الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يتب فاضرب عنقه، وأيما امرأة ارتدت عن الإسلام فادعها، فإن تابت فاقبلها، وإن لم تتب فاضرب عنقها)) (1) .
وهو نص في موضع النزاع فيجب المصير إليه.
ويؤيده اشتراك الرجال والنساء في الحدود كلها كالزنا، والسرقة، وشرب الخمر، والقذف......
واختلف القائلون بالإستتابة، فهل يكتفي بالمرة، أو لا بد من ثلاث؟ وهل الثلاث في مجلس أم في يوم أو في ثلاثة أيام؟.
وعن عليّ رضي الله عنه يستتاب شهراً، وعن النخعي رحمه الله يستتاب أبداً. (2)
وهذا محمول على رجاء توبته كما قال سفيان الثوري رحمه الله تعالى. (3)
وأخيراَ: تعقيب وتعليق علي تطبيق الحدود:
إن التشريع الإسلامي لا يعارض تطبيقه وتنفيذه سوي طوائف ثلاث: ـ
الطائفة الأولي: الجاهلون بهذا التشريع السماوي العادل، ويدخل فيهم بعض المثقفين، الذين يحملون أرقي الشهادات وأعلاها، ولكن لم تتح لهم دراسة القرآن الكريم، والسنة النبوية، والفقه الإسلامي، بل نشئوا على دراسة مناهج من وضع وإخراج المستعمرين.
شُحِنَتْ بالطعن في الإسلام ومبادئه، والإستهزاء بأحكامه وتشريعاته، والتعريض بشخصياته التاريخية، والإفتراءات الباطلة الشاذة.
فنشأ هؤلاء بيننا بأسماء عربية إسلامية، ولكن بعقول غربية اعتنقت مبادئهم، وأنظمتهم، تهلل وتطبل لكل ما هو غربي، وإن كان عُهْراً وفساداً! وتحتقر كل ما هو شرقي، وإن كان شرفاً وصلاحاً.
(1) ينظر: فتح الباري 12 / 282، 284 رقم 6922، والمنهاج شرح مسلم 6 / 448 رقم 1733.
(2)
ينظر: الصارم المسلول صـ 321، ونيل الأوطار 7/ 193 - 195، وسبل السلام 3/1239 وما بعدها.
(3)
أخرجه الشافعي في مسنده صـ 401،402 رقم 1145، والبيهقي في سننه كتاب النكاح، باب الدليل على أنه صلى الله عليه وسلم
لا يقتدي به فيما يخص به...... 7 / 76 من حديث المطلب بن حنطب رضي الله عنه.
فالإستعمار وإن جلا عنا بجنوده، فهو قابعاً في عقول هؤلاء المثقفين الجهلاء بدينهم.
ومن البلاء أن يصبح بعض هؤلاء، قادة التوجيه في الصحافة والمجلات، وبيدهم السلطات الواسعة، التي تجعل أصواتهم في القمة، وتحارب الأصوات المؤمنة العاقلة.
والطائفة الثانية: تتمثل في هؤلاء المنحرفين في سلوكهم، المنغمسين في شهواتهم، الذين
أصبحوا كالكلاب المسعورة، تنهش الأعراض، وتسبح في المحرمات، لا تفيق
من ُسكٍر، ولا تعف عن مال حرام، ولا تشبع من لذة.
وهؤلاء عندما يعارضون التشريعات الإسلامية، لا يدفعهم إلي هذا الموقف اقتناع بعدم صلاحيتها أو تخوف على مصلحة الأمة، بل هم مقتنعون أنها أعدل التشريعات، وأحكم النظم، ولكنهم يخشون عند تطبيقها على أنفسهم من مس السياط، ورجم الحجارة، والحرمان مما ألفوه من العربدة، والمال الحرام.
ولا ينبغي لعاقل أن يسمع صوتاً لمثل هؤلاء المنحرفين، ولا يقيم لمعارضتهم وزناً، فهم خارجون على النظام والقانون. متمردون على مصالح المجتمع، وأمنه، وإذا جاز لنا أن نسمع لأصواتهم! فمن حق القتلة، وسفاكي الدماء، أن يرفعوا أصواتهم أيضاً، مطالبين بإسقاط القصاص وإباحة جرائمهم.
والوضع الصحيح أن نعتبر هذه الطائفة مرضي، هم في مسيس الحاجة للعلاج والدواء، والإنقاذ من التردي في هاوية الشهوات والمحرمات.
والطائفة الثانية: من هذه الطوائف المعرضة؛ هي تلك الفئة من الناس المتعصبين تعصباً أعمي،
ضد كل إصلاح، وتشريع عادل، فهم قد أغلقوا عقولهم، وعطلوها عن التفكير
والإدراك، وأغمضوا أعينهم عن النور والحق، وآثروا العيش في ظلمات
التعصب، وهم يحسبون أنفسهم أنهم يصنعون صنعَا.
وأكثر هؤلاء المتعصبين هم من أهل الكتاب. الذين يتجاهلون سماحة الإسلام، وكرمه في معاملتهم، ودعوته القوية إلي مودتهم ومحبتهم، ومراعاة شعورهم وإحساسهم، ومحافظته الشديدة على مقدساتهم، وأموالهم، وأماكن عبادتهم، وتركه لهم وما يدينون؛ لهم ما للمسلمين، وعليهم ما على المسلمين.
ويكفي برهاناً على ذلك؛ أن الله تعالى مدح النصارى في كتابه الكريم؛ ووصفهم بالعلم والعبادة، والزهد والتواضع، والانقياد للحق فقال:{ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى ذلك بأن منهم قسيسين ورهبانا وأنهم لا يستكبرون. وإذا سمعوا ما أنزل إلي الرسول تري أعينهم تفيض من الدمع مما عرفوا من الحق يقولون ربنا آمنا فاكتبنا مع الشاهدين. وما لنا لا نؤمن بالله وما جاءنا من الحق ونطمع أن يدخلنا ربنا مع القوم الصالحين.} . (1)
والآيات وإن كانت نازلة في طوائف خاصة؛ إلا أن علماء الأصول اتفقوا على أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب؛ فكل من اجتمعت فيه الصفات المذكورة تشمله الآيات.
وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((أنا أولي الناس بعيسي بن مريم في الآولي والآخرة قالوا: كيف يا رسول الله؟ قال: الأنبياء إخوة من علات (إخوة الأب) وأمهاتهم شتي، ودينهم واحد، فليس بيننا نبي)) . (2)
(1) الآيات 82، 83، 84 سورة المائدة.
(2)
أخرجه مسلم (بشرح النووي) كتاب الفضائل، باب فضائل عيسي بن مريم 8/130 رقم 2365، والبخاري (بشرح فتح الباري) كتاب الأنبياء، باب واذكر في الكتاب مريم 6 / 550 رقم 3443.
ولقد أوصي صلى الله عليه وسلم أمته بقبط مصر خيراً، واتخذ منهم أم ابنه إبراهيم عليه السلام، والتاريخ أكبر شاهد على تسامح المسلمين وحسن معاملتهم لأهل الكتاب، وإطلاق الحرية لهم في مزاولة طقوسهم الخاصة، وتطبيق أحكامهم في جميع أحوالهم الشخصية، من طلاق وزواج ونحوهما، وعدم تنفيذ الحدود الشرعية عليهم التي تتعلق بحدود الله تعالى، كشرب الخمر وغيره.
والجميع يعرف كيف عامل الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه نصارى بيت المقدس، وأعطاهم العهد والأمان على أموالهم وكنائسهم وصلبانهم. وكيف أنه لم يرضَ أن يصلي داخل الكنيسة حين حضرته الصلاة، وإنما صلىَّ على الدرج الخارجي لها. خشية أن يستولي المسلمون عليها فيما بعد ويقولون: هنا صلي عمر.
والتاريخ يعرف أيضاً كيف استقبل النجاشي (وهو نصراني) المسلمين الأولين المهاجرين إلي بلاده، وكيف أكرم وفادتهم، ورفض أن يسلمهم لأعدائهم، وأعطاهم الحرية الكاملة في أداء عبادتهم.
وهاهو المقوقس عظيم القبط بمصر يرد على كتاب النبي صلى الله عليه وسلم رداً كريماً حسناً، ويهدي إليه جارية، وغلاماَ، وبغلا، ويقول: إني نظرت في أمر هذا النبي، فهو لا يزهد بمزهود فيه، ولا ينهي عن مرغوب فيه، ولم أجده بالساحر الضال، ولا الكاهن الكاذب! .
ومما تقدم يتضح لكل عاقل منصف أنه لا محل لهذه العصبية العمياء، ولا معني لها، ولا ضرر على أحد من تطبيق التشريع الإسلامي، بل الخير كل الخير، والنصر كل النصر في تنفيذه، فإن الله تعالى وعد بنصرة من ينصر دينه، والله لا يخلف الميعاد، ونَِصَرْ دينه لا يكون بالأماني والكلام والوعود، وإنما بتنفيذ أحكام كتابه، وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم
والخلاصة: أن قيام حكم إسلامي في دولة عصرية، ليس معناه خسارة ولاء غير المسلمين فيها
وعدم رضاهم؛ كما يري البعض!
لأن دولة الإسلام تقوم على العدالة مع الجميع، وهي لا تتعرض لأصحاب الديانات الأخرى، ولا تجبرهم على شئ يخالف دينهم، وهم أمام القانون الإلهي متساوون في الحقوق والواجبات مع المسلمين. (1)
والله الهادي إلي سواء السبيل
(1) ينظر: معاملة غير المسلمين في دولة الإسلام للدكتور إبراهيم عيسي ص169-173 بتصرف.