الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بيان العلماء
سعد بن عتيق، محمد بن إبراهيم، عمر بن سليم، محمد بن عبد اللطيف، عبد الله العنقري رحمهم الله
-
قد علم بالضرورة من دين الإسلام أنه لا دين إلا بجماعة، ولا جماعة إلا بإمامة، ولا إمامة إلا بسمع وطاعة، وأن الخروج عن طاعة ولي الأمر والافتيات عليه من أعظم أسباب الفساد في البلاد والعباد، والعدول عن سبيل الهدى والرشاد، قال الله تعالى:{إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل إن الله نعما يعظكم به إن الله كان سميعا بصيرا يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا} [النساء: 58 - 59].
قال شيخ الإسلام رحمه الله في "السياسة الشرعية":
قال العلماء: نزلت الآية الأولى في ولاة الأمور، عليهم أن يؤدوا الأمانات إلى أهلها، وإذا حكموا بين الناس أن يحكموا بالعدل، ونزلت الآية الثانية في الرعية من الجيوش وغيرهم، عليهم أن يطيعوا ولاة الأمر الفاعلين لذلك في قسمهم وحكمهم ومغازيهم وغير ذلك، إلا أن يأمروا بمعصية الله، فإذا أمروا بمعصية الله فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، وإن تنازعوا في شيء ردوه إلى كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن لم
يفعل ولاة الأمور ذلك أطيعوا فيما يأمرون به من طاعة الله، لأن ذلك من طاعة الله وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم، وأديت حقوقهم إليهم كما أمر الله ورسوله.
قال تعالى: {وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان} [المائدة: آية 2].
وإذا كانت الآية قد أوجبت أداء الأمانات إلى أهلها، والحكم بالعدل، فهذان جماع السياسة العادلة، والولاية الصالحة (1).
وفي "الصحيحين" عن عبادة بن الصامت وهو مريض قلنا: أصلحك الله حدث بحديث ينفعك الله به سمعته من النبي صلى الله عليه وسلم قال: «دعانا النبي صلى الله عليه وسلم فبايعناه، فقال: فيما أخذ علينا أن بايعنا على السمع والطاعة في منشطنا ومكرهنا وعسرنا ويسرنا وأثرة علينا وأن لا ننازع الأمر أهله إلا أن تروا كفرا بواحا عندكم من الله فيه برهان» (2).
وروى مسلم عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من خرج من الطاعة وفارق الجماعة فمات مات ميتة جاهلية، ومن قاتل تحت راية عمية يغضب لعصبة أو يدعو إلى عصبة أو ينصر عصبة فقتل فقتلة جاهلية، ومن خرج على أمتي يضرب برها وفاجرها ولا يتحاشى من مؤمنها ولا يفي
(1)"مجموع الفتاوى"(28/ 246).
(2)
رواه البخاري في كتاب الفتن، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم:"سترون بعدي أمورا تنكرونها" حديث رقم (7056)، ومسلم في كتاب الإمارة، باب وجوب طاعة الأمراء في غير معصية، حديث رقم (1709).
لذي عهد عهده فليس مني ولست منه» (1).
وعن معاذ بن جبل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «الغزو غزوان، فأما من ابتغى وجه الله وأطاع الإمام وأنفق الكريمة وياسر الشريك واجتنب الفساد كان نومه ونبهه أجرا كله، وأما من غزا رياء وسمعة وعصى الإمام وأفسد في الأرض فإنه لا يرجع بالكفاف» رواه أبو داود والنسائي (2).
وعن ابن عمر مرفوعا: "على المرء المسلم السمع والطاعة فيما أحب وكره إلا أن يؤمر بمعصية فإن أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة" أخرجاه (3).
ولمسلم عن حذيفة مرفوعا: "يكون بعدي أئمة لا يهتدون بهداي ولا يستنون بسنتي وسيقوم فيهم رجال قلوبهم قلوب الشياطين في جثمان إنس، قال قلت: كيف أصنع يا رسول الله إن أدركت ذلك؟ قال: تسمع وتطيع للأمير، وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك، فاسمع وأطع"(4)
(1) رواه مسلم في كتاب الإمارة، باب وجوب ملازمة جماعة المسلمين عند ظهور الفتن، حديث رقم (1848).
(2)
رواه النسائي في كتاب الجهاد، باب فضل الصدقة في سبيل الله، حديث رقم (3188)، وأبو داود في كتاب الجهاد، باب فيمن يغزو ويلتمس الدنيا، حديث رقم (2515).
(3)
رواه البخاري في كتاب الأحكام، باب السمع والطاعة للإمام، حديث رقم (7144)، ومسلم في كتاب الإمارة، باب وجوب طاعة الأمراء في غير معصية، حديث رقم (1839).
(4)
رواه مسلم في كتاب الإمارة، باب وجوب ملازمة جماعة المسلمين عند ظهور الفتن، حديث رقم (1847).
وفي حديث الحارث الأشعري الذي رواه الإمام أحمد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «وأنا آمركم بخمس، الله أمرني بهن: بالجماعة والسمع والطاعة والهجرة والجهاد في سبيل الله، فإنه من خرج من الجماعة قيد شبر فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه» (1).
قال الشيخ عبد اللطيف بن الشيخ عبد الرحمن رحمهما الله تعالى: "وهذه الخمس المذكورة في الحديث ألحقها بعضهم بالأركان الإسلامية، التي لا يستقيم بناؤه ولا يستقر إلا بها، خلافا لما كانت عليه الجاهلية من ترك الجماعة والسمع والطاعة" انتهى.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في "السياسة الشرعية": "يجب أن يعرف أن ولاية أمور الناس من أعظم واجبات الدين، بل لا قيام للدين والدنيا إلا بها، فإن بني آدم لا تتم مصلحتهم إلا بالاجتماع؛ لحاجة بعضهم إلى بعض، ولا بد لهم عند الاجتماع من رأس".
إلى أن قال: فإن الله تعالى أوجب الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، ولا يتم ذلك إلا بقوة وإمارة، وكذلك سائر ما أوجب الله تعالى من الجهاد والعمل وإقامة الحج والجمع والأعياد ونصر المظلوم وإقامة الحدود؛ لا يتم إلا بالقوة والإمارة.
ولهذا روي: "أن السلطان ظل الله في الأرض"(2). ويقال: "ستون
(1) رواه الإمام أحمد في "المسند" حديث رقم (17344)، والترمذي في كتاب الأمثال، باب ما جاء في مثل الصلاة والصيام والصدقة، حديث رقم (2863).
(2)
رواه البيهقي في "السنن الكبرى"(8/ 162) والشهاب في "المسند"(303) والبيهقي في "شعب الإيمان"(7375) والحكيم الترمذي (2/ 125).
سنة من إمام جائر؛ أصلح من ليلة واحدة بلا سلطان" (1) والتجربة تبين ذلك.
ولهذا كان السلف؛ كالفضيل بن عياض، وأحمد بن حنبل، وغيرهم يقولون:"لو كان لنا دعوة مستجابة لدعونا بها للسلطان" إلى أن قال: فالواجب اتخاذ الإمارة دينا وقربة يتقرب بها إلى الله، فإن التقرب إليه فيها بطاعته وطاعة رسوله من أفضل القربات. وإنما يفسد فيها حال أكثر الناس لابتغاء الرياسة والمال" (2) انتهى.
وقال ابن رجب رحمه الله في "شرح الأربعين":
"وأما السمع والطاعة لولاة أمور المسلمين ففيها سعادة الدنيا، وبها تنتظم مصالح العباد في معاشهم، وبها يستعينون على إظهار دينهم وطاعة ربهم؛ كما قال علي أبي طالب رضي الله عنه: "إن الناس لا يصلحهم إلا إمام بر أو فاجر، إن كان فاجرا عبد المؤمن فيه ربه، وحمل الفاجر فيها إلى أجله".
وقال الحسن في الأمراء: "وهم يلون من أمورنا خمسا: الجمعة، والجماعة، والعيد، والثغور، والحدود، والله لا يستقيم الدين إلا بهم؛ وإن جاروا وظلموا، والله لما يصلح الله بهم أكثر مما يفسدون، مع أن طاعتهم
(1) رواه الترمذي في "السنن"(1707) وابن أبي شيبة في "المصنف"(33717) وعبد الرزاق في "المصنف"(3788) وأحمد في "المسند"(1/ 131، 409)(5/ 66).
(2)
"مجموع الفتاوى"(28/ 390).
والله لغيظ، وإن فرقتهم لكفر" (1)
وقال ابن مفلح في "الآداب": قال حنبل: اجتمع فقهاء بغداد في ولاية الواثق إلى أبي عبد الله -يعني الإمام أحمد بن حنبل- رحمه الله تعالى وقالوا له: إن الأمر قد تفاقم وفشا -يعنون إظهار القول بخلق القرآن وغير ذلك- ولا نرضى بإمارته ولا سلطانه فناصرهم في ذلك، وقال: "عليكم بالإنكار في قلوبكم، ولا تخلعوا يدا من طاعة، لا تشقوا عصا المسلمين، ولا تسفكوا دماكم ودماء المسلمين معكم، وانظروا في عاقبة أمركم، واصبروا حتى يستريح بر، ويستراح من فاجر.
وقال: ليس هذا -يعني نزع أيديهم من طاعته- صوابا، هذا خلاف الآثار" (2)
إذا فهم ما تقدم من النصوص القرآنية والأحاديث النبوية وكلام العلماء المحققين في وجوب السمع والطاعة لولي الأمر، وتحريم منازعته والخروج عليه، وأن المصالح الدينية والدنيوية لا انتظام لها إلا بالإمامة والجماعة؛ تبين أن الخروج عن طاعة ولي الأمر، والافتيات عليه بغزو أو غيره معصية، ومشاقة لله ورسوله، ومخالفة لما عليه أهل السنة والجماعة.
وأما ما قد يقع من ولاة الأمور من المعاصي والمخالفات التي لا توجب الكفر والخروج من الإسلام؛ فالواجب فيها مناصحتهم على الوجه الشرعي برفق، واتباع ما كان عليه السلف الصالح من عدم التشنيع عليهم في
(1)"جامع العلوم والحكم"(2/ 117) انتهى.
(2)
"الآداب الشرعية"(1/ 137).
المجالس ومجامع الناس، واعتقاد أن ذلك من إنكار المنكر الواجب إنكاره على العباد، وهذا غلط فاحش، وجهل ظاهر، لا يعلم صاحبه ما يترتب عليه من المفاسد العظام في الدين والدنيا، كما يعرف ذلك من نور الله قلبه، وعرف طريقة السلف الصالح، وأئمة الدين" (1).
(1)"نصيحة مهمة في ثلاث قضايا"(23 - 30).