الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال أهل التفسير (أو بأيدينا) بالقتل: إن أظهرتم ما في قلوبكم قتلناكم، وهو كما قالوا؛ لأن العذاب على ما يبطنونه من النفاق بأيدينا لا يكون إلا القتل لكفرهم (1) .
فهل بعد كل هذه الآيات الكريمات شك، في أن المرتد إذا أظهر كلمة الكفر، مثل المنافق، جزاؤه القتل بصريح القرآن الكريم؟ ! .
أما إذا كان المرتد ردته بينه وبين نفسه، ولم يعلن بها، فحكمه في هذه الحالة، حكم المنافق المعلوم نفاقه بعلامات المنافقين، غير أنه لم يعلن كلمة الكفر، فيعامل بحسب الظاهر من إيمانه، ويحصن به من القتل.
وهذا
من حكم عدم قتل النبي بعض المنافقين مع علمه بنفاقهم
!
أن أجري عليهم أحكام الدنيا على حسب الظاهر من إيمانهم والله يتولى السرائر وهذا ما أكده النبي (في مواقف عدة منها: ـ
قوله (لأسامة بن زيد رضي الله عنه لما أخبر النبي (أنه قتل من قال ((لا إله إلَاّ الله)) خوفاً من السيف، فقال له النبي (( (أفلا شققت عن قلبه حتى تعلم أقالها أم لا)) فما زال يكررها علىَّ حتى تمنيت أني أسلمت يومئذ. وفي رواية قال له رسول الله (( (فكيف تصنع بلا إله إلَاّ الله، إذا جاءت يوم القيامة؟ قال يا رسول الله! استغفر لي. قال: وكيف تفعل بلا إله إلَاّ الله إذا جاءت يوم القيامة؟ قال فجعل لا يزيده على أن يقول، كيف تصنع بلا إله إلَاّ الله إذا جاءت يوم القيامة؟ . (2)
وقوله (للذي ساره في قتل رجل من المنافقين: ((أليس يشهد أن لا إله إلا
(1) الصارم المسلول على شتائم الرسول صـ 345.
(2)
جزء من حديث طويل أخرجه مسلم (بشرح النووي) كتاب الإيمان، باب تحريم الكافر بعد أن قال لا إله إلا الله 1/376-37 378 أرقام 158 - 160، والبخاري (بشرح فتح الباري) كتاب المغازي، باب بعث النبي (اسامة بن زيد إلي
الحرقات من جهينة 7/590 رقم 4269.
الله؟ قال الأنصاري بلي يا رسول الله؛ ولا شهادة له. قال رسول الله (
أليس يشهد أن محمداً رسول الله؟ قال بلي يا رسول الله! قال: أليس يصلي؟
قال بلي يارسول الله؛ ولا صلاة له. فقال رسول الله (( (أولئك الذين نهاني
الله عن قتلهم)) . (1)
وقوله (لخالد بن الوليد رضي الله عنه (2) لما استأذن في قتل رجل أنكر قسمته (فقال رسول الله (: ((لا. لعله أن يكون يصلي)) قال خالد: كم من مصل
يقول بلسانه ماليس في قلبه! فقال رسول الله (إني لم أُومر أن أُنَّقب عن
قلوب الناس ولا أشق بطونهم)) (3) والأحاديث في ذلك كثيرة.
فإعراض رسول الله (عن قتل بعض المنافقين مع علمه بنفاقهم وقبول علانيتهم لوجهين:
الوجه الأول: أن عامتهم لم يكن ما يتكلمون به من الكفر مما يثبت عليهم بالبينة، بل كانوا
يظهرون الإسلام، ونفاقهم كان يعرف بعلامات منها، الكلمة يسمعها الرجل المؤمن
فينقلها إلي النبي (فيحلفون بالله أنهم ما قالوا؛ كما قال الله عز وجل: {يحلفون بالله
ما قالوا ولقد قالوا كلمة الكفر وكفروا بعد إسلامهم} . (4)
(1) أخرجه أحمد في مسنده 5/432، 433، ورجاله رجال الصحيح كما قال الهيثمي في مجمع الزوائد 1/24، وأخرجه
الشافعي في مسنده صـ 510 رقم 1481، ومالك في الموطأ كتاب قصر الصلاة، باب جامع الصلاة 1 / 256 رقم 84.
(2)
صحابي جليل له ترجمة في: الإصابة 1/ 413 رقم 2206، والإستيعاب 2/603 رقم 621، واسد الغابة 2/140 رقم 1399 1399 وتاريخ الصحابة صـ 85 رقم 349، ومشاهير علماء الأمصار صـ 39 رقم 157.
(3)
أخرجه مسلم (بشرح النووي) كتاب الزكاة، باب ذكر الخوارج وصفاتهم 4/171 رقم 1064، البخاري (بشرح فتح
الباري) كتاب أحاديث الأنبياء، باب قوله تعالى:(وإلي عادٍ أخاهم هوداً) 6/433 رقم 3344 من حديث أبي سعيد
الخدريرضي الله عنه
(4)
الآية 74 التوبة.
وقوله تعالى: {إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد إنك لرسول الله والله يعلم إنك لرسوله والله يشهد إن المنافقين لكاذبون. اتخذوا إيمانهم جنة فصدوا عن سبيل الله إنهم ساء ما كانوا يعملون} . (1)
فدلت هذه الآيات أن المنافقين كانوا يُرضون المؤمنين بالأيمان الكاذبة، وينكروا أنهم كفروا، ويحلفون أنهم لم يتكلموا بكلمة الكفر. وذلك دليل علي أنهم يُقتلون إذا ثبت عليهم ذلك بالبينة.
وكذلك المرتد إذا أظهر ردته، ونطق بكلمة الكفر، وثبتت عليه البينة؛ قُتِلْ.
الوجه الثاني: أنه (كان يخاف أن يتولد من قتلهم من الفساد أكثر من استبقائهم، وقد بين
ذلك رسول الله (حين استأذنه عمر (2) في قتل رجل من المنافقين أنكر قسمته (فقال: صلى الله عليه وسلم معاذ الله! أن يتحدث الناس أني أقتل أصحابي. (3)
فإنه لو قتلهم بما يعلمه من كفرهم لأوشك أن يظن الظانَّ أنه إنما قتلهم لأغراض وأحقاد (4)
وبالجملة كان ترك قتلهم مع كونهم كفاراً، لعدم ظهور الكفر منهم بحجة شرعية، فإذا ظهر استحقوا القتل بصريح القرآن الكريم، والسنة النبوية، والسيرة العطرة التي ورد فيها إهدار دماء بعضهم.
(1) الآيتان 1، 2 المنافقون.
(2)
وهذا لا ينافي ما ورد في الرواية السابقة من استئذان خالد بن الوليد، لاحتمال أن يكون كل منهما استأذن في ذلك. ينظر:
فتح الباري 9/715 رم 3610، ونيل الأوطار 1 / 289.
(3)
أخرجه مسلم (بشرح النووي) كتاب الزكاة، باب ذكر الخوارج 4 / 170 رقم 1064 من رواية جابرعبد الله رضي الله عنه.
(4)
ينظر: الصارم المسلول صـ 355 - 358 بتصرف، وفتح الباري 12/285،294رقمي 6923، 6962.