الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الأول:
هل الأفضل صلاة التراويح جماعة أم فُرَادى
؟
السُّنة صلاة التراويح جماعة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم صلاها ثلاث ليال جماعة بالمسجد، ثم تركها خشية أن تُفْرَض على المسلمين، كما في حديث عائشة رضي الله عنها:«أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم خَرَجَ ذَاتَ لَيْلَةٍ مِنْ جَوْفِ اللَّيْلِ، فَصَلَّى فِي المَسْجِدِ، فَصَلَّى رِجَالٌ بِصَلَاتِهِ، فَأَصْبَحَ النَّاسُ، فَتَحَدَّثُوا، فَاجْتَمَعَ أَكْثَرُ مِنْهُمْ، فَصَلَّوْا مَعَهُ، فَأَصْبَحَ النَّاسُ، فَتَحَدَّثُوا، فَكَثُرَ أَهْلُ المَسْجِدِ مِنَ اللَّيْلَةِ الثَّالِثَةِ، فَخَرَجَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم، فَصَلَّوْا بِصَلَاتِهِ، فَلَمَّا كَانَتِ اللَّيْلَةُ الرَّابِعَةُ عَجَزَ المَسْجِدُ عَنْ أَهْلِهِ حَتَّى خَرَجَ لِصَلَاةِ الصُّبْحِ، فَلَمَّا قَضَى الفَجْرَ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ، فَتَشَهَّدَ، ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّهُ لَمْ يَخْفَ عَلَيَّ مَكَانُكُمْ، لَكِنِّي خَشِيتُ أَنْ تُفْرَضَ عَلَيْكُمْ، فَتَعْجِزُوا عَنْهَا»
(1)
.
قال ابن حجر رحمه الله معلقًا على الحديث -: «وفي حديث الباب:
…
نَدْبُ قيام الليل، ولا سيما في رمضان جماعة؛ لأن الخشية المذكورة أُمِنَت
(1)
تقدم تخريجه ص (15).
بعد النبي صلى الله عليه وسلم؛ ولذلك جمعهم عمر بن الخطاب على أُبَيِّ بن كعب»
(1)
.
فعمر رضي الله عنه لما رأى أن النبي صلى الله عليه وسلم ترك ذلك لمصلحة رآها، وقد تحققت تلك المصلحة، أعاد صلاة التراويح جماعة كما صلاها النبي صلى الله عليه وسلم أول الأمر، قال عبد الرحمن بن عبدٍ القاريُّ:«خَرَجْتُ مَعَ عُمَرَ ابْنِ الخَطَّابِ رضي الله عنه، لَيْلَةً فِي رَمَضَانَ إِلَى المَسْجِدِ، فَإِذَا النَّاسُ أَوْزَاعٌ مُتَفَرِّقُونَ، يُصَلِّي الرَّجُلُ لِنَفْسِهِ، وَيُصَلِّي الرَّجُلُ فَيُصَلِّي بِصَلَاتِهِ الرَّهْطُ، فَقَالَ عُمَرُ: إِنِّي أَرَى لَوْ جَمَعْتُ هَؤُلَاءِ عَلَى قَارِئٍ وَاحِدٍ، لَكَانَ أَمْثَلَ، ثُمَّ عَزَمَ، فَجَمَعَهُمْ عَلَى أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، ثُمَّ خَرَجْتُ مَعَهُ لَيْلَةً أُخْرَى، وَالنَّاسُ يُصَلُّونَ بِصَلَاةِ قَارِئِهِمْ، قَالَ عُمَرُ: نِعْمَ البِدْعَةُ هَذِهِ، وَالَّتِي يَنَامُونَ عَنْهَا أَفْضَلُ مِنَ الَّتِي يَقُومُونَ. يُرِيدُ آخِرَ اللَّيْلِ، وَكَانَ النَّاسُ يَقُومُونَ أَوَّلَهُ»
(2)
.
والمراد بقوله: (نِعْمَ البِدْعَةُ هَذِهِ) البدعة اللغوية؛ لأن عمر رضي الله عنه لم يأت بما لم يُسبَق إليه، وإنما أخذه من فعل النبي صلى الله عليه وسلم، وقد أقر الصحابة فعلَ عمر رضي الله عنه.
قال ابن تيمية رحمه الله: «هذا الاجتماع العام لَمَّا لم يكن قد فُعل سَمَّاهُ بدعة؛ لأن ما فُعِل ابتداءً يسمى بدعة في اللغة، وليس ذلك بدعة شرعية؛ فإن البدعة الشرعية التي هي ضلالة، هي: ما فُعِلَ بغير دليل
(1)
فتح الباري (3/ 14).
(2)
أخرجه البخاري (3/ 45) رقم (2010).
شرعي، كاستحباب ما لم يحبه الله، وإيجاب ما لم يوجبه الله، وتحريم ما لم يحرمه الله»
(1)
.
وقال ابن حجر الهيتمي رحمه الله مُعَدِّدًا الأمثلة على ما ليس ببدعة -: «وكذا
…
الاجتماع على قيام شهر رمضان وأمثال ذلك، مما ثبت وجوبه أو استحبابه بدليل شرعي. وقولُ عمر رضي الله عنه في التراويح:(نعمت البدعة هي)، أراد البدعة اللغوية
…
وليست بدعة شرعًا، فإنَّ البدعة الشرعية ضلالة»
(2)
.
والأفضل صلاة التراويح جماعة في المسجد، كما قال به جمهور أهل العلم، واستدلوا بفعل النبي صلى الله عليه وسلم، وفعل عمر رضي الله عنه من بعده، وإقرار الصحابة له، واستدلوا أيضًا: بحديث أَبِي ذَرٍّ رضي الله عنه أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم، قال:«إِنَّ الرَّجُلَ إِذَا صَلَّى مَعَ الْإِمَامِ حَتَّى يَنْصَرِفَ حُسِبَ لَهُ قِيَامُ لَيْلَةٍ»
(3)
.
قال أبو داود: «سمعت أحمد، وقيل له: يعجبك أن يصلي الرجل مع الناس في رمضان أو وَحْده؟ قال: يصلي مع الناس»
(4)
.
(1)
منهاج السنة النبوية (8/ 307، 308).
(2)
الفتاوى الحديثية ص (200).
(3)
أخرجه أبو داود (2/ 50) رقم (1375)، والترمذي (3/ 160) رقم (806)، والنسائي (3/ 83) رقم (1364)، وابن ماجه (1/ 420) رقم (1327)، وقال الترمذي:«حسن صحيح» .
(4)
مسائل الإمام أحمد ص (90).