الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حيث أنهم هنا فى افتراءاتهم يستدلون بظاهر وعموم بعض الآيات القرآنية التى تحث رسول الله صلى الله عليه وسلم، على البلاغ، وتركوا باقى نصوص القرآن الكريم التى تفصل حقيقة هذا البلاغ، وتفصل أيضاً باقى أدوار رسول الله صلى الله عليه وسلم، فى رسالته! .
الأدلة من القرآن الكريم علي أن لرسول الله صلى الله عليه وسلم في رسالته مهمة غير بلاغ القرآن
فقط.
…
وإليك شواهد من الآيات القرآنية ترد على افتراءاتهم، وتبين فى وضوح وجلاء أن دور
رسول الله صلى الله عليه وسلم فى رسالته ليس قاصراً على بلاغ القرآن الكريم فقط.
وإنما بيان هذا الكتاب الكريم، وإخراج الناس من الظلمات إلى النور، وتزكيتهم، والحكم بينهم فى كل شأن من شئون حياتهم.
وما كل ذلك إلا بالسنة المطهرة، والسيرة العطرة التى ينكرونها.
قال تعالى: {يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك} (1) والبلاغ الذى أمر المولى عز وجل به رسوله، هو الوظيفة الأولى له صلى الله عليه وسلم وهو بلاغ عام وشامل لكل ما تحتاج إليه البشرية فى عاجلها وآجلها، ودنياها وأخراها.
وقد وصل إلينا هذا البلاغ فى وحيين:
أحدهما: متلو وهو القرآن الكريم.
وثانيهما: غير متلو وهو السنة المطهرة.
…
ويدل على عموم البلاغ، عموم الاسم الموصول "ما" فى الآية الكريمة، كما عمم من أراد تبليغهم، حيث حذف المفعول الأول لـ "بلغ" ليعم الخلق المرسل إليهم.
والتقدير: بلغ جميع ما أنزل إليك من كتاب وسنة، من يحتاج إلى معرفته من أمر الدين الموحى به إليك (2) .
(1) الآية 67 المائدة.
(2)
التحرير والتنوير 6/260 بتصرف.
.. أما كون رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما نص القرآن، ما عليه إلا البلاغ، والاستدلال بظاهر ذلك على حصر مهمته فى بلاغ القرآن فقط، فإن ذلك فهم غير مراد؛ لأن قوله تعالى:{ما على الرسول إلا البلاغ} (1) معناه نفى الإكراه على الاعتقاد والإيمان، نحو قوله تعالى:{قل يا أيها الناس قد جاءكم الحق من ربكم فمن اهتدى فإنما يهتدى لنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها وما أنا عليكم بوكيل} (2) وقال سبحانه: {فإن أعرضوا فما أرسلناك عليهم حفيظاً إن عليك إلا البلاغ} (3) والمعنى: نفى الإكراه على الإعتقاد والإيمان.
ففى العقيدة والتصديق القلبى، لا إكراه، أى ليس هناك إلا البلاغ.
أما فى شريعة الدولة والسياسة والاجتماع والمعاملات، فهناك السلطان والثواب والعقاب، وليس هناك أدنى تناقض بين وقوف سلطان الرسول صلى الله عليه وسلم، فى العقيدة عند البلاغ؛ {لا إكراه فى الدين قد تبين الرشد من الغى} (4) وبين وجود ووجوب الطاعة المتميزة له، فى إطار بيان وتطبيق الوحى الإلهى
…
بل إن القرآن الكريم يجمع بين الأمرين فى الآية الواحدة. وتأمل قوله تعالى: {قل أطيعوا الله وأطيعوا الرسول فإن تولوا فإنما عليه ما حمل وعليكم ما حملتم وإن تطيعوه تهتدوا وما على الرسول إلا البلاغ المبين} (5) فالرسول الله صلى الله عليه وسلم، طاعة متميزة وسلطان وتشريع لإقامة الدين، والإقامة تطبيق وتجسيد، يزيد على مجرد البلاغ والتبليغ بدليل ما يلي:
قوله تعالى: {وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون} (6) و"التبيين" هنا غير "التبليغ" الذى هو الوظيفة الأولى للنبى صلى الله عليه وسلم، {يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك} (7) .
(1) الآية 99 المائدة.
(2)
الآية 108 يونس.
(3)
الآية 48 الشورى.
(4)
الآية 256 البقرة.
(5)
الآية 54 النور.
(6)
الآية 44 النحل.
(7)
الآية 67 المائدة.
و"التبيين" و"التبليغ" وظيفتان موضوعهما واحد هو "القرآن الكريم" عبر عنه فى آية "التبليغ"
بهذا اللفظ: {ما أنزل إليك} وعبر عنه فى آية التبيين بلفظ مختلف: {ما نزل إليهم}
وبينهما فروق لها دلالتها. مردها إلى الفرق بين الوظيفتين.
"فالتبليغ": تأدية النص، تأدية "ما أنزل" كما "أنزل" دون تغيير ما على الإطلاق، لا زيادة ولا نقصان، ولا تقديم ولا تأخير.
و"التبيين": إيضاح، وتفسير، وكشف لمراد الله من خطابه لعباده، كى يتسنى لهم إدراكه، وتطبيقه، والعمل به على وجه صحيح.
"والتبليغ": مسئولية "المبلغ" وهو المؤتمن عليها، وهذا سر التعبير:{وأنزلنا إليك} حيث عدى الفعل "أنزل" بـ "إلى" إلى ضمير النبى صلى الله عليه وسلم المخاطب.
و"التبيين": مهمة، فرضتها حاجة الناس لفهم ما خوطبوا به وبلغوه، وإدراك دلالته الصحيحة، ليطبقوه تطبيقاً صحيحاً.
ومن هنا كانت المخالفة فى العبارة
…
"نزل إليهم" حيث عدى الفعل "نزل" بـ "إلى" مضافاً إلى الضمير "هم" أى الناس، وعدى الفعل:"لتبين" إلى الناس بـ "اللام" أن كانت حاجتهم إلى "التبيين" هى السبب والحكمة من ورائه، وهى توحى بقوة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ليس بحاجة إلى ما احتاج إليه الناس من هذا التبيين.
ولعمرى إنه لكذلك، فقد أوحى إليه بيانه وألهمه، فالتقى فى نفسه "البيان" و"المبين" معاً وأصبح مؤهلاً لأن يقوم بالوظيفتين: وظيفة البلاغ، ووظيفة التبيين على سواء! .
وكما أن محالاً أن يكتم رسول الله صلى الله عليه وسلم، شيئاً مما أمر بتبليغه، فمحال أن يترك شيئاً مما أمر بتبليغه دون أن يبينه، فكلا الأمرين: التبليغ والتبيين من صميم رسالته: {بلغ ما أنزل إليك}
…