المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌المقدمة الحمد لله الذي أمر النَّاس أن يعبدوه مخلصين له الدين، - التباريح في صلاة التراويح

[عبد الرحمن بن عبد العزيز العقل]

فهرس الكتاب

- ‌المقدمة

- ‌المبحث الأول:مفهوم صلاة التراويح ومشروعيتها وفضلها:

- ‌المطلب الأول:تسمية صلاة التراويح

- ‌المطلب الثاني:مشروعية صلاة التراويح

- ‌المطلب الثالث:فضل صلاة التراويح

- ‌المبحث الثاني:صفة صلاة التراويح

- ‌المطلب الأول:عدد ركعات صلاة التراويح

- ‌المطلب الثاني:صفة ركعات صلاة التراويح

- ‌المطلب الثالث:ما يقال بين تسليمات التراويح

- ‌المطلب الرابع:القراءة في صلاة التراويح

- ‌ المسألة الأولى: مَنْ أفضل القراء

- ‌ المسألة الثانية: حكم القراءة من المصحف للإمام والمأموم:

- ‌ المسألة الثالثة: حكم تكرار الآيات في التراويح:

- ‌لمسألة الرابعة: حكم التباكي عند قراءة القرآن:

- ‌ المسألة الخامسة: حكم تقليد أصوات القراء:

- ‌ المسألة السادسة: بم يقرأ في الوتر

- ‌ المسألة السابعة: ماذا عن دعاء ختم القرآن في الصلاة

- ‌المطلب الخامس:القنوت في صلاة التراويح

- ‌ المسألة الأولى: هل ثبت في قنوت الوتر شيء

- ‌ المسألة الثانية: هل تُشرع المداومة على القنوت

- ‌ المسألة الثالثة: ما مقدار القنوت

- ‌ المسألة الرابعة: هل القنوت في الوتر قبل الركوع أو بعده

- ‌ المسألة الخامسة: ما الأدعية المشروعة في القنوت

- ‌المبحث الثالث:مسائل متفرقة في صلاة التراويح

- ‌المطلب الأول:هل الأفضل صلاة التراويح جماعة أم فُرَادى

- ‌المطلب الثاني:حكم صلاة التراويح للنساء في المسجد

- ‌المطلب الثالث:ترك الإيتار مع الإمام في التراويح

- ‌المطلب الرابع:حكم التعقيب في ليالي رمضان

- ‌المطلب الخامس:حكم قول «صلاة القيام أثابكم الله»

- ‌المبحث الرابع:شذرات وإشارات

- ‌المطلب الأول:الإمامة رسالة وأمانة

- ‌المطلب الثاني:يُنال التوفيق بفعل أسبابه

- ‌المطلب الثالث:استجماع القوى الثلاث

- ‌المطلب الرابع:أثر الوقف الصحيح في فهم الآيات

- ‌المطلب الخامس:مكايد الشيطان

- ‌المطلب السادس:الشرك الخفي

- ‌المطلب السابع:ليكن لك خبيئة

- ‌المطلب الثامن:السِّر العجيب

- ‌المطلب التاسع:إياك والتكلف

- ‌المطلب العاشر:الداء الدفين

- ‌المطلب الحادي عشر:تَصَنُّع الخشوع

- ‌المطلب الثاني عشر:فتنة الدَّهْمَاء

- ‌المطلب الثالث عشر:الاعتداء في الدعاء

- ‌المبحث الخامس:أخطاء مشهورة، وسنن مهجورة في التراويح

- ‌المطلب الأول:أخطاء مشهورة في صلاة التراويح

- ‌المطلب الثاني:سنن مهجورة في صلاة التراويح

- ‌نهاية المطاف

- ‌فهرس المصادر والمراجع

الفصل: ‌ ‌المقدمة الحمد لله الذي أمر النَّاس أن يعبدوه مخلصين له الدين،

‌المقدمة

الحمد لله الذي أمر النَّاس أن يعبدوه مخلصين له الدين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولي الصالحين، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله إمام المتقين، وخاتم النبيين، صلى الله وسلم عليه، وعلى آله وصحبه أجمعين، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد:

فيقول الله تعالى: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا} [السجدة:16].

يجتمع على الإنسان جواذب النفس من دواعي الراحة، ونداء الفراش الوثير في صورةٍ من المجاهدة والمدافعة تنتصر فيها القلوب المؤمنة الحية التي شُغِلَت بربها، وعاشت بين خشيته والخوف من عذابه، والطمع في رضاه ورجاء رحمته.

فهي صورةٌ مشرقةٌ وضيئةٌ لعدم الركون إلى مُتَع الحياة التي لا يراها المؤمن هدفًا من أهدافه الكبيرة، فلئن ركن الناس إلى ملذات الدنيا يغوصون فيها، يسترخون ويستمتعون وينامون ملء أجفانهم، فإن المؤمن يدفعه القلق على مصيره، وعلى حسن خاتمته، ساعيًا إلى سعادة

ص: 5

الأبد في ظل الكرم الرباني في صورةٍ من الجزاء الرفيع الذي لا حدود لعطائه {فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [السجدة:17].

تعبيرٌ عجيبٌ أَخَّاذٌ يَشي بتكريم الله لهذه الثُّلَّة والصفوة الذين أراد الله أن تَقَرَّ أعينهم بنعيم الآخرة، الذي جاء بيان حقيقته على لسان النبي صلى الله عليه وسلم حينما وصف الجنة بقوله:«فِيهَا مَا لَا عَيْنٌ رَأَتْ، وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ، وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ»

(1)

.

يا لله! كم ذا يفيض الله على عباده من العطاء! كم ذا يغمرهم بالنعيم والكرم!

وفي صورةٍ مرهفة أخرى يرسم القرآن مشهدًا من مشاهد عبودية أولئك في الليل، فيقول سبحانه:{كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ (17) وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} [الذاريات:17، 18]، إنهم أيقاظٌ أبدانًا وقلوبًا؛ يبيتون مناجاةً لله في جُنْحِ الليل، وتذللًا لربهم في الظلام والناس نيام، ذاقوا لذيذ القيام؛ فهجروا المنام، تبتلًا وقرآنًا ودعاءً واستغفارًا، لا يَطْعَمُون الكرى

(2)

إلا قليلًا، ولا يهجعون

(3)

إلا يسيرًا.

(1)

أخرجه مسلم (4/ 2175) رقم (2825) من حديث سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه.

(2)

الكرى: النوم. ينظر: تهذيب اللغة (10/ 187)، لسان العرب (15/ 221).

(3)

الهجوع: النوم الخفيف ليلًا. ينظر: الصحاح للجوهري (3/ 1305)، معجم مقاييس اللغة (6/ 36).

ص: 6

ما الذي أطار نومهم؟ إنه الأنس بالله! ولذة مناجاة الله؛ فلأجلها كابدوا الليل، فلا ينامون من الليل إلا أَقَلَّه.

أما وقت الأسحار - الذي ينزل فيه ربنا إلى سماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر - فَهُمْ في عالمٍ من نعيم الأرواح؛ يستغفرون ربهم، ويدعونه ويسألونه، فيفيض عليهم من رحماته، ويمنحهم من سوابغ هِبَاتِهِ؛ فيجدون لتلك اللحظات من البركات في نهارهم ما لو وُزِنَت لهم بذلك الدنيا ما وَزَنَت عندهم لحظة من لحظات تلك العبادة الخاشعة.

إن لديهم طموحًا عارمًا بغسل ثياب الذنوب؛ لتعود القلوب نقيةً زكيةً مشرقةً كإشراقة الصبح.

وفي إطلالة قرآنيةٍ أخرى: نجد أن القرآن يرسم نماذج من القدوات الرفيعة في الانكسار بين يدي الله والبكاء والخرور سجدًا لله {أُولَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا} [مريم:58].

إنهم أنبياء الله، وخيرة خلقه الذين كانوا في تلك اللحظات الروحانية يبلغون مبلغ الخرور إلى الأرض، بعيونٍ دامعةٍ وبكاءٍ وخشوعٍ في مشهد عظيم من مشاهد الصدق.

مشهد السجود الذي يمثل ذروة الذل والتذلل للواحد القهار.

ص: 7

عجيبٌ والله! ماذا صنع الوحي في نفوسهم؟

عجبًا لهاتيك القلوب النقية!

ولكي لا يتطرق الوهم إلى الأذهان، فيظن ظانٌّ أن تلك الهيئة الخاشعة مخصوصةٌ بالأنبياء الكرام؛ فإن القرآن يُجَلِّي ذلك فيذكر مشاهد لأقوامٍ من المؤمنين، كانت تفيض دموعهم خشيةً لله، حين يسمعون كلام الله، فلا يستطيعون لذلك دفعًا؛ لأن ذلك يفوق قدرتهم على الاحتمال، استثارت آيات الله قلوبهم، فتساقطت تلك الدموع وتلامعت في المحَاجِرِ {وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ} [المائدة:83]، بل إن القرآن يكشف صورةً أخرى من صور التأثير في الجوارح التي تهتز حين سماع القرآن؛ فتعلوها قشعريرة لا يتمالكها السامع، فتسري آثارها في أوصال الإنسان وخبايا جسده:{اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} [الزُّمَر:23].

هنا تفصح هذه الآية الكريمة عن صورةٍ دقيقةٍ عجيبةٍ لمراحل التأثر بآيات الله: قشعريرة الجلود، ثم لينها، ثم لين القلوب الذي يعقبه الخضوع الإيماني، والانكسار النفسي، وهذا الأثر الوجداني الغريب لا يمكن أن يكون لغير القرآن؛ لقوة وقع كلام الله على النفس البشرية فيرتقي بها إلى حالةٍ من الإخبات، كما جاء ذلك في

ص: 8

قول الله تعالى: {وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ} [الحج:54]

(1)

.

إنها درجةٌ من أرفع درجات الإيمان التي جاءت بها آيات القرآن، والإخبات في الآية، هو: الخضوع والتَّذلُّل لله عز وجل مع المحبَّة له

(2)

.

ولما سبق فإن من أَجَلِّ مقاصد صلاة التراويح في رمضان: صياغة القلوب صياغةً مهذبةً بالإيمان من خلال القرآن؛ ولهذا قال الإمام ابن تيمية رحمه الله: «مِن أَجَلِّ مقصود التراويح: قراءة القرآن فيها؛ ليسمع المسلمون كلام الله»

(3)

.

ليكون القرآن والصيام والصلاة خير زادٍ للمسلم في هذه الدنيا؛ لتحمُّل مشاق الحياة، وللنهوض بأعبائها؛ ولهذا جاءت دعوة السماء للنبي الكريم صلى الله عليه وسلم في أول مراحل دعوته:{يَاأَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ (1) قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا (2) نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا (3) أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا} [المزَّمل: 1 - 4].

إنها الدعوة الربانية لصفوة البشر؛ ليتهيأ للمهمة الصعبة، ويقوم بالدور العظيم الذي ينتظره، وينهض بالعبء الثقيل الذي اصْطُفِيَ له {يَاأَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ (1) قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا} .

(1)

ينظر: الطريق إلى القرآن لإبراهيم السكران ص (15).

(2)

ينظر: مدارج السالكين (1/ 156).

(3)

مجموع الفتاوى (23/ 122).

ص: 9

كلمةٌ مجلجلةٌ رهيبةٌ تجتذب خير الورى من الفراش الدافئ؛ ليكون ذلك أعظم وقود له على متاعب الطريق، ومضايق الحياة؛ إذ إنه صلى الله عليه وسلم سيحمل أمانةً عظيمةً وقولًا ثقيلًا {إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا} [المزَّمل:5].

إن الذي يعيش لنفسه ومصالحه الذاتية، يمكن أن يعيش مستريحًا بعيدًا عن مصارع المخاض بين الزعازع

(1)

والأنواء

(2)

، لكنه يعيش صغيرًا ويموت صغيرًا.

أما من كان كبير الهمة، عظيم النفس والطموح، فهذا هو من يصنع - بإذن الله - المجد التليد.

إنه كبيرٌ يحمل عبئًا كبيرًا، فما لهذا والنوم؟ وكيف سيجد سبيلًا للراحة؟ وإخلادًا للفراش الدافئ، والعيش الهادئ؟ ولهذا جاء الأمر الإلهي للنبي الكريم أن يقوم نصف الليل أو أكثره؛ ليتهيأ للمهمة الكبرى، وهكذا كل من حَمَلَ أمانةً، وتحمل أعباءً من أعباء الحياة الثقيلة، يحسن به ويتأكد في حقه أن يَتَزَوَّدَ لتلك المشاق بزاد الليل، ومعين القرآن.

(1)

الزَّعَازِع: هي شدائد الدهر. ينظر: جمهرة اللغة (1/ 201)، والقاموس المحيط ص (725).

(2)

الأَنْوَاء: جمع نوء، وهي ثمانية وعشرون نجمًا معروفة المطالع في أزمنة السنة كلها في الصيف والشتاء والربيع والخريف. ينظر: غريب الحديث للقاسم بن سلام (1/ 320)، وتهذيب اللغة للأزهري (15/ 385).

ص: 10

تأمل معي أخي في هذه الأسرار الثلاثة: (الصيام - القرآن - التراويح) وما لها من أثرٍ عجيبٍ في رمضان، إنها علاقةٌ ثلاثيةٌ لها أبعادها وآثارها في تهذيب النفس البشرية؛ لتصبح نفسًا هادئةً مؤمنةً تحوطُها السكينة، ويلفّها اليقين، فيا ليتنا نجدد حياتنا في رمضان بروحٍ جديدةٍ مع الصيام، وعيشٍ كريمٍ مع القرآن، وخشوع وصفاء بين يدي ربنا في التراويح.

يا ليتنا نعيش رمضان بمضامين جديدة توازي عظمة القرآن، وجمال التراويح.

وفي هذه الرسالة التي بين يديك خلاصة (تباريح في صلاة التراويح)، نفع الله بها وجعلها خالصةً لوجهه الكريم.

د. عبد الرحمن بن عبد العزيز العقل

الأستاذ المساعد بقسم السنة في كلية الشريعة بجامعة القصيم

وإمام وخطيب جامع ابن القيم بمدينة بريدة

8/ 8/1437 هـ

ص: 11