الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقد ذكر رب العزة في كتابه العزيز كيف أراد اليهود استغلال هذه الحرية لضرب الإسلام، وصرف الناس عنه:
قال تعالى: {وقالت طائفة من أهل الكتاب آمنوا بالذي أُنْزِلَ على الذين أمنوا وجه النهار واكفروا آخره لعلهم يرجعون.} . (1)
فهل ترضي جماعة تحترم دينها بهذا العبث! أو أن ينجح هذا التلاعب؟ ! .
وعندما ننظر إلي السيرة النبوية العطرة، وتاريخنا الإسلامي الطويل نجد أن قتلا المرتدين إلي أخر رمق، تم دفاعاً عن الدين والدولة معاً، وما سمعنا برجل قتل مرتداً لأنه ترك الصلاة مثلاً.
إن الإرتداد كما شرحنا خروج على دولة الإسلام بغية النيل منها ومنه، والإتيان عليها وعليه، ومقاتلة المرتدين ـ والحالة هذه ـ دين. (2)
ج- حد الردة لايناقض القرآن الكريم:
إذا كان حد الردة في دين الإسلام عقوبة للمرتد، ليس لارتداده فقط، وإنما لإثارته الفتنة في صفوف جماعة المسلمين، وتشكيكهم في كتاب ربهم، وسنة نبيهم، بغية النيل من الإسلام وأهله.
فإننا نجد حينئذ حد المرتد صريحاً في القرآن الكريم، والسيرة النبوية العطرة، وإليك تفصيل ذلك من القرآن الكريم، والسنة المطهرة:
أولاً: أدلة قتل المرتد من القرآن الكريم:
ففي القرآن الكريم يقول رب العزة: {إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فساداً أن يُقَتَّلوا.} . (3)
والمحاربة نوعان:
1 -
محاربة باليد
2-
ومحاربة باللسان.
(1) الآية 72 آل عمران.
(2)
مائة سؤال عن الإسلام للشيخ محمد الغزالي 1/ 286 - 289 بتصرف.
(3)
الآية 33 المائدة.
1-
والمحاربة باللسان في باب الدين قد تكون أنكي من المحاربة باليد، ولذلك كان النبي (يقتل من كان يحاربه باللسان مع استبقائه بعض من حاربه باليد، (1) خصوصاً محاربة الرسول (بعد موته، فإنها تمكن باللسان، وكذلك الإفساد قد يكون باليد، وقد يكون باللسان، وما يفسده اللسان من الأديان أضعاف ما تفسده اليد، كما أن ما يُصلحه اللسان من الأديان أضعاف ما تُصلحه اليد، فثبت أن محاربة الله ورسوله باللسان أشد، والسعي في الأرض لفساد الدين باللسان أوكد.
فهذا المرتد عن دين الإسلام المحارب لله ورسوله،أولي باسم المحارب المفسد من قاطع الطريق.
ويؤكد أن المحارب لله ورسوله باللسان قد يفسر بالمحارب قاطع الطريق، ما رواه أبو داود في سننه مفسراً لقوله (:((التارك لدينه المفارق للجماعة)) (2) .
((لا يحل دم امرئ مسلم، يشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، إلا بإحدى ثلاث: رجل زني بعد إحصان فإنه يرجم، ورجل خرج محارباً لله ورسوله، فإنه يقتل أو يصلب، أو ينفي من الأرض، أو يقتل نفساً فيُقْتَل بها.)) . (3)
فهذا المستثني هو المذكور في قوله ((التارك لدينه المفارق للجماعة)) ولهذا وصفه بفراق الجماعة، وإنما يكون هذا بالمحاربة.
(1) ينظر: ما سيأتي من أدلة السيرة على قتل المرتدة صـ 116.
(2)
عن ابن مسعود مرفوعاً: (لا يحل دم مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله، إلا بإحدى ثلاث، الثيب الزاني،
والنفس بالنفس، والتارك لدينه المفارق للجماعة) أخرجه مسلم (بشرح النووي) كتاب القسامة، باب ما يباح به دم
المسلم 6/179 رقم 1676، والبخاري (بشرح فتح الباري) كتاب الديات، باب قوله تعالى:((أن النفس بالنفس)) 12 12 /209 رقم 6878.
(3)
أخرجه أبو داود في سننه كتاب الحدود، باب الحكم فيمن ارتد 4 / 126 رقم 4353.
ويؤيد ذلك أن الحديثين تضمنَّا أنه لا يحل دم من يشهد: أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، والمرتد لم يدخل في هذا العموم، فلا حاجة إلى استثنائه.
وعلى هذا فيكون ترك دينه عبارة عن خروجه عن موجب الدين، ويفرق بين ترك الدين وتبديله.
أو يكون المراد به من ارتد وحارب كالعُرَنيين (1) .
ويؤيد أن المرتد عن دين الإسلام المشكك، والطاعن في كتاب الله عز وجل، وسنة رسوله (محارب لله ورسوله، وتشمله الآية الكريمة.
ما روي عن أنس، وابن عمر، وابن عباس وغيرهم، أن آية المحاربة نزلت في قوم من عرينة سرقوا، وقتلوا، وكفروا بعد إيمانهم، وحاربوا الله ورسوله.
فعن ابن عمر أن ناساً أغاروا على إبل النبي (فاستاقوها، وارتدوا عن الإسلام، وقتلوا راعي رسول الله (مؤمناً، فبعث في آثارهم، فأخذوا، فقطع أيديهم وأرجلهم، وسَمَلَ أعينهم، وقال: ونزلت فيهم آية المحاربة. (2)
والعلاقة بين العقوبة والجريمة في الردة والبغي: هي المعاملة بالقسطاس المستقيم فلما كان المرتد يعد خارجاً على النظام العام، والباغي يبتغي تقويض نظام الحكم.
والنظام، واستقرار الحكم، أمران ضروريان لا غني للبشر عنهما، فهدمهما هدم للحياة، والخيانة وعدم النظام، لا تستقيم الحياة معهما.
(1) الصارم المسلول على شاتم الرسول (لابن تيميه صـ 319، 385 بتقديم وتأخير.
(2)
أخرجه أبو داود في سننه كتاب الحدود، باب ما جاء في المحاربة 4 / 131 رقم 4369، وينظر: الروايات الأخرى أرقام 4364- 4372 ففيها أيضاً التصريح بنزول آية المحاربة فيمن ارتدوا وحاربوا، وأصل قصة العرنيين في الصحيحين. ينظر:البخاري (بشرح فتح الباري) كتاب الحدود، باب المحاربين من أهل الكفر والردة 12 / 111-114 أرقام 6802 -6805، ومسلم (بشرح النووي) كتاب القسامة، باب حكم المحاربين والمرتدين 6/167 رقم 1671.
فكان جزاءاً وفاقًا أن شرع الإسلام للمرتد والباغي عقوبة القتل (1) .
وهذا القتل الذي جعله رب العزة عقوبة وحداً للمرتد والباغي، وصفه عز وجل بأنه خزي لهم في الدنيا، ولهم في الآخر عذاب عظيم، وهذا ما ختمت به آية المحاربة قال تعالى:{ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم} . (2)
2-
ويدل أيضاً على قتل المرتد قوله تعالى: {لئن لم ينته المنافقون والذين في قلوبهم مرض والمرجفون في المدينة لنغرينك بهم ثم لا يجاورونك فيها إلا قليلاً. ملعونين أينما ثقفوا أُخِذُوا وقُتِّلُوا تقتيلاً. سنة الله في الذين خلوا من قبل ولن تجد لسنة الله تبديلاً} . (3)
قال الحسن البصري: أراد المنافقون أن يظهروا ما في قلوبهم من النفاق، فأوعدهم الله في هذه الآية فكتموه وأسرُّوه. (4)
وهذا يعني أن المنافق حين يظهر كفره، ويطعن في دين الله عز وجل، يُأْخَذْ ويُقْتَلْ عقاباً له.
(1) نظرة القرآن إلي الجريمة والعقاب صـ 252.
(2)
الآية 33 المائدة. قال الحافظ في فتح الباري 12/114 رقم 6805،أشكل ختام آية المحاربة مع حديث عباده الدال على أن من أقيم عليه الحد في الدنيا كان له كفارة، فإن ظاهر الآية أن المحارب يجمع له الأمران، والصحيح: أن حديث عباده مخصوص بالمسلمين بدليل أن فيه ذكر الشرك مع ما انضم إليه من المعاصي، كما حصل الإجماع على أن الكافر إذا قُتِلَ على شركه فمات مشركاً أن ذلك القتل لا يكون كفارةً له، وقام إجماع أهل السنة على أن من أُقيم عليه الحد من أهل المعاصي كان ذلك كفارة لإثم معصيته، والذي يضبط ذلك قوله تعالى:(إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء) الآية 28 النساء. والله أعلم أهـ.
(3)
الآيات 60 - 62 الأحزاب.
(4)
الصارم المسلول صـ 348، 349، وينظر: الدر المنثور 5 /222، وروح المعاني للألوسي 22 / 90، 91.