الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تأمل ذلك تعلم عن يقين إيمان السلف جميعاً، بأن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحى من عند الله عز وجل، واجبة الإتباع إلى يوم الدين.
وهكذا توضح الآيات القرآنية، والأحاديث النبوية، وأقوال السلف، أن السنة النبوية وحى من الله تعالى، إلى رسوله صلى الله عليه وسلم، وهى صالحة لكل زمان ومكان، وواجبة الإتباع، كالقرآن سواء بسواء.
وعلى ذلك
إجماع الأمة
(1) منذ عهد نبيها صلى الله عليه وسلم، إلى يومنا هذا، وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، دون اعتبار لقول من شذ، من المرجفين في دين الله عز وجل، العاملين على هدم كيان السنة المطهرة، والسيرة العطرة.
رابعاَ: إذا تقرر لك أن لرسول الله صلى الله عليه وسلم، سنة، هي وحى من ربه عز وجل، واجب قبولها وإتباعها، فقد حان الوقت لبيان حقيقة وهدف تمسح أعداء السنة، بإيمانهم ببيان نبوي لرسول الله صلى الله عليه وسلم في رسالته.
…
إن من يتسترون بعباءة القرآن، ويستدلون بظاهره، على أن مهمة الرسول الوحيدة هي تبليغ القرآن فقط، وجدوا أنفسهم فى مأزق من القرآن الكريم، حيث يصرح بتبيان لرسول الله صلى الله عليه وسلم فى
رسالته زائد على مجرد البلاغ، فاعترف بعضهم بهذا التبيان، إلا أنهم لا يعترفون بأن هذا التبيان، المراد به الحكمة، والتى فسرت بأنها سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنها بوحى من الله تعالى على ما سبق قريباً ومن هنا كان
إيمانهم بهذا التبيان النبوى إيماناً كاذب
اً من وجهين:
(1) ينظر: إرشاد الفحول للشوكانى 1/158، وتيسير التحرير لمحمد أمين 3/22، والتقرير والتحبير لابن أمير الحاج 2/225،، وفواتح الرحموت لعبد العلى الأنصارى 1/16، 17.
الوجه الأول: أنهم يشترطون لهذا البيان النبوى أن يوافق القرآن الكريم بمفهومهم هم، القائم على إنكار السنة المطهرة؛ بدليل أنهم ينكرون جميع أنواع بيان السنة للقرآن؛ من تأكيد السنة لما جاء فى القرآن الكريم، وتفصيل لمجمله، وتقييد لمطلقه، وتخصيص لعامه، وتوضيح لمشكله، سواء كان هذا البيان فى العبادات من طهارة، وصلاة، وزكاة، وحج، أو فى المعاملات من بيع وشراء، ورهن، وسلم
…
الخ أو فى الحدود من قطع، ورجم،
…
الخ، أو فى الأحوال الشخصية من نكاح، وطلاق، ورضاع، وميراث. وغير ذلك (1) .
وبالجملة: ينكرون جميع أنواع بيان رسول الله صلى الله عليه وسلم، لما اشتمل عليه القرآن الكريم،
من عقائد وأحكام فى الدين والدنيا (2) .
والوجه الثانى: أنهم حتى مع تظاهرهم بالإيمان بالبيان النبوى؛ فقيمة هذا الإيمان كعدمه.
وتأمل كلام إسماعيل منصور بعد قوله السابق: "أن لرسول الله، بيان نبوى للقرآن، نرفعه على العين والرأس، متى ثبت تحقيقاً، لا يخالف بأى حال، أحكام ومدلولات القرآن الكريم
…
الخ (3) .
قال فى وصف قيمة هذه السنة البيانية: "إنها للاستئناس لا للاستدلال، وللبيان لا للإثبات، الأمر الذى يجعل الآخذين بها والرافضين لها، أمام الشرع على حد سواء. فلا إلزام لأى طرف منهما على قبول رأى الآخر، فالأخذ بها فعله مقبول، والرافض لها فعله مقبول كذلك"(4) .
…
قلت: فإذا كان هذا البيان لكتاب الله، الآخذ به والرافض له سواء! فأى قيمة لهذا البيان، حتى لو اعترفوا بأن هذا البيان هو السنة؟! .
(1) ينظر: تفصيل كل ما سبق بأمثلته فى: منزلة السنة من الكتاب للأستاذ محمد سعيد منصور ص125 – 466، والمدخل إلى السنة النبوية للدكتور عبد المهدى عبد القادر ص135 – 148، ومنزلة السنة فى التشريع الإسلامى للدكتور محمد الجامى ص22 – 30.
(2)
يراجع: مصادرهم السابقة ص 9.
(3)
يراجع: ص 24. 0
(4)
تبصير الأمة بحقيقة السنة ص663.
وتأمل أيضاً ما قاله عبد العزيز الخولى: "وأما ما ورد فى السنة من أحكام، فإن كان مخالفاً لظاهر القرآن، فالقرآن مقدم عليه، ويعتبر ذلك طعناً فى الحديث من جهة متنه ولفظه، وإن صح سنده، فإن الحديث لا يكون حجة إلا إذا سلم سنده ومتنه من الطعن، ولذلك أجاز بعض المسلمين (1) نكاح المرأة على عمتها أو خالتها
…
إلى أن قال: "وإن كل ما فى السنة لا يخالف ظاهر القرآن، فهو اجتهاد من الرسول، يرجع إلى أصل قرآنى عرفه الرسول، وجهلناه نحن أو عرفناه"(2) .
فتأمل قوله فى البيان النبوى: "وجهلناه نحن أو عرفناه" إذ العبرة عنده فى أول الأمر وآخره، هى: ظاهر القرآن، سواء عرف السنة البيانية أم جهلها، فهى فى حالة معرفته بها، لم تضف جديداً، وفى هذه الحالة العبرة بالقرآن، وفى حالة استقلالها بتشريع أحكام جديدة، تكون السنة مخالفة لظاهر القرآن؛ فلا حجة فيها. هكذا حال لسانه!
ولا أدرى من أين فهموا قيمة هذا البيان النبوى للقرآن الكريم؟
حيث أن آيات القرآن الكريم السابق ذكرها، والتى تسند مهمة البيان، تصرح بأن هذا البيان وحى من الله عز وجل:{ثم إن علينا بيانه} (3) {إن أنزلنا إليك الكتاب بالحق
لتحكم بين الناس بما أراك الله} (4) وغير ذلك من الآيات (5) .
…
فهل فى الإسلام، وحى واجب الإتباع؛ ووحى الآخذ به، فعله مقبول والرافض له، فعله مقبول أيضاً؟!! .
…
(1) صرح فى هامش كتابه مفتاح السنة ص7، بأنهم الخوارج، والشيعة، والروافض فهل هؤلاء مسلمون؟!! ينظر: نيل الأوطار للشوكانى 6/148 حيث نقل عن الإمام القرطبى إجماع المسلمين على التحريم، واستثنى الخوارج. قال: ولا يعتد بخلافهم لأنهم مرقوا من الدين أهـ.
(2)
مفتاح السنة ص6 - 11.
(3)
الآية 19 القيامة.
(4)
الآية 105 النساء.
(5)
يراجع: ص 27.
وإذا كان هذا البيان النبوى يحل مشاكل الإختلاف التى يمكن أن تحدث بين العباد، فى فهم وتطبيق، المراد من مجمل القرآن، وعامة، ومطلقة، ومشكلة
…
الخ كما صرح بذلك القرآن الكريم فى قوله تعالى: {وما أنزلنا عليك الكتاب إلا لتبين لهم الذى اختلفوا فيه وهدى ورحمة لقوم يؤمنون} (1) .
…
فهل يعقل أو يقبل بعد ذلك أن يكون هذا البيان النبوى غير ملزم؛ ولا واجب الإتباع؟!
وما فائدة تنويه القرآن إلى هذا البيان النبوى حينئذ؟! وما قيمة المبين (القرآن) مع عدم حجية البيان (السنة) ؟ ! .
إن البيان النبوى (السنة المطهرة) متى صح تكون منزلته، ومنزلة القرآن، سواء بسواء فى حجيته، ووجوب العمل به؛ وعلى هذا انعقد إجماع من يعتد به من علماء الأمة قديماً وحديثاً (2) .
خامساً: زعم بعضهم أن ما استقلت به السنة المطهرة من أحكام، مرفوض بحجة مخالفته للقرآن الكريم، وفيه تشويه لسيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم بجعله مشرعاً (3) ويضربون أمثلة بحد المحصن "الرجم" وحد الردة "القتل".
…
وهذه المزاعم يجاب عنها بما يلي:
يتفق العلماء أجمع على وجود أحكام، لم ترد فى القرآن، لا نصاً ولا صراحة، ولكنهم يختلفون خلافاً لفظيا ً، حول تسمية تلك الأحكام الواردة فى السنة.
فالجمهور من العلماء يقولون: إن هذا هو الاستقلال فى التشريع بعينه؛ لأنه إثبات لأحكام لم
ترد فى القرآن، وأن هذه الأحكام واجبة الإتباع، عملاً بعشرات الآيات التى تأمر بطاعة
رسول الله صلى الله عليه وسلم، واتباعه، وتحذر من مخالفته.
(1) الآية 640 النحل مع آية 39 من نفس السورة {ليبين لهم الذى يختلفون فيه وليعلم الذين كفروا أنهم كانوا كاذبين} .
(2)
ينظر: منزلة السنة من الكتاب للأستاذ محمد سعيد منصور ص469، 470، وحجية السنة للدكتور عبد الغنى عبد الخالق ص444، 445.
(3)
يراجع: كلام صالح الوردانى ص 24.