الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب السادس:
الشرك الخفي
(1)
إمامة الناس وتحسين الصوت بالقرآن والدعاء؛ مظنة إغواء الشيطان للإنسان بالمراءة إلا من عصمه الله بالمجاهدة وتعاهد القلب.
وأهل العلم كثيرًا ما يذكرون أن عبادات السر طريق النجاة، وعبادات العلن التي يَطَّلِع عليها الناس مظنة تطرق الرياء، إلا من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى؛ ولهذا كان أولَ مَنْ تُسعَّر بهم النار يوم القيامة: القارئ المرائي، كما في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة
(2)
.
والقاسم المشترك بينه وبين المنفق والمجاهد الذين هم من أول من تسعر بهم النار يوم القيامة؛ أن أعمالهم كانت في العلانية، وورود الرياء على عمل العلانية أقوى من عمل السر.
وقد خاف النبي صلى الله عليه وسلم الرياء على أمته أكثر من خوفه عليهم المسيح
(1)
الشرك الخفي وهو الرياء من مكايد الشيطان، وأخطر مصائده للإمام، وأُفرد هنا للأهمية.
(2)
صحيح مسلم (3/ 1513) رقم (1905).
الدجال، كما في حديث أبي سعيد رضي الله عنه قال:«خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم، وَنَحْنُ نَتَذَاكَرُ المسِيحَ الدَّجَّالَ، فَقَالَ: أَلا أُخْبِرُكُمْ بِمَا هُوَ أَخْوَفُ عَلَيْكُمْ عِنْدِي مِنَ المسِيحِ الدَّجَّالِ؟ قَالَ: قُلْنَا: بَلَى، فَقَالَ: الشِّرْكُ الخفِيُّ، أَنْ يَقُومَ الرَّجُلُ يُصَلِّي فَيُزَيِّنُ صَلاتَهُ؛ لِمَا يَرَى مِنْ نَظَرِ رَجُلٍ»
(1)
.
والرياء سبب لحبوط العمل:
قال تعالى: {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [الزمر:65].
والآية بعمومها تشمل الشرك الأكبر والأصغر، ورأس الشرك الأصغر الرياء، مع خفائه ودقته.
قال ابن القيم رحمه الله: «محبطات الأعمال ومفسداتها أكثر من أن تحصر، وليس الشأن في العمل، إنما الشأن في حفظ العمل مما يفسده ويحبطه. فالرياء وإن دق محبط للعمل، وهو أبواب كثيرة لا تحصر»
(2)
.
ما الضابط في معرفة الإخلاص والسلامة من الرياء؟
الذي يظهر - والله أعلم - أن ضابط الإخلاص للإمام: أن يستوي عند الإنسان كثرةُ الناس وقلتهم، ومدحُهم وذمهم، وأن يبتغي بصلاته وقراءته رِضَى الله لا رغبة الناس، وهذا مطلب عزيز، لا يناله
(1)
أخرجه ابن ماجه (2/ 1406) رقم (4204)، وأحمد (17/ 3354) رقم (11252)، وفي إسناده ضعف؛ لأن مداره على كثير بن زيد الأسلمي، وهو ضعيف.
(2)
الوابل الصيب ص (11).
الإمام إلا بالمجاهدة الطويلة، والإزراء بالنفس، ومشاهدة القصور والتقصير، ودوام استشعار النقص.
ومن الأمور التي يمكن أن تكون مدخلًا للرياء، ما ظهر في الأزمنة الأخيرة من تصوير وتسجيل لمقاطع تلاوات القرآن الكريم بأصواتٍ حسنةٍ خاشعةٍ، وهو أمرٌ نافعٌ لو حَصَل عَرَضًا دون تَقَصُّد الإمام وتكلفه، ودون أن تؤثر على نِيَّتِهِ وإخلاصه، أما لو تَقَصَّدَ التصوير أو التسجيل، واهتم به في صلاته ليظهر حسن صوته - وربما بكى وأبكى الناس لذلك - ففيه مدخل خَفِي على القلب قد يفقده إخلاصه، وربما تسبب لصاحبه بالعُجْب والرياء، فليتنبه لذلك.