والضَّبْعُ ضَرْبٌ من العَدْوِ
(3)
، قال ابن عباس
(4)
: وليس شَيْءٌ من الدَّوابِّ يَضْبَحُ غَيْرَ الفَرَسِ والكَلْبِ والثَّعْلَبِ.
(1)
هذا قول أكثر المفسرين كابن عباس وعطاء ومجاهد وعكرمة والحسن والكلبي وقتادة ومقاتل، وَرُوِيَ عن عَلِيِّ بن أبِي طالب وابن مسعود والنَّخْعِيِّ أن العاديات هي الإبل، ينظر: تفسير مجاهد 2/ 776، غريب القرآن لابن قتيبة ص 535، جامع البيان 30/ 345 - 348، إعراب القرآن للنحاس 5/ 277، ورواه الحاكم في المستدرك 2/ 533 كتاب التفسير: سورة العاديات، وينظر: الكشف والبيان 10/ 268 - 270، المحرر الوجيز 5/ 513، تفسير القرطبي 20/ 153.
(2)
رَوَى الطبري بسنده عن عطاء قال: "سَمِعْتُ ابنَ عَبّاسٍ يصف الضَّبْحَ: أُحْ أُحْ". جامع البيان 30/ 348، وينظر: الكشف والبيان 10/ 269، الكشاف 4/ 277، وقال السجاوندي:"صوت سائقها: أُحْ أُحْ، وأصله في الثعالب إذا عَدَتْ، ثُمَّ اسْتُعِيرَ في الخَيْلِ". عين المعانِي ورقة 147/ أ، وينظر: تفسير ابن كثير 4/ 579، الدر المنثور للسيوطي 6/ 384.
(3)
قاله السجستانِي في غريب القرآن ص 181، وقال السمرقندي:"وقال أهل اللغة: والضَّبْحُ والضَّبْعُ واحد، يُقال: ضَبَحَتِ الناقةُ وَضَبَعَتْ: إذا عَدَتْ فِي المَسِيرِ". تفسير السمرقندي 3/ 502.
(4)
ينظر قوله في جامع البيان 30/ 346، الكشف والبيان 10/ 268، المحرر الوجيز 5/ 513، تفسير القرطبي 20/ 154.
والضُّباحُ لِلثَّعْلَبِ، فاسْتُعِيرَ في الخَيْلِ، ومنه قول العرب: ضَبَحَتْهُ النّارُ: إذا غَيَّرَتْ لَوْنَهُ، قال الشاعر:
541 -
لَسْتُ بِالتُّبَّعِ اليَمانِيِّ إنْ لَمْ
…
تَضْبَحِ الخَيْلُ فِي سَوادِ العِراقِ
(1)
والعاديات جمع عادِيةٍ، والعادِيةُ جَمْعُ عادٍ
(2)
، ونصب {ضَبْحًا} على المصدر، مجازه: والعادِياتِ تَضْبَحُ ضَبْحًا
(3)
، أو هو مصدر في موضع الحال
(4)
.
قوله: {فَالْمُورِيَاتِ قَدْحًا (2)} يريد الخيل تُورِي النّارَ بِحَوافِرِها، إذا سارَتْ في الحِجارةِ والأرْضِ المَحْصَبةِ
(5)
قَدَحَتْ فيها مِثْلَ قَدْحِ الزِّنادِ، ونصب {قَدْحًا} على المصدر أيضًا، وهو مصدر محض، ومَجازُ الآيةِ: فالقادِحاتِ
(1)
البيت من الخفيف، لتُبَّع أبِي كَرِبٍ اليَمانِيِّ، ويُرْوَى:"إنْ لَمْ تَرْكُضِ الخَيْلُ".
اللغة: تُبَّعٌ: المَلِكُ مِنْ مُلُوكِ اليَمَنِ قَدِيمًا، وَجَمْعُهُ تَبابِعةٌ، سُمُّوا بِذَلِكَ، لأنَّهُ يَتْبَعُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، كُلَّما هَلَكَ واحِدٌ قامَ آخَرُ مَقامَهُ تابِعًا لَهُ عَلَى مِثْلِ سِيرَتِهِ، سَوادُ الشَّيءِ: مُعْظَمُهُ، وَسَوادُ العِراقِ: قُراهُ.
التخريج: شعر تغلب في الجاهلية ص 186، الكشف والبيان 15/ 268، تفسير القرطبي 20/ 154، تاريخ ابن خلدون قسم 1 جـ 2 ص 54، 239.
(2)
يعني أن العادية بمعنى "جَماعةٌ عادِيةٌ"، وعلى هذا فهي جمع عادٍ، قاله النقاش في شفاء الصدور ورقة 258/ أ، وينظر: تهذيب اللغة 3/ 113.
(3)
قاله الزَّجّاجُ، وعلى هذا يكون "ضَبْحَا" مصدرًا لفعل محذوفٍ، ويجوز أن يكون مصدرًا من معنى "العادِياتِ"، كأنه قيل: والضّابِجاتِ ضَبْحًا، ينظر: معانِي القرآن وإعرابه 5/ 353، الكشاف للزمخشري 4/ 277، الفريد للهمدانِيِّ 4/ 715.
(4)
وصاحب الحال هو الضمير المستتر في "العادِياتِ"، قاله النحاس ومَكِّيٌّ، ينظر: إعراب القرآن للنحاس 5/ 278، مشكل إعراب القرآن لمكي 2/ 493، وينظر: الفريد للهمدانِيِّ 4/ 715.
(5)
أرْضٌ مَحْصَبةٌ: كَثِيرةُ الحَصْباءِ، وهي الحجارة والحَصَى.
قَدْحًا
(1)
، والمُورِيات غير مهموز لأنه من: أوْريْتُ، لا من: أريْتُ، ومعنى أوْريْتُ: أخْرَجْتُ، كقوله تعالى:{أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ} [الواقعة: 71]
(2)
أي: تُخْرِجُونَ
(3)
، {فَالْمُغِيرَاتِ صُبْحًا (3)} يعني الخيل أيضًا التي تُغِيرُ بفُرْسانِها على العَدُوِّ عند الصباح، والإغارةُ: كَبْسُ القَوْمِ وهم غارُّونَ لا يَعْلَمُوَنَ
(4)
، ونصب {صُبْحًا} على الظرف.
قوله: {فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعًا (4)} يعني: غُبارًا، يُقال: ثارَ الغُبارُ والدُّخانُ، وَأثَرْتُهُ؛ أي: هَيَّجْتُهُ، والنَّقْعُ: الغُبارُ، والمعنى: فَأثَرْنَ بِمَكانِ عَدْوِها نَقْعًا
(5)
، وقرأ أبو حَيْوةَ:"فَأثَّرْنَ"
(6)
بالتشديد من التَّأْثِيرِ، ونصب {نَقْعًا} لأنه مفعول به بـ "أثَرْنَ".
قوله: {فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعًا (5)} ؛ أي: دَخَلْنَ بهِ وَسْطَهُمْ، يقال: وَسَطْتُ المَكانَ؛ أي: صِرْتُ في وَسَطِهِ، وقرأ قتادة:"فَوَسَّطْنَ"
(7)
بالتشديد، يُقال: وَسَطْتُ القَوْمَ
(1)
قاله النَّحّاسُ وَمَكِّيٌّ، ينظر: إعراب القرآن 5/ 278، مشكل إعراب القرآن 2/ 493.
(2)
الواقعة 71.
(3)
قاله النقاش في شفاء الصدور ورقة 258/ أ، والأزهري في تهذيب اللغة 15/ 306، 307، والفارسيُّ في المسائل الحلبيات ص 62.
(4)
قال الجوهري: "وكَبَسُوا دارَ فلان: أغارُوا عليها فَجْأة". الصحاح 3/ 969، وينظر: تهذيب اللغة 8/ 181، غريب القرآن للسجستانِيِّ ص 182، اللسان: كبس.
(5)
قاله الزَّجّاجُ في معانِي القرآن وإعرابه 5/ 353، وقال الفراء:"وقوله تعالى: "بِهِ نَقْعًا" يريد: بالوادي، وَلَمْ يَذْكُرْهُ قبل ذلك، وهو جائزٌ لأن الغُبارَ لا يُثارُ إلَّا مِنْ مَوْضِع، وَإنْ لَمْ يُذْكَر، وإذا عُرِفَ اسمُ الشيء كُنِّيَ عنه وَإنْ لَمْ يَجْرِ له ذِكْرٌ". معانِي القرآن 3/ 285.
(6)
هذه قراءة أبِي حَيْوةَ وابنِ أبِي عَبْلةَ، ينظر: مختصر ابن خالويه ص 178، المحتسب 2/ 370، تفسير القرطبي 20/ 159.
(7)
قرأ عَلِيُّ بنُ أبِي طالِبٍ وعبدُ اللَّه بن مسعود وقتادة وأبو رَجاءٍ وابنُ أبِي لَيْلَى وابنُ أبِي عَبْلةَ: =
بالتخفيف، وَوَسَّطْتُهُمْ بالتشديد، وَتَوَسَّطْتُهُمْ، كُلُّها بِمَعْنًى واحِدٍ
(1)
، ونصب {جَمْعًا} على الحال
(2)
، وقيل: على الظرف، قاله ابن خالَوَيْهِ
(3)
.
أقْسَمَ اللَّهُ تعالَى بهذه الأشياء، ثم قال تعالَى:{إِنَّ الْإِنْسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ (6)} وهذا جواب القسم، والإنسان هاهنا: الكافِرُ، والكَنُودُ: الكَفُورُ الجَحُودُ لِنِعَمِ الِله تعالَى
(4)
، وقيل
(5)
: هو الذي يَعُدُّ المَصائِبَ، وَيَنْسَى النِّعَمَ. فنَظَمَهُ الشاعرُ فقال:
542 -
يا أيُّها الظّالِمُ فِي فِعْلِهِ
…
والظُّلْمُ مَزدُودٌ عَلَى مَنْ ظَلَمْ
إلَى مَتَى أنْتَ وَحَتَّى مَتَى
…
تَشْكُو المُصِيباتِ وَتَنْسَى النِّعَمْ
(6)
= "فَوَسَّطْنَ" بالتشديد، ينظر: مختصر ابن خالويه ص 178، المحتسب 2/ 370، تفسير القرطبي 20/ 160.
(1)
قاله الفراء والنحاس، ينظر: معانِي القرآن للفراء 3/ 285، إعراب القرآن للنحاس 5/ 278، وينظر أيضًا: تهذيب اللغة 13/ 27.
(2)
قاله مَكِّيٌّ في مشكل إعراب القرآن 2/ 492، وينظر: التبيان للعكبري ص 1300، الفريد للهمدانِيِّ 4/ 717.
(3)
إعراب ثلاثين سورة ص 156.
(4)
قاله ابن عباس ومجاهد وقتادة والربيع والحسن، ينظر: جامع البيان 30/ 353، الكشف والبيان 10/ 271، تفسير القرطبي 20/ 160.
(5)
قاله الحسن، ينظر: معانِي القرآن للفراء 3/ 285، جامع البيان 30/ 353، 354، إعراب القرآن للنحاس 5/ 278، تهذيب اللغة 10/ 122، إعراب ثلاثين سورة لابن خالويه ص 157، زاد المسير لابن الجوزي 9/ 210، تفسير القرطبي 20/ 160.
(6)
البيتان من السريع، لِمَحْمُودٍ الوَرّاقِ.
التخريج: ديوانه ص 115، الاقتباس من القرآن الكريم 1/ 238، الكشف والبيان 10/ 271، مجمع البيان 10/ 424، عين المعانِي ورقة 147/ أ، تفسير القرطبي 14/ 360، 20/ 160.