الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لقد قال عمر ذلك على المنبر، ولم يعترض عليه أحد من الحاضرين، لا من الصحابة، ولا من التابعين، مما يدل على أنهم جميعاً يعلمون أن لرسول الله حُكم فى رسالته هو من ربه عز وجل، وهو أمر زائد على مجرد البلاغ! .
وقال تعالى: {لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولاً من أنفسهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفى ضلال مبين} (1)
إن الله عز وجل فى هذه الآية الكريمة، يمتن على هذه الأمة، ببعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ من أنفسهم، وأنه جاء ليس لمجرد بلاغ وتلاوة القرآن الكريم فقط - كما يزعم أعداء الإسلام!
وإنما جاء مع بلاغ القرآن وتلاوته؛ جاء بتزكيتهم وتعليمهم الكتاب والحكمة.
وهذه
التزكية والتعليم من مهامه صلى الله عليه وسلم فى دعوته
، مع بلاغه للقرآن وبيانه لما فيه، وحكمه به.
وبهذه المهمة (التزكية والتعليم) تكون هداية الناس، وإخراجهم من الظلمات إلى النور.
قال تعالى: {كتاب أنزلناه إليك لتخرج الناس من الظلمات إلى النور} (2) أى من ظلمات الكفر والجهل والضلالة، إلى نور الإيمان والعلم والهداية (3)
وقال سبحانه: {وإنك لتهدى إلى صراط مستقيم} (4) فأسند الهداية إليه صلى الله عليه وسلم، مما يدل
على أنه عليه الصلاة والسلام بكل ما جاء به من عند الله عز وجل، يهدى إلى صراط مسقيم.
…
وتأمل قوله "لتخرج" وقوله "تهدى" إنه سبحانه اسند الفعلين إليه صلى الله عليه وسلم وفى ذلك دلالة على أن
ذلك من مهام رسالته التى كلفه بها، مع بلاغه للقرآن وتبيينه لما فيه، وحكمه بين الناس
وتزكيته وتعليمه لأمته؛ وكل ذلك ينكره أعداء هذه الأمة! .
(1) الآية 164 آل عمران.
(2)
الآية الأولى إبراهيم.
(3)
فتح القدير 3/93.
(4)
الآية 52 الشورى.
إن زعم أعداء السيرة العطرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، مهمته الوحيدة، تبليغ القرآن فقط، وإنكارهم مهمته البيانية للقرآن الكريم، يعد هذا الزعم منهم طعناً فى عصمته صلى الله عليه وسلم فيما بلغه من وحى السنة المطهرة، وطعناً منهم أيضاً فى عصمته فى رجاحة عقله وكماله، لأنهم فى كتاباتهم
المفتراه، يقدمون رؤيتهم القرآنية بياناً، وتفسيراً، ومفهوماً لآيات القرآن الكريم.
فكيف ينكرون أن يكون لرسول الله صلى الله عليه وسلم بيانه، وتفسيره وشرحه لآيات القرآن الكريم؛
وهو أعلم الناس به؛ حيث عليه أنزل؟ ! .
ومن هنا لما قال رجل لمطرف بن عبد الله (1) : لا تحدثونا إلا بما فى القرآن قال مطرف: إن والله ما نريد بالقرآن بدلاً، ولكنا نريد من هو أعلم بالقرآن منا" (2) .
(1) هو: مطرف بن عبد الله بن الشخير العمرى، أبو عبد الله، من كبار التابعين، ثقة، عابد، فاضل، مات سنة 95هـ له ترجمة فى: تقريب التهذيب 2/188 رقم 6728، ومشاهير علماء الأمصار ص113 رقم 645، والكاشف 2/269 رقم 5478، وخلاصة تهذيب الكمال ص249، والثقات للعجلى ص431 رقم 1586.
(2)
أخرجه أبو خيثمة فى العلم ص25 رقم 97، وابن عبد البر فى جامع بيان العلم 2/191، والحازمى فى الاعتبار فى الناسخ والمنسوخ ص100.
.. ويقول جابر بن عبد الله رضي الله عنه يصف حج النبى صلى الله عليه وسلم،:"فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فى المسجد ثم ركب القصواء (1) حتى إذا استوت به ناقته على البيداء نظرت إلى مد بصرى بين يديه من راكب وماش، وعن يمينه مثل ذلك، وعن يساره مثل ذلك، ومن خلفه مثل ذلك، ورسول الله صلى الله عليه وسلم بين أظهرنا، وعليه ينزل القرآن، وهو يعرف تأويله، وما عمل به من شئ عملنا به.." الحديث (2) .
…
فتأمل قول الصحابى: "ورسول الله بين أظهرنا، وعليه ينزل القرآن وهو يعرف تأويله" إنه صلى الله عليه وسلم، هو الذى علمه الله القرآن، وكل ما من شأنه أن ييسر العمل به، فعلمه تأويله، وأراه ما به يتم الدين.
(1) القصواء: الناقة التى قطع طرف أذنها، ولم تكن ناقته صلى الله عليه وسلم كذلك، وإنما كان هذا لقباً لها. ينظر: النهاية فى غريب الحديث 4/66.
(2)
جزء من حديث طويل، أخرجه مسلم (بشرح النووى) كتاب الحج، باب حجة النبى صلى الله عليه وسلم، 4/431 رقم 1218.