الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وكذلك إذا أمرنا المولى عز وجل بالإيمان بشخص نبيه صلى الله عليه وسلم وتعظيمه وتوقيره ونصرته، والإيمان بما أنزل عليه من وحى الله تعالى كتاباً وسنة. فلا يصح أن نرد على الله كلامه ونقول هذا شرك!
…
وهذا إجمال وإليك التفصيل:
أولاً: أمر رب العزة عباده بطاعة نبيه صلى الله عليه وسلم طاعة مطلقة مستقلة
، بمقتضى عصمته له، وربط تلك الطاعة بطاعته عز وجل تارة، وأفردها تارة أخرى، ليدل على أن طاعته صلى الله عليه وسلم طاعة له سبحانه فقال:{يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول} (1) .
وقال عز وجل: {وإن تطيعوه تهتدوا} (2) .
وقال جل جلاله: {من يطع الرسول فقد أطاع الله} (3) .
وطاعته صلى الله عليه وسلم فى الآيات السابقة طاعة مطلقة فى سنته المطهرة، حتى ولو كانت السنة زائدة على ما فى كتاب الله عز وجل، لأنه عليه الصلاة والسلام له حق التشريع بدلالة الآيات السابقة، وبقوله تعالى: {الذين يتبعون الرسول النبى الأمى الذى يجدونه مكتوباً عندهم فى التوراة والإنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم
الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والأغلال التى كانت عليهم} (4) .
فقوله: "يحل، ويحرم، ويضع" من خصائص المشرع الحقيقى الواجب طاعته؛ ولكن مرد هذا التشريع فى حقيقة الأمر إلى الله عز وجل.
…
فرسول الله لا يشرع من عند نفسه، وإنما يشرع حسب ما يريه الله تعالى ويوحيه إليه على ما سبق تفصيله فى نهاية المبحث الثانى (5) .
فهل نسلم بكلام الله تعالى؛ أم نرده ونقول هذا شرك؟.
…
(1) الآية 59 النساء.
(2)
جزء من الآية 54 النور، مع آية الأعراف 158 {واتبعوه لعلكم تهتدون} .
(3)
الآية 80 النساء.
(4)
الآية 157 الأعراف.
(5)
يراجع: ص 37.
وإذا كانت طاعته صلى الله عليه وسلم مستقلة عن طاعة الله عز وجل، كما فى الآيات السابقة وغيرها من الآيات التى تكرر فيها الفعل "أطيعوا" مع الرسول فمن الذى أعطاه هذه المنزلة والمكانة؛ أليس ربه عز وجل؟.
فهل نرد هذه المكانة والمنزلة ونقول هذا شرك؟ ! .
…
وإذا قال ربنا عز وجل مراراً {أطيعوا الله وأطيعوا الرسول} .
فهل يصح من مخلوق بعد ذلك أن يزعم أن الربط بين طاعته عز وجل، وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم تأليه له عليه الصلاة والسلام، فيرد على رب العزة كلامه؟!! .
وإذا قال ربنا عز وجل: {إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله يد الله فوق أيديهم} (1)
وإذا قال سبحانه: {قل إن كنتم تحبون الله فاتبعونى يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم} (2) .
…
فهل يصح من مخلوق بعد ذلك أن يزعم أن الربط بين مبايعته عز وجل، ومبايعة رسوله صلى الله عليه وسلم شرك؟.
أو أن الربط بين محبته سبحانه ومحبة نبيه ومصطفاه شرك؟! .
…
إن قائل الآيات السابقة فى وجوب محبته صلى الله عليه وسلم هو القائل: {ومن الناس من يتخذ من دون الله أنداداً يحبونهم كحب الله والذين آمنوا أشد حباً لله} (3) .
فهل جعل محبة نبيه صلى الله عليه وسلم ومتابعته نداً؟.
أم جعلها شرطاً لمحبة الله، وعلامة على صدق من يزعم محبته عز وجل؟.
…
قال الحسن البصرى وغيره من السلف: زعم قوم أنهم يحبون الله فابتلاهم الله بهذه الآية: {قل إن كنتم تحبون الله فاتبعونى يحببكم الله} .
فتأمل كيف أوقع طاعته ومتابعته صلى الله عليه وسلم بين قطرى محبة العباد، ومحبة الله للعباد، وجعل تلك المتابعة شرطاً لمحبة الله لهم، مما يستحيل حينئذ ثبوت محبتهم لله، وثبوت محبة الله لهم، بدون طاعتهم ومتابعتهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
(1) الآية 10 الفتح.
(2)
الآية 31 آل عمران.
(3)
الآية 165 البقرة.
فهذه الآية الكريمة: حاكمة على كل من ادعى محبة الله، وليس على الطريقة النبوية، فإنه كاذب فى دعواه فى نفس الأمر، حتى يتبع شرع الله عز وجل، وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم فى جميع أقواله
وأفعاله وأحواله، ويعلم أن هذا الإتباع عين التوحيد الخالص لله عز وجل، كما دل على ذلك ما روى أنه لما نزلت هذه الآية قال بعض الكفار:"إن محمداً يريد أن نتخذه حناناً (1) كما اتخذت النصارى عيسى" فأنزل الله تعالى: {قل أطيعوا الله والرسول فإن تولوا فإن الله لا يحب الكافرين} (2) فقرن طاعته عز وجل بطاعته صلى الله عليه وسلم رغماً لهم (3) .
(1) الحنان: الرحمة، والعطف، والرزق، والبركة. والمراد: رباً ذا رحمة، وقيل محبباً، وقيل: متمسحاً به تبركاً. شرح الشفا للقارى 1/49، والنهاية 1/452.
(2)
الآية 32 آل عمران. والأثر:أخرجه ابن المنذر بنحوه عن مجاهد، وقتادة، كما قال الحافظ السيوطى فى مناهل الصفا فى تخريج أحاديث الشفا ص 33 رقم19. والأثر ذكره ابن إسحاق عن أبى رافع القرظى قال: (حين اجتمعت الأحبار من يهود ونصارى من أهل نجران عند رسول الله صلى الله عليه وسلم،= =ودعاهم إلى الإسلام قالوا: أتريد منا يا محمد أن نعبدك كما تعبد النصارى عيسى ابن مريم؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "معاذ الله أن أعبد غير الله، أو آمر بعبادة غيره، فما بذلك بعثنى الله ولا أمرنى" فأنزل الله عز وجل: {ما كان لبشر أن يؤتيه الله الكتاب والحكمة ثم يقول للناس كونوا عباداً لى من دون الله} الآيتان 79، 80 آل عمران. وينظر: السيرة النبوية لابن هشام 2/196 نص رقم 635.
(3)
الشفا 1/22، وينظر: شرح الشفا للقارى 1/50، وشرح الزرقانى على المواهب 8/515، 516.