الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ونقول لهؤلاء إن القرآن وإن تعرض لقليل من الجرائم، فإن هذه الجرائم تقع بنسبة ثمانين في المائة فالعبرة إذا ليست بتعداد الجرائم، وإنما بكثرة وقوعها وخطورتها على المجتمع.
وكل جماعة إنسانية تشترك لا محالة في أمور لا بد منها كي تعيش في حياة كريمة يسودها النظام والاستقرار، وهذه الأمور أربعة:
(1)
…
الأسرة
…
...
…
... (2)
…
الملكية
(3)
…
النظام الاجتماعي
…
...
…
(4)
…
الحكم
وهذه الأمور الأربعة تحرص الجماعات البشرية عليها، حرصاً يكاد أن يكون فطرياً، وتثور وتغضب من أجلها، وربما تضحي بنفسها عندما تقع اعتداء على واحد منها، وللحفاظ على هذه الأمور شرعت الحدود ـ فحد الزنا حماية للأسرة، وحد السرقة للنظام الاجتماعي، وحد البغي حماية للحكم.
وترجع باقي الحدود للحفاظ على هذه الأمور ـ فحد القذف حفاظ على الفرد الذي هو من صميم الأسرة والمجتمع، وحد الشرب كذلك حفاظ على الفرد، وعلى النظام الإجتماعي، وحد الردة حفاظ النظام العام الذي هو الدين.
مميزات الحدود في الإسلام:
تمتاز الحدود الشرعية في الإسلام بما يلي: ـ
1-
أنها لا قسوة فيها على ما يزعم أعداء الإسلام من المستشرقين ومن تابعهم من أدعياء العلم من أمتنا الإسلامية، بل هي رحمة للجاني وللجني عليه، لأن عقوبات الحدود الغرض منها تأديب الجاني وزجر غيره، ولا تهتم بالنظر لشخصية المجرم ـ فجريمته أخطر من أن يلتمس لصاحبها عذر أو ظروف محيطة به.
فمتي ثبتت بشروطها المحدودة، وتوافرت أركانها، فقد أغنت عن النظر لما ورائها.
وعلى أنه يجب التنبيه إلى أن الإسلام وضع في الحدود قاعدة مهمة وهي (درئها بالشبهات) ففي الحديث ((ادرؤوا الحدود بالشبهات، وادفعوا القتل عن المسلمين ما استطعتم)) (1)
(1) أخرجه مسدد في مسنده من رواية ابن مسعود رضي الله عنه، كما في المطالب العالية 2 / 115 رقم 1806، وتخريج المختص 1/ 443 كلاهما لابن حجر، وقال هذا موقوف حسن الإسناد، وقال المناوي في فيض القدير 1 / 228 وبه يرد قول
السخاوي طرقه كلها ضعيفة، نعم أطلق الذهبي على الحديث الضعف، ولعل مراده المرفوع أهـ.
وفي رواية ((ادرؤوا الحدود عن المسلمين ما استطعتم، فإن كان له مخرج فخلوا سبيله؛ فإن الإمام إن يخطئ في العفو، خير من أن يخطئ في العقوبة)) (2)(1) .
وهذا الحديث وإن لم يصح مرفوعاً، وفيه المقال المعروف، إلا أن الفقهاء اتفقوا على العمل به، إلا الظاهريين، إذ لا يسلمون بصحة ما روي عن الرسول والصحابة.
والصحيح صحة وقف الحديث عن جماعة من الصحابة رضي الله عنهم، ومنهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال:
((لأن أخطئ في الحدود بالشبهات، أحب إليَّ من أقيمها بالشبهات)) (3)(2) .
ويؤيد صحة هذه القاعدة ما قاله النبي صلى الله عليه وسلم لماعز لما جاء معترفَََاَ بالزنا، وسيأتي الحديث وتخريجه قريباً.
(1) 2) أخرجه الترمزي في سننه كتاب الحدود، باب ما جاء في درء الحدود 4 / 25 رقم 1424، والدارقطني في سننه كتاب
الحدود والديات 3 / 84 رقم 8، والحاكم 4 / 426 رقم 8163 وقال صحيح الإسناد وخالفه الذهبي وقال: قال النسائي فيه
يزيد بن زياد الدمشقي الشامي متروك، وأخرجه البيهقي في السنن الكبرى 8 / 238، والخطيب في تاريخ بغداد 5 / 331
كلهم من حديث عائشة رضي الله عنها وفي اسناده يزيد بن زياد الشامي ضعفه الترمزي، وقال البخاري فيه إنه منكر
الحديث، وقال النسائي متروك، والصواب وقفه على عائشة رضي الله عنها كما قال الشوكاني في نيل الأوطار 7 / 105
(2)
3) أخرجه بن أبي شيبه في مصنفه 5 / 11 رقم 28493، وابن حزم في كتاب الإيصال بإسناد صحيح، كما قال الحافظ في
تلخيص الحبير 4 / 162 رقم 1755، ووافقه الشوكاني في نيل الأوطار 7 / 105: وينظر: التشريع الجنائي الإسلامي
مقارناً بالقانون الوضعي 1 / 207 وقواعد الأحكام لابن عبد السلام 2 / 306.
والشبهات عديدة موضوعها كتب الفقه (4)(1) ، ومن تتبعها أدرك كأن عقوباتالحدود شرعت للتخويف أكثر مما شرعت لأن توقع ! .
((فمثلاً: عقوبة الزنا {الرجم} نجدها صعبة التنفيذ، لأن المجيء بأربعة شهداء يرون وقوعها يكاد
يستحيل، إلا إذا كان المجرمان في طريق عام، عاريين مفضوحين لا يباليان بأحد وعندما يتحول
امرؤ إلي حيوان متجرد على هذا النحو الخسيس، فلا مكان للدفاع عنه أو احترام إنسانيته)) (1)(2)
وكفي بقاعدة ((درء الحدود بالشبهات)) رداً على زعم أعداء الإسلام أن شريعة الإسلام متعطشة لتعذيب الناس.
2-
إن الحدود في الإسلام وضعت على أساس محاربة الدوافع النفسية في داخل مرتكبها بحيث تقلع
جذور الجريمة من ذهنه، لأنها وضعت على أساس متين من علم النفس (2)(3) لأن واضعها هو
القائل: {ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه} (3) .
(4)
وقوله سبحانه {: ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير} (4) . (5)
وكأن الله تعالى يقول لنا: أنا خالق هذا الإنسان، وأنا أعلم بما يصلحه ويردعه، ففرضت هذه
الحدود التي لا مجال للرأي ي فيها.
فكم كان يتهور البشر ويضعون للسرقة عقوبة القتل، وكم انحل البشر فأباحوا الزنا بالرضا، وعدوا شرب الخمر مخالفة.
وهكذا تضاربت أهوائهم، وسيطرت على عقولهم وشهواتهم قال تعالى:{ومن أضل مما اتبع هواه بغير هدي من الله إن الله لا يهدي القوم الظالمين} (5) ، (6)
(1) 4) ينظر: تلخيص الحبير 4 / 172، 173، وفقه السنة للسيد سابق 2 / 506، والتشريع الجنائي 1 / 208 وما بعدها.
(2)
1) مائة سؤال عن الإسلام للشيخ محمد الغزالي 2 / 47.
(3)
2) ينظر التشريع الجنائي الإسلامي 1 / 635، ونظرة القرآن إلى الجريمة للدكتور محمد القيعي صـ 243.
(4)
3) الآية 16 ق.
(5)
4) الآية 14 الملك.
(6)
5) جزء من الآية 50 القصص، وينظر: نظرة القرآن ن إلي الجريمة صـ 244.