الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
.. و
يجاب عن ما سبق بما يلي:
أولاً: سبق فى المبحث السابق تفصيل أن لرسول الله صلى الله عليه وسلم فى رسالته مهمة ووظيفة، زائدة على مجرد البلاغ، وهى مهمة تبيان القرآن الكريم، وهذه المهمة تضاربت فيها أقوال من يسمون أنفسهم "القرآنيون".
فبينما تجد بعضهم فيما سبق يجحد هذه المهمة من أصلها، ترى هنا بعضهم يؤمن بها، وبمفهومه الخاص، القائم على إنكار أن يكون لرسول الله صلى الله عليه وسلم فى رسالته، وحى غير متلو - السنة المطهرة.
ثانياً: إذا تقرر لك بالدليل القاطع أن لرسول الله صلى الله عليه وسلم تبياناً للقرآن الكريم، فاعلم أن لهذا التبيان صفة المبين، من حيث وجوب قبوله، ووجوب العمل به، وصلاحيته لكل زمان ومكان؛
ويستلزم هذا ضرورة أن هذا التبيان النبوى، هو الحكمة وهى السنة النبوية التى عبر عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله:"ألا إنى أوتيت القرآن ومثله معه"(1) .
…
وبناء الفعل للمجهول "أوتيت" يدل على أن الله تعالى، أعطى لرسوله صلى الله عليه وسلم، القرآن ومثله معه، فما هو المماثل الذى تلقاه رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ربه؟
يصرح القرآن الكريم بأن هذا المماثل هو "الحكمة" التى قرنها رب العزة فى كتابه مع القرآن الكريم فى آيات عدة منها:
(1) أخرجه أبو داود في سننه كتاب السنة، باب لزوم السنة 4/200 رقم 4604،والترمذي في سننه كتاب العلم، باب مانهي عنه أن ييقال عند حديث النبي صلى الله عليه وسلم 5/37 رقم 2664 وقال:حسن غريب من هذا الوجه، وابن ماجة في سننه المقدمة،باب تعظيم حديث رسول الله والتغليظ علي من عارضه 1/20 رقم 12، وابن حبان في صحيحه (الإحسان بترتيب صحيح بن حبان) باب الإعتصام بالسنة 1/107 رقم 12، والحاكم في المستدرك 1/191 رقم371 وسكت عنه الحاكم والذهبي، وصححه الشيخ أحمد شاكر في هامش الرسالة للشافعي ص 90،91.
قوله تعالى: {وأنزل الله عليك الكتاب والحكمة وعلمك ما لم تكن تعلم وكان فضل الله عليك عظيماً} (1) فالآية والحديث يفيدان أن الله تعالى، أنزل عليه صلى الله عليه وسلم، الكتاب والحكمة، مثل القرآن، وهى معه، آتاهما الله له صلى الله عليه وسلم.
بل إن إحدى روايات هذا الحديث تتواءم مع الآية أكثر من هذه الرواية، ونصها: "أتانى الله
عز وجل القرآن، ومن الحكمة مثليه" (2) .
وقال تعالى: {واذكرن ما يتلى فى بيوتكن من آيات الله والحكمة} (3) فعطف الحكمة على آيات الله، لتندرج تحت ما أضيف إليها وهو "التلاوة".
وهذا يضفى على الحكمة – وهى السنة – أنها فى حجيتها، ووجوب تبليغها، كالقرآن سواء
بسواء (4) .
وقال تعالى: {لقد من الله على المؤمنين إذا بعث فيهم رسولاً من أنفسهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة} (5) قال الإمام الشافعى (6) : "فذكر الله الكتاب وهو القرآن، وذكر الحكمة، فسمعت من أرضى من أهل العلم بالقرآن يقول:
(1) الآية 113 النساء.
(2)
هذه رواية مكحول عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأخرجها أبو داود فى مراسيله ص166 رقم 565.
(3)
الآية 34 الأحزاب.
(4)
السنة بياناً للقرآن للدكتور إبراهيم الخولى ص44.
(5)
الآية 164 آل عمران.
(6)
هو: أبو عبد الله، محمد بن أدريس بن العباس بن شافع القرشى المطلبى، الإمام الجليل صاحب المذهب المعروف، من أشهر مصنفاته: الأم، والرسالة، وأحكام القرآن، مات سنة 204هـ له ترجمة فى: طبقات الشافعية لابن السبكى 2/71 رقم 14، وشذرات الذهب 2/9، ووفيات الأعيان 4/164 رقم 558، وطبقات الفقهاء للشافعيين لابن كثير 1/3 – 93.
الحكمة (1) سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: وهذا يشبه ما قال، والله أعلم؛ لأن القرآن ذكر واتبعته الحكمة، وذكر الله منته على خلقه بتعليمهم الكتاب والحكمة، فلم يجز – والله أعلم – أن يقال الحكمة ههنا إلا سنة رسول الله، وذلك أنها مقرونة مع كتاب الله" (2) .
وعن ابن عباس رضى الله عنهما قال: "الكتاب والحكمة" الكتاب والسنة (3) .
وعن قتادة قال: والحكمة أى السنة (4) . ونفس القول قال به غيرهما (5) .
وعلى هذا الفهم سلفنا الصالح من أئمة المسلمين (6) .
ثالثاً: إذا تقرر أن تبيان رسول الله صلى الله عليه وسلم للقرآن الكريم هو الحكمة، وأن هذه الحكمة هى السنة النبوية، وأنها متماثلة للقرآن كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهذا يعنى أنها مثل القرآن فى وجوب قبولها، والعمل بها، سواء بسواء؛ لأنها مثل القرآن وحى من عنده تعالى، وإليك تفصيل أدلة ذلك:
(1) الحكمة: تطلق فى اللغة على عدة معان سبق ذكر بعضها ص258، ولقد اقتصرت على المعنى المراد فى الآيات التى استدل بها.
(2)
الرسالة للشافعى ص78، 79 فقرات رقم 252 – 257، والفقيه والمتفقه للخطيب 1/258 رقم 256، وينظر: مفتاح الجنة فى الاحتجاج بالسنة للسيوطى ص150.
(3)
أخرجه ابن المبارك فى زيادات الزهد ص22 رقم 89.
(4)
تفسير الطبرى 1/557، والفقيه والمتفقه للخطيب 1/260 رقم 258، وابن المبارك فى زيادات الزهد ص22 رقم 90.
(5)
ينظر: المدخل إلى السنن للبيهقى، حيث نقل بأسانيده عن الحسن البصرى، وقتادة، ويحيى بن أبى كثير، أنهم قالوا: الحكمة: هى السنة النبوية.
(6)
ينظر: كلام الإمام الطبرى فى تفسيره 4/163، 22/ 9، وابن قيم الجوزية فى مختصر الصواعق المرسلة 2/511، وللاستزادة ينظر: السنة بياناً للقرآن للدكتور إبراهيم الخولى ص32 – 46، والمدخل إلى السنة للدكتور عبد المهدى عبد القادر ص50، 51.