الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الأول:
عدد ركعات صلاة التراويح
الثابت في السنة من غير وجهٍ أنه صلى الله عليه وسلم لم يكن يزيدُ على إحدى عشرةَ ركعةً لا في رمضانَ ولا في غيرِه، جاء في الصحيحين من طريق مالك، عن المقبري، عن أبي سلمة، عن عائشة رضي الله عنها، قالت: «مَا كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَزِيدُ فِي رَمَضَانَ وَلا فِي غَيْرِهِ عَلَى إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً، يُصَلِّي أَرْبَعًا فَلا تَسَلْ عَنْ حُسْنِهِنَّ وَطُولِهِنَّ، ثُمَّ يُصَلِّي أَرْبَعًا
…
» الحديثَ
(1)
.
قال ابن عبد البر رحمه الله: «وأكثر الآثار على أن صلاته كانت إحدى عشرة ركعة»
(2)
.
وكذلك الثابت عن الصحابة القيام بإحدى عشرة ركعة، كما جاء في الموطأ بسند صحيح عن محمد بن يوسفَ، عن السائب ابن يزيد رضي الله عنه، قال:«أَمَرَ عُمَرُ بْنُ الخطَّابِ أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ وَتَمِيمًا الدَّارِيَّ أَنْ يَقُومَا لِلنَّاسِ بِإِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً»
(3)
.
(1)
صحيح البخاري (1/ 385) رقم (1096)، وصحيح مسلم (1/ 509) رقم (738).
(2)
التمهيد (21/ 69)، والاستذكار (2/ 98).
(3)
الموطأ (1/ 115) رقم (251).
وأما الأثر المشهور: «كَانَ النَّاسُ يَقُومُونَ فِي زَمَانِ عُمَرَ بْنِ الخطَّابِ فِي رَمَضَانَ بِثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ رَكْعَةً»
(1)
، فقد رواه مالك عن يزيدَ بن رُومان، عن عمر، ويزيد لم يدرك عمر، فالسند منقطع
(2)
، وهو معارض لما صح عن عمر من أمره بإحدى عشرة ركعة في الأثر السابق.
وجاء عند عبد الرزاق، عن داودَ بنِ قيس، عن محمدِ بنِ يوسفَ، عن السائب بن يزيد:«أَنَّ عُمَرَ رضي الله عنه جَمَعَ النَّاسَ فِي رَمَضَانَ عَلَى أُبَيٍّ وَتَمِيم عَلَى إِحْدَى وَعِشْرِينَ رَكْعَةً»
(3)
، ولكن هذا الأثر غير محفوظ، والرواية الثابتة ما رواه الإمام مالك، عن محمد بن يوسف، عن السائب:«أَنَّهُ جَمَعَهُمْ بِإِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً» ، وأئمة الحديث يقدِّمون مالكًا على داود بن قيس، بل يقدمون مَنْ دون مالك في الحفظ على داود بن قيس.
والخلاصة: أن الأصح عن عمر أنه جمع الناس على أبيٍّ وتميم بإحدى عشرة ركعة، ولكن ما سبق تقريره عن النبي صلى الله عليه وسلم، وعن عمر لا يعني عدمَ جوازِ الزيادة على إحدى عشرة ركعة.
فصلاة القيام غير محصورة بعدد معين، وقد دلَّ على ذلك الكتاب، والسنة، والإجماع.
(1)
الموطأ (1/ 115) رقم (252).
(2)
ينظر: نصب الراية (2/ 99).
(3)
مصنف عبد الرزاق (4/ 260) رقم (7730).
فأما الكتاب:
فقوله تعالى: {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ} [المزَّمل:20]، أي: من غير تحديد بوقت، وعبَّر عن الصلاة بالقراءة، كما في قوله:{وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ} [الإسراء:110]، أي: بقراءتك
(1)
.
وقوله تعالى: {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ} [المزَّمل:20]، أي: فصلوا ما تيسر لكم من صلاة الليل
(2)
.
وأما السُّنَّة:
(3)
.
(1)
ينظر: تفسير ابن كثير (8/ 258).
(2)
ينظر: فتح القدير (5/ 386).
(3)
أخرجه مسلم (1/ 513) رقم (746).
وعن ابن عباس رضي الله عنها، قال:«كَانَتْ صَلَاةُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ثَلَاثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً؛ يَعْنِي بِاللَّيْلِ»
(1)
.
وعن عائشة رضي الله عنها، قالت:«كَانَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ ثَلَاثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً، يُوتِرُ مِنْ ذَلِكَ بِخَمْسٍ، لَا يَجْلِسُ فِي شَيْءٍ إِلَّا فِي آخِرِهَا»
(2)
.
وأما الإجماع:
فقال ابن عبد البر رحمه الله: «أجمع العلماء على أنه لا حَدَّ ولا شيءَ مقدرٌ في صلاة الليل
…
فمَنْ شاء أطال فيها القيام وقَلَّتْ رَكَعاتُه، ومن شاء أكثرَ الركوعَ والسجودَ»
(3)
.
(4)
.
وقال ابن الملقن رحمه الله: «ولا خلاف أنه ليس في ذلك حد لا يزاد عليه ولا ينقص منه، وأن صلاة الليل من الطاعات التي كلما زيدت زاد الأجر، وإنما الخلاف في فعله عليه الصلاة والسلام وما اختاره لنفسه»
(5)
.
(1)
أخرجه البخاري (2/ 51) رقم (1138).
(2)
أخرجه مسلم (1/ 508) رقم (737).
(3)
الاستذكار (5/ 244).
(4)
التمهيد (21/ 69، 70).
(5)
الإعلام بفوائد عمدة الأحكام (3/ 545).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في معرض حديثه عن عدد الركعات في صلاة التراويح -: «والصواب أن ذلك جميعه حسن
…
فيكون تكثيرُ الركعات وتقليلها بحسَب طول القيام وقصره»
(1)
.
وقال أيضًا: «قيام رمضان لم يوقت النبي صلى الله عليه وسلم فيه عددًا معينًا
…
وكان طائفة من السلف يقومون بأربعين ركعة، ويوترون بثلاث، وآخرون قاموا بست وثلاثين، وأوتروا بثلاث، وهذا كله سائغ فكيفما قام في رمضان من هذه الوجوه فقد أحسن.
والأفضل يختلف باختلاف أحوال المصلين، فإن كان فيهم احتمال لطول القيام؛ فالقيام بعشر ركعات وثلاث بعدها، كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي لنفسه في رمضان وغيره، هو الأفضل، وإن كانوا لا يحتملونه؛ فالقيام بعشرين هو الأفضل، وهو الذي يعمل به أكثر المسلمين، فإنه وسط بين العشر، وبين الأربعين.
وإن قام بأربعين وغيرها جاز ذلك، ولا يكره شيء من ذلك، وقد نص على ذلك غير واحد من الأئمة كأحمد وغيره، ومن ظن أن قيام رمضان فيه عدد موقت عن النبي صلى الله عليه وسلم لا يزاد فيه ولا ينقص منه فقد أخطأ، فإذا كانت هذه السعة في نفس عدد القيام فكيف الظن بزيادة القيام لأجل دعاء القنوت أو تركه؟ كل ذلك سائغ حسن، وقد ينشط
(1)
مجموع الفتاوى (23/ 113).
الرجل فيكون الأفضل في حقه تطويل العبادة، وقد لا ينشط فيكون الأفضل في حقه تخفيفها.
وكانت صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم معتدلة؛ إذا أطال القيام أطال الركوع والسجود، وإذا خفف القيام خفف الركوع والسجود، هكذا كان يفعل في المكتوبات، وقيام الليل، وصلاة الكسوف، وغير ذلك»
(1)
.
ومن كلام شيخ الإسلام نصل إلى هذه الخلاصة:
أن القيام لا يُحدُّ بعدد الركعات وإنما يُحدُّ بالزمن، كما بيَّن ذلك العلامةُ الشيخ ابن جبرين رحمه الله وقال:«ومن كلام شيخ الإسلام وغيره من الآثار يُعلم أن قيام الليل يُحدد بالزمان لا بعدد الركعات، وأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي إحدى عشرة ركعة في نحو خمس ساعات، وأحيانًا يصلي الليل كله»
(2)
.
(1)
مجموع الفتاوى (22/ 272،273).
(2)
فتاوى رمضانية له ص (78).